هفتخوان رستم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

آهنگ مازندران كردن شاه كاووس: قصد كيكاوس مازندران[عدل]

قال صاحب الكتاب: و جلس الملك المعظم كيكاووس يوما على سريره و حوله الإيرانية فأتاه الحاجب و قال له: إن على الباب رجلا يقول إنه مغنّ حاذق من أهل مازندران. و هو يلتمس الحضور بين يدى الملك. فأمر بإدخاله عليه.

فدخل و أجلس فى صف المغنين و أمر بالغناء. فأخرج عودا و سوّاه ، و جسّ أوتاره، و أخذ يغنى على طريقة أهل مازندران، و يصف فى غنائه طيب هواء بلاده، و رياضها المونقة، و أنه لا يكون بها شتاء و لا صيف، بل هى أبدا فى مثل هواء الربيع و اعتداله، و لا تزال صحاريها متبرجة بين الحلى و الحلل من الرياحين و الأزهار و الشقائق و النوار، و أنها كجنان الخلد فيها الخرائد الآنسات كأنهن الشموس الطالعات.

فلما قرع ذلك سمع الملك ارتاح الى تلك البلاد، و اشتاقت نفسه اليها، و تشوّف الى تملكها و الاستيلاء عليها. فأقبل على أصحابه و قال: إنا قد اشتغلنا باللهو و اللعب، و ألقينا قيادنا الى يد القصف و الطرب، و قبيح بالفارس البطل الإكباب على البطالة و الكسل. و أنا الآن أطول الملوك باعا، و أرحبهم ذراعا، و أعظمهم مهابة و جلالة، و أكملهم قوّة و بسالة. فالواجب أن أكون أوسعهم ممكلة و أبسطهم ولاية.

فاصفرت وجوه أصحابه حين سمعوا مقالته، و ارتعدت فرائصهم. من حيث إن من مضى من الملوك كانوا لا يتيامنون بمحاربة أهل مازندران، و يتشاءمون من ذلك. و لم يتجاسروا على مواجهة الملك بذلك. لكن قالوا: الأمر أمر السلطان، و نحن كلنا لمراسمه ممتثلون، و لأوامره مطيعون. قاموا من عنده و اجتمعوا و تذكروا ما علق بقلبه من قصد تلك البلاد، و ذكروا أن جمشيذ مع جلالة قدره، و فخامة شأنه حين أطاعته الجن و الإنس و الوحش و الطير لم يخطر بقلبه ذكر تلك البلاد، و لم يتعرّض لها بمكروه مدّة عمره. و كذلك أفريدون أضرب عنها و لم يتعرّض لها أصلا. ثم أطرقوا و الجمعين، و سكتوا متفكرين.

فقال لهم طوس: الرأى أن نرسل إلى زال بن سام، و نعلمه بذلك، و نجشمه النهوض الى هاهنا. فلعله يقدم فيثنى الملك عن هذا الرأى. فطيروا راكبا بذلك اليه و استقدموه الى دار الملك و استعجلوه. فلما وصل الرسول اليه و قرأ الكتاب، و وقف على الحال استعضل الأمر و استعظمه، و ركب فى الحال مبادرا الى بلاد فارس.

و لما وصل الخبر الى أمراء إيران بطلوع رايات دستان بن سام ركبوا للاستقبال، و تلقوه بالإعظام و الإجلال، و ترجلوا له اعترافا بقدره و إعظاما لشأنه. ثم ركبوا و أقبلوا الى حضرة الملك، و جعلوا يشكونه اليه فى الطريق، و يعيبون عليه ما عزم عليه من قصد مازندران، و محاربة جنها و سعاليها، و يذكرون أنهم لا يستجيزون ترك النصيحة و يخافون أن تزل به القدم، فيقع فى بلية لا ينفع بعدها الندم.


پند دادن زال كيكاووس را: نصح زال لكيكاوس[عدل]

ثم لما قربوا من باب الملك تقدّم زال فدخل فتبعه سائر الملوك و الأمراء. فحين شاهد الملك متربعا على سريره الباهر، و مطرقا كالهزبر الصاخب تكلم مفتتحا بالدعاء و الثناء عليه. ثم قال أيها الملك: إنا رأينا قبلك الملوك، و بلغتنا أخبار الملوك فلم يبلغنا أن أحدا منهم تعرّض لبلاد مازندران. لكونها مأوى الشياطين، و مواطن السحرة، و لا سبيل الى فتحها بالسيف و السنان، و لا بكنوز الفضة و العقيان. و لعل الأصوب أن يرجع الملك عن هذا العزم و يضرب عنه صفحا، و يطوى يدونه كشحا.

فقال له الملك: إنه لا غناء بنا من رأيك الصائب و فكرك الثاقب. و لكن لا يخفى أنا أكثر رجالا، و أوفر ما لا ممن ذكرت من الملوك الذين لم يتجاسروا على قصد مازندران.

و ليس لنا بدا من قصدها و التغلب عليها. و كأنك و قد بلغك تملكنا أقطارها، و توغلنا ديارها. فكن أنت و ولدك رستم حارسى ممالكنا متيقظين فى حراستها و حياطتها. و اذا نصرنا و ومكنا من عدوّنا . فإذ لم نكلفك التجشم لمعاضدتنا و معاونتنا فلا تشيرن علينا بالتثبط من أمرنا. قال: فلما سمع زال مقالة الملك هذه علم أنه تائه فى غوايته و مترد فى مهاوى عمايته. فقال له: أنت الملك و نحن العبيد الناصحون لك. و لا بد لنا من امتثال أوامرك و اتباع مراسمك.

سواء كنت على حق أو على باطل. غير أنا أشرنا عليك بما علمنا، و أظهرنا عندك من النصيحة ما أضمرنا. و الآن فلا زلت بك القدم، و لا اعتراك فيما همت به الندم. ثم ودعه و خرج. و لحقه الملوك و الأمراء مثل بهرام و طوس و جوذَرز و جِيْو . و اعتذروا اليه مما ناله لأجلهم من و وعثاء سفره. فودعوه و أخذ زال على طريق سِجِستان راجعا الى بلاد زابُلستان .


ذكر مسير كيكاوس الى بلاد مازندران[عدل]

رفتن كيكاووس به مازندران: ذهاب كيكاوس الى مازندران[عدل]

قال: فأمر الملك كيكاوس جوذَرز و طوسا بأن يجرّا العساكر الى مازندران. ثم سار اليها بعد أن استخلف ميلاذ فى أرض إيران و سلم اليه الخاتم و التخت. و قال له: إن نبغ لك عدوّ فاخترط سيف الانتقام، و كن معتضدا برستم و أبيه. ثم توجه فى جموعه يطوى المهامه و القفار حتى وصل الى موضع يأوى إليه الشياطين. فنزل فيه و أمر جيو بن جوذرز، و كان أحد الفرسان، بأن يركب فى نخب الأجناد، و من يستصلح لفتح البلاد. و عهد اليه بقتل كل من يراه من أهل تلك الديار، و ألا يبقى على أحد منهم. فشد عليه منطقته و سار حتى نزل على باب مدينة مازندران و جعل يقتل كل من يرى منهم من صغير و كبير، و يشن عليهم الغارات و يحرق الديار و ينهب الأموال.

فرأى المدينة كأنها جنة الفردوس رونقا و نضارة و بهجة و طلاوة فيها من الوصائف الحسان، و ملاح الغلمان، و الذخائر و الأموال ما لا يضبطه ضابط و لا يحصره حاصر.

و لما وقف الملك كيكاوس على ذلك استطاب المكان، و قال: لقد صدق من قال: إن بلاد مازندران تضاهى الجنان. فأمسكوا عن الغارة بعد أسبوع. و انتهى الخبر الى ملكهم بدخول عساكر إيران الى ممالكه و إفسادهم فيها.

فأطرق واجما و حار فى أمره. و كان عنده جنى موصوف بالدهاء و الذكاء، و يسمى سنجه. فأمره بأن يطير مبادرا الى الملك الجن الذى كان يسمى سبيذ ديو(الجني‌ الأبيض) و يعلمه بصنيع كيكاوس ذلك، و بأن يقول له: إنك إن توانيت عن إغاثتنا لم يبق من هذه الممالك عين و لا أثر. فوصل سنجه الى ملك الجن و شرح لديه الحال و أدى الرسالة.

فقال قل الملك مازندران: لا بأس عليك. فها أنا مقبل كالليل البهيم اليهم، و مورد هجمة المنون عليهم.

فلما دخل الليل قصدهم سبيذ ديو فى جنوده، و أطبق عليهم إطباق السحاب المطبق، و ملأ بالظلمات جميع تلك الأقطار حتى صارت الأرض عليهم كأنها بحر من القار فأصبح الإيرانيون و كأنهم لم يصبحوا لاستمرار ذلك الظلام الدجوجىّ عليهم. فصار بعضهم لا يرى البعض. و أظلمت عين الملك كيكاوس فكان لا يبصر شيئا. و كذلك أكثر عسكره. ثم بسطت الجن فيهم يد الأسر و النهب حتى استولوا على جميع خزائنهم.

و تركهم سبيذ ديو فى ظلماتهم، و وكل بهم اثنى عشر ألفا من الشياطين، و سلم تلك الخزائن و الأموال و الخيل و البغال الى أرزَنك صابح الجيش، و أمره أن يجملها الى ملك مازندران.

و قال: أعلمه أنا قد استأسرناهم، و تركناهم محبوسين حيث لا يرون قمرا و لا شمسا، و كأنما صارت الأرض عليهم رمسا.

و لم نقتل منهم أحدا ليعرفوا مقدارهم، و ليعتبر بهم من وراءهم فلا يتجاوزوا ديارهم. ففصل أرزنك الى حضرة الملك بالأسارى و الغنائم و الأموال و الذخائر.


پيام كيكاووس به زال و رستم: رسالة كيكاوس إلى زال و رستم[عدل]

قال: فنفذ كيكاوس نذيرا الى زابلستان ليعلم دستان بما جرى عليه، و يخبره أنه اذا ذكر و موعظته و نصيحته تصاعدت زفراته، و تبادرت عبراته، و أنه راج أن يغيثه، و يشد لخلاصه وسطه.

قال: فلما أتى الرسول دستان و أخبره بذلك كاد أن يتمزق غيظا و ينفطر أسفا، فأقبل على ولده رستم و قال: لقد انقطع الوصال بين السيوف و أغمادها، و لم يبق ركون الى نوم و لا قرار حيث وقع الملك كيكاوس بين أشداق الثعابين، و عمّ الإيرانية ما عم من مكائد أولئك الشياطين.فأسرج رخشك، و جرد سيفك، و أغث الصريح. فأنت الفارس الذى إن حارب و ذاك الجنى و لا ملك مازندران. فانهض اليهم و دق رقابهم بالجزر الثقيل، و السيف الصقيل.

البحار صارت دماء، و إن كافح الجبال عادت فضاء. و ليس ينبغي أن يطمع معك في الحيوة أرزنك و ذاك الجني و لا ملك مازندران. فانهض إليهم و دق رقابهم بالجرز الثقيل، و السيف الصقيل.

و قدّامك طريقان: أحدهما أبعد شقة و أطول مسافة و هو الذى سلكه كيكاوس. و الآخر أكبر معرة و أوعر حرة و هو مسيرة أربعة عشر يوما. و هو مشحون بالشياطين و السباع و السراحين.

فاسلك هذا الطريق فان اللّه معك. و سيقطعه رخشك و يطويه لك، و سأقوم بعدك آناء الليل ساجدا للّه تعالى و متبتلا أسأله أن يقرّ عينى بعودك و لقائك، و يمنّ علىّ بطول بقائك.

فقال رستم سأشد وسطى للانتقام و أجعل نفسى فداء الملك الهمام، و أكسر طلسمات أولئك السحرة، و لا أبقى من أهل تلك الديار إنسيا و لا جنيا.

ثم إنه لبس السلاح و ركب كأنه فيل على فرس. و فشيعه أبوه دستان الى وادى روذابه ثم ودعه مترددا فى أمره بين اليأس و الطمع.


ذكر مسير رستم و الخطوب السبعة التي لقيها[عدل]

نخست جنگ رخش و شير: الأول عراك رخش و الأسد[عدل]

قال: ففصل رستم عن حدود نيم روز يسير فى كل يوم مسيرة يومين، يحسب الليل نهارا، و لا يعرف نوما و لا قرارا. قال: فاشتهت نفسه الطعام يوما فعرضت بين يديه صحراء مملوءة بأسراب اليعافير. فركض رخشه خلف عير منها و رمي بالوهق فى حلقه فبطحه، و أخرج نشابة،و قدح بنصلها نارا، و شوى العير. ثم أتى على حلمه أجمع. و خلع لجام فرسه و أرسله يرعى فى أجمة كانت بين يديه. ثم نام تحت قصب هناك. فلما مضت طائفة من الليل خرج سبع فرأى رستم متمدّدا كأنه ركن جبل، و رأى رخشه كأنه ثعبان. فأقبل نحو الفرس ليفترسه فوثب الفرس و ضرب بيديه على أم رأسه ففلق هامته، و مزق جلده، و تركه طريحا كخباء مقوّض . فلما انتبه رستم رأى ذلك فعلم أنه من صنيع رخشه. فأقبل عليه و مسح بيده غرّته ، و قال: لو انتبهت لكفيتك هذه المقاتلة. ثم لما طلعت الشمس قام و غمز ظهره و أسرجه و ذكر ايزد و ركبه.


دوم يافتن رستم چشمه آب را: الثاني مصادفة رستم ينبوعا[عدل]

و كان يسير فعرض دونه طريق قائم الأرجاء فسلكه. فلما قام قائم الظهيرة، و اشتدّ الحرّ عطش هو و فرسه فغلبه الأمر حتى ترجل و جعل يمشى كأنه سكران. ثم رفع رأسه الى السماء و بسط يده بالدعاء، و زاد به الأمر حتى وقع على رمضاء ذلك الفضاء يلهث من العطش. فبينا هو على ذلك إذ سنحت له غزالة فقام و أخذ السيف و تبع أثرها.

فما سار إلا قليلا حتى وقع على عين خرارة. فكرع فيها و شرب و عادت نفسه اليه. فخرّ فى ذلك المكان ساجدا للّه تعالى ثم أقبل على الغزالة يدعو لها و يقول:لا زلت يا غزالة الريف تفيئين الى الظل الوريف، و تكرعين فى الزلال المعين، و تتقلبين بين الورد و الياسمين. و أيما قوس راعك إنباضه فلا زالت متقطعة أوتاره. فانك سددت رمقى، و شفيت غلتى. قال: ثم نحن السرج عن رخشه و رحض حواركه و أكتافه. ثم توجه يطلب الصيد فاصطاد حمار وحش، و أوقد نارا و ألقاه عليها حتى نضج، فتناول لحمه. ثم رجع الى العين و شرب من مائها.


سوم جنگ رستم با اژدها: الثالث مصارعة رستم للتنين[عدل]

و جنه الليل فتمدّد و نام، و الفرس يسرح فى مرعاه. فلما توسط الليل جاء ثعبان هائل كان يأوى الى ذلك الموضع.

لما رآه الفرس عاد نحو رستم أخذ يضرب بحوافره الأرض حتى انتبه. فقام و نظر يمينا و شمالا فلم ير شيئا. فزجرا الفرس و طرده و عاد الى نومه.

فلم ينشب أن عاد الفرس يضرب الأرض حتى إنها تشقق تحت سنابكه. فانتبه و قام و جعل ينظر أمامه و وراءه فلا يرى شيئا. فطرد الفرس بجفوة و عنف و نام.

فما استغرق فى النوم حتى أتاه راكضا جريا. فقام فرأى ثعبانا يتنفس فيحرق جميع ما حوله من الحشيش. و أخذ السيف و أقبل نحوه فتعلق أحدهما بالآخر و طال بينهما القتال.

و كاد الثعبان يغلب رستم. فلما رأى رخشه ذلك حمل على الثعبان فعضه عضة انتزع بها كتفه، و شق جلده. فانقلب الثعبان، و استعلى عليه رستم فألقمه السيف.

فخر صريعا و جعل دمه يجرى جريان السيل. فلما رأى ذلك دعا ايزد و شكره. و جاء الى العين فاغتسل منها، و أسرج الرخش و ركبه.


چهارم كشتن رستم زن جادو را: الرابع قتل رستم امرأة ساحرة[عدل]

و ركب متن الطريق سائرا نحو مقصده. فلما زالت الشمس وصل الى أرض شجراء معشبة تتدفق مياهها على الرضراض، و تتسبسب أنهارها بين الرياض. فوجد عندها جاما من الرحيق محمرا كذوب العقيق، و عزالا مشويا، و أرغفة و ملحا.

و كان المكان للسحرة، فطلع رستم و قد جلسوا على طعامهم. فلما رأوه تركوه و فرّوا . فقعد و أكل من طعامهم حتى شبع.

و رأى هنالك عودا فأخذه و جعل يضرب به و يغنى نصيبى من الأطراب قلّ و إنما نداماى ما بين الحروب الضراغم رحيقى دماء الكاشحين أريقها و أقداحها وقت الصبوح الجماجم.

فسمعت امرأة ساحرة غناءه. فتزينت له و تبرجت و جلست اليه سافرةً تسايله عن حاله، و تستخبره عن حله و ترحاله.

ثم إن رستم ذكر ايزد فتغير وجه الساحرة و اسودّ . فلحظ ذلك منها رستم فرمى بالحبل فى حلقها، و أوثقها فباتت فى القيد عجوزا شوهاء. فاخترط السيف و قدّها بنصفين.


پنجم گرفتار شدن اولاد به دست رستم: الخامس وقوع أولاد في أسر رستم[عدل]

و ركب و سار فى طريقه حتى وصل الى طريق مظلم قد تراكم ظلماؤه، و تدانت أرضه و سماؤه. حتى ليس يرى فيه شمس و لا قمر، و لا نجم و لا شجر. فأرخى عنان فرسه، و خاض لجة تلك الظلمة، و سار يخبط خبط عشواء حتى خرج الى الضوء. فرأى أرضا مخصبة مخضرة الأرجاء و الأكناف.

فخلع الجام فرسه و أرسله يرعى فى قصيل هناك. فألقى مغفره، و خلع خفتانه لابتلاله بالعرق، و بسطه فى الشمس، و اتكأ يستريح. فجاء ناطور تلك الصحراء، و صاح على رستم، و ضرب بعصا كانت معه على رجله. و أمره أن يمسك فرسه عن الزرع. فقام و أخذ بأذنيه و اقتلعهما من أصولهما. و كان ملك تلك الناحية يسمى أولاذ.

و كان قد خرج الى الصيد فى ذلك اليوم. فحمل الناطور أذنيه يعدو هاربا الى أولاذ، و قص عليه القصة. فثنى عنانه و أقبل فيمن معه من أصحابه نحو رستم.

فلما رآه رستم من بعيد ألجم رخشه، و علاه، و انتضى صمصامه، و أنحى نحوه. فلما تقاربا ناداه أولاذ و قال: من أنت؟ و من أين أقبلت؟ و كيف تجاسرت أن تطأ هذه العرصة؟ فقال له رستم: أنا الذى لو نقش اسمى على الأرض لأنبتت سيوفا و أسنة. و إن مر ذكرى بسمعك انقطع نفسك، و جمد فى قلبك دمك.

و إن كل أم تلك مثلك فلست أسميها إلا نائحة ثكلى. أ تعترض بين يدىّ فى أصحابك، و توعدنى ببأسك، و تدل بقوّة مراسك؟ ثم حمل عليهم و وقع فيهم كما يقع الأسد الهائج بين قطيع الغنم.

فتساقطت رءوس أصحاب أولاذ تساقط ورق الشجر أيام الخريف إلا من تفرّق منهم بين الأودية و الشعاب. و هرب أولاذ فركض رستم خلفه حتى إذا دنا منه رمى بالوهق فى حلقه، و قبض عليه، و شدّ وثاقه، و طرحه مقيدا بين يديه. فقال له إن صدقت فيما أسايلك عنه، و دلتنى على مستقر سبيذ ديو يعنى ملك الجن، و على مواطن كولاذ، و بيذ و تقدّمت بين يدىّ ، و أوصلتنى الى الموضع الذى حبس فيه كيكاوس و ليتك بلاد مازنذران، و سلمت اليك ممالكها أجمع.

فقال: إن أعطيتنى الأمان على روحى، و عاهدتنى على ذلك أطلعتك طلع هذه الأحوال، و أفضيت إليك بعجرها و بجرها، و دللتك على المواضع التى سايلتنى عنها. ففعل ذلك رستم. فقال له: إن بينك و بين الموضع الذى حبس فيه كيكاوس مائة فرسخ.

و من عنده الى مستقر ملك الجن مائة فرسخ أخرى. و فيه جبال شامخة و أودية غائرة. فقال: دلنى أوّلا على موضع كيكاوس. فتقدّمه و سار لا يستريح ليلا و لا نهارا حتى وصل الى جبل أسفروز حيث كان معسكر كيكاوس، و حيث أحيط به و قبض عليه.

فلما انتصف الليل سمع صياحا عظيما و لغطا كثيرا، و رأى نيرانا موقدة، و شموعا مشتعلة. فساءله عن ذلك الموضع. فقال: إن هذا باب مدينة مازندران. و عليها قوّاد ملك الجن فى عساكرهم، مثل كولاذ، و أرزَنك ، و بيذ. و هم لا ينامون ثلثى الليل.


ششم نبرد رستم و ارژنگ ديو: السادس حرب رستم و أرزنك الجني[عدل]

قال: فنام رستم. فلما طلعت الشمس شدّ وثاق أولاذ، و ربطه بشجرة من تلك الأشجار، و لبس سلاحه و قصد أرزَنك.

فلما قرب من عسكره صاح صيحة ارتجت لها الأرض. فوثب أرزنك الجنىّ و خرج من خيمته. فحمل عليه رستم، و أنشب براثنه فى عنقه، و اقتلع رأسه، و حلق به فوقع مضرجا بدمه بين أصحابه.

فلما رأت الجن ذلك خافوا و تفرّقوا بعد أن وضع رستم فيهم السيف و قتل منهم خلقا كثيرا. ثم لما زالت الشمس ثنى عنانه و عاد الى سفح جبل أسفروز.

فحل أولاذ و سايله عن الموضع الذى حبس فيه كيكاوس. فتقدّمه راجلا يدله على الطريق حتى دخل المدينة. فصهل رخشه كصوت الرعد فسمع كيكاوس صوته، و عرف بذلك قدوم رستم. فبشر بذلك أصحابه. فدخل رستم فى الحال عليه، و خر ساجدا بين يديه.

فعانقه كيكاوس و أكرمه، و سايله عن أبيه دستان، ثم عما قاساه من التعب و المشقة فى طريقه ذلك. ثم قال له: اهتبل غرة شديد سبيذ ديو و اهجم عليه قبل أن ينتهى اليه الخبر بقتل أرزنك فيحشد جنوده، و يجمع جيوشه فلا تطيق مقاومته.

و إن قدامك فى الطريق اليه سبع جبال شواهق، و على كل مرصد خلق من عساكره و جنوده. فإذا جاوزت الكل انتهيت الى مغارة عميقة هائلة مظلمة قد حفت مراصدها بالشياطين. و قعر هذه المغارة مستقر سرير سبيذ ديو. و لعل السعادة تظفرك به فتقتله و تشق خاصرته و تخرج كبده. فان الطبيب ذكر لى أنى إذا اكتحلت بدم كبده ردّ ايزد بصرى.


السابع قتل رستم للجني الأبيض[عدل]

فتأهب رستم بذلك و ركب و معه أولاذ يتقدّمه و يدله على الطريق. فتجاوز الجبال السبعة، و وصل الى قرب المغارة.

فأقبل على أولاذ و قال: لقد صدقتنى فى جميع ما استخبرتك عنه. فالآن دلنى على هذا الجنى. فقال: إن الجن إذا حميت الشمس ناموا فلا يبقى على باب المغارة إلا قليل من الحراس فتهجم عليه فى ذلك الوقت و تأخذه.

قال: فلبث قليلا حتى ارتفعت الشمس. و لما كان وقت الضحى شدّ وثاق أولاذ و ربطه ببعض الأشجار، و ركب و تقحم غمرات أرصاد الشياطين يضرب رقابهم يمينا و شمالا حتى وصل الى باب المغارة فوجدها محشوة بالظلمات. فاقتحمها برخشه فحجبت الظلمة نظره. فمسح بالماء عينه، و هبط فى المغارة يطلب مستقر سريره حتى وصل اليه. فرأى وجها كالليل البهيم يتلهب كالجحيم، و شعرا أبيض قد تشعث على رأسه. فلما رأى رستم وثب اليه فرفع رستم سيفه و ضربه ضربة طير بها رجله. فتعلق مع جرمه برستم يتقارعان و يتقاتلان.

فغلبه رستم و رماه الى الأرض قتيلا، و سل خنجرا من وسطه و شق عن خاصرته، و استخرج كبده. قال: فامتلأت تلك المغارة بدمه، و انسد الطريق لعظم قالبه و جثته.

و خرج رستم مظفرا منصورا و جاء إلى أولاذ، و حل رباطه و دفع اليه كبد الجنى. و قدّمه بين يديه و هو يسير وارءه.

فقال له أولاذ: أيها الأسد و المقدام إنك قد سخرت عالما من العوالم بسيفك، و أدركت ما شئت ببأسك. و قد وعدتنى بشيء يتقاضاه رجائى. و لا يليق بمثلك نقض العهد و إخلاف الوعد.

فانك المتوفر على رعاية الذمم و المنتمى الى شجرة الوفاء و الكرم. فقال: سأسلم اليك جميع ممالك مازندران. و لكن بقى أن أملك ناصية ملكها و أفنى أصحابه و أبدّد جمعه. ثم لا أحيد عما عاهدتك عليه إلا أن أموت فيواريني التراب.

قال: فلما عاد رستم الى حضرة الملك كيكاوس. قال: أبشر أيها الملك بهلاك عدوّك . فانى قد قتلته و استخرجت من خاصرته كبده.

فشكره الملك و أثنى عليه و على من نَجله . ثم اكتحل الملك بقطرات من دم الكبد فعاد بصره. و جىء بتخت من العاج و تاج من الذهب، فاعتصب و جلس على التخت.

و لبث مع رستم و سائر الملوك و الأمراء مثل طوس و قريبُرز و جوذَرز و جيْو و بهرام و جُرجين أسبوعا يتراضعون السرور و الطرب. ثم ركبوا فى اليوم الثامن أجمعين، و استلوا أسيافهم، و انتشروا فى مدينة مازندران، و وقعوا فيها وقوع النار فى القصباء يحرقون الديار، و يقتلون الرجال، و ينهبون الأموال.

ثم قال كيكاوس لعسكره: لقد مكنا منهم يد الانتقام و جزيناهم بسوء صنيعهم صاعا بصاع. و الآن نكف عنهم يد القتل، و نردّ عنهم عادية النهب، و نرسل الى ملكهم و نوقظه من سنة غفلته، و نخوّفه وخامة عاقبة غرته. فوافقه رستم على ذلك.