هريقا دما إن أنفذت عبرة تجري
المظهر
هريقاً دماً إنْ أنفذتْ عبرة تجري
هريقاً دماً إنْ أنفذتْ عبرة تجري
أبى الصبر إنّ الرزء حل عن الصبرِ
ولا تجمدا عينيّ قد حسن البكا
وفرط الأسى فقدُ المغيب في القمرِ
لغيركما بالبث أن لست واقفا
من الصبرِ يوماً بعد عمرو على عذرِ
سلام وسقيا من يد الله ثرةٌ
على جسدِ بالٍ بلماعة قفرِ
جرتْ فوقهُ الأرواحُ أمناً لجريهِ
وقد كُنَّ حَسْرَى حينَ يَجْري كمَا تَجْري
تولى الندى والباسُ والحلمُ والتقى
فلم يبقَ منها بعدَ عمرو سوى الذكرِ
فإنْ تطوهِ الأيامُ لا تطو بعدهُ
صنائعَ مِنْهُ لا تبيدُ على النّشرِ
متى تلقهُ لا تلقَ إلا ممنعاً
حماهُ، مصونَ العرضِ مبتذلَ الوفرِ
وأيُّ محلٍّ لا لكفيهِ نعمةٌ
على أهلِهِ من أرضِ بَرٍّ ولا بَحْرِ
وما اختلفتْ حالانِ إلا رأيتهُ
ركوبَ التي تسبي هيوبَ التي تزري
ومن تكنِ الأوراقُ والتبرُ ذُخْرَهُ
فما كان غيرَ الحمدِ يرغبُ في ذخرِ
كلا حالتيهِ الجودُ أنى تصرفتْ
به دُوَلُ الأيامِ في العُسْرِ واليُسْرِ
وما عُدِمَتْ يوماً لكفّيهِ أَنْعُمٌ
تُضافُ له منها عَوانُ إلى بكرِ
وما انتسبتْ إلا إليهِ صنيعةٌ
وما نطقتْ إلا به ألسنُ الفخرِ
يرى غبناً يوماً يمرُّ وليلةً
عليه ولم يكسبْ طريقاً من الشكرِ
تغضّ له الأبصار عند اجتلائه
وليس به إلا الجلالةُ من كبرِ
تَرَى جَهْرَهُ جَهْرَ التقيّ وسِرُّهُ
إذا ما اختبرتَ السِّرَّ أتقى منَ الجهْرِ
ولم يصحُ من يومٍ ولم يمسِ ليلةً
بغيرِاكتسابِ الحمدِ مشتغلَ الفكرِ
وكانتْ تعُمُّ الناسَ نَعماءُ كفّهِ
فعَمّوا عليهِ بالمُصيبةِ والأجرِ
تناعاهُ أقطارُ البلادِ تفجعاً
لِمصْرَعِهِ تَبْكيهِ قُطْراً إلى قُطْرِ
تباشرَ بطنُ الأرضِ أنساً بقربهِ
وأضحتْ عليه وهي خاشعةُ الظهرِ
ولم تَكُ تُسْقى الأرضُ إلاّ بسَيْبهِ
إذا ما جفا أقطارها سبلُ القطرِ
إذا نَشَأتْ يوماً لكفّيهِ مُزْنَةٌ
أديلَ الغنى في كل فجّ من القفرِ
هوى جبلُ اللهِ الذي كانَ معقلاً
وعزّاً لدينِ اللّهِ ذُلاًّ على الكُفْرِ
عجبتُ لأيدي الحتف كيفَ تغلغلتْ
إليكَ وبينَ النّسْرِ بَيْتُكَ والنّسْرِ
وماكُنْتَ بالمُغْضِي لدهرٍ على القذى
ولا لَيّنٍ للحادثاتِ على القَسْرِ
ولو دَفَعَ العِزُّ الحِمامَ عن امرىءٍ
لما نال عمراً للحمامِ شبا ظفرِ
ألم تَكُ أسبابُ الرَّدَى طَوعَ كفّهِ
تبينُ لصرفي ما يريشُ وما يبري
إذا صاح داعي الرَّوْعِ سارَ أمامَهُ
لواءانِ مَعْقودانِ بالفَتْحِ والنّصرِ
يُقَاسمُ آجالَ العِدَى عزمُ بأسِهِ
بهنديةٍ بيضٍ وخطيةٍ سمرِ
وماذبّ إلاّ عن حمى الدين سيفُهُ
ولا قاد خيلَ اللّه إلاّ إلى ثغرِ
وقد كان يقري الحتفَ أعداءَ سلمهِ
فأضحى قرى ما كان أعداءَهُ يقري
تولى أبو عمرو فقلنا لنا عمرو
كَفَانا طُلوعُ البدرِ غَيْبوبَةَ البدرِ
وكان أبو عمرو معاراً حياتهُ
بعمرو فلما ماتَ ماتَ أبو عمرو
وكنا عليه نحذرُ الدهرَ وحدهُ
فلم يبقَ ما يخشى عليه من الدهرِ
وهَوّنَ وَجْدِي أنّ من عاشَ بَعدَهُ
يلاقي الذي لاقى وإن مدَّ في العمرِ
وهوّنَ وَجْدِي أنّنِي لا أَرَى امرءاً
من الناس إلا هو مغضٍ على وترِ
رَمَتْنَا الليالي فيكَ ياعمرو بَعْدَمَا
حَمِدْنَا بكَ الدّنيا بقاصمةِ الظهرِ
سأجْزِيك شكري ماحَييت فإن أمتْ
أُبقِّ ثناءً فيكَ يَبْقى إلى الحَشرِ
وأُوثِرُ حُزني فيكَ دُونَ تجلّدِي
وإسبالَ دمعٍ لا بكيءٍ ولا نزرِ