هذه الشمس آذنت بالسفور
المظهر
هذه الشمس آذنت بالسفور
هذه الشمس آذنت بالسفور
بعد سبق الآيات بالتبشير
فتلقى ظهورها كل حي
بنشيد التهليل والتكبير
هي بكر الوجود لا يتملى
مجتلاها إلا شهود البكور
أرأيت الصباح يكشف عنها
كلة الليل من حيال السرير
فتهاوى ستر الدجى وتوارى
ما عليه من لؤلؤ منثور
حيث الكون حين لاحت فأحيت
كل عود لها جديد نشور
حيثما طالعت مظنة خصب
أسفر الترب عن نبات نضير
وانجلى لحظها عن الزهر الغض وعذب
الجنى وطيب العبير
وعوالي النخيل خضر الأكاليل
زواهي المرجان حول النحور
برزت في الغداة غادة وادي النيل
تخفي جمالها في الحبير
جثلة الحاجبين فاحمة الفودين
ترنو بطرف ظبي غزير
عبلة المعطفين ناهضة الثديين
يزري أديمها بالحرير
لونها ظاهر انتساب إلى الخمر
له مثل فعلها في الصدور
غض من صوتها الحياء فأحبب
بحياء فيه حياة الشعور
أقبل الحارث المبكر يرعى
حرثه والفلاح في التبكير
يلتقي من يد الصباح هدايا
ليله النائم الأمين القرير
فارق الدار منشدا لحنه الجرار
مستمهل الخطى في المسير
إن دنا الهم منه أقصاه عنه
ضحك النبت أو تناغي الطيور
وإذا ما شكا هواه أعادت
مرضع الحقل شدوه بالخرير
لقيتها الأهرام مبدية من
صلف ما تكنه في الضمير
غرها أنها قديمة عهد
بذكاء والفخر داعي الغرور
فتعالت بهامها ما استطاعت
وأطالت من ظلها المنشور
غيرها في الجبال إن تاه عجبا
غض من عجبه جوار حفير
كم هوت دونها رواس فأجلت
عن ركام في مستقر حقير
ثمل الكرنك الوقور اصطباحا
فتراءى في الماء غير وقور
ومشى النور في حناياه يغزو
ما نجا من شتائت الديجور
وتناجت أشباح آلهة ماتوا
وفانين خلدوا بالقبور
وتلاقت وجوه رب ومربوب
وتالي رقى وصالي بخور
كل ذاك التاريخ خف عن ساق
بذكراه من قديم الدهور
كشف الفجر عن جنادل سود
ضمها الغمر من بنات ثبير
تتراءى فيها ملامح بيض
حيثما صودفت مواقع نور
شف منها العباب عن فحم طاف
جلته صياقل البلور
قام أنس الوجود يؤنسها قربا
وأعزز بمثله في القصور
كل صرح علا فقصر عنه
ما عليه معرة في القصور
لم يطل فخره القديم سوى ما
أحدثت آية الزمان الأخير
أرأيت الخزان ينبو به النيل
فيطغى في الجانب المغمور
وصل الشامخين يمنى ويسرى
وثنى البحر طاغيا كالغدير
كل عين منه تصب صبيبا
كالأتي المجلجل المحدور
يرتمي ماؤها مثيرا رشاشا
من عصافات لؤلؤ مذرور
وعلى منحناه قوس سحاب
تتباهى بكل لون منير
يا عبابا يلقي بفيض نداه
في عقيق حصباؤه من سعير
حبذا الدمع من عيونك يهمي
ضاحكا بين عباسات الصخور
وعجيب هدير مجراك لكن
رب مجد ترتيله بهدير
ذاك مجد النيل العظيم فأوقع
ألف صوت وغنها بزئير
كل هذي الآيات مبعث وحي
للنظيم المجاد أو للنثير
كل هذي الآيات تؤخذ عنها
رائعات التمثيل والتصوير
كل هذي الآيات يجمع منها
نغم الحزن أو نشيد السرور
معجزات في كل آن تراها
باهرات التنويع والتغيير
إن تلك التي تراها صباحا
نبتة كالزمرد الموشور
ستراها وقد تبدت عليها
هنة شبه درة في الهجير
وترى في الأصيل ياقوتة قانئة
اللون آذنت بالظهور
ترى كلما رجعت إليها
عجبا من جديدها المنظور
جل من أبدع الجمال أفانين
أعطى الصغير حظ الكبير
يأخذ الصانع الموفق منها
بالغريب المستظرف المأثور
فهو الفن فظنة واختيارا
وابتداعا على مثال القدير