هذا صبي هائم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

هذا صبي هائم

​هذا صبي هائم​ المؤلف جبران خليل جبران


هذا صبي هائم
تحت الظلام هيام حائر
أبلى الشقاء جديده
وتقلمت منه الأظافر
فانظر إلى أسماله
لم يبق منها ما يظاهر
هو لا يريد فراقها
خوف الفوارس والهواجر
لكنها قد فارقته
فراق معذور وعاذر
إني أعد ضلوعه
من تحتها والليل عاكر
أبصرت هيكل عظمه
فذكرت سكان المقابر
فكأنما هو ميت
أحياه عيسى بعد عاذر
قد كاد يهدمه النسيم
وكاد تذروه الأعاصر
وتراه من فرط الهزال
تكاد تثقبه المواطر
عجبا أيفرسه الطوى
في قلب حاضرة الحواضر
وتغوله البؤسى وطرف
رعاية الأطفال ساهر
كم مثله تحت الدجى
أسوان بادي الضر حائر
خزيان يخرج في الظلام
خروج خفاش المغاور
متلفعا جلبابه
مترقبا معروف عابر
يقذي برؤيته فلا
تلوي عليه عين ناظر مطران
لو كان فذا إنما
هو عاثر من ألف عاثر
أنظر إلى اليسرى وكم
تدع الميامن للمياسر
هذي فتاة حالها
أدهى وأفطر للمرائر
هي بضعة لشقية
زلاء ما كانت بعاقر
في مشيها وشحوبها
سيما لتربية العواهر
وارحمتا لصباك يا
شبة الأماليد النواضر
أكذاك يلقى في نجاسات
الموطيء بالأزاهر
فإذا رخصن ألا كرامة
للصغيرات الطواهر
أترى تثنيها ولفته
كل سائرة وسائر
هم يعجبون بلطف ما
تبديه من غنج الفواجر
وكأنهم لا يجزعون
لمثل هذي في الكبائر
وكثيرهم مستهزيء
وقليلهم إن بر زاجر
لا يشعرون بأن تلك
من الفوادح في الخسائر
قعدت شعوب الشرق عن
كسب المحامد والمفاخر
فونت وفي شرع التناحر
من ونى لا شك خاسر
تمشي الشعوب لقصدها
قدما وشعب النيل آخر
كم في الكناية من فتى
ندب وكم في الشام قادر
لكنهم لم يرزقوا
رأيا ولم يردوا المخاطر
هذا يطير مع الخيال
وذاك يرتجل النوادر
جهلوا الحياة وما الحياة
لغير كداح مغامر
يجتاب أجواز القفار
ويمتطي متن الزواخر
لا يستشير سوى العزيمة
في الموارد والمصادر
يرمي وراء الباقيات
بنفسه رمي المقامر
ما هد عزم القادرين
بمصر إلا قول باكر
كم ذا نحيل على غد
وغد مصير اليوم صائر
خوت الديار فلا اختراع
ولا اقتصاد ولا ذخائر
دع ما يجشمها الجمود
وما يجر من الجرائر
في الاقتصاد حياتنا
وبقاؤنا رغم المكابر
تربو به فينا المصانع
والمزارع والمتاجر
يا من شكا حالا نعاني
من عواقبها المخاطر
لا والذي ولاك ناصية
البيان بلا مكابر
لم تعد ما في النفس من
شتى الهواجس والخواطر
أضحي كما أمسي وبي
شغل مغاد أو مساهر
يا ليته الهم الذي
يفديه بالروح المخاطر
لكنه هم بما
يردي الأبي من الصغائر
قد تقتل الحشرات من
هانت عليه فلا يحاذر
ويعيش من رام المنيعة
دونها أجم القساور
دعنا نفرج ما بنا
شيئا بمختلف المناظر
سر بي الدار التي
شيدت على كرم العناصر
حيث المروءة بالفقير
أبر من أدنى الأواصر
ندفع إليها ذينك الطفلين
والله المؤازر
من لي ومن لك يا أخي
بخزائن الذهب العوامر
نأسو بهن خلائقا
دارت عليهن الدوائر
ونشيد ما شاء السخاء
من المعاهد والمنابر
ونقول يا دهر احتكم
ما أنت بعد اليوم جائر
أسراة مصر وقادة الألباب
فيها والضمائر
ردوا عليها صبية
لعب الفساد بهم يقامر
ألقى بهم في مطرح الأزلام
سكير وفاجر
أو فرقوا سلعا وفرقهم
من الفساق تاجر
ما يصبحون غدا وكيف
مصيرهم بين المصاير
من هؤلاء أيرتجي
خير لمصر أولو البصائر
هم في جماعتكم صدوع
فاجبروا والله جابر