نظرت بعين الفكر في حان حضرتي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

نَظَرْتُ بِعَيْنِ الْفِكْرِ فِي حَانِ حَضْرَتِي

​نَظَرْتُ بِعَيْنِ الْفِكْرِ فِي حَانِ حَضْرَتِي​ المؤلف عبد القادر الجيلاني


نَظَرْتُ بِعَيْنِ الْفِكْرِ فِي حَانِ حَضْرَتِي
حَبِيباً تتَجَلَّى لِلْقُلُوبِ فَحَنَّتِ
سَقَانِي بِكَأْسٍ مِنْ مُدَامَةٍ حُبِّهِ
فَكَانَ مِنَ السَّاقِي خُمَارِي وَسَكْرتِي
يُنادِمُنِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
وَمَا زَالَ يَرْعَانِي بِعَيْنِ الْمَوَدَّةِ
ضَرِيحيَ بَيْتُ الله مَنْ جَاءَ زَارَهُ
بِهَرْوَلَةٍ يَحظَ بِعِزٍّ وَرِفْعَةِ
وَسِرَّى بِسِرِّ اللهِ سَارَ بِخَلْقِهِ
فَلُذْ بِجَنَابِي إِنْ أَرَدْتَ مَوَدْتِي
وَأَمْرِي بِأَمْرِ اللهِ إِنْ قُلْتُ كُنْ يَكُنْ
وَكُلٌّ بِأَمْرِ اللهِ فاحْكُمْ بِقُدْرَتِي
وَأَصْبَحَتُ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ جَالِسَاً
عَلَى طُورِ سِينَا قَدْ سَمَوْتُ بِخَلْعَتِي
وَطَافَتْ بِيَ الأَكْوانُ مِن كُلِّ جَانِبٍ
فَصِرْتُ لَهَا أَهْلاً بِتَحْقِيقِ نِسْبَتِي
فَلِي عَلَمٌ فِي ذَرْوَةِ الْمَجْدِ قَائِمٌ
رَفِيعُ الْسَّنَا تَأْوِي لَهُ كُلُّ أُمَّةِ
فَلاَ عِلْمَ إِلاَّ مِنْ بِحَارٍ وَرَدْتُهَا
وَلاَ نَقْلَ إِلاَّ مِنْ صَحِيحِ رِوَايَتي
عَلَى الدُّرَّةِ الْبَيْضَاء كَانَ اجْتمَاعُنَا
وفِي قَابَ قَوْسَيْنِ اجْتِمَاعُ الأَحِبَّةِ
وَعَايَنْتُ إِسْرَافيل وَاللَّوْحَ وَالرِّضَا
وَشَاهَدْتُ أَنْوَارَ الجَلاَلِ بِنَظْرَتِي
وَشَاهَدْتُ مَا فَوْقَ السَّماوَاتِ كُلَّهَا
كَذَا الْعَرْشُ وَالْكُرْسيِّ فِي طَيِّ قَبْضَتِي
وَكُلُ بِلاَدِ اللهِ مُلْكِي حَقِيقَةً
وَأَقْطَابُهَا مِنْ تَحْتِ حُكْمِي وَطَاعَتِي
وَجُودِي سَرَى فِي سِرِّ سِرِّ الحَقِيقَةِ
وَمَرْتَبَتِي فَاقَتْ عَلى كُلِّ رُتْبَةِ
وَذِكْرِى جَلَى الأَبْصَارَ بَعْدَ غِشَائِهَا
وَأَحْيَا فُؤَادَ الصَّبِّ بَعْدَ الْقَطِيعَةِ
حَفِظْتُ جَمِيعَ الْعِلْمِ صِرْتُ طِرَازَهُ
عَلَى خِلْعَةِ التَّشْرِيفِ فِي حُسْنِ خَلْوَتِي
قَطَعْتُ جَمِيعَ الْحُجْبِ لِلْحُبِّ صَاعِداً
وَمَا زِلْتُ أَرْقَى سَائِراً بِمَحَبتِي
تَجَلَّى لِيَ السَّاقِي وَقَالَ إلىَّ قُمْ
فَهَذَا شَرَابُ الْحُبِّ فِي حَانِ حَضْرَتِي
تَقَدَّمْ وْلاَ تَخْشَ كَشَفْنَا حِجَابَنَا
تَمَلَّ بِحَانِي وَالشَّرَابِ وَرُؤْيَتي
شَطَحْتُ بِهَا شَرْقَاً وَغَرْبَاً وَقِبْلَةً
وَبَرَّاً وبحراً مِنْ نَفَائِسِ خَمْرَتِي
وَلاَحَتْ لِيَ الأَسْرارُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
وَبَانَتْ لِيَ الأَنْوَارُ مِنْ كُلِّ وَجْهَةِ
وَشَاهَدْتُ مَعْنىً لَوْ بَدَا كَشْفُ سِرِّهِ
لِصُمِّ الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ لَدُكَّتِ
وَمَطلعُ شَمْسِ الأُفْقِ ثُمَّ مَغِيبُهَا
وَأَقْطَارُ أَرْضِ الله فِي الْحَالِ خَطْوَتِي
أَقَلَّبُهَا فِي رَاحَتَىَّ كَأُكْرَةِ
أَطُوفُ بِهَا جَمْعَاً عَلَى طُولِ لَمْحَتِي
أَنَا قُطْبُ أَقْطَابِ الوُجُودِ حَقِيقَةً
عَلَى سَائِرِ الأَقْطَابِ قَوْلِي وَحُرْمَتِي
تَوَسَّلْ بِنَا فِي كُلِّ هَوْلٍ وَشِدَّةٍ
أُغِيثُكَ فِي الأَشْيَاءِ طُرَّاً بِهِمَّتِي
أَنَا لِمُرِيدِي حَافِظٌ ما يَخَافُهُ
وَأَحْرُسُهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةِ
مُرِيدِيَ إِذْ مَا كَأنَ شَرْقاً وَمَغْرباً
أُغِثْهُ إِذَا مَا سَارَ فِي أَيِّ بَلْدَةِ
فَيَا مُنْشِدَاً لِلنَّظْمِ قُلْهُ وَلاَ تَخَفْ
فَإِنَّكَ مَحْرُوسٌ بِعَيْنِ الْعِنَايَةِ
وَكُنْ قَادِرِيَّ الْوَقْتِ لِلَّهِ مُخْلِصَاً
تَعِيشُ سَعِيدَاً صَادِقَاً بِمَحَبَّتِي