نص خطاب الرئيس المصري جمال عبد الناصر ليوم الخميس 26 يوليو 1956
أيها المواطنون:
نحتفل اليوم باستقبال العيد الخامس للثورة.. باستقبال السنة الخامسة للثورة، بعد أن قضينا أربع سنوات نكافح ونجاهد ونقاتل؛ للتخلص من آثار الماضى البغيض.. للتخلص من آثار الماضى الطويل.. للتخلص من آثار الاستعمار الذى استبد بنا قروناً طويلة، وللتخلص من آثار الاستبداد الذى تحكم فينا، وللتخلص من آثار الاستغلال الأجنبى والاستغلال الداخلى.
إننا اليوم - أيها المواطنون - ونحن نستقبل العام الخامس للثورة نستقبله أشد عزماً، وأمضى قوة، وأشد إيماناً.
نعم - أيها المواطنون - لقد اتحدنا وثرنا وكافحنا وقاتلنا وجاهدنا وانتصرنا. واليوم ونحن نتجه إلى المستقبل.. اليوم - أيها المواطنون - ونحن نتجه إلى المستقبل، بعد سنوات أربع من الثورة، نتجه بقوة وعزم وإيمان، نعتمد على الله وعلى أنفسنا، نعتمد على الله وعلى عزيمتنا، نعتمد على الله وعلى قوتنا؛ من أجل تحقيق الأهداف التى قامت من أجلها هذه الثورة. من أجل تحقيق هذه الأهداف التى جاهد من أجلها الآباء والتى كافح من أجلها الأجداد، نتجه إلى المستقبل ونحن نشعر أننا سننتصر - بعون الله - انتصارات متتالية.. انتصارات متتابعة؛ من أجل تثبيت مبادئ العزة، ومن أجل تثبيت مبادئ الحرية، ومن أجل تثبيت مبادئ الكرامة، ومن أجل إقامة دولة مستقلة استقلالاً حقيقياً، لا استقلالاً زائفاً.. استقلالاً سياسياً، واستقلالاً اقتصادياً.
أيها المواطنون:
حينما نتجه إلى المستقبل نشعر أن معاركنا لم تنته، فليس من السهل.. ليس من السهل أبداً.. مش سهل أبداً ان احنا نبنى نفسنا فى وسط الأطماع.. الأطماع الدولية المتنافرة، والاستغلال الدولى، والمؤامرات الدولية.. مش سهل أبداً ان احنا نبنى نفسنا.. نبنى وطنا، ونحقق استقلالنا السياسى، ونحقق استقلالنا الاقتصادى. قدامنا - أيها الإخوة - معارك طويلة سنكافح فيها.. قدامنا معارك طويلة لنعيش أحرار، لنعيش كرماء، لنعيش أعزاء.
النهارده وجدنا الفرصة ووضعنا أساس العزة، ووضعنا أساس الحرية، ووضعنا أساس الكرامة. سنتجه - أيها الإخوة - دائماً إلى المستقبل؛ لنثبت هذه العزة، ولنثبت هذه الحرية، ولنثبت هذه الكرامة.
النهارده وضعنا مبادئ من أجلنا.. من أجل مصر، ووضعنا مبادئ بنادى بها فى السياسة العالمية وفى السياسة الدولية؛ من أجل حرية الإنسان، ومن أجل رفاهية الإنسان.. لازم نجد الفرصة لننشر هذه المبادئ.
سنتجه قدماً إلى الأمام، نؤيد الحرية ونؤيد التحرير، نقاوم الاستعمار وأعوان الاستعمار. أمامنا - أيها الإخوة - معارك طويلة.. مستمرة؛ من أجل تحقيق المبادئ اللى آمنا بها، واللى آمن بها كل فرد من أبناء هذا الوطن.
هذه المعارك لم تنته ولن تنتهى، ويجب أن نكون دائماً على حذر.. نكون دائماً على حذر وعلى حيطة من ألاعيب المستغلين والمستعمرين وأعوان المستعمرين.
حاول الاستعمار بكل وسيلة من الوسائل أن يضعضع قوميتنا، وأن يضعف عروبتنا، وأن يفرق بيننا؛ فخلق إسرائيل صنيعة الاستعمار.
فى الأيام اللى فاتت استشهد اتنين من أخلص أبناء مصر لمصر.. اتنين أنكروا ذاتهم، وكانوا يكافحوا ويجاهدوا فى سبيل تحقيق غرض أسمى.. فى سبيل تحقيق غرض كبير؛ فى سبيل تحقيق المبادئ، وفى سبيل تحقيق المثل العليا؛ من أجلكم.. من أجل مصر ومن أجل العرب. كان كل واحد فيهم بيؤمن بقوميته، وبيؤمن بعروبته، وبيؤمن بمصريته، وكان يعتبر انه يستطيع أن يقدم روحه ودمه فداء لهذا الإيمان، وفداء لهذه المبادئ.
من أيام قليلة ماضية استشهد اتنين من أعز الناس لنا - بل من أخلص الناس لنا - استشهد مصطفى حافظ - قائد جيش فلسطين - وهو يؤدى واجبه من أجلكم، ومن أجل العروبة، ومن أجل القومية العربية.. مصطفى حافظ اللى آلى على نفسه أن يدرب جيش فلسطين، وأن يبعث جيش فلسطين، وأن يبعث اسم فلسطين، فهل سها عنه أعوان الاستعمار؟ هل سهت عنه إسرائيل صنيعة الاستعمار؟ هل سها عنه الاستعمار؟ أبداً.. إنهم كانوا يجدون فى مصطفى حافظ.. كانوا يجدون فيه تهديداً مباشراً لهم، وتهديداً مباشراً لأطماعهم، وتهديداً مباشراً ضد المؤامرات التى كانوا يحيكونها ضدكم، وضد قوميتكم، وضد عروبتكم، وضد العالم العربى؛ فاغتيل مصطفى حافظ بأخس أنواع الغدر، وأخس أنواع الخداع. اغتيل مصطفى حافظ، ولكنهم هل يعتقدون انهم بقتل مصطفى حافظ أو بالتخلص من مصطفى حافظ، لن يجدون من يحل محل مصطفى حافظ؟ إنهم سيجدون فى مصر وبين ربوع مصر جميع المصريين، كل واحد منهم يحمل هذه المبادئ ويؤمن بهذه المبادئ، ويؤمن بهذه المثل العليا.
أما صلاح مصطفى.. صلاح مصطفى أخوكم.. أخى الذى قام معى فى ٢٣ يوليو، قام يجاهد من أجل مصر وهو يؤمن بالمبادئ والمثل العليا. صلاح مصطفى قام وهو يؤمن بكم.. يؤمن بحريتكم، ويؤمن بعزتكم، ويؤمن بكرامتكم يوم ٢٣ يوليو، ولكنه آثر أن يكافح ويجاهد فى صمت وفى سكون.. ماكانش حد فيكم أبداً يعرف مين هو صلاح مصطفى، إيه اللى عمله صلاح مصطفى، إيه دور صلاح مصطفى فى ثورة ٢٣ يوليو. آثر صلاح مصطفى أن يكافح ويجاهد وهو يؤمن أنه قد وهب نفسه ووهب روحه ودمه فى سبيلكم.. فى سبيل مصريتكم، وفى سبيل مبادئكم، وفى سبيل مثلكم، كان يؤمن أنه قد وهب روحه ووهب نفسه ووهب دمه فى سبيل القومية العربية وفى سبيل الوطن العربى.
فإذا كانوا.. إذا كانوا اغتالوا صلاح مصطفى وقتلوا صلاح مصطفى بأبشع أساليب الغدر وبأبشع أساليب الخيانة، إذا كانوا اغتالوا صلاح مصطفى بهذه الوسائل التى كانوا يتبعونها قبل سنة ٤٨، فأنا أشعر ان العصابات التى تحولت إلى دولة تتحول اليوم - مرة أخرى - إلى عصابات.
هذا يبشر بالخير أيها المواطنون.. إن إسرائيل اليوم ابتدت تتبع أساليب العصابات التى كانت تتبعها قبل ٤٨، إن يوم النصر لقريب. إذا كانوا يعتقدون انهم بقتلهم فرد - صلاح مصطفى - والتخلص منه، لن يجدوا فى مصر أمثال هذا الفرد؛ فإنهم واهمون. إذا كانوا يعتقدون أنهم بهذه الأساليب الغادرة يستطيعون أن يبثوا الرعب فى نفوسنا أو فى نفوس الأمة العربية؛ فإنهم واهمون. كلنا.. كلنا نعمل من أجل هذه المبادئ العليا، كلنا نعمل من أجل هذه المثل، كلنا نعمل من أجل قوميتنا، كلنا نعمل من أجل عروبتنا، كلنا نعمل لنحمى أنفسنا من الاستعمار وأعوان الاستعمار وإسرائيل صنيعة الاستعمار، كلنا سنجاهد.. كلنا سنكافح.. كلنا سنفدى أوطاننا بأرواحنا وبدمائنا.
هذه - أيها المواطنون - هى المعركة التى نسير فيها.. هذه - أيها المواطنون - هى المعركة التى نخوضها الآن؛ معركة ضد الاستعمار.. معركة ضد أساليب الاستعمار.. معركة ضد وسائل الاستعمار.. معركة ضد إسرائيل صنيعة الاستعمار، التى خلقها الاستعمار ليقضى على قوميتنا كما قضى على فلسطين. قضوا على فلسطين، وسندوا إسرائيل بالعصابات وقووا إسرائيل؛ حتى يقضوا علينا ويحولونا إلى دولة من اللاجئين، وشجعوا إسرائيل؛ حتى تعلن على الملأ أن أرضها المقدسة تمتد من النيل إلى الفرات. نحن نشعر بهذا الخطر، كلنا سندافع عن قوميتنا، كلنا سندافع عن عروبتنا، كلنا سنعمل؛ حتى يمتد الوطن العربى من المحيط الأطلسى إلى الخليج الفارسى. أيها المواطنون:
إن القومية العربية تتقدم.. إن القومية العربية تنتصر.. إن القومية العربية تسير إلى الأمام، وهى تعرف طريقها، وهى تعرف سبيلها.. إن القومية العربية تشعر من هم أعداؤها ومن هم أصدقاؤها.. إن القومية العربية تعلم أن وجودها فى اتحادها، وأن قوتها فى قوميتها.
وأنا اليوم - أيها المواطنون - أتجه إلى إخوان لكم فى سوريا.. سوريا العزيزة.. سوريا الشقيقة، وقد قرروا.. قرروا وأعلنوا أن يتحدوا معكم اتحاداً حراً سليماً عزيزاً كريماً؛ لندعم سوياً مبادئ الحرية، ولندعم سوياً مبادئ العزة، ولندعم سوياً مبادئ الكرامة، ولنرسى سوياً القومية العربية، ولنرسى سوياً الوحدة العربية.
إننى اليوم أقول لإخوانكم فى سوريا باسمكم: إننا نرحب بكم أيها الإخوة؛ فقد قلتم فى دستوركم: إنكم جزء من الأمة العربية، وقلنا فى دستورنا: إننا جزء من الأمة العربية، وسنسير معاً - أيها الإخوة - متحدين.. يد واحدة.. قلب واحد.. رجل واحد؛ لنرسى مبادئ العزة الحقيقية، ولنرسى مبادئ الكرامة الحقيقية، ولنقيم بين ربوع الوطن العربى وبين ربوع الأمة العربية استقلالاً سياسياً حقيقياً، واستقلالاً اقتصادياً حقيقياً. (تصفيق).
أيها المواطنون:
منذ أن أعلنت مصر سياستها الحرة المستقلة، وبدأ العالم ينظر إلى مصر ويعمل لها حساب.. بقوا يعملوا لنا حساب.. اللى كانوا زمان ما بيعبروناش وما بيحسبوش حسابنا، بقوا النهارده يعملوا لنا حساب، بدءوا يعملوا للعرب حساب، وللقومية العربية حساب. كنا زمان نتلطع على مكاتبهم؛ مكاتب المندوب السامى والسفير البريطانى، النهارده بعد تحقيق حريتنا السياسية وبعد إعلان مبادئنا، وبعد تكاتفنا وإقامة جبهة وطنية متحدة من جميع أبناء هذا الشعب ضد الاستعمار، وضد الطغيان، وضد التحكم، وضد السيطرة، وضد الاستغلال، وضد التدخل الأجنبى؛ بيعملوا لنا حساب، وبيعرفوا ان احنا دولة لها قيمتها، تستطيع أن تفعل ما تريد.
النهارده قيمة مصر فى المجال الدولى كبرت، وقيمة العرب - الأمة العربية - فى المجال الدولى كبرت وعظمت، وعلى هذا الأساس - أيها الإخوة - تم مؤتمر بريونى.. تم مؤتمر بريونى وسافرت لاجتمع بالرئيس "تيتو" - رئيس جمهورية يوغوسلافيا - والرئيس "نهرو" - رئيس وزراء الهند - الاتنين اللى أعلنوا سياسة عدم الانحياز؛ السياسة الحرة المستقلة. وزرت وأنا رايح إلى بريونى يوغوسلافيا، والتقيت بالشعب اليوغوسلافى، ووجدت ولمست صداقة الشعب اليوغوسلافى للشعب المصرى، وتقدير الشعب اليوغوسلافى للشعب المصرى. واتجهت إلى بريونى وابتدأنا نبحث الوسائل ونتبادل الرأى فى المشاكل العالمية وفى مشاكلنا، وانتهى مؤتمر بريونى بانتصار كبير للسياسة التى تتبعها مصر؛ اللى هى سياسة عدم الانحياز.. انتصار كبير للقضايا العربية، وأعلنت فى المجالات الدولية.
مؤتمر بريونى قرر انه يتبع مبادئ باندونج العشرة، وقال فى القرار اللى صدر: إن رؤساء الحكومات التلاتة؛ يوغوسلافيا والهند ومصر، استعرضوا التطورات الدولية، وأدى تشابه نظرتهم للمسائل الدولية إلى التعاون الوثيق بينهم، كما لاحظوا - باغتباط - أن السياسات التى تتبعها دولهم قد ساهمت إلى حد ما فى تخفيف التوتر الدولى، وفى إنماء العلاقات بين الأمم على أساس المساواة.
وبعدين أصدر المؤتمر قرار: إن مؤتمر باندونج - الذى عقد فى العام الماضى - قد أقر مبادئ معينة يجب اتخاذها أساس للعلاقات الدولية، ويؤكد رؤساء الدول الثلاثة من جديد هذه المبادئ العشرة، التى لاقت دائماً التأييد من جانبهم، وهم يدركون أن النزاع والتوتر الدولى قد أديا إلى ما يسود العالم من مخاوف فى الحاضر والمستقبل، وطالما ظلت هذه المخاوف تسيطر على العالم فإنه لا يمكن إرساء السلام على قواعد ثابتة.
مبادئ باندونج العشرة - اللى قررت فى العام الماضى - بتقول: من الطبيعى أن يكون لجميع الأمم الحق فى أن تختار بحرية نظمها السياسية والاقتصادية وطريقة حياتها؛ وفقاً لأغراض ومبادئ وميثاق الأمم المتحدة، وبالتحرر من الشك والخوف، وبالثقة وحسن النية المتبادلين، يجب على الأمم أن تمارس التسامح، وأن تعيش معاً فى سلام.. يجب على الأمم أن تعيش جيراناً صالحين، يعملون لتمكين التعاون الصادق على الأسس الآتية:.. دى الأسس اللى وضعها مؤتمر باندونج للعلاقات بين الدول:-
أولاً: احترام حقوق الإنسان الأساسية وأغراض ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
ثانياً: احترام سيادة جميع الأمم وسلامة أراضيها.
ثالثاً: الاعتراف بالمساواة بين جميع الأجناس، وبين جميع الأمم كبيرها وصغيرها.
بعدين.. الامتناع عن أى تدخل فى الشئون الداخلية لبلد آخر.
وبعدين.. احترام حق كل أمة فى الدفاع عن نفسها انفرادياً أو جماعياً.
ثم الامتناع عن استخدام التنظيمات الدفاعية الجماعية لخدمة المصالح الذاتية لأية دولة من الدول الكبرى.. كالأحلاف اللى بيعملوها وبيدخلوا فيها تحت اسم الدفاع علشان تخدم مصالحهم.
وبعدين.. امتناع أى بلد عن الضغط على غيره من البلاد.
بعدين.. تجنب الأعمال أو التهديدات العدوانية أو استخدام العنف ضد السلامة الإقليمية، أو الاستقلال السياسى لأى بلد من البلاد.
وبعدين.. تسوية جميع المنازعات الدولية بالوسائل السلمية.
وبعدين.. تنمية المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.
وبعدين.. احترام العدالة والالتزامات الدولية.
دى المبادئ اللى أقرها مؤتمر باندونج للعلاقات بين الدول؛ حتى لا تستخدم الدول الكبرى الدول الصغرى ألعوبة فى يدها.. تستخدمها كمخلب للقط تنفذ بها سياستها من أجل السيطرة ومن أجل النفوذ.
هذه المبادئ التى أقرها مؤتمر باندونج أعاد مؤتمر بريونى تأكيدها، وأعلن تمسكه بها، وأعلن أن هذه المبادئ يجب أن تكون أساس العلاقات بين الدول. (تصفيق).
وبعدين فى مؤتمر بريونى أعلن أن توسيع نطاق الجهود للسير قدماً فى إنماء المناطق المتخلفة فى العالم، ليعد أحد المهام الأساسية فى تحقيق السلام الدائم والاستقرار بين الأمم.
وبعدين اتكلم مؤتمر بريونى عن الشرق الأوسط.. اتكلم زعيم الهند "نهرو"، وافق على هذا، وزعيم يوغوسلافيا "تيتو"، وافق على هذا؛ على وجهة النظر العربية.
فى الشرق الأوسط أدت المصالح المتعارضة للدول الكبرى إلى ازدياد الصعوبات التى تكتنف الموقف، وقال: يجب البحث فى هذه المشاكل على ضوء حقائقها، وعلى النحو الذى يضمن المصالح الاقتصادية المشروعة؛ بشرط وضع الحلول على أساس حرية الشعوب التى يعنيها الأمر. إن حرية شعوب تلك المناطق وإراداتها الخالصة ليست ضرورية للسلام فحسب، بل هى ضرورية أيضاً لضمان المصالح الاقتصادية المشروعة.
وبعدين أعلن مؤتمر بريونى.. قال: يعتبر الموقف فى فلسطين - على وجه الخصوص - خطراً على السلام الدولى، ويؤيد رؤساء الحكومات - الهند ويوغوسلافيا ومصر - قرار مؤتمر باندونج فى هذا الصدد.
قرار مؤتمر باندونج فى هذا الصدد بيقول إيه؟ بيقول: بالنظر إلى التوتر القائم فى الشرق الأوسط بسبب الموقف فى فلسطين، وخطر ذلك التوتر على السلام العالمى، أعلن المؤتمر الآسيوى - الإفريقى تأييده لحقوق شعب فلسطين العربى، ودعى إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين.
وبعدين مؤتمر بريونى اتكلم عن مشكلة الجزاير - اللى هى مشكلة عربية أيضاً - بحث رؤساء الحكومات الثلاثة الموقف فى الجزاير، الذى يعتبر - فى رأيهم - بالغ الأهمية، بل ويتطلب اهتماماً عاجلاً من وجهة نظر الحقوق الطبيعية لشعب الجزائر، ولدعم السلام فى ذلك الجزء من العالم. ونظراً لإيمان رؤساء الحكومات الثلاثة بأن السيطرة الاستعمارية غير مرغوب فيها إطلاقاً، فضلاً عما يترتب عليها من إضرار بالحاكمين والمحكومين معاً، فإنهم يرون من واجبهم التعبير عن عطفهم التام على رغبة شعب الجزائر فى الحرية. وهم يدركون أنه يوجد فى الجزائر عدد كبير من الأشخاص الذين من أصل أوروبى، والذين تجب حماية مصالحهم - دول اللى بتتحجج بهم فرنسا - على أنه يجب ألا يقف هذا فى طريق الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الجزائرى. وهم يؤيدون كل الجهود والمفاوضات التى تهدف إلى إيجاد حل عادل وسلمى، وبخاصة وقف أعمال العنف.
إذن طلعنا من مؤتمر بريونى بإن احنا أعلنا مبادئ أساسية للعلاقات بين الدول، وأعلنا رأينا فى المشاكل العالمية؛ مشكلة ألمانيا فى أوروبا، مشكلة الصين فى آسيا، ومشكلة فلسطين والجزائر العربية اللى تهمنا احنا كأمة عربية وكشعب عربى.
وكانت وجهة نظر الرئيس "تيتو" والرئيس "نهرو" تتمشى مع وجهة النظر العربية، وبهذا استطاعت وجهة النظر العربية أن تأخذ لها حصناً آخر، وأن تفرض وجودها فى العالم.
دا الكلام اللى حصل فى مؤتمر بريونى.. أما نبص نجد أن مصر - منذ قامت الثورة - كانت بتجاهد لتنقل قضاياها وقضايا العروبة إلى طريق آخر غير طريق الاستجداء. وكنا بنجد ان احنا نستطيع أن نحقق هذا إذا حققنا استقلالنا السياسى، وإذا حققنا الاستقلال الاقتصادى. وكنا نؤمن منذ قامت الثورة - من سنة ٥٢ ومن قبل ٥٢.. من قبل ما تقوم الثورة - ان الاستقلال السياسى لا يمكن أن يكتمل إلا إذا كان معه استقلال اقتصادى، وإلا إذا كان معه اقتصاد سليم يستطيع أن يقف ضد مؤامرات المستعمرين، وضد مؤامرات المستغلين، وضد مؤامرات الطامعين.
فى الوقت اللى احنا كنا فيه بنعمل من أجل تحقيق الاستقلال السياسى، كنا فيه أيضاً بنعمل من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادى.
كنا بنعمل من أجل جلاء الإنجليز المحتلين عن أرض مصر، بوسائل مختلفة كلكم تعرفوها؛ بالقوة واللين، بالعنف وبالمفاوضات، وكان غرضنا من هذا أن نحقق لمصر استقلالاً سياسياً حقيقياً، وألا تكون السيادة فى مصر إلا لأبناء مصر، وألا يرفرف فى سماء مصر إلا علم مصر.
كنا بنسعى إلى هذا منذ قامت الثورة، ونسعى بعزم، وكنا نؤمن ان احنا حنستطيع أن نحقق هذا الاستقلال السياسى، سنستطيع مادمنا نقضى على أعوان الاستعمار. وحينما تخلصنا من أعوان الاستعمار تداعى الاستعمار وتداعى الاحتلال.. انتهى الاستعمار، والاحتلال ما قدرش يقعد؛ لأنه ما وجدش بينكم - بين أبناء مصر.. بين هؤلاء المواطنين - واحد يتعاون معاه، أو واحد يسنده، أو واحد يعاونه على وجوده؛ فسلم الاستعمار، وسلم الاحتلال، وجلت عن مصر فى الشهر الماضى آخر قوة من قوات الاحتلال التى دخلت أرضنا سنة ١٨٨٢، واللى لما دخلت إسكندرية سنة ٨٢ انهزموا، وانضربوا فى كفر الدوار، وما قدروش أبداً انهم يكملوا غزوهم، وما قدروش أبداً انهم يكملوا حملتهم.. انضربوا.. ضربهم عرابى فى كفر الدوار وهزمهم شر هزيمة.. لم يستطيعوا أن يتغلغلوا فى أراضينا، ولكنهم انسحبوا.. انسحبوا من الإسكندرية ورجعوا.. ما قدروش يواجهونا وجهاً لوجه، ولكنهم واجهونا بالغدر والخديعة، واجهونا بالخيانة، اتجهوا إلى قنال السويس، وعن طريق أعوانهم فى قنال السويس استطاعوا انهم يدخلوا من هناك ويوصلوا إلى التل الكبير، واستطاعوا انهم يحتلوا مصر ويقضوا على قوة مصر.
لم يستطيعوا أن يواجهونا وجهاً لوجه.. هزمناهم سنة ١٨٨٢، وهزمناهم سنة ١٨٠٧ أما جت حملة "فريزر" فى مصر هنا؛ من أجل احتلالها ومن أجل السيطرة عليها، ووصلت إلى رشيد.. خرج لها أهل رشيد - أهل رشيد المدنيين - واستطاع أهل رشيد المدنيين انهم يهزموا الحملة العسكرية البريطانية ويردوها على أعقابها للبحر.
الكلام دا حصل - أيها المواطنون.. أيها الإخوة - سنة ١٨٠٧ وحصل أيضاً سنة ١٨٨٢.
دى مصر الحقيقية.. دى مصر الحقيقية.. هزمت "فريزر" سنة ١٨٠٧، هزمت الإنجليز فى كفر الدوار سنة ١٨٨٢، ولكن الإنجليز اتبعوا معنا أساليب الغدر، واتبعوا معنا أساليب الخداع، واستطاعوا بعد هذا أن يتحكموا فينا، واستطاعوا بعد هذا أن يحتلونا.
كنا نتجه - أيها المواطنون - منذ قامت الثورة لتحقيق الاستقلال السياسى.. لإعادة العزة، لإعادة الكرامة المسلوبة، ووفقنا - بحمد الله - واستطعنا فى يوم ١٨ يونيه أن نرفع فى سماء مصر علم مصر وحده، وأن نبقى بين ربوع مصر سيادة مصر وحدها. وبهذا تحقق جزء كبير جداً من الأهداف اللى احنا كنا بنصبو إليها، وتحقق جزء كبير جداً من الأهداف اللى كنا بنطالب بها.
ولكنا لن نهمل أبداً - أيها الإخوة - فى نفس الوقت أن نعمل من أجل الاستقلال الاقتصادى.. لم نهمل هذا أبداً من سنة ٥٢ منذ قامت الثورة؛ لأننا نؤمن ونعتقد أن الاستقلال السياسى لا يمكن أن يكون له وجود إلا إذا كان هناك استقلال اقتصادى، وأن الاستقلال الاقتصادى مكمل للاستقلال السياسى، وأن الاستقلال السياسى يكون زائف إذا لم يكن هناك استقلال اقتصادى، بل إذا كان هناك تحكم اقتصادى؛ لأنه إذا كان هناك تحكم اقتصادى فسيستعمل هذا فى الضغط وفى التوجيه.
واتجهنا من سنة ٥٣ فى العمل على تنمية الإنتاج، وكان هدفنا فى هذا أن يكون لنا استقلال اقتصادى؛ اتجهنا فى هذا ونجحنا.. نجحنا لأننا معتمدين على نفسنا، وعلى مالنا، وعلى عرقنا، وعلى قوتنا. استطعنا أن نرفع الدخل القومى من سنة ٥٢ إلى سنة ٥٤ بما يقرب من ١٦%، وبعد كده استطعنا ان احنا نحقق من سنة ٥٤ إلى ٥٦ ما يساوى هذا الرقم أو أكثر.
إذن احنا نعمل، واحنا ما احناش ساهيين.. لسنا لاهين، واحنا عارفين الأساليب والألاعيب اللى انكوينا بها واتكوت بها آباءنا وأجدادنا، ولهذا حينما كنا نعمل من أجل الاستقلال السياسى، كنا نعمل فى نفس الوقت من أجل الاستقلال الاقتصادى.
بعد كده فى أيام الجلاء وفى أعياد الجلاء، وحينما شعرنا بالاستقلال السياسى؛ اتجهنا إلى العالم أجمع، وقلنا: لننس ما مضى، واتجهنا برضه إلى المستعمرين، وإلى الناس اللى جم احتلونا وخرجوا، واللى قتلوا من آبائنا وأجدادنا، وقلت فى يوم ١٩ يونيو: ان أنا أمد إيدى للجميع، وإن مصر تمد يدها إلى الجميع، وإنها ستسالم من يسالمها وتعادى من يعاديها.
إننا نتجه لتحقيق سياستنا.. سياسة مستقلة، تنبع من مصر، لا من لندن، ولا واشنطن، ولا موسكو، ولا أى دولة من الدول؛ تنبع من ضميرنا.. تنبع من إحساسنا. وقلت ان احنا مستعدين نتعاون مع الجميع، ولكن هذا التعاون لن يكون أبداً على حساب قوميتنا، أو على حساب عروبتنا، وطبعاً لن يكون على حساب استقلالنا، أو على حساب كرامتنا.
هذا الكلام - اللى أنا قلته يوم ١٩ يونيو الماضى - هو نفس الكلام اللى أنا كنت باقوله منذ قامت الثورة، وأنا النهارده حاقول لكم على كل حاجة حصلت منذ قامت الثورة، فى المفاوضات وفى المقابلات وفى كل شىء؛ حتى تكونوا على بينة.
من سنة ٥٢ وبعد نجاح الثورة بدأت تتصل بنا إنجلترا وبدأت تتصل بنا أمريكا، وبدءوا يطالبونا بأن نتحالف معهم ونتفق معهم؛ نعمل محالفات ونعمل اتفاقات. كان كلامنا لهم ان احنا لا نستطيع أن نتحالف.. مش ممكن ندخل فى حلف إلا الحلف الذى يضم الدول العربية وحدها. وكنت باقول لهم - وهذا الكلام موجود يمكن فى محاضر المفاوضات - إذا دخلنا فى حلف مع بريطانيا هل ستستطيع مصر أن تملى إرادتها على بريطانيا؟ بل هل ستستطيع مصر أن يكون لها رأى بجانب بريطانيا؟ وإذا قعدنا على ترابيزة واحدة وكان فيها "مستر إيدن" بيمثل بريطانيا العظمى واحنا بنمثل مصر، ازاى تتحالف دولة كبرى مع دولة صغرى زينا؟! هذا لن يكون حلف ولكنه يكون تبعية. وكنت باقول لهم إن دى تبعية، ونحن لا نقبل أن نكون تابعين.. نستطيع أن نتعاون معكم معاونة الند للند، نستطيع أن نتفاهم، نستطيع أن نكون أصدقاء، ولكنا لا نقبل أبداً أن نكون أذيال أو نكون تابعين.
فى أول جلسة من جلسات المفاوضات - وأعتقد أنها كانت فى إبريل يمكن سنة ٥٣ - كان "جنرال روبرتسون" موجود، وطلب مننا ان احنا نوقع مع بريطانيا محالفة مدتها ٢٥ سنة، ورفضنا، وقطعت المفاوضات بعد جلستين. رفضنا هذه المحالفة، وقلنا: ان احنا نريد أن نوقع اتفاق للجلاء، ولكنا سنكافح من أجل هذا، لن نتحالف؛ لأن محالفتنا ستجعلنا ذيل، وستجعلنا تابعين. الكلام اللى قلناه فى سنة ٥٢ هو نفس الكلام اللى بنقوله النهارده، مش عارف إيه الفرق فى هذا الكلام! هذا الكلام قيل فى سنة ٥٢ فى جميع المحاضر وفى جميع الجلسات.
ابتدينا فى سنة ٥٢ نتكلم على تموين الجيش المصرى بالأسلحة، وقلنا لهم عايزين تبينوا إنكم أصدقاء ادونا السلاح اللى احنا عايزينه.. ما بنشحتش منكم.. مستعدين ندفع تمن هذا السلاح، قالوا لنا: ما نديكمش سلاح إلا إذا وقعتوا معنا ميثاق الأمن المتبادل.
تعرفوا ميثاق الأمن المتبادل معناه إيه؟ معناه انه تيجى بعثة أمريكية تقعد فى مصر هنا تمشى أمور الجيش المصرى، وعبد الحكيم عامر ما يبقالوش دعوة بالجيش المصرى؛ دا ميثاق الأمن المتبادل.
قلنا لهم ان احنا لنا تجارب، واحنا كناس عسكريين كنا موجودين فى الجيش لنا تجارب كبيرة بهذا الخصوص.. لنا تجارب مع البعثات العسكرية. كان فيه بعثة عسكرية جت فى الجيش المصرى سنة ٣٦، واحنا كنا ضباط صغيرين - كنا ملازمين توانى وملازمين أوائل - وكنا بنحتك بهم، وكنا بنجد ان هدفهم الأول هو إضعاف الجيش المصرى.. هدفهم الأول هو بث روح الهزيمة وبث روح عدم الثقة فى الجيش المصرى، واحنا عندنا مركب نقص وعقدة لا يمكن أن تنحل من البعثات العسكرية، ولا يمكن بأى حال من الأحوال ان احنا نقبل بعثة عسكرية؛ وبهذا لا يمكن ان احنا نمضى معاكم ميثاق الأمن المتبادل.
احنا عايزين الجيش المصرى يمثل مبدأ الثورة، احنا قلنا فى مبادئنا: إن إقامة جيش وطنى قوى.. عايزين الجيش المصرى يكون جيش وطنى قوى، ولكنا لا نقبل أبداً أن يكون الجيش المصرى جيش تحت سيطرة ضباط أجانب؛ سواء كانوا أمريكان أو غير أمريكان، أو يعمل بتوجيه ضباط أجانب.. هذا الجيش لن يعمل إلا لمصلحة هذا الشعب، ولمصلحة أبناء هذا الشعب.
دا اللى احنا كنا بنعتقد به؛ ولهذا رفضنا ان احنا نمضى ميثاق الأمن المتبادل، قلنا لهم: مستعدين نشترى أسلحة بفلوس، ما بنطلبش منكم معونة، وما بنطلبش منكم حسنة، وما بنطلبش منكم انكم تدونا حاجة مجاناً. ولكنهم ترددوا، ثم وعدوا.. قالوا لنا: مستعدين نديكم.. فى أخر سنة ٥٢ قالوا لنا مستعدين نديكم الأسلحة اللى انتم عايزينها، وبعتنا ناس علشان تجيب الأسلحة، ولكن طبعاً رجعوا هؤلاء الناس خاوين الوفاض، وقصة الأسلحة طبعاً كلكم انتم تعرفوها.. تعرفوها بالتفصيل.
ما رضيوش يدونا أبداً أى حاجة، لا مجاناً ولا بالفلوس إلا أما نمضى؛ نمضى صك كرامتنا، ونمضى صك عبوديتنا، ونمضى صك يسلم وطنا ويسلم أبناءنا لهم؛ علشان يسيروهم زى ما هم عايزين، وعلشان يعملوا فى مصر زى ما يطلبوا.. نمضى صكوك تمكنهم مننا وتعتبرنا فى هذه البلد غرباء لا نستطيع أن نقرر سياستنا، ولكنا نتبع السياسات التى تملى علينا من الاستعماريين، وتجار الحروب، والمستغلين والمستبدين.
دا الكلام اللى قلناه - يا إخوانى - سنة ٥٢. الكلام اللى احنا بنقوله النهارده بحس عالى وبنعلنه للعالم مش كلام جديد، الكلام دا موجود فى محاضر المفاوضات اللى كانت فى سنة ٥٣، وقلناه من أول يوم من أيام الثورة. وبعد هذا بدأ الكفاح فى القنال؛ كفاح ماكناش بننشر أخباره فى الجرايد.. قتال؛ قتال مرير ماتوا فيه ناس كانوا بيؤمنوا بالنصر، وبيؤمنوا بحرية مصر، بيؤمنوا بكم وبيؤمنوا بعزتكم، وكان أقصى ما يتمناه كل واحد انه يهب روحه؛ يهب روحه فداء هذه المبادئ العليا - زى مصطفى حافظ وزى صلاح مصطفى - ناس راحوا فى القنال وقعدوا هناك فى القنال؛ ليقاتلوا ويكافحوا، واستطاعوا انهم يخلوا القوة الإنجليزية - الـ ٨٠ ألف اللى موجودة فى القنال - مش بتحمى الشرق الأوسط ولا بتحمى القنال، استطاعوا انهم يخلوا هذه القوة؛ مش قادرة تحمى نفسها، استطاعوا انهم يخلوا هذه القوة موجودة لتدافع عن وجودها.
دول الناس اللى راحوا القنال.. الجنود المجهولين.. الجنود المجهولين اللى خرجوا من وسطكم وراحوا وروا.. وروا قوات الاحتلال كل ضروب العنف والقوة، واستطاعوا... وقفوا الأخر وقالوا: ان احنا لا يمكن أن نوجد فى بلد معادى، القاعدة ما بقتلهاش فايدة فى بلد معادى، الـ ٨٨ ألف اللى جايبينهم يحموا الشرق الأوسط مش قادرين يحموا نفسهم، مافيش داعى ان احنا نخليهم.
دا السبب الأساسى فى الوصول إلى اتفاقية الجلاء؛ الكفاح، والعرق، والدماء، والجهاد، والاستشهاد.. الناس اللى ماتوا وما قلناش أساميهم، الناس اللى أصيبوا وما قلناش أساميهم فى معارك القنال الطويلة اللى استمرت منذ قامت الثورة حتى أعلن اتفاق الجلاء.. دا كان السبب الأساسى فى الجلاء.
إنجلترا خرجت من مصر وهى تعتقد.. وهى تؤمن ألا وجود لها فى مصر؛ لأن شعب مصر قد استيقظ، ولأن شعب مصر قد آلى على نفسه أن يحقق لها الحرية فى الحياة، ولأن شعب مصر آلى ألا تكون سيادة فى مصر إلا لشعب مصر، ولأن شعب مصر آلى ألا يرتفع فى سماء مصر إلا علم مصر.
دا كان السبب الحقيقى.. ماكانش الكلام أبداً، وماكانتش المفاوضات. واستطعنا ان احنا نصل إلى اتفاق مع إنجلترا تجلو به جميع القوات البريطانية.. كانت معركة طويلة، وكانت معركة مريرة، ولكن هل انتهت هذه المعركة؟ لم تنته هذه المعركة.
الاستعمار - يا إخوانى - له أشكال مختلفة.. الاستعمار له أشكال متلونة.. الاستعمار أول ما بدأ كان يتمثل فى الاحتلال بالقوات المسلحة، وبعد هذا أخذ يتطور ويتطور ويتطور. النهارده الاستعمار بيتمثل فى أعوان الاستعمار.. الاستعمار بدون جنود، وبدون قوى مسلحة بيستطيع أن يحقق مآربه، ويستطيع أن يحقق أغراضه بواسطة أعوانه من الخونة الذين يتواجدون فى كل بلد.. وبيتواجدوا ويأخذوا منه السلطة ويأخذوا منه النفوذ، وبعدين يستولوا على السلطة فى البلد دى، وتكون البلد دى تابعة له وتحت إرادته بدون قوة مسلحة، وبدون احتلال، وبدون أسلحة. الاستعمار كان بيتلون ويتشكل.
آلينا على أنفسنا ان احنا نقاوم الاستعمار بجميع أنواعه؛ الاستعمار السافر، الاستعمار المسلح، الاستعمار المصحوب باحتلال، والاستعمار المقنع تحت أشكال أعوان الاستعمار، وتحت شكل المحالفات، وتحت شكل الاتفاقات اللى بتعتبر فيها الدول ذيول وأذناب.
وبدأ الاستعمار يتآمر من حولنا ويحيط الدسائس؛ حتى يستولى على الدول العربية دولة دولة.. يضع يده عليها دولة دولة، وبهذا يحاصرنا.. يحاصرنا من جميع النواحى، وبهذا يستطيع انه يملى علينا إرادته؛ فقاومنا.. قاومنا هذه الدسائس، وكان الوعى العربى وكانت القومية العربية قد استيقظت، واشتعلت، واتقدت فى جميع البلاد العربية.. فى كل مكان؛ فلم يستطع الاستعمار أن يحقق أغراضه، ولم يستطع الاستعمار أن يحقق أهدافه، وانتصرت القومية العربية.. انتصرت حركة التحرير العربية.. انتصرت القومية العربية على الاستعمار، وهزم الاستعمار شر هزيمة.
هزم الاستعمار فى ديسمبر الماضى فى الأردن، حينما أرسل "جنرال تمبلر" ليجبر الأردن كان الاستعمار بيعتقد انه قوى، وقوة هائلة، وان الأردن - اللى بيتكون من مليون ونص أو اتنين مليون - سيخضع ويخنع، ولكن رئيس أركان حرب الإمبراطورية البريطانية "جنرال تمبلر" هرب من الأردن.. هرب رئيس أركان حرب الإمبراطورية؛ لأن القومية العربية انتصرت.. القومية العربية انتصرت وآمنت بنفسها، وآمنت بقوتها، وآمنت بحقها فى الحياة.. القومية العربية انتصرت.. القومية العربية اشتعلت، ولم يستطع الاستعمار أن يحقق أبداً أى غرض من أغراضه.
وبهذا كان حلف بغداد؛ اللى هو بيعتبره وسيلة من الوسائل ليتحكم فينا، ويتحكم فى رقابنا، ويستطيع أن يقيدنا بالسلاسل، ويملى علينا إرادته.. حلف بغداد وقف زى ما هو.. اتجمد.. ما قدروش يضموا له أى دولة عربية؛ بفضل الوعى العربى، وبفضل القومية العربية، وبفضل الرأى العام العربى.
إذن - يا إخوانى - دخلنا معارك.. دخلنا معارك فى مصر، والعرب دخلوا معارك فى خارج مصر.. فيه معارك فى الوطن العربى كله.. الاستعمار عاون فرنسا فى الجزاير وفى تونس وفى مراكش. قوات حلف الأطلنطى؛ اللى عملوها وسلحوها، وبقى لهم خمس سنين بيسلحوا فيها - واللا أكتر من خمس سنين - وبيصرفوا عليها بلايين الدولارات، كلها انتقلت من أوروبا إلى شمال إفريقيا؛ لتقاتل الناس اللى بيطالبوا بحقهم فى الحرية، وبيطالبوا بحقهم فى تقرير المصير.. الناس اللى بيطالبوا بحقهم فى الحياة. أمريكا زعيمة العالم الحر تؤيد فرنسا المستعمرة فى تقتيل الجزائريين فى الجزائر، بريطانيا تؤيد.. الدول اللى بتنادى بنفسها وبتقول: ان احنا زعماء العالم الحر، وان احنا اللى بنتمنى الحرية.. احنا اللى بنتمنى الحرية وبنتمنى تقرير المصير، الدول اللى عملت ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، الدول اللى عملت إعلان الأطلنطى.. أعلنه "روزفلت": لكل شعب أن يقرر مصيره.. ولكل شعب أن يكون حر..
الكلام دا كله نسيوه أو تناسوه، وابتدوا يحاربوا القومية العربية فى الجزاير.. سنتين النهارده جيوش الدول دى كلها بتحارب فى الجزاير.. بتحارب ١٠ مليون جزائرى، هل استطاعوا أن ينتصروا على الجزائر؟
لقد استطاعت القومية العربية فى الجزائر أن تهزم فرنسا وتوقع بها أشد الهزائم، واستطاعت القومية العربية فى الجزائر أن تهزم حلفاء فرنسا اللى بيصرحوا لها بالأسلحة؛ أمريكا وبريطانيا ودول الأطلنطى كلها، بل استطاع المجاهدون فى الجزائر.. استطاعوا انهم بأسلحتهم البسيطة المحدودة يقضوا على القوات المسلحة بالدبابات والمدافع وأكبر الأسلحة.. القوات اللى كانوا الإنجليز والأمريكان مجهزينها علشان تقف قدام روسيا.. بعتينها للجزاير.. ما قدرتش تقف قدام الجزاير!
دا معناه إيه يا إخوانى؟ القومية العربية اشتعلت - زى ما قلت لكم - من المحيط الأطلسى إلى الخليج الفارسى، القومية العربية تشعر بوجودها، تشعر بكيانها، تشعر بقوتها، وتشعر بحقائق الحياة.
هذه هى المعارك اللى احنا بندخل فيها.. ما نقدرش نقول معركة الجزائر دى مش معركتنا، وما نقدرش نقول إن معركة الأردن فى ديسمبر ماكانتش معركتنا، وما نقدرش نقول إن معارك الأحلاف مش معاركنا؛ لأن احنا إذا قلنا هذا نتنكر لعروبتنا، ونتنكر لقوميتنا، ونتنكر لنفسنا، ونتنكر لمصريتنا؛ لأن مصائرنا مرتبطة.. مصيرى هنا مرتبط بمصير أخويا فى الأردن، وأخى فى لبنان وفى سوريا وفى كل بلد، وفى السودان مصائرنا مرتبطة. احنا اتخلقنا كده فى هذا المكان من العالم، مصائرنا تؤثر على مصائر البعض.. مصير كل واحد فينا يؤثر على مصير الآخر، ما نقدرش نقول أبداً إن دى مش معاركنا.. هذه معاركنا.. معارك كل فرد فيكم.. معارك كل فرد من أبناء العروبة.
إيه اللى عايزه الاستعمار؟ الاستعمار عايز ان احنا نكون تابعين، وحينما يأمر نلبى أى أمر.. نكون تحت الأمر. فيه دول كتيرة متبعة هذه الطريقة، تعرفوها ومافيش داعى إنى أقول أسماءها وأعمل أزمات دبلوماسية أو أزمات سياسية. الدول دى كل واحد فيكم يعرفها.. الدول اللى بتاخد أوامر.. بتنفذ الأوامر.. اللى بيتولى الأمر فيها صنائع الاستعمار وأعوان الاستعمار، واللى لا يؤمنوا بنفسهم ولا يؤمنوا بوطنهم، ولا يؤمنوا بقوميتهم، ولكنهم يؤمنوا بالسفراء والمندوبين السامين إلى آخر هذا الكلام.
عايزينا نبقى بهذا الشكل؟ مش ممكن.. قامت ثورة ليه؟! الشعب قاتل ليه؟! الشعب كافح ليه؟! الناس اللى ماتوا مننا سنة ١٩ وسنة ٣٦، وقبل كده على مر السنين، هل كانوا بيقاتلوا ويموتوا علشان برضه الأخر نبقى تابعين ناخد أوامرنا من أى بلد من البلاد؟! عايزين مننا ان احنا لما نسمع أوامرهم.. طبعاً نسمع أوامرهم بخصوص إسرائيل، يقول لك: إسرائيل حقيقة واقعة كما هى الآن، طلبات إسرائيل يجب أن تلبى، حدود إسرائيل موجودة.. بتقول لهم وأهل فلسطين؟! يقول لك دا موضوع نبقى نتكلم فيه بعدين.. موضوع يعنى مؤجل!
طب دول عرب زينا؟! يمكن انتم يعنى ما تنظروش إليهم النظرة اللى احنا بننظر إليها.. عرب فلسطين اللى شردوا، حقوق شعب فلسطين؟ يقول لك: ندفع لهم شوية فلوس. مش كل واحد يبيع بلده بالفلوس.. فلسطين دى بلد قديمة لها آلاف السنين.. يمكن انتم بلدكم بقى لها ١٠٠ سنة أو ٢٠٠ سنة بس، عمرها صغير مالهاش تاريخ طويل. احنا بنعتز بأرضنا وبنعتز بهذه العروبة وبنعتز بوطنا.. وطن الواحد فينا وأرضه لا تقدر بتمن ولا تقدر بمال، ولكن انتم يمكن بتنظروا نظرة مادية.. احنا ما ننظرش للأمور - كشرقيين - هذه النظرة المادية.. احنا يمكن عندنا النظرة المعنوية تساوى أكبر مبلغ يمكن واحد يتصوره.
كانوا عايزين مننا طبعاً ان احنا نسلم لإسرائيل بكل شىء، ونهمل حقوق عرب فلسطين ولا نتجه إليها، وعايزين مننا طبعاً ان احنا نتنكر لإخواننا فى شمال إفريقيا، ويمكن أكتر من كده عايزينا نوافق زى مجلس الأمن ما وافق.. مجلس الأمن من أسبوعين - اللى بتسيطر عليه هذه الدول الكبرى - وافق واعترف، وأقر قيام المذابح والمقصلة فى الجزائر؛ لأنه رفض انه يناقش موضوع الجزائر فى مجلس الأمن؛ كانوا عايزينا نتبع هذه الطريقة ونتبع هذا الأسلوب.. عايزينا ننفذ السياسة التى تملى علينا.
أما قامت مصر وأرادت أن تكون لها الشخصية المستقلة، وأرادت أن تكون لها قومية حقيقية وعزة حقيقية وحرية حقيقية؛ منع عنا السلاح واتسلحت إسرائيل، وبدأ خطر إسرائيل يهددنا. ابتدينا نطالب بالسلاح من بريطانيا، وراحت بعثة لبريطانيا تطالب بالسلاح، قالوا لهم إيه؟ مستعدين نديكم سلاح على شرطين؛ الشرط الأول ان عبد الناصر أما يسافر باندونج يسكت خالص ما يتكلمش! والشرط التانى انكم تبطلوا تهاجموا سياسة الأحلاف وتسيبونا ننفذ خطتنا زى ما احنا عايزين. ما بقتش العملية بيع وشرا، بقت العملية استخدام السلاح للسيطرة والتحكم. طب هو احنا عايزين سلاح يقرر سياستنا، واللا عايزين سلاح احنا اللى نقرر سياسته؟! هل عايزين سلاح يقودنا ويسيرنا كيف يريد الناس اللى بيبيعوه لنا، واللا عايزين سلاح نستخدمه فى تحقيق أهدافنا، وفى تثبيت دعائم حريتنا واستقلالنا؟! طبعاً مافيش داعى أبداً ان احنا نجيب سلاح ونبيع وندفع فيه تمن.. ندفع شخصيتنا، وندفع فيه مبادئنا؛ وبهذا ما قدرناش ناخد سلاح. طالبنا بالسلاح.. وطالبنا بالسلاح بدون أى فايدة.. بالتمن، ماكناش طالبين سلاح مجاناً، ولا معونة ولا صدقة ولا حسنة.
وبعدين استطعنا ان احنا نشترى سلاح من روسيا.. باقول من روسيا مش من تشيكوسلوفاكيا.. من روسيا.. اتفقنا مع روسيا على انها تمدنا بالسلاح، ووافقت روسيا على أن تمدنا بالسلاح، وتمت صفقة الأسلحة، وبعدين حصلت ضجة كبرى.. إيه الغرض من الضجة دى؟ بيقولوا: دا السلاح الشيوعى، مش عارف أنا فيه سلاح شيوعى وسلاح غير شيوعى؟! أنا أعرف السلاح اللى ييجى هنا فى مصر يبقى سلاح مصرى.
وابتدت صحافتهم.. وبقيت استغرب إيه الضجة دى؟! وكل واحد بيستغرب إيه الضجة دى؟! إيه السبب فى الضجة؟ هم قالوا: إنهم عاملين خطة للحفاظ على ميزان التسلح فى الشرق الأوسط - زى ما هم فاهمين هذا الكلام - ٧٠ مليون عربى ومليون صهيونى.. أما يدوا الـ ٧٠ مليون عربى بندقية، حيدوا للمليون صهيونى بندقيتين؛ علشان باستمرار يكونوا متفوقين على العرب، ويكونوا عامل تهديد لهم.
دا حفظ التوازن، يدوا الدول العربية كلها طيارة.. أى دولة عربية يدوها طيارة ويروحوا لإسرائيل يدوها طيارة، ويقولوا: دا حفظ التوازن فى المنطقة.. أى توازن؟! ومين اللى عملوكم أوصياء علينا علشان تحققوا التوازن فى هذه المنطقة؟ هل احنا طلبنا منكم الوصاية؟! احنا شعب حر مستقل ولا نقبل الوصاية من أحد.. ما نقبلش أبداً. ولكن كان فى جيبهم سلاح.. احتكار السلاح.. الاحتكار اللى كانوا بيتحكموا به فينا، فحينما استطعنا أن نقضى على هذا الاحتكار، واستطعنا أن نحصل على الأسلحة التى نريدها بأسرع وقت - شفتوها فى الاستعراض اللى فات - نحصل على هذه الأسلحة؛ انهارت كل الخطط، ما بقاش فيه تحكم عن طريق السلاح.. ما بقتش فيه سيطرة.. لن يستطيع الاستعمار أن ينفذ أغراضه وأهدافه عن طريق الوعد ببعض الأسلحة.
فيه واحد إنجليزى كان كاتب فى جريدة من الجرايد بيقول ان احنا عارفين العرب دول، كل ما يزعلوا نديهم شوية أسلحة كلعب يلعبوا بها.. كلام كاتبينه فى جريدة من الجرايد، علشان بس يضللونا ويخدعونا، وبعدين طبعاً يمسكوا إيدهم.
ومين اللى قوم إسرائيل فى هذه المنطقة؟ مين اللى كان ماسك الانتداب على فلسطين؟ مين اللى كان قائم بالانتداب على فلسطين؟ مين اللى سلمته عصبة الأمم - بعد الحرب العالمية الأولى - حق الانتداب على فلسطين؟ بريطانيا، مين اللى ادى وعد "بلفور" سنة ١٧؟ بريطانيا، مين اللى سبب نكبة أهالى فلسطين بأنه سمح للصهيونيين انهم يتسلحوا والعرب انهم ما يتسلحوش؟ بريطانيا؛ لأنها هى اللى كانت قائمة بالانتداب، وكانت تعلم أن هناك منظمات إرهابية، وتعلم أن هناك منظمات مسلحة، وتعلم أن فى داخل إسرائيل جيش اسمه جيش "الهاجناه" مسلح بأسلحة حديثة، وحيقوم علشان يستولى على فلسطين، ويقضى على العرب قضاءاً كاملاً.
بريطانيا - وهى تعلم هذا - جات فى يوم ١٥ مايو سنة ٤٨ وسابت العرب للصهيونيين، وهى تعلم أن الصهيونيين مسلحين وتسليحهم قوى، وان العرب عزل من السلاح. ماذا كانت تهدف بريطانيا من هذا؟ بل ماذا كان يهدف الاستعمار؟ وماذا كانت تهدف أمريكا؛ اللى اعترفت بإسرائيل يوم ١٥ مايو، بعد دقيقة من إعلانها؟ كانوا يهدفوا حاجة واحدة، يجب ان كل فرد فينا يعرفها ويعلمها لأولاده، القضاء على قوميتنا.. بيعتبروا ان احنا لنا قومية تجمعنا من المحيط الأطلسى إلى الخليج الفارسى، كلنا عرب بنتكلم لغة عربية، هذه قوة يجب أن يعمل لها حساب، إذا استيقظت فستكون قوة دولية كبرى، كيف السبيل إلى تلافى هذا فى المستقبل؟
ييجوا على حتة زى فلسطين - لأول مرة فى التاريخ؛ فى تاريخ العالم، يحدث ما حدث فى فلسطين - يقضوا على أهل فلسطين قضاء كامل، ويجيبوا بدلهم الصهيونيين. كان بيحصل غزو.. كان بيحصل فتح.. ألمانيا فتحت فرنسا.. غزت فرنسا كذا مرة، وبعدين ألمانيا غزيت فى الحرب العالمية التانية، بلاد كتير غزيت، ولكن ماكانش فيه إبادة للجنس، ماكانش فيه إبادة للقومية، بعد الحرب كل واحد بيرجع بلده، ولكن الجنس يبقى والقومية تبقى.
ما حدث فى فلسطين كان عملية إبادة، ولم تكن هذه العملية تهدف إلى إبادة فلسطين فقط؛ ولكنها كانت تهدف إلى إبادة القومية العربية جميعاً.. كانت تهدف إلى القضاء على القومية العربية، وكان الصهيونيون يعلنون دائماً أن وطنهم المقدس يمتد من النيل إلى الفرات، وكان الصهيونيون - لغاية وقت قريب - بيقولوا: ان احنا عايزين نستأنف حرب التحرير لنحرر سينا - يحرروا سينا من مصر! - ونحرر الأردن من العرب، ويحرروا جزء من العراق.. بيقولوا هذا الكلام، وبيقولوه فى البرلمان بتاعهم.. بيقولوا عايزين نكمل حرب التحرير.
إذن لم تكن العملية عملية فلسطين، ولم تكن العملية فقط وطن قومى لليهود؛ ولكنها كانت عملية إبادة.. إبادة للقومية العربية، وإبادة للعرب.. إبادة كاملة.. قضاء على جنس كامل. كان لازم نطلب سلاح علشان ندافع عن نفسنا؛ علشان ما نبقاش لاجئين زى ما أصبح أهالى فلسطين لاجئين وهم فى حماية بريطانيا تحت الانتداب. كان لازم نجد سلاح بأى سبيل من السبل، وبأى طريقة من الطرق؛ حتى لا نكون دائماً تحت هذا التهديد، وحتى لا نكون دائماً تحت تهديد الاستعمار بأن يحرك ضدنا ربيبته إسرائيل، وصديقته إسرائيل.
جبنا السلاح، وتعاقدنا على هذه الأسلحة، وأحب أن أقول لكم احنا نؤمن بمبادئ؛ كانت هذه الأسلحة بدون قيد ولا شرط، ندفع تمنها بس.. مافيش أى قيد، مافيش أى شرط، وهذه الأسلحة اليوم أصبحت ملك لنا.
بعد إعلان صفقة الأسلحة أرسلت واشنطن مندوب إلى مصر - "مستر ألان".. "جورج ألان" اللى هم نقلوه، ودوه أتينا الجمعة اللى فاتت - جا هنا مندوب إلى مصر يحمل رسالة من الحكومة الأمريكية، وكان مفروض انه حيقابلنى، وجت التلغرافات من واشنطن ووكالات الأنباء تقول: إن "مستر ألان" يحمل إنذار إلى مصر.. "مستر ألان" يحمل تهديد إلى مصر، تهديد بقطع كذا وقطع كذا، وعمل كذا وعمل كذا. وبعدين اتصل بى أحد الأمريكان الرسميين وطلب مقابلة خاصة، قابلته، قال لى: إنه متأسف جداً على الحالة يمكن اللى وصلت إليها العلاقات بين أمريكا ومصر، إن "ألان" معاه رسالة شديدة من حكومة أمريكا قد تمس القومية المصرية والعزة المصرية، وإنى أطمنك بهذا الخصوص ان هذه الرسالة مش حيكون لها أثر؛ لأن سنستطيع أن نقضى على آثارها، وأنا أنصحك انك تقبل هذه الرسالة.
سألته.. قلت له رسالة فيها إهانة للقومية المصرية والعزة المصرية؟.. يعنى إيه إهانة للقومية المصرية والعزة المصرية؟! قال: دى رسالة من "مستر دالاس" وهى رسالة شديدة جداً، واحنا مستغربين كيف أرسلت هذه الرسالة! وان احنا نطلب منك أنك تكون هادئ الأعصاب - وأنت طول عمرك هادئ الأعصاب - وتقبل هذه الرسالة بأعصاب هادئة: بعدين قلت له ازاى بس أقبل رسالة يعنى فيها تهديد، فيها جرح للعزة المصرية؟! فقال: لن تترتب على هذه الرسالة أى نتيجة عملية، وأنا أضمن لك هذا، هى بس رسالة مكتوبة حتجرح العزة المصرية فى الجواب، لكن فى العمل مش حتجرح العزة المصرية.
قلت له اسمع أنا مانيش رئيس وزارة محترف، أنا رئيس وزارة جاى بثورة، وعمرى ما فكرت فى حياتى إنى أنا حابقى رئيس وزارة، يعنى دى عملية جات بهذا الشكل. مندوبكم إذا جا لى المكتب واتكلم كلمة حاطرده بره المكتب.. دا كلام رسمى، وحاطلع أعلن.. حاعلن للشعب المصرى انكم أردتم أن تهينوا عزته وتهينوا كرامته، وسنقاتل جميعاً لآخر قطرة فى دمائنا، وأنا عن نفسى سأقاتل فى سبيل عزة مصر وكرامتها لآخر قطرة فى دمى؛ لأن هذه هى المبادئ اللى أنا قمت من أجلها.. دى المبادئ اللى أنا قمت من أجلها. حتهددوا بقطع معونة، مافيش تهديد، حاطلع أعلن قطع المعونة، تهددوا بأى شىء، سأعلنه، وأحب انكم تعرفوا ان احنا ما أخدناش دروس فى الدبلوماسية ولا فى السياسة، احنا ناس قمنا بثورة، وبنتجه إلى تحقيق أهداف هذه الثورة.
الكلام دا حصل فى أوائل أكتوبر، وبعدين جا لى تانى.. طلبنى تانى، وقال لى: إنه راح بلغ هذا الكلام لـ "مستر ألان"، وإن "مستر ألان" محتار.. بيقول: لو جا لك يبلغك هذه الرسالة حينطرد، ولو راح لـ "مستر دالاس" من غير ما يبلغ الرسالة، "مستر دالاس" حيطرده، إيه اللى يحصل؟ (ضحك من الجماهير) قلت له والله أنا ما اعرفش، أنا أعرف شىء واحد؛ إنه إذا جا بلغنى هذه الرسالة حاطرده، كون "دالاس" حيطرده أو ما يطردوش دا موضوع ما يهمنيش. وجا "مستر ألان" وما فتحش بقه بكلمة، قعد واستمع إلى وجهة النظر المصرية، وقال وجهة النظر الأمريكية بإيجاز.
فدى الضجة اللى حصلت بعد السلاح.. تهويش، تضليل، بيعاملونا على أساس زمان.. فاهمين ان احنا سياسيين محترفين، ولكن استطاعت مصر أن تحافظ على عزتها، وأن تحافظ على كرامتها. قامت ضجة فى كل مكان علشان الأسلحة، وتهديدات، وكنت باقرا الجرايد البريطانية والفرنسية والأمريكية كل يوم.. اقرا فيها العجب، شتيمة لا حد لها، وكنت أقول يعنى إنهم يستطيعوا أن ينفسوا بهذا لسبب واحد؛ هم بيشتمونا مش علشان خدنا سلاح، بيشتمونا لأن احنا فلتنا.. فلتنا من الخية اللى كانوا عاملينها لنا.. فلتنا من السلاسل اللى كانوا بيحطونا فيها.. فلتنا، واستطعنا ان احنا - غصب عنهم - نبنى بلدنا، نبنى قوتنا، ونقرر سياسة مستقلة حقيقية.
دى ضجة الأسلحة، ودى صفقات الأسلحة.. طبعاً الباقيين كانوا بيهددوا وبيتكلموا، ولكن أنا ليه كنت باتكلم هذا الكلام؟ كنت باتكلم وأنا مطمئن - يا إخوانى - كل الاطمئنان، كنت باتكلم وأنا باشعر بالقوة، ليه؟ لأنى كنت أشعر ان هذا الشعب جميعه - ٢٣ مليون - كلهم حيكافحوا فى سبيل العزة اللى تحققت، وفى سبيل الاستقلال لأخر قطرة فى دمهم.. هذا الشعب جميعه.. ماكنتش باتكلم بقوة جمال عبد الناصر، أنا حاقاتل على أد ما أقدر، وزى ما قلت لهم لأخر قطرة فى دمى، وفعلاً لأخر قطرة فى دمى، ولكن كنت متأكد أيضاً انكم جميعاً.. كل أبناء مصر حيقاتلوا لأخر قطرة فى دمهم، مافيش تفرقة.. مافيش حزبية.. مافيش انقسامات ينفذوا منها كما كانوا ينفذوا فى الماضى، وإنما نحن جميعاً كتلة وطنية، جبهة متحدة وراء أهداف هذه الثورة اللى قامت سنة ٥٢ تعبر عن آمالنا. كنت أتكلم بقوة.. أتكلم بهذه الشجاعة لأنى عارف إن ضهرى مسنود.. مسنود بكم أنتم.. ومسنود بقوتكم، مسنود بعزيمتكم، مسنود بتصميمكم.
دا كان موقفى.. مش العملية شجاعة من جمال عبد الناصر، أو قوة من جمال عبد الناصر.. العملية شعب متحد، شعب قوى.. جمال عبد الناصر بيحس ان ضهره مسنود.. بيحس إنه وراه شعب قوى قاتل على مر الأيام، وكافح على مر الأيام، ومستعد أن يقاتل، ومستعد أن يكافح.. شعب قوى عرف طعم الحرية وعرف طعم العزة، وشاف لأول مرة علم بلده بيرتفع وحيد.. شعب قوى، حس بهذه الأحاسيس، مستعد إنه يقاتل، مستعد إنه يضحى زى ما ضحى محمود حافظ وصلاح مصطفى فى الأسابيع اللى فاتت، وكانت أخر كلمة قالها صلاح مصطفى.. أخر كلمة قالها صلاح مصطفى بعد ما أغمى عليه يومين، قال: الحمد الله، بلغوهم فى مصر علشان يخلوا بالهم.. كانت أخر كلمة قالها صلاح مصطفى؛ لأنه كان يؤمن بمبادئ.
دى الطينة اللى خلق منها هذا الشعب.. صلاح مصطفى واحد منكم، ابن تاجر من المنصورة، اتعلم فى مدرسة المنصورة، وخرج فى الفلاحين.. فى الدقهلية وفى المنصورة، يحس بإحساسكم ويشعر بمشاعركم. كنت حاسس إن ورايا ٢٢ مليون صلاح مصطفى، كل واحد فيهم حيضحى بدمه ويضحى بنفسه فى سبيل إرساء قواعد العزة، وفى سبيل إرساء الاستقلال.
دا الدافع اللى كان بيدينى القوة، ودا الدافع اللى كان بيخلينى أكلم مندوب الحكومة الأمريكية - بأساطيلها وقوتها وعظمتها - هذا الكلام، وأقوله ان أنا حاطرده.. حاطرده لأنى عارف ان الشعب المصرى لن يقبل هذا، وسيكافح ضد هذا، وسيقاتل فى سبيل حريته لأخر نقطة دم فى عروقه.
وانتهت.. انتهت قصة المفاوضات والأحلاف الأولانية، وبعدين انتهت قصة السلاح، وبدأت قصة السد العالى.
فى سنة ٥٣ - يا إخوانى - زى ما قلت لكم عملنا خطة للتنمية الإنتاجية؛ لزيادة الدخل القومى، وقلنا يجب ان احنا نزيد الدخل القومى بسرعة مضاعفة؛ لسبب.. احنا بنزيد كل سنة نص مليون، يعنى بعد ٣٠ سنة حنبقى حوالى ٤٠ مليون، ومستوى المعيشة بتاعنا يعتبر مستوى معيشة منخفض.
إذن قدامنا عمليتين نعملهم؛ العملية الأولى ان احنا ننتج لرفع مستوى المعيشة، وننتج حتى نوجد دخل للنص مليون اللى بيجوا لنا كل سنة؛ يعنى لازم إنتاجنا يكون مضاعف، الزيادة اللى علينا بتعوز زيادة فى الدخل القومى، زيادة مستوى المعيشة تحتاج إلى زيادة فى الدخل القومى. وابتدينا نفكر.. وجدنا ان مياه النيل بتتجه إلى البحر.. بتروح للبحر هدر كل سنة، قلنا: نستطيع أن نستفيد من مياه النيل.. فيه واحد جا قال لنا على مشروع.. مشروع السد العالى، من سنة ٥٢، وضع موضع البحث سنة ٥٣. هذا المشروع كان موجود من سنة ٢٤، وكانوا بيقولوا على الراجل دا مجنون، ما كانش حد راضى يصدقه.
ووضعنا هذا الموضوع موضع الدراسة، وبعدين قابلتنا عقبة التمويل. المشروع طلع مشروع صالح؛ يدينا حوالى مليون ونص فدان زيادة عن الأرض، يخلص بعد ١٠ سنين، يدينا كهربا حوالى ٢ مليار كيلو وات، تزيد باستمرار. إذن مشروع فعلاً له دخل، وله تأثير فى مستوى المعيشة وفى رفع الدخل القومى. قلنا: فلنتجه إلى تنفيذ هذا المشروع بجانب تنفيذ المشروعات الأخرى الخاصة بتنمية الإنتاج، وابتدينا نقابل عقبة التمويل.. ما عندناش فلوس كفاية علشان ندفع نفقات هذا المشروع؛ اللى هى حوالى ألف مليون دولار.. من ٨٠٠ لـ ١٠٠٠ مليون دولار على ١٠ سنوات.
فى سنة ٥٣ اتصلنا بالبنك الدولى - كلكم طبعاً دلوقت عندكم فكرة عن البنك الدولى بعد البيانات اللى طلعها والردود عليه - اتصلنا به سنة ٥٣ وطلبنا منه - واحنا مشتركين فى البنك الدولى ودافعين فى صندوق البنك الدولى ١٠ مليون دولار من فلوسنا - إنه يساهم معانا فى تمويل هذا المشروع. فقال يعنى: إن فيه عقبات، والأحوال عندكم لا تدعو إلى الاطمئنان، فيه الإنجليز وفيه إسرائيل، أما تسووا موضوعكم وخلافكم مع الإنجليز، وتسووا موضوعكم وخلافكم مع إسرائيل، نبقى نمول هذا المشروع، وكمان أنتم يعنى ما عندكوش نظام برلمانى، احنا نطلب منكم إنكم تعملوا استفتاء على هذا المشروع!
دا الكلام اللى قالوه، وكان كلام غريب جداً! أما رجع وزير المالية بهذا الكلام، كان من الواضح ان مافيش مساعدة حنالها من البنك الدولى، فقلنا نعتمد على أنفسنا، ونعتمد على شركات الصناعة اللى حتعاوننا فى بناء هذا السد. اتصلنا بالشركات الألمانية وبالحكومة الألمانية، وبعدين قالوا إن هم مستعدين يدونا ٥ مليون جنيه كقرض متوسط الأجل، وبعدين اتفقت الشركات الألمانية مع الشركات الفرنسية مع الشركات الإنجليزية - طبعاً اتفقوا على إنهم حيأخدوا هذا المشروع لأنهم حيكسبوا منه؛ لأن المشروع بحوالى بليون دولار، أما حيشتركوا فيه طبعاً حياخدوا حوالى تلت هذا المبلغ أو نص هذا المبلغ فى الحاجات اللى حيدوها لنا، فيه تنشيط لصناعتهم - وبعدين قالوا لنا التلاتة كلهم ٥ مليون على أساس قرض متوسط.
فى شهر نوفمبر سافر وزير المالية إلى لندن وقابل وزير المالية الإنجليزى "مستر باتلر"، واتكلم معاه، فقال له: إن هم مستعدين يرفعوا هذا القرض المتوسط الأجل من ٥ مليون لـ ١٥ مليون - يعنى يبقوا التلاتة ٤٥ مليون - يدونا قرض عملة أجنبية علشان نمول السد العالى، والباقى نكمله احنا عملة مصرية، فسافر وزير المالية إلى واشنطن على هذا الأساس.
الأمريكان قالوا: إنهم كانوا مقررين لمصر ٤٠ مليون دولار معونة، كانوا مقررينها على الورق، لكن ما ادوناش - دا الكلام دا كان فى ديسمبر - هم كانوا مقررينها من يونيو اللى قبله، لمصر ٤٠ مليون دولار معونة، والمفروض انهم حيدوها لنا، ولكن كنا بنطالب، كان باين انهم مش ناويين أبداً يدونا هذه المعونة، فقالوا: طبعاً احنا نستطيع ان احنا نحول لكم هذه المعونة للسد العالى.
الإنجليز رجعوا فى كلامهم، قالوا: إنكم تاخدوا قرض من البنك الدولى، وان احنا نديكم معونة ١٦ مليون دولار؛ فالإنجليز يدونا معونة ١٦ مليون دولار، يعنى ٥ مليون جنيه، والأمريكان يدونا معونة حوالى ٥٦ مليون دولار، يعنى حوالى ٢٠ مليون جنيه.
دى المعونة اللى هم عرضوها، ٢٠ مليون جنيه من الأمريكان، و٥ مليون جنيه من الإنجليز، والبنك الدولى قال: إنه مستعد يدينا ٢٠٠ مليون دولار بعد ٥ سنين - بعد البدء فى المشروع بخمس سنين - واحنا بقى فى الـ ٥ سنين الأولى علينا نصرف من مالنا ومن عرقنا ٣٠٠ مليون دولار. احنا حنصرف من جيوبنا ٣٠٠ مليون دولار، الإنجليز حيصرفوا ١٦ مليون دولار كمعونة، والأمريكان حيصرفوا ٥٦ مليون دولار كمعونة؛ دى المرحلة الأولى من بناء السد العالى اللى هى الـ ٥ سنين الأولى، وبدءوا على هذا يشترطوا ويتحكموا.
حدثت مباحثات فى ديسمبر فى أمريكا مع الحكومة الأمريكية ومع مندوب الحكومة البريطانية ومع مندوب البنك الدولى، وآخر هذه المباحثات الطويلة المريرة جت اقتراحات من البنك الدولى. هذه الاقتراحات جواب من البنك الدولى بعته لى، بيقول: إنه مستعد يشترك فى تمويل السد العالى بـ ٢٠٠ مليون دولار، يعنى بعد ٥ سنين، وإن الـ ٢٠٠ مليون دولار مش حاخدهم مرة واحدة، حاخدهم على أجزاء زى ما أنا عايز، كل جزء نتفاوض فيه، وبعدين حط فى هذا الجواب شروط يجب ان مصر تتبعها علشان تستطيع انها تاخد هذا القرض من البنك الدولى.
البنك الدولى قال: يقدم البنك الدولى ٢٠٠ مليون دولار إذا طلبها التمويل بالعملات الأجنبية، تمويل البنك - دفع الفلوس دى - يتوقف على الاتفاق على شروط القرض، وشروط القرض دى نتفاوض عليها من وقت لآخر، وطبعاً يا نتفق يا ما نتفقش، وبعدين قال: إن هذا القرض يتوقف على الشروط الآتية:
يجب أن يطمئن البنك اطمئنان كامل إن العملات الأجنبية المطلوبة، اللى حتيجى من المنحة الإنجليزية والمنحة الأمريكية، ما تتقطعش، يعنى البنك ربط نفسه بالمنحة الإنجليزية والمنحة الأمريكية، قال: اديكم ٢٠٠ مليون دولار على شرط ان الإنجليز والأمريكان يكونوا راضيين عنكم ويدوكم المنحة.
وبعدين الشرط التانى: يجب أن يتفاهم البنك - البنك الدولى - مع الحكومة المصرية، ويتفق معها من وقت لآخر.. يتفق على إيه؟ يتفق حول برنامج الاستثمار.. برنامجنا الخاص بالاستثمار والتصنيع لازم هو يتفق معانا ويوافق عليه؛ وصاية من البنك الدولى على الحكومة المصرية! تانى حاجة.. حول الحاجة إلى ضبط المصروفات العامة للدولة مع الموارد المالية التى يمكن تعبئتها.. لازم أنا أتفق معاه ازاى أظبط مصروفات الدولة، ولازم البنك الدولى يوافق على هذا الكلام!
وبعدين لا تتحمل الحكومة المصرية أى دين خارجى.. ما نستلفش من حد أبداً ولا مليم، وكذا اتفاقات دفع.. ما نعملش اتفاق دفع زى اتفاق الأسلحة مع روسيا، ما نعملوش إلا بعد موافقة طبعاً البنك.
كذا اتفاقات دفع تزيد عن الكميات المتفق عليها بين الحكومة المصرية والبنك بين وقت وآخر؛ حتى يكون البنك على بينة دائماً من أحوال مصر، وتتفاهم مصر مع البنك مقدماً قبل الاتفاق على أى التزام.
وبعدين قال: إن تنظيم المشروع وتنفيذ المشروع وإدارة المشروع، وإدارة كل مرحلة من مراحل المشروع تخضع للاتفاق بين الحكومة المصرية والبنك.
كل الشروط دى، وبعدين الآخر كتب فى آخر الجواب إيه؟ قال: وأخيراً يجب أن تعلمون أن اتفاقات البنك للمساعدة فى إقامة المشروع خاضعة - بلا شك - لإعادة النظر فيها إذا جدت ظروف استثنائية تستلزم ذلك.
دا الجواب اللى بعته لى البنك بعد مفاوضات ديسمبر.
الحكومة الأمريكية بعتت مذكرة، والحكومة البريطانية بعتت مذكرة، والبنك بعت الجواب دا. الحكومة الأمريكية تحيلنى على مذكرة الحكومة البريطانية وجواب البنك، وجواب البنك يحيلنى على مذكرة الحكومة البريطانية ومذكرة الحكومة الأمريكية، مذكرة الحكومة الإنجليزية تحيل على دى... يعنى العملية بقت عقدة، وظهر ان فيه هناك فخ بيعمل لنا للسيطرة على استقلالنا الاقتصادى.
هذا الكلام رفض رفض بات، وقلنا: ان احنا مش ممكن نبيع نفسنا بـ ٧٠ مليون دولار معونة.
اتكلمنا مع الأمريكان، وقلنا لهم: هل فيه شروط زى دى على المعونات اللى بتعطى لإسرائيل؟ الـ ٤٠ مليون اللى اعتمدوا لمصر كمعونة تعطى لنا علشان نصرفها ما أخدناهاش، ودلوقت بتقولوا نديها لكم تبعاً لشروط البنك الدولى، والبنك الدولى عايز يبعت مدير يقعد مطرحى فى مصر، وحنقدر نمشى ازاى بهذا الكلام؟ هذا الكلام يتنافى مع سيادتنا، يتنافى مع استقلالنا، يتنافى مع مبادئنا.
قلنا لهم: إذا كنتم عايزين تدونا مساعدة، ادونا مساعدة على طول نصرفها زى ما نصرفها، وقارنا بين موقفنا وموقف العرب بإسرائيل، وقلنا: إنكم بتقولوا انتم أصدقاء العرب، إيه المساعدات اللى انتم بتدوها لإسرائيل؟! المساعدات اللى بتديها أمريكا لإسرائيل، واللى أنا ذكرتها وأذكرها لكم.. الهبة السنوية من الحكومة الأمريكية لإسرائيل منذ قيامها حتى الآن من ٣٠ إلى ٥٠ مليون دولار.. إسرائيل كل سنة بتأخد من أمريكا ما بين ٣٠ و٥٠ مليون دولار. المساعدة الفنية اللى بتاخدها إسرائيل من أمريكا تبلغ سنوياً من ٦ إلى ١٤ مليون دولار. المواد الغذائية الفائضة التى تهديها أمريكا لإسرائيل كل سنة ٧ مليون دولار. رءوس الأموال الأمريكية الموظفة فى إسرائيل ومشاريع إسرائيل ٢١٤ مليون دولار. اللى اتباع من سندات قرض الدولار الإسرائيلى فى أمريكا حتى الآن ٢٣٤ مليون دولار. فى ١٢/٧ سنة ٥٥ أعطى بنك أمريكا قرض لإسرائيل قدره ٣٠ مليون دولار. ما جمع من جباية اليهود فى أمريكا لإسرائيل حتى الآن - ودا معفى من الضرائب بقانون أمريكى - ٣ آلاف مليون دولار. ما أعطى لإسرائيل من أمريكا من قروض رسمية ١٦٤ مليون دولار. ما أرسل من تبرعات وهدايا للمؤسسات الإسرائيلية ١١٧ مليون دولار. مجموع التعويضات الألمانية - التعويضات اللى بتدفعها ألمانيا الغربية النهارده، واللى وافقت على انها تدفعها سنة ٥٣ بواسطة ضغط أمريكا - ٣ آلاف و٥٠٠ مليون دولار، تدفع كل سنة جزء منها بضائع وسفن ومصانع.
برغم هذا عجز ميزانية إسرائيل التجارى فى العام ٢٣٠ مليون دولار، هذا العجز بيسدد كله من المساعدات الأمريكية، تبرعات يهود أمريكا فى الستة شهور الأولى من ١٩٥٦ بلغت ٦٥ مليون.. فى الست شهور الأولانيين من السنة دى ٦٥ مليون دولار، يقابلها ٥٨ مليون دولار جمعت خلال سنة ٥٥ كلها.
دى المساعدات اللى بيدوها لإسرائيل، فاللى عايز يساعد بيدى، دا يعنى موضوع بيرجع إلى الرغبة.. اللى عايز يعاون واحد بيدى له، وطبعاً إسرائيل - زى ما نعرف - ربيبة أمريكا؛ فهى بتاخد معونات؛ لأن إسرائيل بدون هذه المعونة لا تستطيع أن تعيش. دا بالإضافة إلى طبعاً حيدوهم معونة حاجات ما قلتهاش؛ يدوهم معونة علشان يوطنوا اللاجئين - مش اللاجئين العرب؛ اللاجئين الصهيونيين اللى جايين من شمال إفريقيا، واللى جايين من بلاد أوروبا - ٥٠ مليون دولار بناء على اتفاقية بين أمريكا وبين إسرائيل.
اتكلمنا مع ممثلين أمريكا، وقلنا لهم: فى فترة ٥ سنين سيصرف على السد العالى ٣٧٠ مليون دولار، ٣٠٠ مليون مصر حتدفعهم و٧٠ مليون انتم حتدفعوهم، وبعد كده المشروع اللى حيتكلف بليون دولار - ألف مليون دولار - البنك الدولى حيدفع منه ٢٠٠، وانتم دفعتم منه ٢٧٠، واحنا حندفع حوالى ٧٣٠ مليون دولار، ازاى أنا اللى حادفع ٧٣٠ مليون دولار أسلمك الخزنة بتاعتى، وأسلمك الحساب بتاعى، وما اعملش حاجة إلا بأوامرك؟! ما اعملش اتفاق دفع إلا أما آخد إذن من البنك الدولى، ما اعملش قرض إلا أما آخد إذن من البنك الدولى، ما أقدرش أقرر مشاريع داخلية إلا أما آخد إذن من البنك الدولى، ما أقدرش أقرر خطة تنمية إلا أما آخد إذن من البنك الدولى.. ازاى بس؟! مين يقبل هذا الكلام؟!
قلت لهم: ان احنا لنا تجربة فى هذا.. تجربة، وان احنا استغلينا، وان احنا احتللنا على هذا الأساس، وإن النتيجة جا "كرومر" قعد لنا هنا فى مصر. ورفضنا هذا رفض كامل، وقلنا: ان احنا لن نقبل هذه الطريقة.
فى هذا الوقت.. فى هذه الأيام حضر السفير الروسى، وقال: إن روسيا مستعدة انها تشترك فى تمويل السد العالى - دا بعد ديسمبر - فأنا قلت له ان احنا بنتكلم دلوقت مع البنك الدولى، ونؤجل الكلام فى التفاصيل.
ابتدينا نتكلم مع البنك الدولى، عرفوا ان هناك عرض روسى، عرفوا اعتراضاتنا، وصل إلى مصر فى فبراير سنة ١٩٥٦ - فبراير الماضى - مدير البنك الدولى، وبعت جواب قال: إنه عايز نبعت له دعوة علشان ييجى يتكلم معانا، وهو حيسهل كل هذه الأمور. وبدأت المفاوضات فى شهر فبراير مع مدير البنك الدولى، وحينما قابلت مدير البنك الدولى، قلت له بصراحة.. قلت له احنا عندنا عقد من القروض والفوايد، وما نقدرش نفصل هذا عن السياسة، وان احنا احتلينا بسبب الفوايد وبسبب القروض وما نقدرش ننسى، هذا التاريخ عالق بذهننا وعالق بدمنا، لا يمكن أبداً ان احنا نقبل أى مادة تمس بسيادتنا.
وبعدين قلت له يعنى أنا مش شايف كمان.. يعنى مافيش ثقة، مش شايف حتى أما تشرفوا على ميزانيتنا انكم حتصلحوها؛ لأن فيه بلد جنبنا فى الشمال انتم مشرفين على ميزانيتها لأنها عاملة اتفاقيات معاكم، واقتصادها منهار، وطالبة دلوقت تدوها قرض ما انتوش راضيين، فإذا كنتم انتم فعلاً يعنى الإشراف بتاعكم بيصلح؛ كنتم صلحتم البلد اللى انتم واخدين فيها هذه المشاريع وبتدوها القروض. وان احنا نثق فى نفسنا، وإن تقرير البنك الدولى للاقتصاد المصرى بيقول: إن الاقتصاد المصرى سليم، ومصر تستطيع انها تتحمل نصيبها فى هذه النفقات.
وقلت له كان مفروض ان احنا نبتدى فى يونيه الحالى.. نبتدى فى يونيه الحالى أول مرحلة من مراحل المشروع - والكلام دا كان فى فبراير - قلت له على هذا الأساس ما نقدرش أبداً نقرر البدء فى المشروع قبل ما نعرف إيه الاتفاق النهائى اللى حييجى بينا وبينكم!
بعد مفاوضات طويلة قال: إن هو ما يقدرش يوقع اتفاق نهائى فى الوقت الحالى؛ لأن هناك مسائل قانونية، ولغاية ما نحل اتفاق الميه بين السودان ومصر.. وبعد ما نحل اتفاق الميه بين السودان ومصر بيبقوا يوقعوا الاتفاق، وان احنا نقدر نبتدى من النهارده فى المشروع معتمدين على السبعين مليون دولار اللى جايين لنا من أمريكا وإنجلترا.
وبعدين هل إنجلترا وأمريكا حتدينا معونات تانى غير الـ ٧٠ مليون دولار؟! هم المفروض كانوا قايلين حيدونا ٤٠ مليون دولار كل سنة، دلوقت بيقولوا ٥ سنين حيدونا ٧٠ مليون دولار، فقالوا: إنهم ما يضمنوش انهم يقولوا لنا على المستقبل يقدروا يدونا أكتر من السبعين مليون دولار أو لأ!
ظهر الفخ اللى فى العملية؛ ظهر ان احنا ناخد السبعين مليون دولار ونبتدى نبنى المشروع، واحنا طبعاً متحمسين عايزين نبنى السد العالى، وكل يوم بنقوم ونقول: السد العالى وبناء السد العالى - وفعلاً احنا كنا ابتدينا فى عمل طرق، وابتدينا فى إنشاء محطات هناك وبناء بيوت للعمال، وبعد ما نمضى المشروع - بعد ما نبتدى فى البناء ونصرف فلوس، حنبتدى نصرف الـ ٣٠٠ مليون دولار وناخد الـ ٧٠ مليون دولار المعونة الأمريكية، نيجى نطلب من البنك الدولى انه يوقع معانا الاتفاق النهائى علشان يدينا الـ ٢٠٠ مليون دولار، سيفرض البنك الدولى شروطه، وحنكون قدام حاجة من الاتنين؛ يا إما نرفض هذه الشروط، يقول: ارفضوا مااديكوش.. مافيش.. يا تقبلوا شروطى.. مافيش، وبعدين نيجى ونقف فى وسط المشروع ونبقى صرفنا ٣٠٠ مليون دولار هباء، نبقى رميناها فى البحر، أو نضطر ان احنا نخضع ونستسلم ونقبل شروط البنك الدولى انه يبعت واحد يقعد مطرح وزير المالية، ويبعت واحد يقعد مطرح وزير التجارة، ويبعت واحد يقعد مطرحى، واحنا نبقى قاعدين فى هذه البلد ما نعملش حاجة إلا بعد ما ناخد منهم التعليمات وناخد منهم الأوامر.
دا الفخ اللى ظهر، وبعدين قررنا، وأبلغنا مدير البنك الدولى ان احنا قررنا ألا نبدأ فى السد إلا بعد توقيع اتفاقية المياه مع السودان الشقيق، وبعد توقيع الاتفاق النهائى مع البنك الدولى، ونعرف شروطه إيه، وأوله إيه ونهايته إيه، وان احنا ادينا أوامر بإيقاف العمل فى هذا المشروع من شهر فبراير فى الحاجات اللى ماشية هناك؛ حتى لا ندخل فى مغامرة يتحكم فينا الاستعمار بسببها، ويحاول أن يستغلنا اقتصادياً ويسيطر علينا اقتصادياً بعد أن فشل فى أن يستغلنا سياسياً ويسيطر علينا سياسياً.
وبلغنا هذا الكلام لمدير البنك الدولى، ومدير البنك الدولى قال: طيب أنا مستعد أغير الشروط، وأبعت لكم جواب مافيهش الكلام اللى أنتم بتشتكوا منه. قلت له هل تضمن لى إن الجواب اللى حتبعته مافيهش هذا الكلام هو الاتفاق النهائى، واللا هذا الجواب اللى أنا حابتدى على أساسه المشروع شىء والاتفاق النهائى شىء آخر؟ فلم يضمن أن يكون الاتفاق النهائى مماثل للجواب.
قلت له طيب نكتب الاتفاق دلوقت ونمضى عليه دلوقت ونؤجله، نقول ينفذ بعد توقيع اتفاقية المياه مع السودان، بس نكون عارفين قبل ما نبتدى إيه شروطكم. فرفض، وقال: لأ ما نقدرش نمضى اتفاق إلا بعد ما تتفقوا مع السودان وتحلوا مشاكلكم القانونية، وانتم تقدروا تبتدوا دلوقت فى المشروع بفلوسكم - بالسبعين مليون دولار - وبعدين فى نص السكة نبتدى نتفاوض علشان نعقد لكم القرض.
طبعاً كانت هناك خدعة.. كان هناك خديعة كبيرة جداً.. العملية توريط علشان نتذل لهم، ونقع تانى تحت رحمتهم، يتحكموا فينا. قدامنا حلين: يا نبنى السد ونسيبه ككوبرى، وما نرضاش نقبل شروطهم، يا نقبل شروطهم علشان نكمل السد، فى نفس الوقت تكون فلوسنا - الـ ٣٠٠ مليون دولار - استنزفت وراحت فى الهوا بدون أن نأخذ منها أى نتيجة.
قررنا ألا نبدأ فى السد إلا بعد أن نعلم كل العلم كيف سيمول السد، بعد ما نتفق مع البنك الدولى اتفاق نهائى، وبعد ما نتفق على اتفاقية الميه، وبعد ما نمول مواردنا، وقبل ما نبتدى فى الطريق نعرف ازاى حننتهى. وفى فبراير الماضى أوقفنا هذا العمل كله، ومدير البنك الدولى بعت لنا جواب.. طبعاً هذا الجواب ليس له قيمة، وأنا من هذا الوقت باعتبر ان هذا الجواب مالوش قيمة؛ لأنه جواب بيقول: ان أنا حاشترك معاكم بـ ٢٠٠ مليون دولار بعد حل الميه مع السودان، الفلوس تاخدها على أقساط بمفاوضات بين البنك وبينكم. لكن طبعاً هذا الجواب مافيش بنك يصرفه.. ليس له أى قيمة، والأيام اللى فاتت دى أثبتت طبعاً انه مالوش أى قيمة وليس له أى اعتبار. رغم هذا قررنا ان احنا نوقف وما نبتديش لغاية ما نعرف الطريق السليم، وبعدين الجواب اللى بعته لنا البنك الدولى ماكانش فيه أى حاجة تمس سيادتنا، أو سيطرة على ماليتنا، أو كلام من دا فقبلنا هذا الجواب.
ولكن كانت هناك مذكرة الحكومة البريطانية ومذكرة الحكومة الأمريكية؛ اللى كانوا بعتوها مع الجواب الأولانى، وبيقولوا فيها برضه بعض حاجات تمس سيادتنا، وتبين أن هناك نية إلى سيطرة اقتصادية وتحكم اقتصادى.
ففى فبراير السفير الأمريكى والسفير الإنجليزى فى مصر بلغوا ان احنا غير موافقين على هذه المذكرات، وانكم إذا كنتم عايزين تقدموا هذه المعونة قدموها ولكن بمذكرة تشيلوا منها كل كلام يبين انكم حتسيطروا على سياستنا أو على سيادتنا أو على اقتصادنا، وأى كلام يمثل السيطرة على استقلال مصر، والكلام دا. راحت المذكرتين للحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية من فبراير، وطبعاً ما رجعش أى رد عن المذكرتين حتى الآن.
فى مارس.. قبل مارس فى ٢٩ فبراير، كان الكلام اللى قبل كده بيقولوا إنهم.. بريطانيا عايزة تتوسط بينا وبين إخوانا السودانيين فى سبيل الوصول إلى تفاهم، فجا "سلوين لويد" فى ٢٩ فبراير وتقابلنا عندى فى البيت، وابتدا يتكلم إنه عايز.. بيعرض انه يعاون على حل المشاكل الخاصة بالمياه بينا وبين السودان. فأنا قلت له والله إن تصرفاتكم تدل على انكم ما انتوش بتحلوا المسائل ولكن بتعقدوا المسائل، تصرفاتكم فى السودان وتصرفات جرائدكم ومحطة إذاعتكم كلها متجهة إلى إثارة السودانيين ضد السد العالى، وهذه وقائع ملموسة. جميع المقالات اللى فى جرايدكم، محطة إذاعة لندن، محطة إذاعة الشرق الأدنى - اللى هى بتاعة الإنجليز - كلهم بيقولوا تعليقات الغرض منها بث روح الخوف والرفض فى إخوانا السودانيين. بعدين قلت له والأنكى من هذا سفارتكم فى الخرطوم بتلم المقالات دى كلها وطبعتها فى كتاب ووزعتها فى الخرطوم، وبتقول للسودانيين: إن السد العالى ضد مصالحكم، وإن السد العالى ضدكم، وانكم كذا وكذا وكذا، ودا يفهمنى انكم عايزين تخلقوا عداء بين مصر والسودان، دا كلام مع "سلوين لويد".
فمنين هذه الوقائع الملموسة بتحصل، ومنين انت دلوقت جاى بتقول إنك عايز تقوم بدور وسيط بين مصر والسودان، أو تساعد على حل المشاكل المعلقة بالسودان؟ كان الواضح - يا إخوانى - ان الإنجليز بكل قوة، وبكل ما يستطيعوا من قوة بيحاولوا يبثوا روح الكراهية فى إخوانا السودانيين؛ لأن الإنجليز طبعاً يهمهم ان احنا نقع مع السودان، وإذا وقعت مصر مع السودان سيستطيعوا هم انهم ينفذوا لحماية أى منهم ضد الآخر.
الكلام دا حصل فى فبراير.. فى نفس الوقت وقف "لورد كليرن" - كلنا نعرف "اللورد كليرن" - فى مجلس اللوردات البريطانى وقعد يشتم فى مصر ويقول: مصر ازاى نديها المساعدة؟ مصر ازاى نعاونها؟ مصر اللى ما بتسمعش كلامنا، مصر اللى النهارده بتنادى بحرية، وبتتزعم الدعوة التحريرية، وبتحاربنا فى كذا، ازاى نديها الـ ٥ مليون جنيه؟! فيجب ان احنا ما نديش مصر الـ ٥ مليون جنيه.. ويجب ان احنا ما نديش مصر ٥ مليون جنيه ونقطع عنها هذه المعونة... وكلام فى منتهى البذاءة.. كلام من "لورد كليرن".. طبعاً كلكم عارفين مين هو "اللورد كليرن"، وبدأ فى مجلس العموم كلام بهذا الشكل.
فى يوم ١٤ مارس قابلت السفير البريطانى فى البيت، وقلت له احنا شعب عاطفى، يمكن احنا نفضل الكلمة الحلوة عن مليون دولار، ولا نقبل الشتيمة بـ ١٥ مليون دولار، والكلام اللى بيتقال عندكم من النواب واللوردات و"كليرن" بالذات كلام لا نقبله. احنا ما طلبناش منكم هذه المعونة، واحنا قبلناها حتى لا يكون رفضنا لها يعتبر إهانة. انتم اللى عرضتم انكم تدفعوا ٥ مليون، احنا ما رضيناش نقول لأ، واحنا دولة مش غنية قوى لكن دولة غنية، الـ ٥ مليون نستطيع ان احنا نوفرهم. وقلت له احنا نستطيع ان احنا نوفر ٥ مليون جنيه، لو دقينا زلط زيادة شوية وطلعنا طوب زيادة شوية من مصر نجيب الـ ٥ مليون جنيه اللى انتم بتدوهم معونة، فاحنا واخدين هذه المعونة علشان ما نرفضهاش، وعلشان ما يبانش ان دا يعنى خطوة من مصر بترفض علامة حسنة منكم. قبلناها، ولكن إذا تكرر هذا الكلام فاحنا حنرفضها، واحنا نستطيع ان احنا نشتغل زيادة شوية، نكسر طوب زيادة شوية، نجيب ٥ مليون جنيه فى مصر؛ لأن دخلنا القومى أكتر من ٩٠٠ مليون جنيه.
وسار الحال على هذا الأساس، وبعدين ما ردتش لا الحكومة البريطانية ولا الحكومة الأمريكية على المذكرات اللى احنا بعتناها.
طبعاً حصل فى فبراير تانى.. حصل فى أواخر فبراير ان "جلوب" انطرد من الأردن، وان "سلوين لويد" أما راح البحرين حاصروه هناك وضربوه بالطوب، وبيقولوا: دا نتيجة كلام مصر. حصلت اضطرابات فى عدن نتيجة ان العمال طالبين رفع الأجور، وبدأت حملة شنيعة من أول مارس فى الصحافة البريطانية ضد مصر، لدرجة ان فيه واحد نائب اسمه "فريزر".. "يوز فريزر"، قال: احنا لازم نشوف لنا طريقة نخلص من مصر، نروح نعمل سد عند النيل من أوغندا وكينيا ونمنع الميه عن مصر علشان نخلص منها خالص! دا يعنى يبين الجنون اللى وصلوا إليه هؤلاء الناس.
بدأت حملة شديدة من الكراهية.. ان احنا بنهددهم فى أرزاقهم، وان احنا بنهددهم فى البترول اللى بياخدوه. وأنا أعلنت واديت تصريح فى الصحف البريطانية، وقلت ان احنا ليس لنا أى دخل فى المصالح الاقتصادية المشروعة لأى دولة فى هذه المنطقة - زى الكلام اللى طلع فى مؤتمر بريونى - ولكنا نقاوم ما تسمونه بمناطق النفوذ.. لا يمكن ان احنا نبقى منطقة نفوذ لحد.. لا يمكن أبداً أن يقف واحد فى البرلمان الإنجليزى أو مجلس العموم ويقول منطقة النفوذ البريطانية فى الشرق الأوسط أو منطقة النفوذ فى مصر، دا موضوع ما نقبلوش، أما مصالحكم المشروعة احنا موافقين عليها.. ليس لنا أى اعتراض عليها.. مصالحكم الاقتصادية المشروعة ليس لنا أى اعتراض عليها.
فى شهر يونيو سنة ١٩٥٦ - الشهر اللى فات - تقررت زيارة وزير خارجية روسيا إلى مصر - "مسيو شيبيلوف" - وفى نفس الوقت بعت مدير البنك الدولى قال: إنه عايز ييجى فى هذا الوقت، قلنا له: اتفضل أهلاً وسهلاً. حدثت المحادثات.. حدثت محادثات بين الحكومة المصرية و"مسيو شيبيلوف" - وزير خارجية الاتحاد السوفيتى - وعرض وزير خارجية الاتحاد السوفيتى استعداده لمعاونة مصر فى جميع الميادين التى تطلب المعونة فيها، إلى درجة إعطاء قروض طويلة الأجل (تصفيق)، وقال: إن كل حاجة سيتعاونوا فيها حتكون بدون قيد ولا شرط، وان احنا اللى علينا نطلب منهم. وقال: ان احنا ما احناش عايزين منكم مواد خام؛ لإن احنا عندنا جميع المواد الخام، وقال أيضاً "شيبيلوف" - وزير خارجية روسيا - قال، وقال لى هذا الكلام: ان احنا مش عايزين نوقع بينكم وبين الدول الغربية؛ لإن احنا بنتجه إلى السلام ويهمنا أن يكون فيه سلام بينكم وبين الدول الغربية، وقال: ما تعتبرش ان احنا غرضنا من ان احنا نتعاون معاكم ان احنا نثيركم على الدول الغربية أو نخلق اضطرابات، احنا بنعمل الآن على كسر حدة التوتر فى العالم؛ ولهذا سياستنا انكم تكون علاقتكم كويسة مع الغرب، واحنا نتعاون معاكم، ولا نهدف أبداً إلى إثارتكم مع الغرب.
شكرت وزير خارجية روسيا على هذا الكلام، وقلت له ان احنا نؤجل الكلام فى التفاصيل لحين زيارتى إلى روسيا فى شهر أغسطس.
تانى يوم جا مدير البنك الدولى.. وجا قابلنى فى البيت بالليل الساعة ١٠ أو بعد ١٠، وقال: إنه جاى ليؤكد ان البنك الدولى عند وعده اللى قاله فى شهر فبراير، وانه مصمم على تمويل هذا المشروع، وانه يستطيع انه يقول إن الحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية - وهو متصل بهم - برضه عند هذا الوعد، فقلت له: واحنا برضه عند الكلام اللى كنا فيه فى فبراير حنتفاوض ونتفاهم، وما احناش حنبتدى المشروع إلا بعد ما نصل إلى الاتفاق النهائى.
دا الكلام اللى حصل لغاية حوالى ٢٠ يونيو من الشهر الماضى. وصل سفيرنا فى أمريكا إلى مصر، وقابل "دالاس" قبل ما ييجى، وجا قال لى: إنه هو فى مقابلته "لدالاس.. هم عايزين يمولوا المشروع ويستمروا فى معونة المشروع، ولكن همه حاسين ان احنا ما احناش عايزين. قلت له والله احنا عايزين هم يمولوا المشروع واحنا حاسين إن هم مش عايزين، دا اللى احنا حاسينه، وإنك انت تقدر تسافر هناك وتقول لهم: ان احنا عايزين نتكلم ونتفاوض لتمويل هذا المشروع.
وصل أحمد حسين - سفيرنا فى واشنطن - إلى مقر عمله على انه يقابل "دالاس" ويبعتوا الرد على المذكرات اللى احنا بعتناها، ويقولوا لنا رأيهم النهائى فى هذا الموضوع.
وبعد يومين أعلنت الحكومة الأمريكية بيان فى الصحف، وصفت البيان دا أول امبارح بما يستحقه - حاقراه النهارده - أذاعته وزارة الخارجية يوم ٢٠/٧ قالت فيه: إنهم اشتركوا فى ديسمبر ٥٥ مع إنجلترا ومع البنك الدولى فى عرض مساعدة مصر، وبعدين قالوا: إن هذا المشروع ذو جسامة بالغة، إتمامه يستغرق زمن يتراوح بين ١٢ سنة و١٦ سنة، تقدر نفقاته بنحو ١٣٠٠ مليون دولار، منها أكثر من ٩٠٠ مليون دولار بالعملة المحلية. وبعدين اتكلموا على حقوق فى مياه النيل.. هذا المشروع لا يؤثر فى حقوق مصر ومصالحها وحدها، بل يؤثر كذلك فى حقوق بلاد أخرى ومصالحها، تساهم فى مياه النيل، ومنها السودان وإثيوبيا وأوغندا.
طبعاً أول مرة يثيروا إثيوبيا وأوغندا، وبرضه بيحاولوا يعملوا فتنة بين مصر وبين السودان - زى ما قلت لكم فى الأول - بهذا البيان. هم يهمهم طبعاً ان الدول فى هذه المنطقة تتخانق مع بعضها، وكل دولة تقع مع التانية، وكل دولة تروح تقول لأمريكا: تعالى ساعدينى أحسن الدولة دى تعتدى على والدولة دى تغتصب منى كذا، وبهذا ييجوا هم ويتحكموا فى هذه المناطق.
لم يثار ولا فى تقرير البنك الدولى موضوع إثيوبيا ولا موضوع أوغندا. وموضوع السودان أنا بلغتهم انكم مالكوش دعوة بموضوع السودان، لا عايزين وساطتكم ولا عايزين مساعدتكم ولا عايزين منكم أى حاجة، ان احنا اتكلمنا مع السودانيين، وإخوانا السودانيين متفاهمين معانا، جميع الفئات. أما جا هنا إسماعيل الأزهرى اتكلمت معاه، والراجل كان مستعد لأن نتفاهم، واحنا كنا مستعدين نتفاهم، ماكانش واحد فينا بيحدد... حينما وصل الميرغنى حمزة - وزير الرى فى السودان - اتكلمنا وكل واحد فينا ريح التانى، ما حصلش شد وجذب، ماكانش باين ان احنا بنختلف اختلاف مرير، أما جا عبد الله خليل - رئيس وزارة السودان الحالى - كانت روحه طيبة جداً .
دى روح إخوانا السودانيين بجميع فئاتهم وبجميع أحزابهم، مافيش داعى بقى للإنجليز ولا الأمريكان يتدخلوا علشان يتوسطوا، واللا علشان يحاولوا انهم يقربوا. قلت لهم يعنى انتم مالكوش دعوة، بس بلاش المنشورات اللى بتوزعوها والكراسات اللى بتوزعوها ضد المشروع. لكن طبعاً وزارة الخارجية قايمة بتقول: مصالح السودان ومصر. مصالح السودان ومصر تقررها السودان ومصر، وإيه دخل واشنطن فى هذا الموضوع؟.. إيه دخل أمريكا فى هذه العملية؟!
مصر والسودان اتخلقوا بهذا الشكل، مربوطين فى بعض ماحدش حيقدر يفصلهم أبداً، موجودين من أول الخليقة حتى الآن؛ مصر فى الشمال والسودان فى الجنوب. مافيش دولة منهم حتعزل حتروح أمريكا الشمالية ولا أمريكا الجنوبية، قاعدين هنا إلى أبد الآبدين، دا كلام يعنى طبيعى، موضوع مفروغ منه، هم دخلهم إيه؟! ولكن حب الوصاية، وحب التحكم، وحب السيطرة، وإثارة النفوس، وإثارة المنازعات، وخلق البلبلة.
وبعدين طبعاً دخلوا أوغندا علشان يدخلوا إنجلترا؛ لأن أوغندا تعتبر مستعمرة بريطانية، فبقت مصالح إنجلترا فى مياه النيل، وبعدين الحبشة.
وبعدين البيان قال: إن هناك اعتبار هام آخر يتعلق بإمكان تنفيذ المشروع، ومن ثم بجدوى المعونة الأمريكية - المعونة الأمريكية اللى هم الـ ٥٤ مليون دولار، واللا الـ ٥٦ مليون دولار - المعونة الأمريكية من الناحية العملية وهو استعداد مصر وتوافر القدرة لديها على تركيز مواردها الاقتصادية فى هذا البرنامج الإنشائى الضخم، ولم تكن التطورات التى شهدتها الشهور السبعة الماضية ملائمة لنجاح المشروع.
وعلى هذا انتهت أمريكا إلى أنه من غير العملى فى الظروف الحاضرة أن تشترك فى المشروع؛ إذ لم يتم الاتفاق بين الدول المشتركة فى مصادر مياه النيل، كما أن مقدرة مصر على تخصيص موارد كافية تضمن نجاح المشروع باتت أكثر افتقاراً إلى التوكيد مما كانت عليها عند تقديم العرض.
التطورات اللى ظهرت فى الشهور السبعة الماضية، إيه هى؟ يا ترى دى تطورات اقتصادية واللا تطورات سياسية؟ فيه حاجة غريبة كمان فى هذا البيان الأمريكى أنا ما قريتهاش، بتقول: بيتكلموا.. وزير خارجية أمريكا بيكلم الشعب المصرى؛ يعنى بيقول: القرار دا لا ينم على تغيير فى العلاقات الودية بين الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكى والشعب المصرى؛ يعنى الكلام اللى احنا بنتكلم فيه دا بيتعلق بجمال عبد الناصر بس، ما بيتعلقش بالشعب المصرى، هم بيتكلموا رأساً إلى الشعب المصرى. طبعاً طريقة يعنى باين فيها... واحنا خبرناها بمئات السنين - آبائنا وأجدادنا - وعارفين الطرق دى.
إيه التطورات اللى حصلت فى السبع شهور الماضية؟ بيشككوا فى الاقتصاد. فى السبع شهور الماضية الاقتصاد المصرى والإنتاج المصرى تدعم وزاد، من الناحية الاقتصادية فى سنين الثورة، وأنا حاقرا لكم كلام جاى فى تقرير للأمم المتحدة، اللى هو الكتاب الإحصائى السنوى للأمم المتحدة. الكتاب الإحصائى السنوى للأمم المتحدة بيقول: زاد مجموع الدخل القومى المصرى من ٧٤٨ مليون جنيه سنة ٥٢ إلى ٧٨٠ سنة ٥٣، إلى ٨٦٨ سنة ٥٤. يعنى احنا بنشتغل وبننتج وثروتنا بتزيد، ووضعنا الاقتصادى زاد.. دخلنا القومى كان ٧٤٨ سنة ٥٢، سنة ٥٤ بقى ٨٦٨، يعنى زدنا ١٢٠ مليون جنيه فى سنتين.. دخلنا زاد ١٢٠ مليون جنيه فى سنتين.
زاد مجموع الدخل الزراعى فى سنة ٥٤/٥٥ بمبلغ ٣٨ مليون جنيه ١٥%، بلغ ٤٢٠ مليون جنيه بعد أن كان ٣٨٢، زاد الإنتاج الزراعى من ١٢٣% سنة ٥٢ إلى ١٣١% سنة ٥٤، برضه دا من نفس الكتاب الإحصائى بتاع الأمم المتحدة سنة ٥٥.
سجل الإنتاج الصناعى فى سنة ٥٥ تقدماً كبيراً؛ إذ تراوحت نسبة الزيادة فى فروعه المختلفة بين ١٥% و٢٥%، وأنا اتكلمت عن هذا فى خطبتى اللى قلتها فى أول يونيو فى التعاون، بلغت الزيادة أقصاها فى إنتاج الحديد والزهر.. زاد إنتاج الحديد والزهر ٩٤%.
انتعشت حركة المبادلات الخارجية فبلغت الصادرات المصرية فى المدة من أول يناير إلى آخر يونيه سنة ٥٦ (٩١) مليون جنيه؛ أى بزيادة قدرها ٢١ مليون جنيه... إلى آخر البيانات الاقتصادية اللى معروفة، واللى اتنشرت فى الميزانية.
إيه التطورات اللى حصلت فى السبع شهور الماضية؟ هم بيحاولوا يبينوا ان هى تطورات اقتصادية، التطورات تطورات استقلالية، تطورات حرية، تطورات عزة، تطورات كرامة.. التطورات اللى حصلت فى السبع شهور الماضية ان احنا بنينا سد للعزة والكرامة، سد للحرية والاستقلال ضد الأطماع.. التطورات اللى حصلت ان احنا صممنا نقوى جيشنا ونسلح جيشنا، صممنا تكون لنا شخصية مستقلة، صممنا تكون لنا حرية مستقلة.
الغرض طبعاً من هذا الإجراء اللى أعلن يوم ٢٠ يونيو.. وأنا باتكلم عن الحكومة الأمريكية مش حاتكلم عن الحكومة البريطانية؛ لأن الحكومة البريطانية أعلنت يوم ٢١، تانى يوم بعدما أعلنت الحكومة الأمريكية بعد ما وصلها الجواب من أمريكا، والبنك الدولى طبعاً أعلن بعد بريطانيا برضه، بعد ما وصلته التعليمات من أمريكا، فأنا باتكلم عن أمريكا فى هذا الموضوع، إيه الغرض من هذا؟ بيعاقبوا مصر؛ لأن مصر رفضت أن تقف بجوار التكتلات العسكرية. مصر نادت بالسلام وتحقيق حقوق الإنسان، مصر نادت بالمبادئ اللى كتبوها هم فى ميثاق الأمم المتحدة ونسيوها.. كتبوها بعد الحرب العالمية التانية ونسيوها، هى اللى احنا بنادى بها النهارده: الحرية، حق تقرير المصير، القضاء على الاستعمار، عدم الانحياز، التعايش السلمى الإيجابى، التعاون مع جميع الدول، نعادى من يعادينا ونسالم من يسالمنا. دا الكلام اللى بتنادى به مصر، ازاى نقدر نقول هذا ولا نسمعش كلام الكونجرس الأمريكى اللى بيمثل تكساس، اللى بيمثل مش فاهم إيه؟! ليه؟ ازاى ما ناخدش أوامرنا من هناك؟!
ويقفوا أعضاء الكونجرس.. من قيمة شهر ونص أو شهر وقف واحد من أعضاء الكونجرس يقول: ازاى مصر تتبع هذا الكلام وتتبع سياسة وما تسمعش كلامنا؟! اقطعوا المعونة عنها و... و... و... إلى أخره، ما تدوهاش المعونة اللى بتاخدها. واحنا ما بناخدش ولا مليم معونة منهم، حاجة يعنى غرور وتحكم فى الشعوب.
احنا رفضنا ان احنا نقبل هذا التحكم.. نقبل هذه السيطرة، بيعاقبونا بهذا بالـ ٧٠ مليون دولار اللى كانوا حيدوهم لنا على خمس سنين بـ ١٢ مليون دولار، وبيعاقبونا على هذا على أساس ان احنا بنعمل مشروع تنمية وعايزين ننمى الإنتاج ونرفع مستوى الإنتاج فى البلد، فبيقولوا: إنهم حيعطلوا لنا هذا، وبيقولوا فى جرايدهم: ان احنا بنعمل الكلام دا علشان الشعب المصرى يعرف ان ناصر ضره، والشعب المصرى يبقى يعنى يضغط عليه علشان يسمع كلام الأمريكان وكلام أمريكا.
دا الكلام اللى بيقولوه فى جرايدهم، ما يعرفوش ان أنا بارفض لأن الشعب المصرى مش موافق على هذا الكلام اللى بيطلبوه، العملية بهذا الشكل، إجراء...
احنا كنا مأجلين السد العالى، هم ابتدوا يقولوا ويتكلموا على تمويل السد العالى. حينما وصل "بلاك" - اللى هو مدير البنك الدولى - وابتدا يتكلم معايا فى تمويل السد العالى وقعد يقول: ان احنا بنك دولى، احنا ما احناش بنك سياسى، وأنا ماليش دعوة بأمريكا مطلقاً، أنا مستقل أقول الرأى اللى أؤمن به، فأنا قلت له إن مجلس الإدارة بيمثل دول، كيف يكون مجلس الإدارة بيمثل دول وما يكونش بنك سياسى؟ طبعاً أنت بنك سياسى؛ لأن ما تقدرش تعمل أى قرار إلا إذا وافق عليه مجلس الإدارة اللى بيمثل الدول، ومجلس الإدارة أغلبه من الدول الغربية اللى ماشية فى فلك أمريكا.
وابتدأت أنظر إلى "مستر بلاك" - اللى هو قاعد على الكرسى - وكنت أتخيل ان أنا قاعد وقاعد قدامى "فرديناند ديلسبس"، رجع بى التفكير إلى الكلام اللى كنا بنقراه سنة ١٨٥٤؛ ١٨٥٤ وصل مصر "فرديناند ديلسبس" وراح لمحمد سعيد - سعيد باشا - اللى هو الخديوى، وقعد جنبه وقال له: عايزين نحفر قنال السويس، قنال السويس حتفيدك فائدة لا حد لها، قنال السويس مشروع ضخم سيعيد لمصر الكثير.
كل "بلاك" ما كان يقعد يتكلم وأحس بالعقد اللى موجودة، والحاجات اللى موجودة فى الكلام اللى موجود، يرجع بى التفكير إلى "فرديناند ديلسبس". وبعدين قلت له اسمع.. ان احنا عندنا عقدة من هذه المواضيع، مااحناش عايزين نجيب "كرومر" فى مصر تانى علشان يحكمنا. عملوا زمان قروض وفوايد على القروض، والنتيجة ان بلدنا احتلت، فأرجوك فى كلامك معايا تحط هذا الاعتبار فى نفسك؛ عندنا عقدة من "ديلسبس"، عندنا عقدة من "كرومر"، عندنا عقدة من الاحتلال السياسى عن طريق الاحتلال الاقتصادى.
دى الصورة اللى صورت؛ صورة "ديلسبس" حينما وصل إلى مصر. وصل "ديلسبس" إلى مصر فى ٧ نوفمبر سنة ١٨٥٤، حاحكى لكم هذه القصة: جا إسكندرية، وبدأ يعمل فى حذر وخديعة. فى ٣٠ نوفمبر سنة ١٨٥٤ بعد أن اتصل "ديلسبس" بالخديوى محمد سعيد حصل على امتياز القنال فى ٣٠ نوفمبر ١٨٥٤. فى صدر الامتياز اللى منحه سعيد "لديليسبس" قال الآتى: حيث أن صديقنا "مسيو فرديناند ديلسبس" قد لفت نظرنا إلى الفوائد التى قد تعود على مصر من توصيل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر - نفس القصة - بواسطة طريق ملاحى للبواخر - الفوائد اللى تعود على مصر - وأخبرنا عن إمكان تكوين شركة لهذا الغرض من أصحاب رؤوس الأموال، فقد قبلنا الفكرة التى عرضها علينا، وأعطينا بموجب هذا تفويضاً خاصاً لإنشاء وإدارة شركة لحفر قنال السويس، واستغلال القناة بين البحرين.
دا.. الكلام دا كان سنة ١٨٥٤. فى سنة ١٨٥٦ - من ١٠٠ سنة بالظبط - طلع فرمان، اتكونت الشركة، مصر خدت من الشركة ٤٤% من الأسهم والتزمت بالتزامات "لديلسبس". شركة "ديلسبس" شركة خاصة مالهاش دعوة لا بحكومات، ومالهاش دعوة بسيطرة ولا باحتلال.. مالهاش دعوة بالاستعمار. "ديلسبس" بيقول للخديوى: أنا صديقك جاى عايز أفيدك وأعمل لك قناة بين البحرين تستفيد منها.
اتكونت شركة قناة السويس، اشتركت مصر بـ ٤٤% من الأسهم، وتعهدت مصر بإنها تدى العمال اللى يحفروا القنال كسخرة - ١٢٠ ألف عامل ماتوا فى حفر القنال - مجاناً. حفرت القنال بأرواحنا وجماجمنا وعظامنا ودمائنا، دفعنا ٨ مليون، وبعدين علشان "ديلسبس" يتنازل عن امتيازات أو بعض الامتيازات كنا بندفع له تعويضات. كان مفروض ان احنا ناخد أيضاً ١٥% من الأرباح اللى زيادة على الأرباح اللى بتاخدها هذه الأسهم - ٤٤% أسهم، ١٥% من الأرباح - تنازلنا عن ١٥% من الأرباح، وبعد ما كانت القناة محفورة لمصر - زى ما قال الخواجة "ديلسبس" للخديوى - بقت مصر ملك للقناة.
فى اتفاق ٢٢ فبراير سنة ١٨٦٦ ابتدأت الاتفاقات، مادة ١٦، قال: بما أن الشركة العالمية لقنال السويس البحرية شركة مصرية فإنها تخضع لقوانين البلاد وعرفها. هل خضعت فعلاً لقوانين البلاد وعرفها؟ لغاية دلوقت لم تخضع لقوانين البلاد ولا عرفها، بل تعتبر نفسها دولة داخل الدولة. المنازعات التى تنشأ بين الشركة ومصر فى مصر بين الشركة والأفراد من أى جنسية، تختص بالفصل فيها المحاكم المصرية تبعاً للأوضاع التى تقررها قوانين البلاد وعاداتها.. تختص المحاكم المصرية بالفصل فى المنازعات التى قد تنشأ بين الحكومة المصرية والشركة، ويقضى فيها طبقاً للقوانين المصرية.
نتيجة الكلام اللى قاله "ديلسبس" للخديوى سنة ١٨٥٦ والصداقة والديون.. النتيجة احتلال مصر سنة ١٨٨٢. مصر اداينت فى هذا الموضوع، عملت إيه؟ اضطرت مصر فى عهد إسماعيل إنها تبيع نصيبها الـ ٤٤%، على طول إنجلترا بعتت تشترى الـ ٤٤% نصيب مصر فى قنال السويس، تشتريها بكام؟ بـ ٤ مليون جنيه. وبعدين كان إسماعيل متنازل عن الأرباح اللى كان بياخدها، ٥% للشركة نظير تنازلها عن بعض الامتيازات اللى اداها لها، فاضطر بعدما إنجلترا اشترت منه الـ ٤٤% من الأسهم بأربعة مليون جنيه. انه يدفع لها سنوياً ٥% نظير الأرباح اللى هو كان تنازل عنها، فدفع لها أكثر من ٤ مليون جنيه؛ أى أن بريطانيا أخذت أسهم مصر الـ ٤٤% مجاناً!
دا التاريخ اللى حصل فى القرن الماضى، هل التاريخ يعيد نفسه تانى بالخداع والتضليل؟! وهل يكون الاستقلال الاقتصادى.. هل يكون الاستقلال أو التحكم الاقتصادى والسيطرة الاقتصادية سبباً فى القضاء على حريتنا السياسية واستقلالنا السياسى؟!
لا يمكن مطلقاً - أيها الإخوة - أن يعود التاريخ مرة أخرى. احنا النهارده ما بنكررش اللى فات، احنا النهارده بنقضى على اللى فات، احنا النهارده بنبنى بلدنا بناء قوى سليم جديد، وفى نفس الوقت حينما نتجه إلى الخلف إنما نتجه لنقضى على آثار الماضى؛ آثار الماضى البغيض اللى ترتبت على السيطرة علينا، آثار الماضى البغيض اللى حصلت غصب عننا، آثار الماضى البغيض اللى عملوها المستعمرين خداعاً وتضليلاً.
النهارده قنال السويس - أيها الإخوة - اللى احنا مات من أبنائنا فيها ١٢٠ ألف حفروها بالسخرة، دفعنا فى تأسيسها ٨ مليون؛ قناة السويس اللى أصبحت دولة داخل الدولة، اللى ذلت الوزرا والوزارات وكانت تعصى على كل واحد، هذه القناة قناة مصرية، شركة مساهمة مصرية، اغتصبت بريطانيا مننا حقنا فيها الـ ٤٤% من أسهم الشركة، ويا ريت اديتنا فلوس، خدتهم وخدت عليهم فلوس، ولازالت بريطانيا من وقت افتتاح القنال حتى الآن بتاخد قصاد الـ ٤٤% دول فوايد، الدول كلها بتاخد فوايد، والمساهمين بتاخد فوايد، ودولة داخل الدولة، وشركة مساهمة مصرية!
دخل قنال السويس فى سنة ١٩٥٥، ٣٥ مليون جنيه؛ أى ١٠٠ مليون دولار.. دخل الشركة المصرية، شركة قنال السويس المصرية ١٠٠ مليون دولار؛ ٣٥ مليون جنيه، بناخد منهم احنا - اللى مات من أبنائنا ١٢٠ ألف وهم بيحفروها، واللى دفعنا فلوس بنائها - بناخد مليون جنيه؛ ٣ مليون دولار.
شركه قنال السويس اللى قامت - زى ما قال الفرمان - من أجل مصلحة مصر ومن أجل منفعة مصر، بتجيب ٣٥ مليون جنيه دخل سنوى؛ ١٠٠ مليون دولار. عارفين الأمريكان والإنجليز حيدونا مساعدة أد إيه فى الخمس سنين؟ ٧٠ مليون دولار٧٠، وعارفين ١٠٠ مليون دولار دى مين اللى بياخدها؟ - اللى بتيجى سنوياً - هم طبعاً.
مش عيب أبداً ان أنا أبقى فقير وأحاول استلف وأبنى بلدى، أو أحاول أن أجد مساعدة لأبنى بلدى، ولكن العيب ان أنا أمتص دماء الشعوب وأمتص حقوق الشعوب.. دا العيب.
احنا لن نكرر الماضى أبداً، ولكن سنقضى على الماضى؛ سنقضى على الماضى بإننا نستعيد حقوقنا فى قنال السويس. هذه الأموال أموالنا، هذه القنال ملك لمصر؛ لأنها شركة مساهمة مصرية، حفرت قنال السويس بواسطة أبناء مصر، ١٢٠ ألف مصرى ماتوا وهم بيحفروها.
شركة قنال السويس - اللى قاعدة فى باريس - شركة مغتصبة؛ اغتصبت امتيازاتنا.. "ديلسبس" أما جا هنا كان جاى زى ما جا "بلاك" علشان يتكلم معايا، نفس العملية.. التاريخ لن يعيد نفسه، بل بالعكس حنبنى السد العالى، وسنحصل على حقوقنا المغتصبة.. حنبنى السد العالى زى ما احنا عايزين، حنصمم على هذا.. ٣٥ مليون جنيه كل سنة بتاخدها شركة القنال.. ناخدها احنا، ١٠٠ مليون دولار كل سنة بتحصلها شركة القنال لمنفعة مصر.. نحقق هذا الكلام، يبقى الـ ١٠٠ مليون دولار نحصلهم احنا لمنفعة مصر برضه.
ولهذا.. لهذا.. إننا اليوم - أيها المواطنون - حينما نبنى السد العالى نبنى أيضاً سد العزة والحرية والكرامة، ونقضى على سدود الذل والهوان، ونعلن مصر كلها جبهة واحدة.. كتلة وطنية.. متكاتفة.. متحدة.. مصر كلها ستقاتل لآخر قطرة من دمائها.. كل واحد من أبنائها زى ما قلت لكم - زى صلاح مصطفى وزى مصطفى حافظ - كلنا سنقاتل لآخر قطرة من دمائنا فى سبيل بناء بلدنا، وفى سبيل بناء مصر. لن نمكن منا تجار الحروب، لن نمكن منا المستعمرين، لن نمكن تجار البشر، سنعتمد على سواعدنا وعلى دماءنا وعلى أجسامنا.
احنا أغنياء.. كنا متهاونين فى حقوقنا بنستردها، وقلت لكم فى الأول: معركتنا مستمرة، نسترد هذه الحقوق خطوة خطوة، وسنحقق كل شىء.. سنبنى مصر القوية، وسنبنى مصر العزيزة.
لهذا قد وقعت اليوم، ووافقت الحكومة على القانون الآتى:
قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية. (تصفيق وهتاف).
باسم الأمة.. باسم الأمة
رئيس الجمهورية..
مادة ١: تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات، وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حالياً على إداراتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها، مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون فى بورصة الأوراق المالية بباريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة.
مادة ٢: يتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس مرفق عام ملك للدولة.. يتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية، وتلحق بوزارة التجارة، ويصدر بتشكيل هذه الهيئة قرار من رئيس الجمهورية، ويكون لها - فى سبيل إدارة المرفق - جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض، دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية.
ومع عدم الإخلال برقابة ديوان المحاسبة على الحساب الختامى، يكون للهيئة ميزانية مستقلة، يتبع فى وضعها القواعد المعمول بها فى المشروعات التجارية، وتبدأ السنة المالية فى أول يوليو، وتنتهى فى أخر يونيو من كل عام، وتعتمد الميزانية والحساب الختامى بقرار من رئيس الجمهورية. وتبدأ السنة المالية الأولى من تاريخ العمل بهذا القانون وتنتهى فى أخر يونيه سنة ١٩٥٧. ويجوز للهيئة أن تندب من بين أعضائها واحداً أو أكثر لتنفيذ قراراتها أو للقيام بما تعهد إليه من أعمال، كما يجوز لها أن تؤلف من بين أعضائها أو من غيرهم لجاناً فنية؛ للاستعانة بها فى البحوث والدراسات. يمثل الهيئة رئيسها أمام الهيئات القضائية والحكومية وغيرها، وينوب عنها فى معاملتها مع الغير.
مادة ٣: تجمد أموال الشركة المؤممة وحقوقها فى جمهورية مصر وفى الخارج، ويحظر على البنوك والهيئات والأفراد التصرف فى تلك الأموال بأى وجه من الوجوه، أو صرف أى مبالغ أو أداء أية مطالبات أو مستحقات عليها إلا بقرار من الهيئة المنصوص عليها فى المادة الثانية.
مادة ٤: تحتفظ الهيئة بجميع موظفى الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها الحاليين، وعليهم الاستمرار فى أداء أعمالهم، ولا يجوز لأى منهم ترك عمله أو التخلى عنه بأى وجه من الوجوه، أو لأى سبب من الأسباب؛ إلا بإذن من الهيئة المنصوص عليها فى المادة الثانية.
مادة ٥: كل مخالفة لأحكام المادة الثالثة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة توازى ثلاثة أمثال قيمة المال موضوع المخالفة. وكل مخالفة لأحكام المادة الرابعة يعاقب مرتكبها بالسجن، فضلاً عن حرمانه من أى حق فى المكافأة أو المعاش أو التعويض.
مادة ٦: ينشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية، ويكون له قوة القانون، ويعمل به من تاريخ نشره، ولوزير التجارة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه.
أيها المواطنون:
إننا لن نمكن المستعمرين أو المستبدين.. إننا لن نقبل أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى.. إننا قد اتجهنا قدماً إلى الأمام؛ لنبنى مصر بناء قوياً متيناً.. نتجه إلى الأمام نحو استقلال سياسى واستقلال اقتصادى.. نتجه إلى الأمام نحو اقتصاد قومى من أجل مجموع هذا الشعب.. نتجه إلى الأمام لنعمل، ولكنا حينما نلتفت إلى الخلف إنما نلتفت إلى الخلف لنهدم آثار الماضى.. آثار الاستبداد، آثار الاستعباد، آثار الاستغلال، آثار السيطرة، إنما نتجه إلى الماضى لنقضى على جميع آثاره.
واليوم - أيها المواطنون - وقد عادت الحقوق إلى أصحابها.. حقوقنا فى قناة السويس عادت إلينا بعد مائة سنة، اليوم إنما نحقق الصرح الحقيقى من صروح السيادة، ونحقق البناء الحقيقى من أبنية العزة والكرامة.
لقد كانت قنال السويس دولة فى داخل الدولة، شركة مساهمة مصرية ولكنها تعتمد على المؤامرات الأجنبية، وتعتمد على الاستعمار وأعوان الاستعمار. بنيت قنال السويس من أجل مصر ومن أجل منفعة مصر، ولكن كانت قنال السويس منبعاً للاستغلال واستنزاف المال. وكما قلت لكم منذ قليل ليس عيب أن أكون فقيراً أو أن أعمل على بناء بلدى، ولكن العيب امتصاص الدماء.. كانوا يمتصون الدماء، يمتصون حقوقنا ويسلبونها.
واليوم حينما نستعيد هذه الحقوق، أقول باسم شعب مصر: إننا سنحافظ على هذه الحقوق ونعض عليها بالنواجذ.. سنحافظ على هذه الحقوق ودونها أرواحنا ودماءنا.. إننا سنحافظ على هذه الحقوق؛ لأننا نعوض ما فات. إننا حينما نبنى اليوم صرح العزة والحرية والكرامة، نشعر أن هذا الصرح لا يمكن أن يبنى أو يكتمل اكتمالاً إلا إذا قضينا على صروح الاستبداد والذلة والمسكنة، وقد كانت قنال السويس صرحاً من صروح الاستبداد، وصرحاً من صروح الاغتصاب، وصرحاً من صروح الذل.
اليوم - أيها المواطنون - أممت قنال السويس، ونشر هذا القرار بالجريدة الرسمية فعلاً، وأصبح القرار أمراً واقعاً.
اليوم - أيها المواطنون - نقول: هذه أموالنا ردت إلينا.. هذه حقوقنا التى كنا نسكت عليها عادت إلينا.
اليوم - أيها المواطنون - ودخل قنال السويس 35 مليون جنيه 100 مليون دولار فى السنة، 500 مليون دولار فى الخمس سنين، لن ننظر إلى الـ 70 مليون دولار بتوع المعونة الأمريكية ولا بتوع المعونة الإنجليزية.
اليوم - أيها المواطنون - بعرقنا.. ودموعنا.. وأرواح شهدائنا وجماجمهم؛ اللى ماتوا سنة 56 من 100 سنة وهم فى السخرة، نستطيع أن ننمى هذه البلد، وسنعمل وننتج ونزيد فى الإنتاج، برغم كل هذه المؤامرات وكل هذا الكلام. وكل ما يطلع كلام من واشنطن حاقول لهم موتوا بغيظكم.. نفس الكلام.
حنبنى؛ نبنى الصناعة فى مصر، وننافسهم، هم لا يريدوا أن نكون دولة صناعية؛ علشان منتجاتهم تمشى عندنا ويكون لها سوق هنا. ما شفتش أبداً معونة أمريكية متجهة إلى التصنيع؛ لأن المتجهة إلى التصنيع طبعاً حتكون منافسة، ولكن المعونة الأمريكية دائماً متجهة إلى الاستهلاك.
احنا النهارده فى الأربع سنين اللى فاتوا، واحنا النهارده بنستقبل العام الخامس للثورة - زى ما قلت لكم فى أول كلامى - نشعر بإن احنا أصلب عوداً وأشد عزماً، وأشد قوة وإيماناً.. النهارده واحنا بنستقبل العام الخامس للثورة وزى ما طلع فاروق فى 26 يوليو سنة 52، النهارده بتطلع قنال السويس فى نفس اليوم، بنشعر ان احنا بنحقق أمجاد لنا.. بنحقق عزة حقيقية، لن تكون سيادة فى مصر إلا لأبناء مصر.. لن تكون سيادة فى مصر إلا لشعب مصر. احنا سنتجه قدماً إلى الأمام متحدين متكاتفين.. شعب واحد يؤمن بنفسه، ويؤمن بوطنه، ويؤمن بقوته.. شعب واحد آلى على نفسه أن يعمل.. أن يعمل ويزحف زحفاً مقدساً نحو البناء، ونحو التصنيع، ونحو الإنشاء.. شعب واحد.. كتلة واحدة متراصة تقف ضد الغدر والعدوان.. تقف ضد الاستعمار وأعوان الاستعمار وألاعيب الاستعمار.
إننا بهذا - أيها المواطنون - سنستطيع أن نحقق الكثير، سنشعر بعزة، وسنشعر بالكرامة، وسنشعر بأننا نبنى وطننا بناء حقيقياً زى ما احنا عايزين.. نبنى اللى احنا عايزينه، ونعمل اللى احنا عايزينه، ليس لنا شريك.
وإننا اليوم حينما نسترد الحقوق المغتصبة والحقوق المسلوبة؛ إنما نتجه إلى القوة، وكل سنة سنزداد قوة على قوة، وبعون الله فى السنة الجاية حنكون أقوى؛ إنتاجنا زاد، عملنا زاد، مصانعنا زادت.
والآن - وأنا أتكلم إليكم - يتجه إخوة لكم من أبناء مصر ليديروا شركة القنال، ويقوموا بعمل شركة القنال، الآن.. دلوقت.. بيستلموا شركة القنال.. شركة القنال المصرية.. مش شركة القنال الأجنبية.. قاموا دلوقت ليستلموا شركة القنال، ومرافق شركة القنال، ويديروا الملاحة فى القنال.. القنال اللى بتقع فى أرض مصر، واللى بتخترق أرض مصر، واللى هى جزء من مصر، واللى هى ملك لمصر، يقوموا الآن بهذا العمل؛ لنستعوض ما فات، ولنستعوض الماضى، ولنبنى صروحاً جديدة فى العزة والكرامة. وفقكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.