نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم الثالث/الجزء الأول
إنا لما تكلمنا فيما سبق من ذكر المدن الواقعة في الإقليمين المتقدمين قبل هذا رأينا أن نأتي بمثل ذلك في هذا الإقليم الثالث ونذكر ما فيه من المدن والأكور والقرى والأمصار ونأتي بمسافاتها وطرقاتها على ما هي عليه من الأميال والمراحل ونذكر كل بلد من ذلك ذكرا مفردا وكيف هو في حاله وداخله وخارجه وما جاوره من البحار والأودية والمناخ والبرك ونأتي بصفات الجبال الواقعة فيه وأطوالها وعروضها وما تحتوي عليه من النبات والأشجار والمعادن والحيوانات ونصف مبادئ الأنهار ومواقعها وحدود مساقطها حسب ما سبق ذكره وتقدم الأخبار عنه ونأتي بكل ذلك في موضعه مينا ملخصا رؤية ورسم وأخبار على توال ونسق بعون الله فنقول إن هذا الجزء الأول من هذا الإقليم الثالث مبدؤه من البحر الكبير المحيط بالجهة الغربية من كرة الأرض وفيه من الجزائر جزيرة ساوة قرب البحر المظلم يقال إن ذا القرنين نزلها قبل أن تدخلها الظلمة وبات بها وكانوا يرمون بالحجارة وأوذي بذلك جماعة من أصحابه وجزيرة السعالي فيها خلق كخلق النساء لهم أنياب بادية وعيونهم كالبرق وسوقهم كالخشب المحرق يتكلمون بكلام لا يفهم ويحاربون الدواب البحرية ولا فرق بين الرجال منهم والنساء إلا بالذكور والفروج لا غير ورجالهم لا لحى لهم ولباسهم ورق الشجر ومنها جزيرة حسران وهي أرض واسعة وفيها جبل عال في سفحه ناس سمر قصار ولهم لحى تبلغ ركبهم ووجوههم عراض ولهم آذان كبيرة وطعامهم وعيشهم مما تنبته الأرض هناك من الحشيش وموافق النبات مثل ما تأكله البهائم وعندهم نهر صغير عذب يجري من تحت الجبل وفيه جزيرة الغور وهي كبيرة الطول والعرض كثيرة الأعشاب والنبات وفيها أنهار وغدران وآجام تأوي إليها حمر وبقر لها قرون طوال جدا وفيه جزيرة المستشكين يذكر أنها جزيرة عامرة فيها جبال وأنهار وأشجار وثمار وزروع وعلى المدينة حصن عال وفيما يحكى من أمر هذه الجزيرة أنه كان فيها فيما سلف من قبل عهد الإسكندر تنين عظيم يبتلع كل من مر به من إنسان أو ثور أو حمار أو ما أشبهها فيقال إن الإسكندر لما دخلها استغاث به أهلها وشكوا إليه أضرار التنين بهم وإنه قد أتلف مواشيهم وأبقارهم حتى أنهم جعلوا له ضريبة في كل يوم ثورين ينصبونهما بمقربة من موضعه فيخرج إليهما فيبتلعهما ثم يعود إلى موضعه وكذلك يأتي من الغد فيفعلون له ذلك فقال لهم الإسكندر يأتيكم هذا التنين من مكان واحد أو من أمكنة كثيرة قالوا من مكان واحد قال لهم أروني مكانه فانطلقوا به إلى قرب من موضعه ثم نصبوا له الثورين فأقبل التنين كالسحابة السوداء وعيناه تلمعان كالبرق والنار تخرج من جوفه فابتلع الثورين وعاد إلى موضعه فأمرهم الإسكندر أن يجعلوا له في اليوم الثاني عجلين وفي اليوم الثالث مثل ذلك فاشتد جوعه فأمر الإسكندر عند ذلك بثورين عظيمين فسلخا وحشيت جلودهما زفتا وكبريتا كلسا وزرنيخا وجعلهما في ذلك المكان المعلوم فخرج التنين إليهما على حسب عادته فابتلعهما ومضى فاضطرمت تلك الأشياء في جوفه فلما أحس باشتعالها وكان قد جعل في تلك الأخلاط كلاليب حديد فذهب ليتقيأ ذلك من جوفه فتشبكت الكلاليب في حلقه فخر واقعاً وفتح فمه ليستروح فأمر عند ذلك الإسكندر فحميت قطع الحديد وحملت على ألواح حديد وقذفت في حلق التنين فاشتعلت الأخلاط في جوفه فمات ففرج الله بذلك من أهل تلك الجزيرة فشكروا الإسكندر عند ذلك والطفوه ووهبوه من طرائف ما عندهم وكان فيما حملوه إليه من طرائف ما عندهم دابة في خلق الأرنب يبرق شعره في صفرة كما يبرق الذهب يسمى بغراج وفي رأسه قرن واحد أسود إذا رأته الأسود وسباع الوحش والطير وكل دابة هربت عنه.
وفي هذا البحر جزيرة قلهان فيها أمة مثل خلق الناس إلا أن رؤوسهم مثل رؤوس الدواب يغوصون في البحر ويخرجون ما قدروا عليه من دوابه فيأكلونها وفي هذا البحر أيضا جزيرة الأخوين الساحرين اللذين يسمى أحدهما شرهام والثاني شرام ويقال إنهما كانا بهذه الجزيرة يقطعان على المراكب المحط التي تمر بها ويهلكان جميع أهلها ويأخذان أموالهم فمسخ الله بهما لظلمهما وبقيا حجرين على ضفة البحر قائمين ثم عمرت هذه الجزيرة بالناس وهي تقابل مرسى آسفى ويقال إن الصفاء إذا عم البحر ظهر دخانها من البر وكان أخبر بذلك أحمد بن عمران المعروف بدقم الإوز وكان والياً لأمير المسلمين على بن يوسف بن تاشفين على جملة من أسطوله فعزم على الدخول إليها بما معه من المراكب فأدركه قبل الدخول إليها الموت ولم يبلغ أمله في ذلك ولهذه الجزيرة قصة غريبة أخبر عنها المغررون من أهل مدينة اشبونة بالأندلس حين أسقطوا إليها بمراكبهم وكيف سميت آسفى بهم وهي مرسى وحديثها طويل وسنأتي به في موضعه عند ذكرنا لمدينة اشبونة إن شاء الله.
وفي هذا البحر جزيرة الغنم وهي جزيرة كبيرة والظلمات بها وفيها من الغنم ما لا يحصى عددها وهي صغار ولا يقدر أحد أن يأكل لحومها لمرارتها وقد أخبر بذلك أيضا المغررون منها وتليها جزيرة راقا وهي جزيرة الطيور ويقال إن فيها جنسا من الطير في خلق العاقبان حمراء ذوات مخالب تصيد دواب البحر وتأكلها ولا تبرح من هذه الجزيرة ويقال إن بها ثمرا يشبهه التين الكبير وأكله ينفع من جميع السموم وحكى صاحب كتاب العجائب أن ملكا من ملوك افرنجة أخبر بذلك فوجه إليه بمركب معد ليجلب له من ذلك الثمر ويصاد له من تلك الطيور لأنه كان له علم في دمائها ومراراتها فتلف المركب الذي أنفذه ولم يعد إليه ومنها جزيرة الشاصلند طولها خمسة عشر يوما في عرض عشرة أيام وكان فيها ثلاث مدن كبار وبها قوم يسكنونها وكانت المراكب تجتاز بهم وتحط عليهم وتشتري منهم العنبر والحجارة الملونة فوقعت بين أهل تلك البلاد شرور وطلب بعضهم بعضا حتى فني أكثرهم وانتقل جماعات منهم إلى عدوة البحر الأرض الكبيرة ة للروم وبها ألان من أهلها خلق كثير وسنذكر هذه الجزيرة عند ذكرنا جزيرة ارلاندة وفي هذا البحر جزيرة لاقة ويقال إن فيها شجر العود كثير ولكنه لا رائحة له فإذا أخرج عنها وحمل في البحر طابت روائحه وهو في ذاته أسود رزين وكان التجار يقصدونها ويستخرجون العود منها وكان يباع بأرض الغرب الأقصى من ملوكها بتلك النواحي ويذكر أيضا أنها كانت مسكونة عامرة بالناس لكنها خربت وتغلبت الحيات على أرضها فلا يمكن الآن دخولها لهذا السبب وفي هذا البحر من الجزائر على ما ذكره بطلميوس الأقلودي سبعة وعشرون ألف جزيرة ما بين عامرة وغامرة وإنما ذكرنا منها قليلا من كثير مما قرب مكانها من البر ووصلت العمارات إليه وأما غير ذلك فلا حاجة بنا إلى ذكرها هنا.
وأيضا إن في هذا الجزء من بلاد الصحراء نول لمطة وتازكغت واغرنوا وفيه من بلاد السوس الأقصى مدينة تارودنت وتيويوين وتامامت وهي بلاد السوس وفيه من بلاد البربر سجلماسة ودرعة وداى وتادلة وقلعة مهدى بن توالة وفاس ومكناسة وسلا وسائر المراسي التي على البحر الأعظم.
ومدينة تلمسان وتطن وقرى وصفروى ومغيلة واقرسيف وكرنانطة ووجدة ومليلة ووهران وتاهرت وأشير وفيه من بلاد الغرب الأوسط تنس وبرشك وجزائر بني مزغنا وتدلس وبجاية وجيجل ومليانة والقلعة والمسيلة والغدير ومقرة ونقاوس وطبنة والقسنطينة وتنجس وباغاي وتيفاش ودار مرين وبلزمة ودار ملول وميلة والغالب على ما ذكرناه من البلاد البرابر وكانت ديار البرابر فلسطين وكان ملكهم جالوت بن ضريس بن جانا وهو أبو زناتة المغرب وجانا هو ابن لواء بن بر بن قيس بن الياس بن مضر فلما قتل داود عليه السلام جالوت البربري رحلت البربر إلى المغرب حتى انتهوا إلى أقصى المغرب فتفرقت هناك ونزلت مزاتة ومغيلة وضريسة الجبال نزلت لواتة أرض برقة ونزلت طائفة من هوارة بجبال نفوسة ونزل الغير منهم بأرض الغرب الأقصى ونزلت معهم قبائل مصمودة فعمروا تلك البلاد وقبائل البربر زناتة وضريسة ومغيلة ومقدر وبنو عبد ربه وورفجوم ونفزة ونفزاوة ومطماطة ولمطة وصنهاجة وهوارة وكتامة ولواتة ومزاتة وصدراتة ويصلاسن ومديونة وزبوجة ومداسة وقالمة وأوربة وهطيطة ووليطة وبنو منهوس وبنو سمجون وبنو وارقلان وبنو يسدران وبنو زيرجى وورداسا وورهون وسائر قبائل البربر ممن سنأتي بذكرهم في عمارات بلادهم بحول الله.
فأما بلاد نول الأقصى وتازكاغت فهي بلاد لمتونة الصحراء ولمتونة قبيل من صهاجة وصنهاجة ولمطة أخوان لأب واحد وأم واحدة وأبوهم لمط بن زعزاع من أولاد حمير وأمهم تازكاى العرجاء وأبوها زناتى وهوار أيضا أخ لصنهاج ولمط من أم وأبوه المسور بن المثنى بن كلاع بن أيمن بن سعيد بن حمير وإنما قيل له هوار لكلمة تقولها فسمي بها هوارا وذلك أن قبائل العرب نزلت على قبائل البربر فنقلوهم إلى لسانهم بطول المجاورة لهم حتى صاروا جنسا واحدا وأن أميرا من أمراء العرب يسمى المسور كان ساكنا مع قومه في بلاد الحجاز فضاعت له إبل فخرج يطلبها ويبحث عنها إلى أن عبر النيل بمصر وسار في بلاد المغرب طالبا لها فمر بجبال طرابلس فقال لغلامه أين نحن من الأرض فقال له الغلام نحن بأرض إفريقية فقال له لقد تهورنا والتهور عند العرب هو الحمق فسمي بهذه اللفظة هوارا ونزل المسور المذكور بقوم من زناتة فحالفهم ورأى بأرضهم تازكاي أم صنهاج ولمط التي ذكرناها آنفا وكانت جميلة حسنة بدنة تليعة بارعة الكمال فولع بها المسور فسأل عنها ورغب في زواجها فتزوجها وكانت تازكاي يومئذ خلوا من زوج ومعها أبناها صنهاج ولمط وهما أبنا لمط الأكبر فولد للمسور منها ولد سماه المثنى ثم مات المسور عنها وبقي ولده المثنى مع أخويه لمط وصنهاج عند أمهم تازكاي وعند أخواله من زناتة فولد للمط أولاد كثيرة وولد لصنهاج مثل ذلك فكثر نسلهم وتسلطوا على الأمم فاجتمع عليهم قبائل البربر فأزعجوهم إلى الصحارى المجاورة للبحر المظلم فنزلوها وبها قبائلهم إلى الآن متفرقة بنواحيها وهم أصحاب إبل ونجب عتاق رحالة لا يقيمون بمكان واحد ولباس الرجال منهم والنساء أكسية الصوف ويربطون رؤوسهم عمائم الصوف المسماة بالكرازي وعيشهم من ألبان الإبل ولحومها مقددة مطحونة وربما جلبت إليهم الحنطة والزبيب لكن الزبيب أكثر لأنهم كثيرا ما ينقعون الزبيب في الماء بعد الدق ويشربون صفوه نقيعا حلوا وفي بلادهم العسل كثير وجل طعامهم وأحفله الطعام المسمى بالبربرية آسلوا وهو أنهم يأخذون الحنطة فيقلونها قليا معتدلا ثم يدقونها حتى تعود جريشا ثم يمزجون العسل بمثله سمنا ويعجنون به تلك الحنطة على النار ويضعونه في مزاود ثم فيأتي طعاماً شهياً وذلك أن الإنسان منهم إذا أخذ من هذا الطعام ملء كفه وأكله وشرب عليه اللبن ثم مشى بقية يومه ذلك لم يثسته طعاماً إلى الليل. وليس لهم مدينة يأوون إليها إلا مدينة نول لمطة ومدينة آزقى للمطة أيضاً فأما مدينة نول الغربية فمنها إلى البحر ثلاثة أيام ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة ومدينة نول مدينة كبيرة عامرة على نهر يأتي إليها من جهة المشرق وعليه قبائل لمتونة ولمطة وبهذه المدينة تصنع الدرق اللمطية التي لا شيء أبدع منها ولا أصلب منها ظهراً ولا أحسن منها صنعاً وبها يقاتل أهل المغرب لحصانتها وخفة محملها وبهذه المدينة قوم يصنعون السروج واللجم والأقتاب المعدة لخدمة الإبل وتباع بها الأكسية المسماة بالسفسارية والبرانس التي يساوي الزوج منها خمسين دينارا وأقل وأكثر وعند أهلها البقر والغنم كثير جدا والألبان والسمن عندهم موجود وإلى هذه المدينة يلجأ أهل تلك الجهات فيما يعن لهم من مهم حوائجهم وفنون مطالبهم. ومن قبائل لمطة مسوفة ووشان تمالتة ومن قبائل صنهاجة بنو منصور وتمية وجدالة ولمتونة وبنو إبراهيم وبنو تاشفين وبنو محمد وجمل من صنهاجة وأما مدينة آزكى فإنها من بلاد مسوفة ولمطة وهي أول مراقي الصحراء ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة ومنها نول سبع مراحل وهذه المدينة ليست بالكبيرة لكنها متحضرة وأهلها يلبسون منقدرات ثياب الصوف ويسمونها بلغتهم القداور وقد أخبر بعض من دخل هذه المدينة أن النساء اللواتي لا أزواج لهن بها إذا بلغت المرأة منهن أربعين سنة تصدقت بنفسها على من أرادها من الرجال فلا تدفع عن نفسها ولا تمنع من يريدها وتسمى هذه المدينة بالبربرية آزقى وبالجناوية قوقدم ومن أراد الدخول إلى بلاد سلى وتكرور وغانة من بلاد السودان فلا بد له من هذه المدينة وأما مدينة سجلماسه فمدينة كبيرة كثيرة العامر وهي مقصد للوارد والصادر كثيرة الخضر والجنات رائقة البقاع والجهات ولا حصن عليها وإنما هي قصور وديار وعمارات متصلة على نهر لها كثير الماء يأتي إليها من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف كزيادة النيل سواء ويزرع بمائه حسبما يزرع فلاحو مصر ولزراعته إصابة كثيرة معلومة وفي أكثر الأعوام الكثيرة المياه المتواترة عن خروج هذا النهر ينبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر وفي الأكثر من السنين إذا فاض النهر عندهم ثم رجع بذروا على تلك الأرض زرعهم ثم حصدوه عند تناهيه وتركوا جذوره إلى العام القادم فينبت ذلك من غير حاجة إلى بذر زراعة وحكى الحوقلي أن البذر بها يكون عاما والحصاد فيه في كل سنة إلى تمام سبع سنين لكن تلك الحنطة التي تنبت من غير بذر تتغير عن حالها حتى تكون بين الحنطة والشعير وتسمى هذه الحنطة يردن تيزواو وبها نخل كثير وأنواع من التمر لا يشبه بعضها بعضا وفيها الرطب المسمى بالبرني وهي خضراء جداً وحلاوتها تفوق كل حلاوة ونواها صغار في غاية الصغر ولأهل هذه المدينة غلات القطن وغلات الكمون والكروياء والحناء ويتجهز منها إلى سائر بلاد المغرب وغيرها وبناءاتها حسنة غير أن المخالفين في زماننا هذا أتوا على أكثرها هدما وحرقا وأهل سجلماسة يأكلون الكلاب والحيوان المسمى الحرذون ويسمونه بلسان البربر اقزيم ونساؤهم يستعملنه في السمن وخصب البدن وكذلك هن في نهاية السمن وكثرة اللحم وقل ما يوجد من أهلها صحيح العينين بل أكثرهم عمش.
ومن مدينة سجلماسة إلى مدينة اغمات وريكة نحو من ثماني مراحل ومن مدينة سجلماسة إلى مدينة درعة ثلاث مراحل كبار ودرعة ليست بمدينة يحوطها سور ولا حفير وإنما هي قرى متصلة وعمارات متقاربة ومزارع كثيرة يتناول ذلك فيها جمل وأخلاط من البربر وهي على نهر سجلماسة النازل إليهم وعليه يزرعون غلات الحناء والكمون والكروياء والنيلج ونبات الحناء يكبر بها حتى يكون في قوام الشجر يصعدون إليه ومنها يؤخذ بذره ويتجهز به إلى كل الجهات ونبات الحناء لا يؤخذ بذره إلا في لحذا الإقليم فقط ولا يؤخذ بغيره من الأقاليم البتة وأما النيلج المزروع في مدينة درعة فليس طيبه مناك ولكنه يتصرف به في بلاد الغرب لرخصه وربما خلط مع غيره من النيلج الطيب ويباع معه.
ومن أرض درعة إلى بلاد السوس الأقصى أربعة أيام ومدينته هي تارودنت وبلاد السوس قرى كثيرة وعماراتها متصلة بعضها ببعض وبها من الفواكه الجليلة أجناس مختلفة وأنواع كثيرة كالجوز والتين والعنب العذاري والسفرجل والرمان الإمليسي وألاترج الكبير المقدار الكثير العدد وكذلك المشمش والتفاح المنهد وقصب السكر الذي ليسن على قرار الأرض مثله طولا وعرضا وحلاوة وكثرة ماء ويعمل ببلاد السوس من السكر المنسوب إليها ما يعم أكثر الأرض وهو يساوي السكر السليماني والطبرزد بل يشف على جميع أنواع السكر في الطيب والصفاء ويعمل ببلاد السوس من الأكسية الرقاق والثياب الرفيعة ما لا يقدر أحد على عمله بغيرها من البلاد ورجالها ونساؤها سمر الألوان وفي نسائهم جمال فائق وحسن بارع وجمال ظاهر وحذق صناعات بأيديهن وهي بلاد حنطة وشعير وأرز ممكن بأيسر قيمة وأسعارها رخيصة والغالب على أهلها الجفاء وغلظ الطبع وقلة الانقياد وهم أخلاط من البربر المصامدة وزيهم لباس الأكسية من الصوف التفافا وعلى رؤوسهم الشعور الكثيرة ولهم بها اهتمام وحفظ وذلك أنهم يصبغونها في كل جمعة بالحناء ويغسلونها في كل جمعة مرتين برقيق البيض والطين الأندلسي ويحتزمون في أوساطهم بمآزر صوف ويسمونها سفاقس ولا يمشي الرجل مهم أبدا إلا وفي يده رمحان قصار العصى طوال الأسنان رقاقها وينتخبونها من أطيب الحديد ويأكلون الجراد أكلا كثيرا مقلواً ومملوحاً وأهل السوس فرقتان فأهل مدينة تارودنت يتمذهبون بمذهب المالكية من المسلمين وهم حشوية وأهل بلد تويوين يقولون بمذهب موسى بن جعفر وبينهم أبدا القتال والفتنة وسفك الدماء وطلب الثأر غير أنهم أرفه الناس عيشا وأكثرهم خصبا وشرابهم المسمى آنزيز وهو حلو يسكر سكرا عظيما ويفعل بشاربه ما لا تفعله الخمر لمتانته وغلظ مزاجه وذلك أنهم يأخذون من عصير العنب الحلو فيطبخونه بالنار إلى أن يذهب منه الثلث ويزال عن النار ويرفع ويشرب ولا سبيل إلى شربه إلا أن يخلط بمثله ماء وأهل السوس الأقصى يرون شربه حلالا ما لم يتعد به إلى حد السكر.
وبين مدينتي السوس أعنى تارودنت وتويوين يوم في جنات وبساتين وكروم وأشجار وأنواع من الفواكه واللحوم عندهم ممكنة رخيصة جدا والغالب عليهم الشرة والبطر ومن بلاد السوس إلى مدينة اغمات ست مراحل في بلاد وقبائل من البرابر المصامدة يقال لهم انتى نتات وبنو واسنو وانكطوطاون وانسطيط وارعن واكنفيس وانتوزكيت وكل هذه القبائل من البرابر المصامدة العامرين لهذه البلاد والجهات ومنهم نافيس الجبل ونفيس مدينة صغيرة حولها عمارات وطوائف من قبائلها المنسوبين إليها وبها من الحنطة والفواكه واللحوم ما لا يكون في كثير من البلاد غيرها وبها جامع وسوق نافقة وبها من أنواع الزبيب كل عجيبة من جمال المنظر وحلاوة الذوق وكبر المقدار وهو مع ذلك كثير جدا مشهور العين في بلاد الغرب الأقصى.
والطريق من تارودنت السوس إلى مدينة اغمات وريكة مع أسفل جبل درن الأعظم الذي ليس جبل مثله إلا القليل في السمو وكثرة الخصب وطول المسافة واتصال العمارات ومبدؤه من البحر المحيط في أقصى السوس.
ويمر مع المشرق مستقيما حتى يصل إلى جبال نفوسة فيسمى هناك بجبل نفوسة ويتصل بعد ذلك بجبال طرابلس ثم يدق هناك ويخفى أثره وقد حكى غير واحد من الفيوج أن طرف هذا الجبل يصل إلى البحر حيث الطرف المسمى أوثان وفي كل هذا الجبل كل طريفة من الثمار وغرائب من الأشجار والماء يطرد منه وبوسطه وحوافيه يوجد النبات أبدا مخضرا في كل الأزمان وعلى أعلاه جمل من قلاع وحصون تشف على نيف وسبعين حصنا ومنها الحصن المنيع القليل مثله في حصون الأرض بنية وتحصنا ومنعة وهو في أعلى الجبل ومن حصانته وثقافة مكانه أن أربعة رجال يمسكونه ويمنعون الصعود إليه لأن الصعود إليه على مكان ضيق وعر المرتقى لأنه يشبه الدرج الحرج ولا ترتقي إليه دابة البتة إلا بعد جهد ومشقة واسم هذا الحصن تانملت وهو كان عمدة المصمودي محمد بن تومرت حين ظهر بالمغرب وهو الذي زاد في تشييده ونظر في تحصينه وجعله مدخرا لأمواله وبه الآن قبره لأنه أمر بذلك فلما مات بجبل الكواكب احتمله المصامدة إليه وحموه ودفنوه بهذا الحصن وقبره في هذا الوقت بيت جعله المصامدة حجا يقصدون إليه من جميع بلادهم وعليه بناء متقن كالقبة العالية لكنها غير مزخرفة ولا مزينة كل ذلك على طريق الناموس.
وفي هذا الجبل من الفواكه التين الكثير الكبير الطيب المتنامي في الطيب البالغ الحلاوة وفيه العنب المستطيل العسلي الذي لا يوجد في أكثره نوى ومنه يتخذ الزبيب الذي عليه يتنقل ملوك المغرب لرقة قشرته وعذوبة طعمه واعتدال غذائه وفيه الجوز واللوز وأما السفرجل والرمان فيكون به منهما ما يباع الحمل منه بقيراط واحد وبه من الإجاص والكمثرى والمشمش كل غريبة وكذلك الأترج والقصب الحلو حتى أن أهل هذا الجبل لا يبيعونه بينهم ولا يشترونه لكثرته وعندهم شجر الزيتون والخرنوب والمشتهى وسائر الفواكه وبهذا الجبل شجر كبير يسمى بالبربرية ارقان وهي تشبه شجر الإجاص أغصاناً وفروعاً وأوراقاً ولها ثمر شبيه بثمر العيون في أول نباته قشرته العليا رقيقة خضراء فإذا تناهت اصفرت لكنها في نهاية العفوصة والحموضة وداخله نرى شبيه بالزيتونة المحدودة الرأس صلب ولا يطيب طعم هذا الثمر البتة فإذا كان في آخر شهر شتبر جمع ووضع بين يدي المعز فتبتلعه بعد أن تأكل قشرته العليا ثم تلقميه بعد فيجمع ويعسل ويكسر ويدق لبه ويعصر فيخرج منه دهن كثير صافي اللون عجيب المنظر إلا أنه ليس بعذب الطعم فيه أدنى حرافة وهذا الزيت كثير جداً معروف ببلاد الغرب الأقصى ولكثرته يسرجون به قناديلهم ويقلى به الدخانيون الإسفنج في الأسواق وله إذا مسته النار رائحة كريهة حريفة ولكنه يعذب طعمه في الإسفنج ونساء المصامدة يدهن رؤوسهن به على المشط فتحسن شعورهن بذلك وتطول وتتكسر ويمسك الشعر على لونه من السواد.
ومدينة اغمات وريكة أسفل هذا الجبل من جهة الشمال في فحص أفيح طيب التراب كثير النبات والأعشاب والمياه تخترقه يمينا وشمالا وتطرد بساحاته ليلا ونهارا وحولها جنات محدقة وبساتين وأشجار ملتفة ومكانها أحسن مكان من الأرض فرجة الأرجاء طيبة الثرى عذبة الماء صحيحة الهواء وبها نهر ليس بالكبير يشق المدينة ويأتيها من جنوبها فيمر إلى أن يخرج من شمالها وعليه أرحاؤهم التي يطحنون بها الحنطة وهذا النهر يدخل المدينة يوم الخميس ويوم الجمعة والسبت والأحد وباقي أيام الجمعة يأخذونه لسقي جناتهم وأرضيهم ويقطعونه عن البلد فلا يجري منه إليه شيء.
ومدينة اغمات مدينة تكنفها جبل درن كما قلناه فإذا كان زمن الشتاء تحللت الثلوج النازلة بجبل فيسيل ذوبانها وربما إلى نهر اغمات وربما جمد في داخل المدينة حتى يجتاز الأطفال عليه وهو جامد فلا يتكسر لشدة جموده وهذا شيء عايناه بها غير مرة ومدينة اغمات أهلها هوارة من قبائل البربر المتبربرين بالمجاوره وهم أملياء تجار مياسير يدخلون إلى بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الأموال من النحاس الأحمر والملون والأكسية وثياب الصوف والعمائم والمآزر وصنوف النظم من الزجاج والأصداف والأحجار وضروب من الأفاويه والعطر وآلات الحديد المصنوع وما منهم رجل يسفر عبيده ورجاله إلا وله في قوافلهم مائة جمل والسبعون والثمانون جملا كلها موقرة ولم يكن في دولة المتلثم أحد أكثر منهم أموالا ولا أوسع منهم أحوالا وبأبواب منازلهم علامات تدل على مقاديرهم وذلك أن الرجل منهم إذا ملك أربعة آلاف دينار يمسكها مع نفسه وأربعة آلاف يصرفها في تجارته أقام على يمين بابه وعن يساره عرصتين من الأرض إلى أعلى السقف وبنيانهم بالآجر وبالطوب والطين أكثر فإذا مر الخاطر بدار ونظر إلى تلك العرص مع الأبواب قائمة عدها فيعلم من عددها كم مبلغ مال صاحب الدار لأنه قد يكون من هذه العرص خلف الباب أربع وست مع كل عضادة اثنتان وثلاث وأما الآن في وقت تأليفنا هذا الكتاب فقد أتي على أكثر أموالهم وغيرت المصامدة ما كان بأيديهم من نعم الله ولكنهم مع هذا أملياء مياسير أغنياء لهم نخوة واعتزاز لا يتحولون عنه وبمدينة اغمات عقارب كثيرة وكثيراً ما تلسب الناس فتؤذيهم وربما مات من لسبته وبمدينة اغمات ضروب من الفواكه وأنواع من النعم وكل شيء من المأكول بها رخيص ممكن.
وبشمال هذه المدينة وعلى اثني عشر ميلا منها مدينة بناها يوسف بن تاشفين في صدر سنة سبعين وأربع مائة بعد أن اشترى أرضها من أهل اغمات بجملة أموال واختطها له ولبني عمه وهي في وطاء من الأرض ليس حولها شيء من الجبال إلا جبل صغير يسمى ايجليز ومنه قطع الحجر الذي بني منه قصر أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين وهو المعروف بدار الحجر وليس في موضع مدينة مراكش حجر البتة إلا ما كان من هذا الجبل وإنما بناؤها بالطين والطوب والطوابي المقامة من التراب وماؤها الذي تسقى به البساتين مستخرج بصنعة هندسية حسنة استخرج ذلك عبيد الله بن يونس المهندس وسبب ذلك أن ماءهم ليس ببعيد الغور موجود إذا احتفر قريباً من وجه الأرض وذلك أن هذا الرجل المذكور وهو عبيد الله بن يونس جاء إلى مراكش في صدر بنائها وليس بها إلا بستان واحد لأبي الفضل مولى أمير المسلمين المقدم ذكره فقصد إلى أعلى الأرض مما يلي البستان فاحتفر فيه بئراً مربعة كبيرة التربيع ثم احتفر منها ساقية متصلة الحفر على وجه الأرض ومر يحفر بتدرج من أرفع إلى أخفض متدرجا إلى أسفله بميزان حتى وصل الماء إلى البستان وهو منسكب مع وجه الأرض يصب فيه فهو جار مع الأيام لا يفتر وإذا نظر الناظر إلى مسطح الأرض لم ير بها كبير ارتفاع يوجب خروج الماء من قعرها إلى وجهها وإنما يميز ذلك عالم بالسبب الذي به استخرج ذلك الماء والسبب هو الوزن للأرض فاستحسن ذلك أمير المسلمين من فعل عبيد الله بن يونس والمهندس وأعطاه مالا وأثوابا وأكرم مثواه مدة بقائه عنده ثم إن الناس نظروا إلى ذلك ولم يزالوا يحفرون الأرض ويستخرجون مياهها إلى البساتين حتى كثرت البساتين والجنات واتصلت بذلك عمارات مراكش وحسن قطرها ومنظرها ومدينة مراكش في هذا الوقت من أكبر مدن المغرب الأقصى لأنها كانت دار إمارة لمتونة ومدار ملكهم وسلك جميعهم وكان بها أعداد قصور لكثير من الأمراء والقواد وخدام الدولة وأزقتها ورحابها فسيحة ومبانيها سامية وأسواقها مختلفة وسلعها نافقة.
وكان بها جامع بناه أميرها يوسف بن تاشفين فلما كان في هذا الوقت وتغلب عليها المصامد وصار الملك ثم تركوا ذلك الجامع عطلا مغلق الأبواب لا يرون الصلاة فيه وصنعوا لأنفسهم مسجدا جامعا يصلون فيه بعد أن نهبوا الأموال وسفكوا الدماء وباعوا الحرم كل ذلك بمذهب لهم يرون ذلك فيه حلالاً وشرب أهل مراكش من الآبار ومياهها كلها عذبة وآبارهم قريبة معينة وكان علي بن يوسف قد جلب إلى مراكش ماء من عين بينها وبين المدينة أميال ولم يستتم ذلك فلما تغلب المصامده على الملك وصار لهم وبأيديهم تمموا جلب ذلك الماء إلى داخل المدينة وصنعوا به سقايات بقرب دار الحجر وهي الحظيرة التي فيها القصر منفرداً متحيزاً بذاته والمدينة بخارج هذا القصر وطول المدينة أشف من ميل وعرضها قرب ذلك وعلى ثلاثة أميال من مراكش نهر لها يسمى تانسيفت وليس بالكبير لكنه دائم الجري وإذا كان زمن الشتاء حمل بسيل كبير لا يبقى ولا يذر وكان أمير المسلمين علي بن يوسف بنى على هذا النهر قنطرة عجيبة البناء متقنة الصنع بعد أن جلب إلى عملها صناع الأندلس وجملا من أهل المعرفة بالبناء فشيدوها وأتقنوا بنيانها حتى كملت ثم لم تلبث غير أعوام يسيرة حتى أتى عليها السيل فاحتمل أكثرها وأفلت عقدها وهدمها ورمى بها في البحر الزخار وهذا الوادي يأتي إليه الماء من عيون ومياه منبعثة من جبل درن من ناحية مدينة اغمات ايلان.
واغمات ايلان مدينة صغيرة في أسفل جبل درن المذكور وهي في الشرق من اغمات وريكة السابق ذكرها وبينهما ستة أميال وبهذه المدينة يسكن يهود تلك البلاد وهي مدينة حسنة كثيرة الخصب كاملة النعم وكانت اليهود لا تسكن مدينة مراكش عن أمر أميرها علي بن يوسف ولا تدخلها إلا نهارا وتنصرف عنها عشية وليس دخولهم في النهار إليها إلا لأمور له وخدم تختص به ومتى عثر على واحد منهم بات فيها استبيح ماله ودمه فكانوا ينافرون المبيت بها حياطة على أموالهم وأنفسهم.
وأهل مراكش يأكلون الجراد ويباع منه بها كل يوم الثلاثون حملا فما دونها وفوقها بقبالة عليه وكانت أكثر الصنع بمدينة مراكش متقبلة عليها مال لازم مثل سوق الدخان والصابون والصفر والمغازل وكانت القبالة على كل شيء يباع دق أو جل كل شيء على قدره فلما ولي المصاميد وصار الأمر إليهم قطعوا القبالات بكل وجه وأراحوا منها واستحلوا قتل المتقبلين لها ولا تذكر الآن القبالة ذكرا في شيء من بلاد المصامدة ويسكن بقبلة مراكش من قبائل البربر ايلان وهم مصاميد وحولها من القبائل نفيس وبنو يدفر ودكال ورجراجة وزودة وهسكورة وهزرجة ويسكن بغربي اغمات وشرقيها مصاميد وريكة.
ومن مدينة مراكش إلى مدينة سلا على ساحل البحر تسع مراحل أولها تونين وتونين قرية على أول فحص أفيح لا عوج به ولا أمتا وطول هذا الفحص مرحلتان ويسكنه من قبائل البربر قزولة ولمطة وصدرات ومن تونين إلى قرية تيقطين مرحلة إلى قرية غفسيق مرحلة وهي قرية على أخر الفحص المذكور وصحن هذا الفحص كله نبات الشوك المسمى بالسدرة المثمرة بالنبق وفيه السلاحف البرية التي تفوق السلاحف البحرية كبراً وعظماً وأهل تلك النواحي يتخذون من جلودها دساتى للغسل ومعاجن لدقيق الحنطة وغيره.
ومن قرية غفسيق إلى قرية أم ربيع مرحلة وهي قرية كبيرة جامعة وبها أخلاط من برابر رهونة وبعض زناتة وتامسنا وقبائل تامسنا شتى مفترقة فمنهم برغواطة ومطماطة وبنو تسلت وبنو اويقمران وزقارة وبعض من زناتة وبنو يجفش من زناتة وكل هذه القبائل أصحاب حرث ومواش وجمال والغالب عليهم الفروسية وآخر سكناهم مرسى فضالة ومرسى فضالة على البحر المحيط الغربي وبينه وبين وادي أم ربيع ثلاث مراحل.
وأم ربيع على واد كبير خرار يجاز بالمراكب سريع الجري كثير الانحدار كثير الصخور والجنادل وبهذه القرية ألبان وأسمان ونعم رغدة وحنطة في نهاية الرخص وبها بقول ومزارع القطاني والقطن والكمون وهي في جنوب الوادي ويجاز هذا الوادي إلى غيضة كبيرة من الطرفاء والأنشام وكثير العليق وهي غابة كبيرة ملتفة والأسد بها كثيرة وربما أضرت بالمار والجائي غير أن أهل تلك النواحي لا يهابونها وقد تمهروا في مقاتلتها بأنفسهم من غير سلاح وإنما يلقونها بأنفسهم عراة يلقون أكسيتهم على أذرعهم ويمسكون معهم قنات من شوك السدرة وسكاكينهم بأيديهم لا غير وقد لقيت الأسود منهم هناك نكايات فلا مهابة بذلك لها عندهم بل تخاف ضرهم وتجتنب طرقهم وربما هجمت على الضعفاء من الناس ممن يقتاد حماراً أو غير ذلك.
ومن أم ربيع إلى قرية ايغيسل مرحلة وهي قرية حسنة وبها عيون كثيرة دفاعة بالماء بين صخور صلدة وهذا الماء يتصرف في سقي كثير من زروعهم.
ومن هذه القرية إلى قرية انقال مرحلة ويقال لها دار المرابطين أيضاً وبها عين عليها أقباء وماؤها معين وهي حسنة في موضعها كثيرة الزروع والمواشي والإبل والبقر وقبالتها فحص طويل قد انحشرت إليه طيور النعام فهي في أكنافه سارحة وعلى مراقبه دارجة وهي آلاف لا تحد ولا تعد وأهل تلك النواحي يصيدونها طرداً بالخيل فيقبضون منها جملاً كباراً وصغاراً وأما بيضها الموجود في هذا الفحص فلا يحاط به كثرة ولا يحصل ومنه يحمل إلى كل البلاد وطعامها وخيم يفسد المعد وأما لحوم النعام فلحوم باردة يابسة وشحومها نافعة عندهم من الصمم تقطيرا ومن سائر الأوجاع البدنية.
ومن انقال إلى قرية مكول مرحلة وقرية مكول على أبطح ويتصل بها فحص يقال له فحص خراز وطوله اثنا عثر ميلا لا ماء به وقرية مكول كالحصن الكبير عامرة بالبربر ولها سوق نافقة بما يجلب إليها من جميع المجلوبات من السلع والمتاجر التي يضطر الأحتياج إليها وبها زروع كثيرة ومواش وأنعام ومن مكول إلى قرية اكسيس مرحلة صغيرة والطريق على فحص خراز وفي آخر الفحص واد فيه ماء جار دائما وعليه غابات ثمار والأسود فيها ظاهرة للناس عادية عليهم بالليل والنهار ظاهرة لا تستتر في غياضها وبهذه القرية المسماة اكسيس بيت متخذ لصيد الأسود حتى أنه ربما صيد منها في الجمعة الثلاثة والأربعة والأكثر من ذلك والأقل والأسود تفر من النار إذا رأتها ولا سبيل لها على صاحب نار.
ومن قرية اكسيس إلى مدينة سلا مرحلة ومدينة سلا الحديثة على ضفة البحر وكانت في القديم من الزمان مدينة شالة على ميلين من البحر وموضعها على ضفة نهر اسمير الذي يتصل الآن بمدينة سلا الحديثة وهناك مصبه في البحر وأما شالة القديمة فهي الآن خراب وبها بقايا بنيان قائم وهياكل سامية ويتصل بخرابها عمارات متصلة وزروع ومواش لأهل سلا الحديثة وسلا الحديثة على ضفة البحر الملح منيعة من جانب البحر لا يقدر أحد من أهل المراكب على الوصول إلها من جهته وهي مدينة حسنة حصينة في أرض رمل ولها أسواق نافقة وتجارات ودخل وخرج وتصرف لأهلها وسعة أموال ونمو أحوال والطعام بها كثير رخيص جدا وبها كروم وغلات وبساتين وحدائق ومزارع ومراكب أهل اشبيلية وسائر المدن الساحلية من الأندلس يقلعون عنها ويحطون بها بضروب من البضائع وأهل اشبيلية يقصدونها بالزيت الكثير وهو بضاعتهم ويتجهزون منها بالطعام إلى سائر بلاد الأندلس الساحلية والمراكب الواردة عليها لا ترسى منها في شيء من البحر لأن مرساها مكشوف وإنما ترسى المراكب بها في الوادي الذي قدمنا ذكره.
وتجوز المراكب على فمه بدليل لأن في فم الوادي أحجار وتروش تنكسر عليها المراكب وفيه أعطاف لا يدخلها إلا من يعرفها وهذا الوادي يدخله المد والجزر في كل يوم مرتين وإذا كان المد دخلت المراكب به إلى داخل الوادي وكذلك تخرج في وقت خروجها وفي هذا الوادي أنواع من السمك وضروب من الحيتان والحوت بها لا يكاد يباع ولا يشترى لكثرته وجودته وكل شيء من المأكولات في مدينة سلا موجود بأيسر القيمة وأهون الثمن.
ومن مدينة سلا مع البحر الملح إلى جزائر الطير اثنا عشر ميلا ومنها في جهة الجنوب إلى مرسى فضالة اثنا عشر ميلا ومرسى فضالة ترده المراكب من بلاد الأندلس وحائط البحر الجنوبي فتحمل منها أوساقها طعاماً حنطة وشعيراً وفولاً وحمصاً وتحمل منها الغنم أيضاً والمعز والبقر.
ومن فضالة إلى مرسى آنفا أربعون ميلاً وهو مرسى مقصود تأتي إليه المراكب وتحمل منه الحنطة والشعير ويتصل به في ناحية البر عمارات من البرابر من بني يدفر ودكال وغيرهما.
ومن آنفا إلى مرسى مازيغن خمسة وستون ميلاً روسية ومن مازيغن إلى البيضاء جون، وهو ثلاثون ميلا ومن البيضاء إلى مرسى الغيط خمسون ميلاً وهو جون ثان ومن الغيط إلى آسفي خمسون ميلا ومن آسفي إلى طرف جبل الحديد ستون ميلا ومن طرف جبل الحديد إلى الغيط التي في الجون خمسون ميلا وكذلك من طرف مازيغن إلى آسفي روسية خمسة وثمانون ميلا وتقويرا مائة وثلاثون ميلا ومرسى آسفي كان فيما سلف آخر مرسى تصل إليه المراكب فأما الآن فهي تجوزه بأكثر من أربعة مجار وآسفي عليه عمارات وبشر كثير من البرابر المسمين رجراجة وزودة وأخلاط من البرابر والمراكب تحمل منه أوساقها في وقت السفر وسكون حركة البحر المظلم وإنما سمي هذا المرسى بآسفي لأمر سنأتي به عند ذكرنا لمدينة اشبونة بغربي الأندلس وذكر الشيء في موضعه أليق وأوفق والحمد لله كثيرا.
ومن مرسى آسفي إلى مرسى ماست في طرف الجون مائة وخمسون ميلا ومرسى الغيط مرسى حسن مكن من بعض الرياح والمراكب تصل إليه فتخرج منه الحنطة والشعير ويتصل به من قبائل البربر دكالة وأرض دكاله كلها منازل وقرى ومناهل ومياهها قليلة وتتصل دكالة إلى مرسى ماست إلى تارودنت السوس ويسكنها قوم من المصاميد لهم حرث وزرع ومواش كثيرة وقد ذكرنا ذلك قبل هذا.
ومن مدينة اغمات مع الشرق والشمال إلى مدينتي داي وتادلة أربعة أيام وبين داي وتادلة مرحلة ومدينة داي في أسافل جبل خارج من جبل درن وهي مدينة بها معدن النحاس الخالص الذي لا يعدله غيره من النحاس بمشارق الأرض ومغاربها وهو نحاس حلو لونه إلى البياض يتحمل التزويج ويدخل في لجام الفضة وهو إذا طرق جاد ولم يتشرح كما يتشرح غيره من أنواع النحاس وهذا المعدن ينسبه العوام إلى السوس وليست مدينة داي من بلاد السوس لان بينهما مسافات أيام كثيرة ومن هذا المعدن يحمل إلى سائر البلاد ويتصرف به في كثير من الأعمال ومدينة داي صغيرة لكنها كثيرة العامر والقوافل عليها صادرة وواردة ويزرع بها وبأرضها كثير القطن ولكنه بمدينة تادلة يزرع أكثر مما يزرع بمدينة داي ومن مدينة تادلة يخرج القطن كثيرا ويسافر به إلى كل الجهات ومنه كل ما يعمل من الثياب القطنية ببلاد المغرب الأقصى ولا يحتاجون مع قطنها إلى غيره من أنواع القطن المجلوب من سائر الأقطار وبهاتين البلدتين أرزاق ومعايش وخصب ونعم شتى وأهلها أخلاط من البربر.
وفي شرقي تادلة وداى من البرابر بنو وليهم وبنو ويزكون ومنداسة ويسكن بهذا الجبل النازل إلى داي قوم من صنهاجة يقال لهم املو.
ومن مدينة تادلة إلى مدينة تطن وقرى أربع مراحل وهي مدينة صغيرة لكنها متحضرة يسكنها قوم من أخلاط البرابر وبها مزارع وحنطة كثيرة ولها مواش وأغنام ومن مدينة تطن وقرى إلى مدينة سلا التي على الساحل يومان وقد ذكرنا مدينة سلا قبل هذا.
ومن مدينة سلا إلى مدينة فاس أربع مراحل ومدينة فاس مدينتان بينهما نهر كبير يأتي من عيون تسمى عيون صنهاجة وعليه في داخل المدينة أرحاء كثيرة تطحن بها الحنطة بلا ثمن له خطر والمدينة الشمالية منهما تسمى القرويين وتسمى الجنوبية الأندلس والأندلس ماؤها قليل لكن يشقها نهر واحد يمر بأعلاها وينتفع منه ببعضها وأما مدينة القرويين فمياهها كثيرة تجري منها في كل شارع وفي كل زقاق ساقية متى شاء أهل الموضع فجروها فغسلوا مكانهم منها ليلا فتصبح أزقتهم ورحابهم مغسولة وفي كل دار منها صغيره كانت أو كبيرة ساقية ماء نقيا كان أو غير نقي وفي كل مدينة منهما جامع ومنبر وإمام وبين المدينتين أبدا فتن ومقاتلات وبالجملة إن أهل مدينة فاس يقتل فتيانها بعضهم بعضاً وبمدينة فاس ضياع ومعايش ومبان سامية ودور وقصور ولأهلها اهتمام بحوائجهم ومبانيهم وجميع آلاتهم ونعمها كثيرة والحنطة بها رخيصة الأسعار جدا دون غيرها من البلاد القريبة منها وفواكهها كثيرة وخصبها زائد وبها في كل مكان منها عيون نابعة ومياه جارية وعليها قباب مبنية ودواميس محنية ونقوش وضروب من الزينة وبخارجها الماء مطرد نابع من عيون غزيرة وجهاتها مخضرة مؤنقة وبساتينها عامرة وحدائقها ملتفة وفي أهلها عزة ومنعة.
ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة والطريق على صفروي إلى قلعة مهدي إلى تادلة إلى داي إلى شعب الصفا ويشق الجبل الكبير إلى جنوبه ومن هناك إلى سجلماسة فأما مدينة صفروي فمنها إلى فاس مرحلة وكذلك منها إلى قلعة مهدي مرحلتان وصفروي مدينة صغيرة متحضرة بها أسواق قليلة وأكثر أهلها فلاحون وزروعهم كثيرة ولهم جمل مواش وأنعام ومياههم عذبة غدقة.
وأما قلعة مهدي فهي حصن حصين فوق جبل شامخ ولها أسواق وعمارات ومزارع وغلات وبقر وغنم وأحوال واسعة ومن قلعة مهدي إلى مدينة تادلة مرحلتان ويسكن في قبلة قلعة مهدي قبائل زناتة من بني سمجون وبني عجلان وبني تسكدلت وبني عبد الله وبني موسى وبني ماروى وتكلمان واريلوشن وانتقفاكن وبني سامرى وكذلك بين مدينة فاس ومكناسة أربعون ميلا في جهة المغرب ومكناسة مدائن عدة وهي في طريق سلا والطريق إليها من فاس إلى مدينة مغيلة.
ومدينة مغيلة كانت قبل هذا الوقت متحضرة كثيرة التجارات متصلة العمارات وهي في فحص أفيح كثير الأعشاب والخضر والنواوير والأشجار والثمار وهي الآن فيها بقايا عمارات وخراباتها متصلة والمياه تخترق في كل جانب منها ومكانها حسن وهواؤها معتدل.
ومن مغيلة إلى وادي سنات إلى فحص النخلة إلى مكناسة ومدينة مكناسة هي المسماة تاقررت وهي الآن باقية على حالها لم يدركها كبير تغير وهي مدينة حسنة مرتفعة على الأرض يجري في شرقيها نهر صغير عليه أرحاء وتتصل بها عمارات وجنات وزروع وأرضها طيبة للزراعات ولها مكاسب وأحوال طائلة ومكناسة سميت بإسم مكناس البربري لما نزلها مع بنيه عند حلولهم بالمغرب وأقطع لكل ابن من بنيه بقعة يعمرها مع ولده وكل هذه المواضع التي أحلهم فيها تتجاور وتتقارب أمكنتها بعضها من بعض وبلاد مكناسة منها التي تعرف ببني زياد وهي مدينة عامرة لها أسواق عامرة وحمامات وديار حسنة والمياه تخترق أزقتها وـم يYن في أيام الملثم بعد تاقررت أعمر قطرا من بني زياد وبينهما نحو من ربع ميل.
ومنها إلى بني تاورة نحو ذلك وبين تاورة وتاقررت نحو ذلك وكانت مدينة تاورة متحضرة جامعة عامرة وأسواقها كثيرة والصناعات بها نافقة وال݆عموالفواكه لا تقضى بها حاجة والماء يأتيها من جنوبها من نهر كبير فينقسم في أعلاها ويمر ما انقسم هناك من المياه فيخترق جميع أزقتها شوارعها وأكثر دورها.
وبين تاورة وبني زياد مدينتان صغيرتان إحداهما القصر وهي مدينة صغيرة في الطريق من تاقررت إلى السوق القديمة على رميتي سهم وهذه المدينة بناها أمير من أمراء الملثمين وجعل لما سورا حصينا وبنى بها قصرا حسنا ولم تكن بها أسواق كثيرة ولا طائل تجارات وإنما كان ذلك الأمير يسكنها مع جلة بني عمه والمدينة الأخرى في شرقي هذه المدينة تعرف ببني عطوش وهي ديار متصلة وعمارات في بساتين لهم هناك ولهم أشجار وغلات وزيتون كثير وشجر تين وأعناب وفواكه جمة وكل ذلك بها ممكن رخيص.
ومن أسفا هذه المنازل إلى قبيلة من مكناسة على مجرى الماء الذي يأتي من بني عطوش وتسمى هذه القبيلة بني برنوس وهي منازل وديار لهم وبها مزارع وكروم وعمارات وشجر زيتون كثيرة وفواكههم موجود تباع بالثمن اليسير وفي شمال قصر أبي موسى سوق تقصد إليها في يوم كل خميس يجتمع إليه جميع قبائل بني مكناس وهي سوق نافقة لما جلب إليها ويقصد إليها من بعيد وقريب وتسمى السوق القديمة ومن قبائل بني مكناس المجاورة لهذه البلاد بنو سعيد وبنو موسى ويسكنها من غير قبائل مكناسة بنو بسيل ومغيلة وبنو مصعود وبنو علي وورياغل ودمر وواربة وصبغاوة وهي من أخصب البقاع أرضاً وأنماها زرعاً وأكثرها خيراً وأنجبها نتاجاً وهم برابر يلبسون الأكسية ويربطون العمائم.
ومن بلاد مكناسة في جهة الغرب إلى قصر عبد الكريم ثلاث مراحل وقصر ابن عبد الكريم يسكنه قوم من البربر يسمون دنهاجة وهي مدينة صغيرة عامرة بأخلاط دنهاجة وهي على نهر اولكس ويجري منها في جهة الجنوب وبينها وبين البحر نحو من ثلاثة أميال في أرض أكثرها رمل ولما مزارع وخصب وصيود بر وبحر وبها سوق عامرة وجمل صناعات ومن قصر عبد الكريم إلى مدينة سلا التي على البحر الملح مرحلتان من القصر إلى المعمورة ومن المعمورة إلى سلا ونهر اولكس نهر كبير من أنهار المغرب المشهورة وتمده أنهار كثيرة وعيون نابعة وعليه عمارات وقرى وديار.
ومدينة فاس قطب ومدار لمدن المغرب الأقصى ويسكن حولها قبائل من البربر ولكنهم يتكلمون بالعربية وهم بنو يوسف وفندلاوة وبهلول وزواوة ومجاصة وغياتة وسلالحون وفاس هذه هي حضرتها الكبرى ومقصدها الأشهر وعليها تشهد الركائب وإليها تقصد القوافل ويجلب إلى حضرتها كل غريبة من الثياب والبضائع والأمتعة الحسنة وأهلها مياسير ولها من كل شيء حسن أكبر نصيب وأوفر حظ ومن مدينة فاس إلى مدينة سبتة على بحر الزقاق شمالاً سبع مراحل.
ومن فاس إلى تلمسان تسع مراحل والطريق بينهما هو أن تخرج من فاس إلى نهر سبو وهو نهر عظيم يأتي من نواحي جبل القلعة لابن توالة ويمر حتى يحاذي فاس من جهة شرقيها وعلى ستة أميال منها وهناك يقع نهر فاس مع ما اجتمع معه من سائر العيون والأنهر الصغار وعليه قرى وعمارات ويمر الطريق منه إلى تمالتة مرحلة وهي قرية وعمارات على نهر لها يأيها من جهة الجنوب يقال له وادي ايناون.
ومنها إلى كرانطة مرحلة وكانت أيضاً فيما سلف من الزمان مدينة لها كروم كثيرة وفواكه ومزارع على السقي ومنها إلى باب زناتة نحو من عشرة أميال وهو واد عليه حرث يسقى به وبه أغنام وأبقار وزروع كثيرة تقرب من نهر ايناون.
ومنها إلى قلعة كرمطة مرحلة وبها سوق وزروع وضرع وهذه القلعة مطلة على نهر ايناون ومن كرمطة في أسفل الجبل إلى مراوز وهي قلعة صغيرة أكثرها خلا مرحلة وبها القمح والشعير كثيراً.
ومنها إلى وادي مسون مرحلة والطريق إليه على تابرندا وهو حصن منيع على أكمة مطلة على وادي ملوية ووادي ملوية يقع إلى وادي صاع فيجتمعان معا ويصبان في البحر ما بين جراوة ابن قيس ومليلة.
ومنها إلى صاع مرحلة وهي مدينة لطيفة صغيرة بأسفل كدية تراب مطلة على نهر كبير يشق أرباضها ويخترق ديارها وهي الآن مهدمة خربها المصاميد ومنها إلى جراوة مرحلة وبين جراوة والبحر ستة أميال وكانت عامرة.
ومنها إلى برقانة مرحلة وهي قلعة عليها حصن منيع ولها سوق عامرة وبها مياه كثيرة ولها جنات وكروم ومنها إلى العلويين مرحلة وهي قرية كبيرة على نهر يأتها من القبلة وفواكهها فاضلة وخيراتها شاملة.
ومنها إلى تلمسان مرحلة لطيفة وتلمسان مدينة أزلية ولها سور حصين متقن الوثاقة وهي مدينتان في واحدة يفصل يينهما سور ولها نهر يأتيها من جبلها المسمى بالصخرتين وعلى هذا الجبل حصن بناه المصمودي قبل أخذه تلمسان ولم تزل المصامدة قاطنين به إلى أن فتحوا تلمسان وهذا الوادي يمر في شرقي المدينة وعليه أرحاء كثيرة وما جاورها من المزارع كلها مسقي وغلاتها ومزارعها كثيرة وفواكهها جمة وخيراتها شاملة ولحومها شحيمة سمينة وبالجملة إنها حسنة لرخص أسعارها ونفاق أشغالها ومرابح تجاراتها ولم يكن في بلاد المغرب بعد مدينة اغمات وفاس أكثر من أهلها أموالاً ولا أرفه منهم حالا ومدينة فاس أكبر من تلمسان قطرا وأجل منها قدرا وأكثر خيراً ومالاً وأعلى همة في المباني واتخاذ الديار الحسنة.
والطريق من مدينة فاس إلى بني تاودا مرحلتان وهذه المدينة بناها أمير من قبل الملثم وكانت مدينة قائمة بذاتها لكثرة زروعها ومفيد غلاتها وغزر ألبانها وسمنها وعسلها وأسواقها عامرة وخيراتها وافرة وكانت على مقربة من جبل غمارة وكانت بمكانها شبه الثغر سداً مانعاً من طغاة غمارة العابثين بتلك النواحي المغيرين على جوانبها وبينها وبين طرف جبل غمارة ثلاثة أميال وبين بني تاودا وفاس برية يشق في وسطها وادي سبو وبين وادي سبو في طريق بني تاودا وبين فاس عشرون ميلا ويسكن هذه البرية قبائل من البربر يسمون لمطة وحد عمارتهم من مدينة تاودا إلى وادي سبو المذكور ويمتدون بالعمارة إلى قرية عكاشة وبين هذه القرية وبني تاودا يوم وبينها وبين مدينة فاس يومان وهي أول مدينة من مدن الغرب التي حل بها الفساد ونزل بها التغيير واستأصلها المصامدة وهدموا أسوارها وصيروا قائم مساكنها أرضا ولم يبق من هذه المدينة المنسوبة لبني تاودا إلا مكانها وقد تراجع إلى مكانها نحو من مائة رجل فعمروها وزرعوا في أرضها لطيب ترابها ونمو زروعها وجودة حنطتها.
وأما من أراد الطريق إلى تلمسان من سجلماسة فالقوافل تسير من تلمسان إلى فاس ومن فاس إلى صفروى إلى تادلة إلى اغمات إلى بني درعه إلى سجلماسة.
والطريق الآخر تأخذه القوافل أيضاً لكن في النادر لأنه مفازة فمن شاء ذلك سار من مدينة تلمسان إلى قرية تارو مرحلة ومنها إلى جبل تامديت مرحلة ومنها إلى غايات وهي قرية خراب وبها بئر ماء معينة مرحلة ومنها إلى صدرات وهي أرض قوم من البربر مرحلة ومنها إلى جبل تيوى مدينة خراب وبها عين ماء خرارة وهي في أسفل جبل مرحلة ومنها إلى فتات بئر في وسط صحراء مرحلة ومنها إلى شعب الصفا مرحلتان وهذا الشعب هو بين جبال درن ومجرى نهر يأتي من هناك والطريق بينهما مرحلة ومنه إلى تندلى وهي قرية عامرة مرحلة ومنها إلى قرية تمسنان مرحلة ومنها إلى تقربت مرحلة ومنه إلى سجلماسة.
ثلاث مراحل وهذا الطريق قليل سالكوه إلا ندرة في الدهر.
ومدينة تلمسان قفل بلاد المغرب وهي على رصيف للداخل والخارج منها لا بد منها والاجتياز بها على كل حالة والطريق من تلمسان إلى مدينة تنس سبع مراحل تخرج من تلمسان إلى قرية العلويين وهي قرية كبيرة عامرة على ضفة نهر ولهم بها جنات ومياه جارية من عيون.
ومنها إلى قرية بابلوت مرحلة وهي قرية جليلة كثيرة الأهل والعمارة على نهر ليس به أرحاء وتسقى منه مزارع ومن بابلوت إلى قرية سنى التي على نهر مرغيت مرحلة وهو صغير والعيون بها والمياه تطرد في كل وجهة.
ومنها إلى رحل الصفاصف مرحلة وهو رحل عامر آهل على نهر يأتي من افكان من جهة المشرق ومن الرحل إلى افكان مرحلة وافكان هذه مدينة كانت لها أرحاء وحمامات وقصور وفواكه كثيرة وكان عليها سور تراب لكنه الآن تهدم وبقي أثره وواديها يشقها نصفين ويمضي منها إلى تاهرت.
ومنها إلى المعسكر مرحلة والمعسكر قرية عظيمة لها أنهار وثمار ومنها إلى جبل فرحان ماراً مع أسفله إلى قرية عين الصفاصف وبها فواكه كثيرة وزروع ونعم دارة مرحلة.
ومنها إلى مدينة يلل مرحلة ومدينة يلل بها عيون ومياه كثيرة وفواكه وزروع وبلادها جيدة للفلاحه وزروعها نامية.
ثم إلى مدينة غزة وهي مدينة صغيرة القدر فيها سوق مشهورة لها يوم معلوم وبها حمام وديار حسنة ولها مزارع.
ومنها إلى مدينة سوق إبراهيم مرحلة وهي على قدر غزة وموضعها على ضفة نهر شلف.
ومن سوق إبراهيم إلى باجة مرحلة وهي مدينة حسنة صغيرة لها إقليم به شجر التين كثير جدا ويعمل بها من التين شرائح على مثال الطوب وبذلك تسمى وتحمل منها إلى كثير من الأقطار.
ومنها إلى مدينة تنس مرحلة ومدينة تنس على مقربة من ضفة البحر الملح وعلى ميلين منه وبعضها على جبل وقد أحاط بها السور وبعضها في سهل الأرض وهي مدينة قديمة أزلية عليها سور حصين وحظيرة مانعة دائرة بها وشرب أهلها من عين ولها جهة الشرق واد كثير الماء وشربهم منه في أيام الشتاء والربيع وبها فواكه وخصب وبها إقلاع وحط ولها أقاليم وأعمال ومزارع وبها الحنطة ممكنة جداً وسائر الحبوب موجودة وتخرج منها إلى كل الآفاق في المراكب وبها من الفواكه كل طريفة ومن السفرجل الطيب المعنق ما يفوت الوصف في كبره وحسنه.
والطريق من تلمسان إلى مدينة وهران الساحلية وهما مرحلتان كبيرتان وقيل بل هي ثلاث مراحل وذلك أنك تخرج من تلمسان إلى وادي وارو فتنزل به وبينهما مرحلة ومنها إلى قرية تانيت فتنزل بها وهي مرحلة ومن هذه القرية إلى مدينة وهران ووهران على مقربة من ضفة البحر الملح وعليها سور تراب متقن وبها أسواق مقدرة وصنائع كثيرة وتجارات نافقة وهي تقابل مدينة المرية من ساحل بحر الأندلس وسعة البحر بينهما مجريان ومنها أكثر ميرة ساحل الأندلس ولها على بابها مرسى صغير لا يستر شيئاً ولها على ميلين منها المرسى الكبير وبه ترسى المراكب الكبار والسفن السفرية وهذا المرسى يستر من الريح وليس له مثال في مراسي حائط البحر من بلاد البربر وشرب أهلها من واد يجري إليها من البر وعليه بساتين وجنات وبها فواكه ممكنة وأهلها في خصب والعسل بها موجود وكذلك السمن والزبد والبقر والغنم بها رخيصة بالثمن اليسير ومراكب الأندلس إليها مختلفة وفي أهلها دهاقنة وعزة أنفس ونخوة.
والطريق من مدينة تنس إلى المسيلة من بلاد بني حماد بالغرب الأوسط تخرج من مدينة تنس إلى بني وازلفن مرحلة لطيفة في جبال وعرة وشواهق متصلة وبنو وازلفن قرية كبيرة لها كروم وجنات ذوات سوان يزرعون عليها البصل والشهدانج والحناء والكمون ولها كروم كثيرة ومعظمها على نهر شلف ومن تنس إلى شلف مرحلتان.
ومن بني وازلفن إلى الخضراء مرحلة وهي مدينة صغيرة حصينة على نهر صغير عليه عمارات متصلة وكروم وبها من السفرجل كل بديع ولها سوق وحمام وسوقها يجتمع إليه أهل تلك الناحية.
ومن الخضراء إلى مدينة مليانة مرحلة وهي مدينة قديمة البناء حسنة البقعة كريمة المزارع وهما نهر يقي أكثر حدائقها وجناتها وجانبي مزارعها ولها أرحاء بنهرها المذكور ولأقاليمها حظ من سقي نهر شلف وعلى ثلاثة أيام منها وفي جنوبها الجبل المسمى بجبل وانشريس يسكنه قبائل من البربر منها مكناسة وحرسون واوربة وبنو أبي خليل وكتامة ومطماطة وبنو مليلت وبنو وارتجان وبنو أبي خليفة ويصلاتن وزولات وبنو واتمشوس وزواوة ونزار ومطغرة ووارترين وبنو أبي بلال وايزكروا وبنو أبي حكيم وهوارة وطول هذا الجبل أربعة أيام وينتهي طرف هذا الجبل إلى قرب تاهرت.
ومن مدينة مليانة إلى كزناية مرحلة وهو حصن أزلي له مزارع وأسواق وهو على نهر شلف وله سوق يوم الجمعة يقصده بشر كثير.
ومن سوق كزناية إلى قرية ريغة مرحلة ولهذه القرية أرض متسعة وحروث ممتدة وفواكه وبساتين ولها سوق صالحة تقصد في يوم معلوم في كل جمعة يباع بها ويشترى ويقضى منها حوائج وبهذه القرية المذكورة مياه كثيرة وعيون مطردة ومنها إلى ماورغة مرحلة وهي قرية حسنة لكنها لطيفة القدر وبها زراعات وخصب ومياه جارية ومنها إلى اشير زيري مرحلتان وهو حصن حسن البقعة كثير المنافع وله سوق يوم معروف يجلب إليه كل لطيفة ويباع به كل طريفة ومنه إلى تامزكيدة مرحلة.
ثم إلى المسيلة مرحلتان وهي مستحدثة استحدثها علي بن الأندلسي في ولاية إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهي عامرة في بسيط من الأرض ولها مزارع ممتدة أكثر مما يحتاج إليه ولأهلها سوائم خيل وأغنام وأبقار وجنات وعيون وفواكه وبقول ولحوم ومزارع قطن وقمح وشعير ويسكنها من البربر بنو برزال ودنداح وهوارة وصدراتة ومزاتة وهذه المدينة أيضاً عامرة بالناس والتجار وهي على نهر فيه ماء كثير مستنبط على وجه الأرض وليس بالعميق وهو عذب وفيه سمك صغير فيه طرق حمر حسنة ولم ير في بلاد الأرض المعمورة سمك على صفته وأهل المسيلة يفتخرون به ويكون مقدار هذا السمك من شبر إلى ما دونه وربما اصطيد منه الشيء الكثير فاحتمل إلى قلعة بني حماد وبينهما اثنا عشر ميلاً.
ومدينة القلعة من أكبر البلاد قطراً وأكثرها خلقاً وأغزرها خيراً وأوسعها أموالاً وأحسنها قصوراً ومساكن وأعمها فواكه وخصباً وحنطتها رخيصة ولحومها طيبة سمينة وهي في سند جبل سامي العلو صعب الارتقاء وقد استدار سورها بجميع الجبل ويسمى تاقربست وأعلى هذا الجبل متصل ببسيط من الأرض ومنه ملكت القلعة وبهذه المدينة عقارب كثيرة سود تقتل في الحال وأهل القلعة يتحرزون منها ويتحصنون من ضررها ويشربون لها نبات الفوليون الحراني ويزعمون أنه ينفع شرب درهمين منه لعام كامل فلا يصيب شاربها شيء من ألم تلك العقارب وهذا عندهم مشهور وقد أخبر بذلك من يوثق به في وقتنا هذا وحكى عن هذه الحشيشة أنه شربها وقد لسبته العقرب فسكن الوجع مسرعاً ثم إنه لسبته العقارب في سائر العام ثلاث مرات فما وجد لذلك اللسب ألماً وهذا النبات ببلد القلعة كثير.
والطريق من مدينة تلمسان إلى مدينة المسيلة من تلمسان إلى مدينة تاهرت أربع مراحل تخرج من تلمسان إلى تادرة وهي قرية في حضيض جبل فيها عين ماء خرارة مرحلة ومنها إلى قرية نداى مرحلة وهي قرية صغيرة في فحص أفيح بها بئران ماؤهما معين ومنها إلى مدينة تاهرت مرحلتان.
وبين مدينة تاهرت والبحر أربع مراحل ومدينة تاهرت كانت فيما سلف من الزمان مدينتين كبيرتين إحداهما قديمة والأخرى محدثة والقديمة من هاتين المدينتين ذات سور وهي على قنة جبل قليل العلو وبها ناس وجمل من البرابر ولهم تجارات وبضائع وأسواق عامرة وبأرضها مزارع وضياع جمة وبها من نتاج البراذين والخيل كل حسن وأما البقر والغنم بها فكثيرة جداً وكذلك العسل والسمن وسائر غلاتها كثيرة مباركة وبمدينة تاهرت مياه متدفقة وعيون جارية تدخل أكثر ديارهم ويتصرفون بها ولهم على هذه المياه بساتين وأشجار تحمل ضروباً من الفواكه الحسنة وبالجملة إنها بقعة حسنة.
ومن تاهرت إلى قرية اعبر مرحلة وهي قرية صغيرة على نهر صغير ومنها إلى قرية دارست مرحلة وهي قرية صغيرة جداً وزراعاتها كثيرة ومواشيها عامة ومنها إلى مدينة ماما مرحلتان وهي مدينة صغيرة لها سور من تراب وأكثره طوب ولها بما استدار بسورها خندق محفور ولها واد عذب عليه مزارع وغلات وإصابتها في الحنطة كثيرة ومن مدينة ماما إلى قرية ابن مجبر مرحلة وهي قرية كبيرة كثيرة الزروع عذبة المياه وشربهم من العيون وسكانها زناتة ومنها إلى اشير زيري التي قدمنا ذكرها مرحلة ومن اشير زيري إلى قرية سطيت مرحلة وبها عين ماء جارية ومنها إلى قرية هان في فحص رمل مرحلة وإليها مياه عيون وهي الآن خراب ومنها إلى المسيلة مرحلة.
وبين مدينة تلمسان وتاهرت يسكن بنو مرين وورتطغير وزير وورتيد ومانى واومانوا وسنجاسة وغمرة ويلومان وورماكسين وتجين وورشفان ومغراوة وبنو راشد وتمطلاس ومنان وزقارة وتيمنى وكل هذه القبائل بطون زناتة وهم أصحاب هذه الفحوص وهم قوم رحالة ظواعن ينتجعون من مكان إلى مكان غيره لاكنهم متحضرون وأكثر زناتة فرسان يركبون الخيل ولهم عادية لا تؤمن ولهم معرفة بارعة وحذق وكياسة ويد جيدة في علم الكتف ولا يدرى أن أحداً من الأمم أعلم بعلم الكتف من زناتة وهم منسوبون إلى جانا وهو أبو زناتة كلها وهو جانا ابن ضريس وضريس هو جالوت الذي قتله داود عليه السلام وضريس ابن لوى بن نفجاو ونفجاو هو أبو نفزاوة كلها ونفجاو ابن لوى الأكبر في برا بن قيس بن الياس بن مضر وزناتة في أول نسبهم عرب صرح وإنما تبربروا بالمجاورة والمحالفة للبرابر من المصاميد.
ولنرجع الآن إلى ذكر مدينة وهران فنقول إن من مدينة وهران السابق ذكرها إلى مدينة تنس مجريان وهي من الأميال مائتا ميل وأربعة أميال ومن مدينة تنس إلى برشك على الساحل ستة وستون ميلاً ومن مدينة تنس إلى مدينة مليانة في البر مرحلتان وبين مليانة وتاهرت ثلاث مراحل.
ومدينة برشك مدينة صغيرة على تل وعليها سور تراب وهي على ضفة البحر وشرب أهلها من عيون وماؤها عذب وافتتحها الملك المعظم رجار في سنة (-) وخمس مائة وبها فواكه وجمل مزارع وحنطة كثيرة وشعير.
ومنها إلى شرشال عشرون ميلاً ويصل بينهما جبل منيع يسكنه قبيلة من البربر تسمى ربيعة ومدينة شرشال صغيرة القدر لاكنها متحضرة وبها مياه جارية وآبار معينة عذبة وبها فواكه حسنة كثيرة وسفرجل كبير الجرم ذو أعناق كأعناق القرع الصغار وهو من الطرائف غريب في ذاته وبها كروم وبعض شجر تين وما دار بها بادية لأهلها مواش وأغنام كثيرة والنحل عندهم كثير والعسل بها ممكن وأكثر أموالهم الماشية ولهم من زراعة الحنطة والشعير ما يزيد على الحاجة.
ومن شرشال إلى الجزائر لبني مزغنا سبعون ميلاً ومدينة الجزائر على ضفة البحر وشرب أهلها من عيون على البحر عذبة ومن آبار وهي عامرة آهلة وتجاراتها مربحة وأسواقها قائمة وصناعاتها نافقة ولها بادية كبيرة وجبال فيها قبائل من البربر وزراعاتهم الحنطة والشعير وأكثر أموالهم المواشي من البقر والغنم ويتخذون النحل كثيراً فلذلك العسل والسمن كثير في بلدهم وربما يتجهر بهما إلى سائر البلاد والأقطار المجاورة لهم والمتباعدة عنهم وأهلها قبائل ولهم حرمة مانعة.
ومن الجزائر إلى تامدفوس شرقاً ثمانية عشر ميلاً وتامدفوس مرسى حسن عليه مدينة صغيرة خراب وأكثر سورها قد تهدم وقل أهلها وبها بقايا بناء قديم وهياكل وأصنام حجارة ويذكر أنها كانت من أعظم البلاد كبراً وأوسعها قطراً.
ومن تامدفوس إلى مرعى الدجاج عشرون ميلاً ومدينة مرسى الدجاج كبيرة القطر لها حصن دائر بها وبشرها قليل وربما فر عنها أكثر أهلها في زمن الصيف ومدة السفر خوفاً من قصد الأساطيل إليها ولها مرسى مأمون ولها أرض ممتدة وزراعات متصلة وإصابة أهلها في زروعهم واسعة وحنطتهم مباركة وسائر الفواكه واللحوم بها كثيرة وتباع بالثمن اليسير والتين خاصة يحمل منها شرائح طوباً ومنثوراً إلى سائر الأقطار وأقاصي المدائن والأمصار وهي بذلك مشهورة.
ومن مدينة مرسى الدجاج إلى مدينة تدلس أربعة وعشرون ميلاً وهي على شرف متحصنة لها سور حصين وديار ومتنزهات وبها من رخص الفواكه والأسعار والمطاعم والمشارب ما ليس يوجد بغيرها مثله وبها الغنم والبقر موجودة كثيراً وتباع جملتها بالأثمان اليسيرة ويخرج من أرضها إلى كثير من الآفاق.
ومن تدلس إلى مدينة بجاية في البر سبعون ميلاً وفي البحر تسعون ميلاً ومدينة بجاية على البحر لاكنها على جرف حجر ولها من جهة الشمال جبل يسمى مسيون وهو جبل سامي العلو صعب المرتقى وفي أكنافه جمل من النبات المنتفع به في صناعة الطب مثل شجر الحضض والسقول وفند وريون والبرباريس والقنطوريون الكبير والرزاوند والقسطون والإفسنتين أيضاً وغير ذلك من الحشائش وفي هذا الجبل كثير من العقارب صفر الألوان لاكن ضررها قليل ومدينة بجاية في وقتنا هذا مدينة الغرب الأوسط وعين بلاد بني حماد والسفن إليها مقلعة وبها القوافل منحطة والأمتعة إليها براً وبحراً مجلوبة والبضائع بها نافقة وأهلها مياسير تجار وبها من الصناعات والصناع ما ليس بكثير من البلاد وأهلها يجالسون تجار المغرب الأقصى وتجار الصحراء وتجار المشرق وبها تحل الشدود وتباع البضائع بالأموال المقنطرة ولها بواد ومزارع والحنطة والشعير بها موجودان كثيران والتين وسائر الفواكه منها ما يكفي لكثير من البلاد وبها دار صناعة لإنشاء الأساطيل والمراكب والسفن والحرابي لأن الخشب في جبالها وأوديتها كثير موجود ويجلب إليها من أقاليمها الزفت البالغ الجودة والقطران وبها معادن الحديد الطيب موجودة وممكنة وبها من الصناعات كل غريبة ولطيفة وعلى بعد ميل منها نهر يأتيها من جهة المغرب من نحو جبل جرجرة وهو نهر عظيم يجاز عند فم البحر بالمراكب وكلما بعد عن البحر كان ماؤه قليلاً ويجوز من شاء في كل موضع منه.
ومدينة بجاية قطب لكثير من البلاد وذلك أن من بجاية إلى اتكجان يوم وبعض يوم ومن بجاية إلى بلزمة مرحلتان وبعض ومن بجاية إلى سطيف يومان وبين بجاية وباغاية ثمانية أيام وبين بجاية وقلعة بشر خمسة أيام وهي من عمالة بسكرة وبين بجاية وتيفاش ست مراحل وبين بجاية وقالمة ثماني مراحل وبين بجاية وتبسة ستة أيام وبين دور مدين وبجاية إحدى عشرة مرحلة وبين بجاية والقصرين ستة أيام وبين بجاية وطبنة سبع مراحل.
وأما مدينة بجاية في ذاتها فإنها عمرت بخراب القلعة التي بناها حماد بن بلقين وهي التي تنسب دولة بني حماد إليها والقلعة كانت في وقتها وقبل عمارة تجارية دار الملك لبني حماد وفيها كانت ذخائرهم مدخرة وجميع أموالهم مختزنة ودار أسلحتهم والحنطة تختزن بها فتبقى العام والعامين لا يدخلها الفساد ولا يعتريها تغيير وبها من الفواكه المأكولة والنعم المنتخبة ما يلحقه الإنسان بالثمن اليسير ولحومها كثيرة وبلادها وجميع ما ينضاف إليها تصلح فيها السوائم والدواب لأنها بلاد زرع وخصب وفلاحتهم إذا كثرت أغنت وإذا قلت كفت فأهلها أبد الدهر شباع وأحوالهم صالحة وقد ذكرنا حالها وصفتها في ذات بنائها فيما تقدم لنا وهي متعلقة بجبل عظيم مطل عليها وقد احتوى سورها المبني على جميع الجبل المذكور طولاً وعرضاً وأمامها في جهة الجنوب أرض سهلة متصلة الانفراج لا يرى الناظر فيها جبلاً عالياً ولا شرفاً مطلاً إلا على بعد منها وعلى مسير أربع مراحل يرى جبالاً لا تبين.
وعلى اثني عشر ميلاً منها المسيلة التي تقدم ذكرها غرباً والمسيلة في أرض طبنة وفي جهة المغرب من مدينة القلعة ومن القلعة أيضاً في جهة المشرق مدينة محدثة تسمى الغدير وبينها وبين القلعة ثمانية أميال والغدير مدينة حسنة وأهلها بدو ولهم مزارع وأرضون مباركة والحرث بها قائم الذات والإصابة في زروعها موجودة والبركات في معاملاتهم كثيرة وبين المسيلة والغدير ثمانية عشر ميلاً.
والطريق من مدينة بجاية إلى القلعة تخرج من بجاية إلى المضيق إلى سوق الأحد إلى وادي رهت إلى حصن تاكلات وبه المنزل وحصن تاكلات حصن منيع وهو على شرف مطل على وادي بجاية وبه سوق دائمة وبه فواكه ولحوم كثيرة رخيصة وبحصن تاكلات قصور حسان وبساتين وجنات ليحيى بن العزيز.
ومن حصن تاكلات إلى تادرفت إلى سوق الخميس إلى حصن بكر وبه المنزل وحصن بكر حصن حصين على مراع ممتدة والوادي الكبير يجري مع أصلها وبجنوبها وفيه سوق وبيع وشراء ومن حصن بكر إلى حصن وارفو ويسمى أيضاً رافو إلى القصر وهو أيضاً قرية وهناك تترك وادي بجاية غرباً وتمر في جهة الجنوب إلى حصن الحديد مرحلة إلى الشعراء إلى قبور بني تراكش إلى تاورت وهي قرية كبيرة عامرة على نهر ملح وبها المنزل وشرب أهلها من عيون محتفرة ببطن واد يأتيها من جهة المشرق وهذا الوادي لا ماء به.
ومن تاورت إلى الباب وهي جبال يخترق بينها الوادي الملح وهناك مضيق وموضع مخيف وإلى هاهنا تصل غارات العرب وضررها ومنه إلى السقائف وهو حصن.
ثم إلى حصن الناظور إلى سوق الخميس وبه المنزل وهذه الأرض كلها تجولها العرب وتضر بأهلها وسوق الخميس حصن في أعلى جبل وبه مياه جارية ولا تقدر العرب عليه لمنعته وبه من المزارع والمنافع قليل.
ومنه إلى الطماطة وهو فحص في أعلى جبل ومنه إلى سوق الاثنين وبه المنزل وهو قصر حصين والعرب محدقة بأرضه وفيه رجال يحرسونه مع سائر أهله.
ومنه إلى حصن تافلكايت وهو حصن إلى تازكا وهو حصن صغير ومنه إلى قصر عطية وهو حصن على أعلى جبل ثم إلى حصن إلى حصن إلى حصن القلعة مرحلة وجميع هذه الحصون أهلها مع العرب في مهادنة وربما أضر بعضهم ببعض غير أن أيدي الأجناد فيها مقبوضة وأيدي العرب مطلقة في الإضرار وموجب ذلك أن العرب لها دية مقتولها وليس عليها دية فيمن تقتل.
ومن المسيلة إلى طبنة مرحتان وطبنة مدينة الزاب وهي مدينة حسنة كثيرة المياه والبساتين والزروع والقطن والحنطة والعير وعليها سور من تراب وأهلها أخلاط وبها صنائع وتجارات وأموال لأهلها متصرفة في ضروب من التجارات والتمر بها كثير وكذلك سائر الفواكه.
وتخرج من المسيلة إلى مقرة مرحلة وهي مدينة صغيرة وبها مزارع وحبوب وأهلها يزرعون الكتان وهو عندهم كثير ومن مقرة إلى طبنة مرحلة وبين طبنة ومدينة بجاية ست مراحل وكذلك من طبنة إلى باغاي أربع مراحل.
ومن طبنة شرقاً إلى دار ملول مرحلة كبيرة وكانت فيما سلف من الدهر مدينة عامرة وأسواقها قائمة ولها مزارع وغلات جمة وفيها حصن مطل فيه مرصد من البلد ينظر إلى مجال العرب في بلادهم ويتطلع منه إلى ما بعد من الأرض وشربهم من ماء عيون بها جارية وبين دار ملول ونقاوس ثلاث مراحل وجبل اوراس منها على مرحلة وزائد وكذلك من دار ملول إلى الضلعة ثلاث مراحل وجبل اوراس قطعة يقال إنها متصلة من جبل درن المغرب وهو كالام محني الأطراف وطوله نحو من اثني عشر يوماً ومياهه كثيرة وعماراته متصلة وفي أهله نخوة وتسلط على من جاورهم من الناس.
ومن مدينة طبنة إلى مدينة نقاوس مرحلتان ومدينة نقاوس مدينة صغيرة كثيرة الشجر والبساتين وأكثر فواكهها الجوز ومنها يتجهز به إلى ما جاورها من الأقطار وفيها سوق قائمة ومعايش كثيرة ومن نقاوس إلى المسيلة أربع مراحل وقيل ثلاث ومن مدينة نقاوس أيضاً إلى حصن بسكرة مرحلتان وهو حصن منيع في كدية تراب عال وبه سوق وعمارة وبه أيضاً من التمر كل غريبة وطريفة.
ومنه إلى حصن بادس وهو في أسفل طرف جبل اوراس ثلاث مراحل وهو حسن عامر بأهله والعرب تملك أرضه وتمنع أهله من الخروج عنه إلا بخفارة رجل منهم ومنه إلى مدينة المسيلة أربعة أميال.
وفي الشرقي من مدينة قلعة بني حماد مدينة مسيلة وهي على أربع مراحل منها ومدينة مسيلة حسنة كثيرة الأشجار ممكنة الثمار وفواكهها كثيرة ومحاسنها ظاهرة ومياهها غدقة وأهلها من أخلاط البرابر جملة والعرب تحكم بخارجها وكانت في طاعة يحيى بن العزيز صاحب بجاية.
ومنها في الشرق إلى مدينة قسنطينة المراء ثمانية عشر ميلاً ويصل بينهما جبل والطريق به ومدينة القسنطينة عامرة وبها أسواق وتجار وأهلها مياسير ذوو أموال وأحوال واسعة ومعاملات للعرب وتشارك في الحرث والأدخار والحنطة تقيم بها في مطامرها مائة سنة لا تفسد والعسل بها كثير وكذلك السمن يتجهز به منها إلى سائر البلاد ومدينة القسنطينة على قطعة جبل منقطع مربع فيه بعض الاستدارة لا يتوصل إليه من مكان إلا من جهة باب في غربيها ليس بكثير السعة وهناك مقابر أهلها حيث يدفنون موتاهم ومع المقابر أيضاً بناء قائم من بناء الروم الأول وبه قصر قد تهدم كله إلا قليلاً منه وبه دار ملعب من بناء الروم شبيه بملعب ثرمة من بلاد صقلية.
وهذه المدينة أعني القسنطينة يحيط بها الوادي من جميع جهاتها كالعقد مستديراً بها وليس للمدينة من داخلها سور يعلو أكثر من نصف قامة إلا من جهة باب ميلة وللمدينة بابان باب ميلة في الغرب وباب القنطرة في الشرق وهذه القنطرة من أعجب البناءات لأن علوها يشف على مائة ذراع بالذراع الرشاشي وهي من بناء الروم قسي عليا على قسي سفلى وعددها في سعة الوادي خمس والماء يدخل على ثلاث منها مما يلي جانب الغرب وهي كما وصفناها قوس على قوس والقوس الأولى يجري بها الماء أسفل الوادي والقوس الأخرى فوقها وعلى ظهرها المشي والجواز إلى البر الثاني وباقي القوسين اللتين من جهة المدينة فإنما هما مفردتان على الجبل وبين القوس والقوس أرجل تدفع مضرة الماء ومصادرة الماء عند حمله بسيوله وعلى رقاب الأرجل قسي فارغة كالبنات صغار فربما زاد الماء في بعض الأوقات عند سيله فعلا الأرجل ومر في تلك الفرجات وهي من أعجب ما رأيناه من البناء.
وليس في المدينة كلها دار كبيرة ولا صغيرة إلا وعتبة بابها حجر واحد وكذلك جميع عضادات الأبواب فمنها ما يكون من حجرين ومنها ما يكون من أربعة أحجار وبناؤها من التراب وأرضها كلها حجر صلد وفي كل دار منها مطمورتان وثلاث وأربع منقورة في الحجر ولذلك تبقى بها الحنطة لبرودتها واعتدال هوائها وواديها يأتي من جهة الجنوب فيحيط بها من غربيها ويمر شرقاً مع دائر المدينة ويستدير في جهة الشمال ويمر مغرباً إلى أسفل الجبل ثم يسير شمالاً إلى أن يصب في البحر في غربي وادي سهر والقسنطينة من أحصن بلاد الله وهي مطلة على فحوص متصلة ولها مزارع الحنطة والشعير ممتدة في جميع جهاتها ولها في داخل المدينة ومع سورها مسقى يستقون منه ويتصرفون به عند أوقات الحصار لها ممن طرقها.
وبين القسنطينة وباغاي ثلاث مراحل وكذلك من القسنطينة إلى مدينة بجاية ستة أيام أربعة منها إلى جيجل ومن جيجل إلى بجاية خمسون ميلاً وكذلك من القسنطينة إلى اربس خمس مراحل ومنها إلى بجاية أربع مراحل ومنها إلى قلعة بشر يومان ومنها إلى تيفاش يومان كبيران ومنها إلى قالمة يومان كبيران ومنها إلى القصرين ثلاثة أيام ومنها إلى دور مدين ستة أيام ومنها إلى مرسى القل يومان في أرض العرب.
والطريق من القسنطينة إلى بجاية من القسنطينة إلى النهر إلى فحص فارة إلى قرية بني خلف إلى حصن كلديس وكلديس حصن منيع جداً ومنه إلى القسنطينة عشرون ميلاً وليس بينهما جبل ولا خندق وكلديس على جرف مطل على نهر القسنطينة.
ومن حصن كلديس إلى جبل سحاو ثمانية أميال وهو من أعظم الجبال علواً وأسماها ارتقاءً وأصعبها مسلكاً وعلى أعلاه حصن يسمى (-) ويصعد إلى أعلاه نحو من خمسة أميال ويسار في أعلاه أيضاً نحو من ثلاثة أميال وهذا الجبل لا تتعداه العرب إلى غيره ولا تجوزه وينحدر منه إلى أسفل واد هناك يسمى وادي شال ويمر معه إلى سوق يوسف وهي قرية في سند جبل ممتنع السلوك اثني عشر ميلاً وهو جبل تخترقه مياه عذبة.
ومنه إلى سوق بنى زندوي وهو حصن في بسيط قليل الحصانة وهي سوق لها يوم في الجمعة وأهل تلك الناحية يقصدونها في ذلك اليوم وهذه القبيلة من البربر قوم يعمرون هذه الجهات ولهم منعة وتحصن وهم أهل خلاف وقيام بعض على بعض والجبايات التي تلزمهم لا تؤخذ منهم إلا بعد نزل الخيل والرجال عليهم في تلك النواحي ومن عوائدهم التي هم عليها أن صغيرهم وكبيرهم لا يمشي من موضعه إلى موضع غيره إلا وهو شاكي السلاح بالسيف والرمح والدرقة اللمطية.
ومن هذا الحصن إلى تالة وهو حصن خراب وبه المنزل ومنه إلى المغارة إلى ساحل البحر إلى مسجد بهلول إلى المزارع إلى مدينة جيجل وهي مدينة على ضفة البحر والبحر يحيط بها ولها ربض ولما ظفر بها أسطول الملك المعظم رجار ارتفع أهلها عن المدينة إلى جبل على بعد ميل منها وبنوا هناك مدينة حصينة فإذا كان زمن الشتاء سكنوا المرسى والساحل وإذا كان زمن الصيف ووقت سفر الأسطول نقلوا أمتعتهم وجملة بضائعهم إلى الحصن الأعلى البعيد من البحر وبقي الرجال باليسير من التجائر في الضفة يتجرون وهي إلى الآن خراب مهدمة الديار مثلمة الأسوار ليس بها ساكن ولا بقربها قاطن وهي مدينة حسنة بها الألبان والسمن والعسل والزروع الكثيرة وبها الحوت الكثير العدد المتناهي في الصيب والقدر ومن مدينة جيجل إلى طرف مزغيطن إلى جزائر العافية إلى فج الزرزور إلى حصن المنصورية على البحر إلى متوسة وهي قرية عامرة وبها معادن الجص ومنها يحمل إلى بجاية وبينهما اثنا عشر ميلاً وكذلك من جيجل إلى بجاية الناصرية خمسون ميلاً.
ومدينة جيجل لها أيضاً مرسيان مرسى منهما في جهة جنوبها وهو مرسى وعر الدخول إليه صعب لا يدخل إلا بدليل حاذق وأما مرساها من جهة الشمال ويسمى مرسى الشعراء فهو ساكن الحركة كالحوض حسن الإرساء به لاكنه لا يحتمل الكثير من المراكب لصغره وهو رمل.
ومن جيجل إلى مدينة القل سبعون ميلاً وهو آخر مدن هذا الجزء المرسوم والقل قرية عامرة وكانت في سالف الدهر مدينة صغيرة عامرة والآن هي مرسى وعليه عمارات والجبال تكنفه من جهة البر ومن القل إلى مدينة القسنطينة مرحلتان جنوباً والطريق في أرض تغلبت العرب عليها.
وعلى مقربة من مدينة بجاية إلى جهة الجنوب حصن سطيف وبينهما مرحلتان وحصن سطيف كبير القطر كثير الخلق كالمدينة وهو كثير المياه والشجرة المثمرة بضروب من الفواكه ومنها يحمل الجوز لكثرته بها إلى سائر الأقطار وهو بالغ الطيب حسن ويباع بها رخيصاً وبين سطيف وقسنطينة أربع مراحل.
وبقرب سطيف جبل يسمى ايكجان وبه قبائل كتامة وبه حصن حصين ومعقل منيع وكان قبل هذا من عمالة بني حماد ويتصل بطرفه من جهة الغرب جبل يسمى جلاوة وبينه وبين بجاية مرحلة ونصف.
وقبيلة كتامة تمتد عمارتها إلى أن تجاوز أرض القل وبونة وفيهم كرم وبذل طعام لمن قصدهم أو نزل بأحدهم وهم أكرم الرجال للأضياف حتى استسهلوا مع ذلك بذل أولادهم للأضياف النازلين بهم ولا تتم عندهم الكرامة البالغة إلا بمبيت أبنائهم من الأضياف ليتلقوا منهم الإرادة ولا ترى كتامة بذلك عاراً ولا ترجع عن ذلك البتة وقد أصابتهم الملوك بذلك وأبلغت في نكاياتهم فما أقلعوا ولا امتنعوا عن عادتهم في ذلك ولا تحولوا عن شيء منه ولم يبق من كتامة في وقت تأليفنا لهذا الكتاب إلا نحو أربعة آلاف رجل وكانوا قبل ذلك عدداً كثيراً وقبائل وشعوباً وأعف قبائل كتامة وأقلهم فعلاً منهم لهذا العمل من كان في جهة سطيف لأنهم من القدم لا يرون ذلك ولا يستجيزونه ولا يستحسنون فعل شيء من هذه المنكرات التي تأتيها قبائل كتامة الساكنون بجهة القل وبأجبلها المتصلة بأقاليم قسنطينة الهواء.
وبمقربة من قسنطينة حصن يسمى بلزمة وبينهما يومان وهو حصن لطيف وفي أهله عزة ومنعة ولها ربض وسوق وبها آبار طيبة وماؤها أيضاً غدق وهو في وسط فحص أفيح وبناؤه الحجارة الكبار القديمة ويذكر أهل تلك الناحية أنه من أيام السيد المسيح وهذا السور يراه الراؤون من خارج عالياً جداً والمدينة في ذاتها مردومة بالزاب والأحجار فإذا نظر الناظر إلى السور من خارج رأى سوراً كاملاً وإذا دخل المدينة لم يجد لها سوراً لأن أرض الحصن مساو للشرفات وهي مردومة كما ذكرنا وهذا غريب في الباء.
وأما حصن بشر فهو قلعة عامرة من أعمال بسكرة وهو في ذاته حصن جليل ومعقل جميل وله عمارات هي الآن في أيدي العرب وبينها وبين بجاية أربعة أيام وهي إلى قسنطينة أقرب وبينهما مرحلتان وقد ذكرنا من صفات البلاد وغرائب البقاع مما تضمنه هذا الجزء ما فيه كفاية.
وبقي علينا أيضاً أن نذكر سواحل البحر بهذا الجزء وأجوانه وجباله وعدد أمياله تقويراً وروسية إذ ليس يمكننا هاهنا ذكر سواحل هذا البحر على جملته لأنه منه ما يأتي في الإقليم الثالث ومنه ما يأتي في الإقليم الرابع فوجب لذلك أن نذكر منه ما تحصل في كل جزء من هذه الأجزاء المرسومة ونأتي بذلك كله على توال ونسق بحول الله وعونه.
فمن ذلك أن وهران من هذا الجزء على ضفة البحر الملح كما قدمنا ذكرها ومنها إلى طرف مشانة روسية خمسة وعشرون ميلاً وعلى التقوير اثنان وثلاثون ميلاً ومن طرف مشانة إلى مرسى ارزاو ثمانية عشر ميلاً وهي قرية كبيرة تجلب إليها الحنطة فيسير بها التجار ويحملونها إلى كثير من البلاد ومنها إلى مستغانم على البحر مع الجون وهي مدينة صغيرة لها أسواق وحمامات وجنات وبساتين ومياه كثيرة وسور على جبل مطل إلى ناحية الغرب وهذا الجون تقويره أربعة وثلاثون ميلاً تقويراً وروسية أربعة وعشرون ميلاً.
ومن مستغانم إلى حوض فروح تقويراً أربعة وعشرون ميلاً وروسية خمسة عشر ميلاً وهو مرسى حسن وعليه قرية عامرة ويلي حوض فروح في البر مع الشرق مدينة مازونة على ستة أميال من البحر وهي مدينة بين أجبل وهي أسفل خندق ولها أنهار ومزارع وبساتين وأسواق عامرة ومساكن مونقة ولسوقها يوم معلوم يجتمع إليه أصناف من البربر بضروب من الفواكه والألبان والسمن والعسل كثير بها وهي من أحسن البلاد صفة وأكثرها فواكه وخصباً.
ومن حوض فروح إلى طرف جوج وهو أنف خارج في البحر تقويراً أربعة وعشرون ميلاً وفي البر اثنا عشر ميلاً ومن هذا الطرف تأخذ جونا إلى جهة الجنوب فمن هذا الطرف مع الجون إلى جزائر الحمام أربعة وعشرون ميلاً تقويراً وثمانية عشر ميلاً روسية ومن جزائر الحمام إلى مصب وادي شلف اثنان وعشرون ميلاً ومنه إلى قلوع الفراتين في وسط الجون اثنا عشر ميلاً والقلوع جباة بيض ومن القلوع إلى مدينة تنس اثنا عشر ميلاً مع الجون ومنها إلى طرف الجون ستة أميال فذلك من طرف جوج إلى طرف الجون تقويراً ستة وستون ميلاً وروسية أربعون ميلاً.
ومن الطرف إلى مرسى امتكوا عشرة أميال ومن امتكوا طالعاً في الجون إلى مرسى وقور تقويراً أربعون ميلاً وروسية ثلاثون ميلاً وهو مرسى ضيق يستر من الريح الشرقية ولا يستر من غيرها ووقور في آخر الجون.
ومن وقور إلى مدينة برشك عشرون ميلاً وقد ذكرنا شرشال فيما تقدم وبين برشك وشرشال عشرون ميلاً على البحر يتصل بينهما جبل كبير منيع يسكنه قوم من البربر يسمون ربيعة ومن شرشال إلى طرف البطال وهو خارج في البحر اثنا عشر ميلاً ويقابل هذا الطرف جزيرة صغيرة في البحر ومن طرف البطاك ابتداء جون هور وهذا الجون يقطع روسية أربعين ميلاً وتقويره ستون ميلاً وهور قرية صغيرة في وسط الجون وعلى بعد من البحر وبها قوم صيادون للحوت ومكانها أقصار لا يسقط فيه أحد ويتخلص منه البتة.
ومنه آخر جون هور إلى جزائر بني مزغنا ثمانية عشر ميلاً وقد ذكرناها فيما مضى من الذكر في صفات البلاد أولاً ومنها إلى تامدفوس ثمانية عشر ميلاً وهو مرسى وعليه عمارة ومزارع متصلة ومنه إلى مرسى الدجاج عشرون ميلاً ومرسى الدجاج قد ذكرناه قبل هذا.
ومنه إلى طرف بني جناد وهو أنف يدخل البحر اثنا عشر ميلاً ومن طرف بني جناد إلى مدينة تدلس اثنا عشر ميلاً وقد ذكرناها قبل هذا.
ومن مدينة تدلس إلى طرف بني عبد الله أربعة وعشرون ميلاً تقويراً وروسية عشرون ميلاً ومن طرف بني عبد الله إلى جون زفون روسية عشرون ميلاً وتقويراً ثلاثون ميلاً ومن زفون إلى الدهس الكبير تقويراً ثلاثون ميلاً وروسية خمسة وعشرون ميلاً ومنه إلى الدهس الصغير ثمانية أميال ومن الدهس إلى طرف جرية خمسة أميال وهي مزارع كثيرة.
ومن طرف جربة إلى مدينة بجاية في البر ثمانية أميال وفي البحر اثنا عشر ميلاً ومدينة بجاية في جون ينظر إلى الشرق ومن مدينة بجاية إلى متوسة اثنا عشر ميلاً على التقوير وروسية ثمانية أميال ومن متوسة إلى المنصورية في وسط الجون على التقوير عشرة أميال ومن المنصورية إلى فج الزرزور اثنا عشر ميلاً ومنه إلى مزغيطن وهو طرف خارج في البحر أحد عشر ميلاً فمن هذا الطرف إلى بجاية خمسة وأربعون ميلاً.
ومن مزغيطن إلى مدينة جيجل خمسة أميال.
ومن متوسة إلى فج الزرزور روسية خمسة وعشرون ميلاً ومن فج الزرزور إلى جيجل على التقوير عشرون ميلاً.
ومن جيجل إلى وادي القصب عشرون ميلاً وهناك مسقط واد يأتي من ظهر ميلة مع الجنوب.
ومن وادي القصب إلى مرسى الزيتونة على التقوير ثلاثون ميلاً وروسية عشرون ميلاً ومرسى الزيتونة أول جبال الرحمان وهي جبال وجبأة عالية مشرفة على البحر ومنها إلى القل وبه ديار وناس ساكنون بها وهم الآن في أيام سفر الأسطول يرحلون إلى الجبال ولا يبقون بها شيئاً من آثارهم وإنما يبقى بالقل في زمن الصيف الرجال فقط.
ومن القل إلى مرسى استورة عشرون ميلاً.
ومن استورة إلى مرسى الروم ثلاثون ميلاً تقويراً وروسية ثمانية عشر ميلاً.
ومن مرسى الروم إلى تكوش ثمانية عشر ميلاً وهي رابطة وبها قوم ساكنون ومنها إلى رأس الحمراء ثمانية عشر ميلاً.
ومن رأس الحمراء إلى بونة في قاع الجون ستة أميال وسنذكر مدينة بونة فيما يأتي بعد هذا إن شاء الله فمن بجاية إلى بونة روسية مائتا ميل وقد أتينا بما ذكرناه من وضع هذه البلاد بما فيه كفاية حسب الطاقة والحمد لله على ذلك كثيراً كما هو أهله ومستحقه.
نجز الجزء الأول من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله تعالى.