نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/أشجع الخلق كلهم سيدنا محمد (صل الله عليه وسلم)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


بعض مشاهير شجعان الإسلام

فرسان قريش

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

أشجع الخلق كلهم وأنجدهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وكيف لا؟ والشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف وكان صلى الله عليه وسلم منهما بالمكان الذي لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة، وفرَّ الكماة والأبطال عنه غير مرة، وهو ثابت لا يتزحزح، ومقبل لا يدبر، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرَّة وحفظت عنه جولة سواه قال البراء رضي الله عنه وقد سأله رجل: أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، ثم قال: لقد رأيته على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا النبي لا أكذب أنا ابن عبد المطلب»، فما رئيَ يومئذ أحد كان أشد منه، وقال غيره: نزل النبي عن بغلته.

وذكر مسلم عن العباس قال: لما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفُّها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه، ثم نادى: «يا للمسلمين» الحديثَ، وقال العباس أيضًا في رواية ابن إسحاق: كنت آخذًا بلجام بغلته البيضاء قد شجرتها به، قال: وكنت أمرأً جسيمًا شديد الصوت، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس: «أين أيها الناس»؟ فلم أر الناس يلوون على شيءِ، فقال: «يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار أصحاب الشجرة»، قال: فأجابوا لبيك لبيك، وكرُّوا على هوازن فكسروهم، وقيل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب ولا يغضب إلا الله لم يقم لغضبه شيء.

وقال ابن عمر: ما رأيت أشجع، ولا أنجد، ولا أجود، ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال علي رضي الله عنه: إنا كنَّا إذا اشتد اليأس واحمرت الحدق اتَّقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدوِّ منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدوِّ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسًا، وكان الشجاع من أصحابه هو الذي يقرب منه صلى الله عليه وسلم إذا دنا العدوُّ لقربه منه.

وعن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قِبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري والسيف في عنقه وهو يقول: «لن تراعوا».

وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب، ولما رآه أبيُّ بن خلف يوم أحد وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوت إن نجا، وقد كان قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين افتدى يوم بدر: عندي فرس أعلفها كل يوم فرَقًا من ذرة أقتلك عليها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بل أنا أقتلك إن شاء الله»، فلما رآه يوم أحد شدَّ أبيٌّ على فرسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترضه رجال من المسلمين، فقال لهم صلى الله عليه وسلم هكذا «خلوا إليَّ طريقه» وتناول الحربة من الحارث ابن الصِّمة، وكان الصحابة الذين معه إذ ذاك تعلقوا به يريدون أن لا يبرز بنفسه إلى أبي، ويكفيه ذلك رجل منهم، فانتفض بالحربة انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشَّعْراء عن ظهر البعير إذا انتفض، والشعراء ذباب له لذع، ثم استقبله النبي صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدهده منها عن فرسه مرارًا، وقيل: بل كسر ضلعًا من أضلاعه، فرجع إلى قريش يقول: قتلني محمد، وهم يقولون: لا بأس عليك، فقال: لو كان ما بي بجميع الناس لقتلهم، أليس قد قال: «أنا أقتلك»، والله لو بصق عليَّ لقتلني فمات بسَرِف في قفولهم إلى مكة.

قال أنس: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى قوة ثلاثين رجلًا، خرَّجه النسائي، ونحوه عن أبي رافع.

وعن طاووس: أعطي عليه السلام قوة أربعين رجلًا في النكاح.

وقد وردت الأخبار بأنه صلى الله عليه وسلم صارع رُكانة بن عبد يزيد المطلبي وكان أشد أهل وقته وكان النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإسلام، فقال مستهزئًا به: إن صرعتني يا محمد أؤمن بك فصرعه ثلاث مرات، وأسلم رُكانة.

قال السهيلي: وقد صرع أيضًا الأشد الجمحي وكان أقوى رجل في العرب مرارًا، ولم يسلم، وكان الأشد يقف على جلد بقرة ويجذبه عشرة من الفتيان لينتزعوه من تحت قدمه فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه، وقد قال لقريش: إن جنود ربِّ محمد التي يخوفكم بها تسعة عشر اكفوني اثنين، وأنا أكفيكم سبعة عشر إعجابًا منه بنفسه.

وبالجملة فهو صلى الله عليه وسلم وإخوانه من الرسل لا يداينهم أحد من الخلق في الشجاعة والنجدة، وكيف لا؟ وقد جمع الله فيهم سائر خصال الكمال، وتتبُع أحواله في غزواته وجهاده تضيق عن تحريره هذه العجالة.

وأشجع الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الصحابة رضوان الله عليهم، وأشجع الصحابة وأقواهم عزمًا وإيمانًا أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه.