مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب الغرائب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب الغرائب وفيه عشرة أبواب

( الباب الأول في ماهية الروح )

اعلم يا علم الرؤساء وصدر الوزراء حقيقة لا مجازًا أن هذه المسألة من مجازات العقول ضل فيها علماء ولا يعرفها إلا محقق عالم ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم والناس قد تكلموا فيها ذهاء خمسمائة قول وشرح ذلك يقتضي كتابا طويلًا فنقدم على ذلك سؤالًا وجوابًا أما السؤال قالوا قال الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّ فلو كانت الروح معلومة للخلق ما قال الله ذلك وما كان لهذا الكلام معنى قلنا أجمع العلماء من أصحاب الملل والاعتقادات أن المخلوقات على نوعين لا ثالث لهما جواهر واعراض فالروح إما أن تكون من قبل الجواهر أو الأعراض لأنه يستحيل أن يرد الشرع بخلاف ما اقتضاه العقل فقوله ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أي ما أوتيتم من العلم الذي نص عليه إلا قليلًا من كثير بحسب ما تحتاجون إليه فالروح من المنزل النص عليه لأنه أراد أن يعرفوا ذلك بالاعتبار ويتوصلوا إليه بالدلائل والاستبصار وهذا بخلاف سؤالهم عن الطاعة لأنه لا طريق للعقل إلى معرفة ذلك إلا من طريق الأخبار هذا وجه التحقيق. (جواب آخر) أن ابن عباس ترجمان القرآن قال الروح ملك عظيم على بني آدم. وقال قتادة الروح جبريل وقال علي الروح ملك له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله بكل لسان وهو حافظ على الملائكة كما إن الملائكة حفاظ على الخلق فإن كان معنى الروح هذا فكفى الله المؤمنين القتال وإن كان غيره فقد اختلفوا فقال قائل نعم في الجملة أن الروح موجودة عمارة البدن والجسد والانفصال عن خراب القالب ويكفي ذلك القدر من العلم وهذا العمري منهج قويم ومذهب الاستقامة وقال جمهور المحققين أن الروح هي الحياة وأن الحياة عرض يقوم بالحي فمتى وجد فيه يكون حيًا وإذا عدم فيه فقد حصل ضده وهو الموت والدليل عليه أن المحدثات على نوعين صفة وموصف باتفاق العلماء ومحال أن تكون الروح موصوفًا جسمًا له لأن الجسم والجوهر لا يصيران صفة الحي وإنما يكون مجاورًا فالمجاور لا يكتسب صفتًا ولا وصفًا لما جاوره ولا يوجب التغير والتبديل وكان يجب أن يكون القالب خاويًا كما كان إذا جاور الحي ميتًا أو جمادًا فلما كان الأمر بخلافه علمت أن الروح غير جسم والدليل عليه أن الروح لو كانت جسمًا أو جوهرًا لصح أن يكون حيًا وقابلًا لسائر الأعراض والجواهر وذلك محال في صفة الروح فإذا ثبت هذا ثبت أن الروح صفة وهذا ظاهر لا إشكال فيه فان قلت بقي أشد من أشده فقد خالفت صاحبك الأشعري الألمعي وخالفت الكتاب، فإن الله تعالى يقول ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ فلو كانت الروح صفة ما صح قبضها لأن الصفة لا تقبض وكيف ترفع في حواصل طيور خضر والجواب أن نقول عرفت شيئًا وغابت عنك أشياء أما صاحبي فما خالفته فأنه أحد قوليه المنصور في بعض كتبه وأما قبض ملك الموت فمعناه أن الله تعالى جعل إليه جذب الأنفاس والهواء الذي في مجاري العروق فعنده يخلق الموت الذي يضاد الحياة ألا ترى أن الأنفاس تتتابع عند النزع ويقع الاضطراب فيحكم فيه بالوفاة فحيث قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا فمعناه يخلق الموت ويأمر به وحيث قال: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ يعني يقبض ويجذب وحيث قال: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ فمعناه يسوقون العباد إلى القبض فانظر إلى هذا التحقيق والتدقيق الذي يتقاطر عنه ماء التوفيق ولا تلتفت إلى قول الفلاسفة الكفار واليونانية الضلال أن الروح نفس ودم وأنه قديم فإنه من ترهات الدسائس فما يوجد ويعدم ويتصل وينفصل كيف يكون قديمًا وما يتغير ويتجدد كيف ينعت بالقدم ولهم في ذلك خبط طويل ومذهب ثقيل ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

الباب الثاني في حقيقة العقل

وهي مسئلة عظيم خطبها مهيب شأنها وكثر القال والقيل فيها وفيها أغلوطات ومعارضات من المخالفين حتى قال بعض الملحدين أن العقول متفاوتة مختلفة وقالوا العقلاء بخاصية العقل عرفوا الأشياء والأنبياء بخاصية العقل وصلوا إلى المعجزات ولبسوا على العوام وقالوا نحن إنما قلنا العقول متفاوتة تعظيمًا للأنبياء فإنه كيف يجوز أن يقال أن عقل الأنبياء مثل عقل العوام والاساكفة والحاكة ولولا أن العقول متفاوتة لما ورد الخبر بانقسام العقول وإذا كانت متفاوتة فاستواء الكل في التكليف يكون ظلمًا عظيمًا فإن البهيمة التي تقدر أن تحمل مائة منّ فلو حملتها مائتين يكون ظلمًا عظيمًا ومقصودهم أن يخرجوا الناس عن دين الله فيقولون أن العقل لا يحصل به معرفة والامام المعصوم لم يخرج بعد فافعل ما شئت ويفتحون على الناس باب الإباحة وهذه مسئلة سأل بعض تلامذتنا الامام محيي الدين يحيى السلماسي فتحير فيها وما نبس بشيء فيها فأقول والحق يشهد له بالعقول يا مخاذيل عن صبوح يرفعون بنيتم قصرًا وخربتم مصرًا العقول نوع علم ضروري لا يتجزئ ولا يتبعض ولا يوصف بالزيادة والنقصان ولكن أنتم عميان وعن الحجة عارون ودعواكم فيها زور وبهتان وأكثر المحققين ما وضعوا للعقل حدًا لأن الشيء إنما يحد لخفائه واستتاره حتى يظهر ويتبين وأمّا إذا كان الشيء ظاهرًا جليًا منكشفًا يعرفه العقلاء فلا يحتاج إلى حد.

وهبني قلت هذا الصبح ليل
أيعمى العالمون عن الضياء

وضعفاء الناس ومساكين الكلاب أنما أتوا بالفرق من قلة الفهم بين العقل والعلم فنحن نذكر أنواع العلوم حتى ينكشف لأهل البصائر حدّ العقل فليعلم ان العلوم ثلاثة أنواع: النوع الأول علم ضروري يحصل للعاقل من غير كسب ونظر ولا يقدر على دفعه عن نفسه لا بالنفي ولا بالاثبات وسمي ضروريًا لاشتماله على نوع من الضرر كعلم الانسان بوجود نفسه وعلمه ان الاثنين أكثر من الواحد والثاني البديهي كعلم الانسان والثالث علم الاستدلال لا يحصل إلا بالتكسب والتذكر وهو علم النظر فإذا ثبتت هذه القاعدة فاعلم أن لعقل نوع من العلم الضروري وما ذكرناه يعرف به جواز الجائزات واستحالة المستحيلات ويعرف به وجوب واجبات العقل أن الصنع لا بد له من صانع والكتاب لا بد له من كاتب ودليل العقل يدل على المعقول لذاته وصفاته فكل عاقل يعلم من نفسه أن الصنع لا بد له من صانع والبناء لا بد له من بان وأن الاثنين أكثر من الواحد وأن شخصًا واحدًا لا يكون في مكانين في حالة واحدة سواء كان ملكًا مقربًا أو نبيًا مرسلًا والعقل معنى واحد في الآدمي ومع وجود ذلك المعنى يقدر على النظر والاستدلال ولا يجوز أن يوصف المعنى الواحد بالزيادة والنقصان لأن العرض الواحد لا يتجزئ ولا يتبعض ووراء ذلك أوصاف أخر لا تتعلق بالعقل وتشتبه على الناس مثل البلادة والكياسة والتجربة والاستعمال فهذه لا تعقل لها بالعقل بل يرجع إلى دوام التجربة لأن العقل في حصول العلم به مثل آلة والعمل بذلك الآلة هو التجربة والنظر في وجوه الدليل وهذا يتعلق بكسب الآدمي فهذه متفاوتة جدًا فعرفت أن أصل العقل لا يتفاوت وأوصاف أخر يطلق عليها اسم العقل مجازًا واستعارة ذلك تتفاوت ويخرج عن هذه القاعدة جميع أسئلة الخصم أن عقل الملك والرسول مستويان متماثلان وتفاوت العقول يرجع إلى التجربة والاستعمال ولذلك تأول الخبر خلق الله العقل ألف جزء يعني استعمال العقل فأحدهم يكون دراكًا فطنًا وآخر يكون صلدا بليدًا ففي هذا يتفاوتون قوله الأنبياء عرفوا بخاصية عقولهم معجزات قلنا يا ملاحدة قد بينا أن العقل لا يتفاوت وإن سلمنا جدلًا فلم يكن رجل منذ خمسمائة وأربعين سنة يعرف خاصية سلك المعجزة فيدعيها مع كثرة عددكم وشدة وثوبكم على أبطال الحجج فإن اليونانيين يقولون النبوة طريقها الرياضة والكسب فلم يكن أحد راض نفسه وهذبها وزكاها حتى بلغ منتهاها قاتلهم الله أنى يؤفكون فحجتنا القرآن فهلموا فعارضوا القرآن يا أخابث بني الزمان ولا يقدرون على ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.

الباب الثالث في غرائب الفقه

كل شيء نجس فلا يطهر إلا شيئان جلد الميتة إذا دبغ والخمر إذا صار خلًا ولا يجزىء فرض العبادة كلها بغير نية إلا ثلاثة الحج والعمرة والزكاة في مسئلة واحدة إذا أخرجها الولي من غير نية له في دفعها إليه وكل شيء ينقض الطهارة ففي الصلاة وغيرها سواء إلا في شيء واحد وهو رؤية المتيمم الماء في الصلاة ولا تسقط الصلاة عن أحد بالغ إلا بثلاث علل الحيض والنفاس وزوال العقل بجنون أو مرض كل موضع طاهر صليت فيه جاز إلا في موضعين ظهر الكعبة إذا لم يكن بين يده بناء والثاني إذا صلى داخل الكعبة إلى ناحية الباب والباب مفتوح كل من وجبت عليه الزكاة إذا كان غنيًا جاز له أخذ الزكاة إذا كان فقيرًا إلا اثنين الهاشمي والمطلبي وكل من افتقد ماله حتى لا يصل إليه ولا ينتفع منه بحال فليس عليه الزكاة فيه إلا في خلة واحدة وهي أن يدفن ماله في بيته ولا يهتدي إلى موضع الدفن ولا يصل إليه فإن زكاته في كل سنة وكل كفارة وجبت في ماله كان أداؤها قبل الوجوب إلا واحدة وهي كفارة المجامع في رمضان وكل شرط في البيع يبطل البيع إلا ستة أحدها خيار الثلاثة والثاني إذا باع عبدًا أو أمةً واشترط على المشتري أن يعتقها والثالث التبري من العيوب والرابع إذا باع مملوكًا واشترط على المشتري أن يعتقه ويكون الولاء للبائع والخامس إذا باع وشرط فيه رهنا أو حميلًا والسادس إذا باع ثمرة على شجرة أو زرعًا في أرض أو عمارة دون الأرض اشترط على المشتري أن يرفعه كل عقود المحجور عليه وهباته باطلة إلا ثلاثة الوصايا، والتدبير، والخلع، واقراره بالمال جائز والحوالة لا تثبت إلا بثلاثة المحيل والمحتال والمحال عليه إلا في مسئلة وهي الأب يكون لأحد ابنيه الصغيرين على الآخر مال فأحاله على نفسه جاز وكذلك أن أحاله على ابن صغير وكل غاصب يرد ما غصب إذا كان موجودًا إلا في ثلاثة مواضع إذا غصب خيطًا فخاط به جرح انسان أو حيوان فإنه يضمن الخيط ولم ينزع أو غصب جارية ابنه فأولدها أو غصب طعامًا أو شرابًا فطولب به وهو مضطر يخاف على نفسه وليس يؤخذ المغصوب منه فيضمن القيمة وكل سلطان أقطع رجلًا من حماه أو حمى من كان قبله فاقطاعه جائز إلا واحدًا وهو حمى رسول الله فإنه حمى النقيع فمتى أقطعه فعمره نقضت عمارته ويرد الحمى إلى أصله وكل مال تلف في يد أمين من غير نقد فلا ضمان عليه إلا في واحد وهو السلطان إذا استسلف للمساكين زكاة قبل حولها فتلف في يده ضمنه للمساكين قبله وكلما أبيح للأحرار من لذات الدنيا أبيح للعبد إلا التسري فإنه لا يحل لهم بحال إلا على مذهبه الجديد وكل من طلق امرأته بصفة لم يقع بدون الصفة إلا في أربعة مواضع أحدها أن يقول لحامل أو صغيرة أو مؤيسة أنت طالق للسنة أو أنت طالق للبدعة لزمه من ساعته لأنه لا سنة في طلاقها ولا بدعة الثاني أن يقول أنت طالق بتطليقة واحدة قبيحة حسنة أو جميلة فاحشة وقع الطلاق والثالث أن يقول أنت طالق أمس فإنها تطلق في الوقت الذي تكلم فيه والرابع أن يقول أنت طالق إذا رأيت هلال كذا طلقت إذا رآه غيرها والقتل ثلاثة أنواع واجب ومحظور ومباح فالواجب أربعة قتل المرتد بعد الاستتابة وقاطع الطريق إذا قتل ولم يتب والمحصن إذا زنى وتارك الصلاة بغير عذر والمحظور قتل من لم يجب قتله والمباح القتل قصاصًا فإن شاء قتل وإن شاء عفا وقطع السارق أربعة فأول ما تقطع يده اليمنى ثم رجله اليسرى ثم يده اليسرى ثم رجله اليمنى ثم يعذب بعد ذلك ويحبس حتى تظهر توبته ولا يجمع حدّ ومهر على أحد إلا في مسئلة واحدة وهي أن يزني بامرأة أبيه قبل أن يدخل بها أبوه ويكرهها على ذلك فإن الحد عنها ساقط ويجب لها نصف المهر على الأب ويرجع الأب على ابنه الذي زنى إن كان يعلم أن زناه بامرأة أبيه يفسد النكاح وإن كان لا يعلم فليس عليه إلا الحد والنفي ثلاثة نفي قطاع الطريق فإن كان قتل قتل وإن كان أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف ومن لم يفعل من ذلك شيئًا إذا أخذ حبس حتى تظهر توبته ومن جمع بين قتل وأخذ مال قتل وصلب ثلاثًا ثم دفع الى أوليائه وقال في القديم يصلب وهو حي ويترك أوقات الصلاة ثم يقتل بعد ثلاثة والنفي الثاني البكر الزاني ينفى بنفسه وإن كان مملوكًا جلد خمسين وفي نفيه قولان أحدهما ينفى نصف سنة والآخر لا نفي عليه والثالث ما يروى في حديث مرسل أنه نفى خنثيين من المدينة هيبت وماتع وكل من أمر رسول الله بقتله أو نهى عن قتله لم يجزأ كله فقد أمر بقتل ستة في الحرم الحدأة والعقرب والغراب والفأرة والكلب العقور ونهي عن قتل الهدهد والخطاف والصرد والنملة والضفدع وكلما أخطأ القاضي فضمانه على المحكوم له ما عدا الحدود فإذا رجم امرأ فأخطأ كانت ديته على بيت المال وأمّا سائر الحدود فلا أرش عليه فيها.

الباب الرابع في قوله اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ

المسلمون كلهم على الهدى فما معنى هذا الاستهداء فيه ثلاثة أقوال في قوله إهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أي زدنا هداية إلى الاسلام وقد وعد الله الزيادة في الهدى فقال ﴿وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وفي قول آخر أرشدنا إلى طريق الجنة قال الحطيئة

تحنن عليّ اليوم هداك المليك
فإن لكل مقام مقالًا
وفي قول آخر

ثبتنا يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ نزل لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ يعني الغلمة نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ لأن طالوت كان ابن دباغ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ أهل السنة والجماعة وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ أهل البدعة لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ يعني من ساء ضيافته فله أن يشكو فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ أي الفعل ولم يكن التعليم رغما للملحدين لعنهم الله الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً أكلًا وشربًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ الدراهم والدنانير حَياةً طَيِّبَةً القناعة إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ بحب أبي بكر وعمر وَجَعَلَنِي مُبارَكاً نفاعًا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قرأ النبي وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها أعني ورد الكفار دون المؤمنين يَوْمُ الزِّينَةِ العيد اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ هادي السموات وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ الحاكة والاساكفة لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ أبا بكر وعمر لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً لأحبسنه مع غير جنسه وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا القبر والكفن فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ كانوا يتضارطون في المحفل يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ الصوت الحسن وقيل الوجه الحسن وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ الأحياء العلماء والأموات العوام أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا عاقلا نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها بموت العلماء سَلامٌ عَلى آلْ ياسِينَ العلماء وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ الشرط والأعوان فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يعني علمت فاثبت كقوله والرجز فاهجر وقد كان هاجر عن الشرك ومعناه هجرت الشرك ولزمت الاسلام فاثبت عليه والقرآن نزل بلغة العرب وهم يقولون للآكل وللنائم نم وللقائم قم يعني على ذلك أكلك ونومك أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ بنو تميم يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ من صخرة بيت المقدس كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ لا نسيان ينسيه عُرُباً أَتْراباً متعشقات لازواجهن غنجات يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ يعني السلاطين والأمراء ومن تحت أرجلكم الغوغاء والعوام وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ من الحاجين الكعبة تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ يعني بالكتاب والرسالة سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى يعني لا تنس العمل به وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ ومن شر الذكر إذا قام لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ البخل لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ كلب المحلة وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ يعني البخل فتتباخلوا فتهلكوا وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ قال عبد الله بن الزبير يعني سبل الخلاء والبول.

الباب الخامس في غرائب الاخبار

قال أبو ذر العقيلي يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات قال في غمام فوقه هواء وتحته هواء يعني قبل خلق السماء كان الله ولم تكن الاشياء ولم يكن فوق ولا تحت وقيل في غمام ممدود وهو السحاب الرقيق وقال تعالى ﴿لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي عليها فلا يصح وصف الله بأنه في مكان يعني كان الله وغيره من الاشياء كان عدمًا محضًا قوله للجارية المنذور عتقها أين الله فأشارت إلى السماء فقال إعتقها فإنها مؤمنة وهذا سؤال عن المكانة لا عن المكان كما يقال أين فلان بن فلان يراد به المكانة والمنزلة لا المكان يعني عظمته في قلبي كعظمة السماء وقيل استراب النبي بأنها موحدة أو وثنية تعبد الأصنام فلما أشارت إلى السماء يعني خالقي الذي خلق السماء قال أعتقها قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم ورحم الله لوطا إنه كان يأوي الي ركن شديد وهذا طعن على نفسه وعلى إبراهيم قوله أحق بالشك قال قوم شك إبراهيم ولم يشك نبي فقال أنا أحق بالشك من إبراهيم تواضعًا منه وتقديمًا له على نفسه يريد انا لا نشك ونحن دونه فكيف يشك هو ليطمئن قلبي أي يطمئن بتعيين النظر قوله لا عدوى ولا طيرة ثم قال لا يردن ذو عاهة على مصحح وفر من المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم جليسه وأكيله والمرأة تكون تحت المجذوم فتسقم لرائحته (فصل) قال إذا نظر الوالد إلى ولده فسره كأن الوالد أعتق نسمة قيل يا رسول الله وإن نظر ثلاثمائة نظرة فقال الله أكبر يعني عطاؤه أكبر وقال ان الله تعالى يحاسب العبد فيما ينفقه إلا في ثلاثة مواطن عند فطوره وعند سحوره وعند حضور ضيفه وقال ما من نبت إلا وبجنبه ملك موكل به حتى يحصد فأيما امرء وطيء ذلك النبت لعنه ذلك الملك وقال ما أنفق عبد درهمًا في زنا إلا فقد ستمائة درهم لا يعرف لها وجها وما أنعم رجل على رجل بنعم فلم يشكرها فدعا عليه إلا استجيب له وقال ما عجت الأرض إلى ربها عز وجل من شيء كعجها من ثلاثة من دم حرام سفك عليها أو غسل من زنا أو نوم قبل طلوع الشمس وما من امرأة تصدقت على زوجها بشيء من صداقها قبل أن يدخل بها إلا كتب الله لها بكل دينار عتق رقبة ما من خطيئة عند الله بعد الكبائر أعظم من خطيئة من يموت وعليه أموال الناس دينا في رقبته لا يجد له قضاء قال ما منكم من أحد يصيبه شيء إلا رآه في منامه قبل ذلك حفظه من حفظه ونسيه من نسيه ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه سبع ولا طير ولا إنس ولا جان إلا كان له بذلك صدقة ما من أحد إلّا ودّ أنه كان بما أوتي من الدنيا فوقاه من أهوال الساعة من ولد له مولود فسماه محمدًا تبركًا كان هو ومولوده في الجنة ومن غرس يوم الأربعاء فقال سبحان الوارث الباعث فإنه يأكلها ومن بلغ ابنه النكاح وعنده ما ينكحه ثم أحدث حدثًا فالاثم عليه من باع عقدة من داره بغير ضرورة سلط الله على ثمنه تالفًا يتلفه ومن جاوز أربعين سنة ولم يغلب خيره على شره فليتجهز إلى النار من كانت تجارته الطعام بات وفي صدره غل المسلمين ومن وقر عالمًا فقد وقر ربه من قلم أظفاره يوم الجمعة عوفي من السوء كله إلى الجمعة الأخرى من سره أن يحرم الله وجهه ولحمه ودمه على النار فليمت بقزوين من بني فوق عشرة أذرع نادى مناد من السماء يا عدو الله أين تريد ومن تختم بالعقيق ونقش فصه وما توفيقي إلا بالله وفقه الله لكل خير وأحبه الملكان الموكلان به من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الاسلام ومن زنى زني به ولو بحيطان داره لما كان الليلة التي ولد فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه أقبل ربكم عز وجل إلى جنة عدن فقال وعزتي وجلالي لا أدخلك إلا من أحب هذا المولود.

الباب السادس في سر القدر

وحقيقة القدر بمعنى التقدير والتضييق كقوله ومن قدر عليه رزقه هذه مسئلة تحير فيها العقلاء وتبلد فيها الفضلاء وضل بها العلماء وارتد بسببها جماعة وهو شأن مهول وسر عظيم وخطب جسيم يقولون الله غني فأي حاجة له إلى التكليف فإنه كان قادرًا أن يدخلهم الجنة من غير تكليف وكيف أمر بالرحمة وهو يرى المساكين والمرضى والزمنى ولا يرحمهم وعلم من الكفار الكفر ومن العصاة المعصية وأراد منهم ذلك فإنه لا يجوز أن يكون معلومًا دون ارادته ومع ذلك يعذب الكفار والعصاة وهو حكيم ويعذب عباده على ماأراده منهم فالعبد يقول يا رب أنت قضيت وأجريت فهذا والله العجب كل العجب له خزائن وجواهر وعباده يموتون بالجوع ولا يعطيهم ويقول لهم اصبروا وصابروا على الفقر الذي لا أنتفع به وتموتون عليه ثم يقول إن الله لا يسأل عما يفعل وهذا باب تحيرت فيه العقول هل يجوز أن يأمر بشيء يخرج عن الحكمة وينوب عنه العقل ثم ينهى العاقل عن البحث عنه وهل هذا الّا جور وظلم وأنشد قائلهم

سبحان من أنزل الدنيا منازلها
وصير الناس مسبوا ومرفوفا
فعاقل فطن أعيت مذاهبه
وجاهل خرق تلقاه مرزوقا
كأنه من خليج البحر مغترف
ولم يكن بارتزاق القوت محقوفا
هذا الذي صير الألباب حائرة
وصير العالم النحرير زنديقا
وأنشد المسكين اليائس ابن الراوندي
يا قاسم الرزق لم فاتتني القسم
ما أنت متهم قل لي من اتهم
إن كان نجمي فنجمي أنت منجمه
وأنت في الحالتين الخصم والحكم
فخذ من العلم شطرا واعطني ورقا
لا تحوجني الى من شخصه صنم

الجواب أقول يا معشر المسلمين سلوا الله الثبات على الإيمان واحفظوا لسانكم عن الطغيان فإنها مزلة الاقدام وحيرة الانام يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك هذه مسئلة محي بسببها اسم عزيز من ديوان النبوة وعوتب عليها موسى بن عمران وإذا ذكر القدر فأمسكوا والسر فيه ان تكليف الله عباده يجري مجرى تكليف المريض فإذا غلبت عليه الحرارة أمره بشرب المبردات والطبيب غني عن شربه لا يتضرر بمخالفته ولا ينتفع بموافقته والضر والنفع يرجعان إلى المريض والطبيب هاد ومرشد فان أطاع المريض الطبيب شفي وتخلص وإن لم يوافق وخالف تمادى به المرض وهلك وبقاؤه وفناؤه عند الطبيب سيان فكما أن الله سبحانه خالق الشفاء سببًا والفناء سببًا وعرفه الأطباء فكذلك خلق السعادة الأخروية سببًا يفضي إليها وخلق المعصية سبب الخذلان ففي كل شيء حكمة أحاط علم الباري بها وقصر علمنا عنها والبرهان أنه يتصرف في ملكه لا يجب عليه اعتراض لواحد يدل عليه إنّ أحدنا ينظر من القدرة الحادثة إلى القدرة القديمة وهذا قياس الملائكة بالحدادين فقدرته أزلية وقدرتنا حادثة مخلوقة فأين يتساويان.

( الباب السابع في القول في الحروف )

إعلم أن هذه مسئلة عظيمة ومشكلة داهية لا يعرفها إلا الفضلاء ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم فالعامي إذا سأل عنها فليزجر فإن سلامة دينه في تركه سؤاله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وكل مترسم بالعقل تراه يدعو الناس إلى الخوض في الحروف فاعلم أنه مفتون مضل ليس من أئمة الدين فالامام مالك بن أنس رحمه الله ما يحارب في رد السائل الذي سأله عن الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة فإن عدت أمرت بضرب رقبتك لان أفهام العوام لا تحتمل هذه الأسرار ولو علم العامي الجلف في ساعة ما علمه العالم بمدار سبعين سنة يكون غنيًا عظيمًا مثال من يدعو العوام إلى الخوض في الحروف مثال من يدعو الصبيان الذين لا يعرفون السباحة إلى الخوض في البحر ومن يدعو المزمن المقعد إلى السير في البراري يدل عليه قوله ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّ وكلام الله تعالى لا تكفيه البحار السبعة وإن بلغت سبعين ألفًا فاعلم أنها شافية كافية ولأنك كنت معدومًا والحروف موجودة فكيف تكون معدومًا وكلامك موجود ويلزمه أن تكون الحروف في المحاسبة والمكاتبة وفي كل حالة قديمة لأن الدليل قد قام على أن الجواهر متماثلة وسماع صوت المرأة حرام واستماع القرآن مباح واجب في كل موضع فلو قرأت أجنبية القرآن هل يحل استماعها إن قلت لا يحل فهو كفر لأنه يقول لا يحل استماع القرآن وإن قلت يجوز فخلاف الاجماع أن صوت المرأة عورة.

( الباب الثامن في أن الثواب والعقاب للروح أم للجسد )

إعلم أن الثواب والعقاب للروح مع البدن ومن قال كل ذلك للروح دون البدن فقد أمحل وكذب وهو مذهب السوفسطائى لانا نعلم ضرورة ان الأفعال والتدابير والآراء كلها تصدر من الجسد الحي وفي حال النوم كما يخيل له يكون على وجه ما رآه في حال اليقظة حتى أن الاكمه لا يبصر ولا يحس فمن قال أن جميع الأفعال تصدر من الروح فقد رفع الضرورة وأيضًا من قال أن الروح هي الحياة التي يخلقها الله تعالى في الشخص فإذا أراد أن يميته لم يخلق تلك الحياة فيموت الشخص فكيف تبقي الروح وأن الثواب والعقاب معها هذا محال وأيضًا أن الطاعة والمعصية حصلت منهما جميعًا لا من أحدهما فمن قال أنه يفرد أحدهما بالنعمة والعقوبة فقد أبعد وظلم وأيضًا إذا نام الانسان لا يكون له خبر بما فعل ودبر في حال اليقظة ولا يكون له خبر من المنامات المتقدمة الماضية فلو كان للروح خبر بعد الموت كان يجب أن يعرف أحوال نفسه وأيضًا لو كانت الروح تحس وتؤلم وتتلذذ باللذة والفرح ويعلم قطعًا أن البدن إذا تألم وتوجع وتحزن ثم نام ليستريح ويتروح دل انه لا خبر للروح في شيء من ذلك ولا علم لها في أحواله وأفعاله وأن لا يحس ولا يعلم من غير ملابسة الجسد ولا يجوز في دين الله أن لا يكون حاله هو الحساس الدراك الباقي المتنعم والجسد هو المتألم المتوجع فيكون ظلمًا والحجة الواضحة في ذلك أن الثواب بالطاعة والعقاب بالمعصية إنما صدر من الجسد بواسطة الروح ولم تنفرد الروح بذلك فإن كانت الطاعة بهما تحصل فيجب أن يكون العقاب والثواب لهما كيلا يكون اجحافًا وظلمًا وأيضًا فإن خطاب الله تعالى يتوجه على النفوس والأبدان بقوله يا ﴿أَيُّهَا الْإِنْسانُ ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ولم يقل يا أيها الروح فإذا كان الأمر والنهي والخطاب مع الجسد فيستحيل أن تكون الروح مفردة في ذلك يدل عليه أن الله تعالى حيث ذكر الثواب والعقاب والوعد والوعيد ونعيم الجنة وعذاب الجحيم إنما عنى به الجسد يا ﴿أَيُّهَا النَّاسُ ﴿فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ فالله تعالى خلق هذا الجسد من التراب وأمات هذا الجسد ثم يحيا هذا الجسد ثم يخاطب ويحاسب هذا الجسد فدل أنه المثاب والمعاقب فانه سبحانه حكيم لا يجوز أن يأخذ زيدًا بجناية عمرو ولا يجوز أن يحمل جريمة زيد على عمرو فدل أن الروح لا تحيا بدون الجسد.

( الباب التاسع في بيان نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد )

قال الله تعالى ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً فالنعمة الظاهرة سلامة البدن والنعمة الباطنة الإيمان فأول نعمة الله عز وجل على العبد أن خلقه حيوانًا متميزًا على الجمادات دراكًا للّذات حساسًا للطيبات ومنها العقل الذي يعرف به الخير من الشر والحق من الباطل والكفر من الإيمان فيا لها نعمة ما أعظمها فمن شك فيها فلينظر في حالة المجنون يأخذ من أسفله ويضع في فيه ولا يشعر ومنها نعمة الإيمان وما أعظمها فإن الانسان به ينال عز الدين والدنيا وسعادة الآخرة فانظر إلى الكافرين وخزيهم وتفكر في مصارع المتهمين الملحدين في الدنيا ثم انظر في حال مراتبهم بالكفر يكون أذل من اليهود فترى اليهودي آمنا ولا يأمن المتهم بالإيمان والحق هو الإيمان وما سواه فكفر وطغيان ولولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ولولا فضلي ونعمتي خصصتكم بالإيمان لكنتم مع فرعون وهامان ومنها أن يحفظ عليك الإيمان ويحفظك عن الكفر والشرك وإلا شددت الزنار في وسطك ومنها أن وكل على كل مؤمن مائة وثمانين ملكًا يحفظونه من الماء والنار والجن والإنس ولولا ذلك لاختطفته الجن وقال رسول الله إن الله قدر على كل مؤمن ومؤمنة خمسة من الملائكة واحد عن يمينه يكتب الحسنات وواحد عن يساره يكتب السيئات وواحدًا بين يديه يدله على الخيرات ويقوده إليها وواحدًا من ورائه يصونه عن الآفات وواحدًا يبلغني صلاته علي لأستغفر له ومنها أن خلقك رجلًا لا امرأة لأنه تعالى خلق ألف صنف من الحيوان ليسوا من الجن والإنس فيجب على الرجل ألف شكر أن خلقه رجلًا ولم يخلقه امرأة ويجب على المرأة ألف شكر أن خلقها أنثى ولم يخلقها خنثى ومنها أنه جعله من أمة محمد لأن دينه خير الأديان وأن أمته خيار الأمم وبنو اسرائيل شدد عليهم في أشياء ولم يشدد على هذه الأمة ومنها أن خلقه سنيًا لا مبتدعًا فأن السني له فضل على المبتدع ومنها العافية التي انتهت آمال الناس إليها والعافية وثلاثة أشياء دين سليم عن اللغات وقوت حلال عن الشبهات وأمن كامل وقال الشبلي رحمه الله العافية أربعة أشياء دين قوي واعتقاد صحيح وبدن قانع من الحرص وقلب طاهر من غش المسلمين ومنها ستر العيوب فإنه لا يكشف عورات عباده لدى الذنوب فما علم الرب من عبده لو أظهره لخلقه لتبرأ الأب من ابنه والزوج من زوجته ومنها النوم الذي هو راحة البدن والقلب قال الله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًاولولا ذلك لاختلت القوى ومنها الحواس الخمس ونعمة العين مشكورة وقوام الآدمي بها قيل من أراد أن يعرف قدر نعمة الله عليه فليغمض عينه ساعة ومنها اللسان الذي يعبر به الآدمي عن الألم واللذة والفرح والغم وسائر الحيوانات لا يقدرون على ذلك ومنها الأمن الذي استفيد به الإسلام حتى قذف الرعب في قلوب الكافر فلا يقصدون الإسلام مع أنه بعدد كل مسلم ألف كافر معجزة للنبي نصرت بالرعب ومنها أنه أغناك عن الناس وأحوج الناس إليك حتى كنت تتصدر في بيتك ويجيء الناس إليك قال الله تعالى من أغنيته عن طبيب يشفيه وعن سلطان يستعين به عما في يد أخيه فقد أتممت نعمتي عليه ومنها الحرف والصنعة حتى يكتسبون بها ويعمرون الدنيا وحبب إليهم الدراهم والدنانير عمارة الدنيا ومنها تسخير الأنعام للآدمي فينقاد الجمل العظيم للصبي الضعيف ولو استصعبت البهائم من كان يطيقها ومنها أنه جعل الماء مركبًا للآدمي فيحمل عليه الآلاف من الحديد والحجر ويقضي بها حاجاته.

الباب العاشر في خاصية الماء

ولولا تسخير الله سبحانه وتعالى الماء لم يصل أحد إلى مقصوده في تلك البلاد ومنها القاء البذر في الأرض ينبت بواحدة سبعمائة إلى غير ذلك ومنها المدن والبلاد فلو لم تكن البلاد لتضرر الآدمي من السّبع والحر والبرد ومنها أن جعل الآجال مكتومة فلو أظهرها لتنغص عيش الآدمي ومات غمًا ومنها أنه أخرج أمة محمد في آخر الأمم ليقل مكثهم تحت التراب فلا يستوحشون في القبور كثيرًا ومنها أن أحسن صورتك عظمًا في عظم وعرقًا في عرق ولحمًا في لحم فلو كان مشوه الخلق كالقرد والخنزير أو على صورة الخنثى المشكل ما كنت تصنع يا خاطيء ومنها أن خلق الشمس والقمر والسحاب والرياح ونبات الأرض وأمطار السماء والأنعام والبهائم والطير والملائكة في شغل شاغل لأجلك وأنت فارغ لا خير لك فأين الشكر ومنها قبول توبتك من ذنوبك في جميع العمر ولم يخسف بعباده الأرض لدى الذنوب ولم يمنعهم الرزق فلو جعل البركة في الذباب والحيات كما جعل في البقر والغنم لم يتلذذ الآدمي من خوف الأسد والذئب ولو جعل في المواشي قوة السباع لما انتفع بها أحد فلله على العبد نعمتان نعمة النفع وما يوصلها إليه ونعمة الدفع وما يدفع عنه وما دفع الله أكبر فنعمة النفع السمع والبصر والنطق ونعمة الدفع كالعمى والخرس والبكم.