مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/38

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.


الفصل الثامن والثلاثون. تتمة القصة السابقة وقرار حاجي بابا بهذا الشأن[عدل]

اختتم الشاب الأرمني روايته التي غمرتني أحداثها بالإعجاب والذهول، ثم استأذن مني أن يتركني ليزور زوجته ووعدني أن يعود حالما عرف أخبارها وحالتها بعد أن ارتاحت قليلاً.

فقلت لنفسي: «مستحيل أن يكون قد ابتدع الأكاذيب أمام وجهي طوال هذا الوقت، فهذه المرأة الجريحة دليل على صدقه. ولكن لو تركته يمضي في طريقه ولو عرف السردار بذلك، فماذا سيحدث لي؟ سأفقد وظيفتي، وربما أذنيّ أيضاً. لا، العطف والشفقة لا يليقان بي، فالمتعاطف لا يجوز أن يبقى نسقجياً. سأتبع ما قاله لقمان الحكيم في موضوع قريب، وما معناه: «لو كنت نمراً فكن نمراً في كل شيء لتعرف سائر الحيوانات كيف تتعامل معك؛ ولكن لو لبست جلد نمر واكتشفت الحيوانات أذنيك الطويلتين فستعاملك أسوأ من معاملة حمار غير متنكر.»»

بقيت أدخن وأنا أقلب في ذهني ما إذا كان علي أن أخلي سبيله أم لا، وأتذبذب في حيرة بين الحمار والنمر، حتى عاد يوسف وأخبرني أن مريم تحسنت كثيراً بفضل الراحة والعناية، لكنها ضعيفة نتيجة النزف ولا تزال تتألم من رضوضها، ولا سيما في إحدى رجليها، لذا لن تستطيع المشي قبل مضي عدة أيام. وأضاف: «طبعاً، لو كان السردار يطاردنا لما أوقفنا شيء عن التقدم إلا قوة السلاح.» كما أبلغني أن مريم استعادت ما يكفي من قواها لتروي له ما حدث لها منذ اللحظة التي تركته فيها في غومشلو.

عندما اندفعت مريم من الغرفة لا يغطي جسمها إلا ستارها لمحها فارسي في ضوء البرق فرأى أنها شابة جميلة فخطفها وذهب بها على مبعدة من القرية حتى استعان بصديق له ليركبوها عنوةً وراءه على الحصان. أخذها الرجلان مباشرةً إلى معسكر أبيران وعرضاها للبيع على السردار، فقبل وأمر بنقلها إلى قصره في يريفان ووضعها في الخدمة. وكان أملها أن شكلها الفظيع ومظهرها المرهق وظهرها المنحني من التعب سيصرف أنظار السردار عنها، لا سيما بعد أن سمعت عن مدى قسوته وتعذيبه لضحايا أنانيته. وقالت مريم: «كنت أقدم نفسي باسم زوجي قبل اسمي أملاً بشيء من الاحترام في بيت السردار وليقل اهتمامه بي، ونجحت في ذلك بادئ الأمر حيث لم يعرني أحد اهتماماً، واختلطت مع جواريه الأخريات ونفذت المهام الموكلة إلي. ولكن للأسف لم ألتزم بالعهد الذي قطعته على نفسي وأفشيت سري إلى جارية فارسية ادعت أنها صديقتي سعياً لاستعطافها عسى أن تساعدني في استرجاع حريتي. ولكنها خذلتني وحكت قصتي إلى السردار التماساً لاستحسانه، فاستدعاني وأصر على أن يتأكد من الخبر من فمي، وهذه كانت عاقبة عدم تعقلي في الكلام. فأمرني بتجهيز نفسي لاستقباله. تصور هول الوضع الذي وقعت فيه! فكرت في كل وسائل النجاة، ولكن كل المخارج كانت مغلقة. لم يخطر على بالي أن أنظر إلى الهاوية التي تطل عليها نوافذ جناحنا، ولكن الآن بدأت أفكر بجد في الإلقاء بنفسي على الصخور لأنجو من الطاغية. ثم رأيتك على الجسر، وبعد ساعات من ذلك أمروني بتحضير نفسي لاستقبال السردار، فقررت في قلبي أن أرمي بنفسي من النافذة لأعود إليك مرة أخرى أو أموت. وقد أغلقت الشباك على عجل حينها لأن عدداً من النساء دخلن الغرفة على حين غرة لاصطحابي إلى الحمام ثم تلبيسي بالملابس المناسبة، فاخترعت حجةً لتأجيل الأمر قليلاً وصرفتهن من الغرفة، ثم فتحت الشباك مرة أخرى ونفذت ما صممت عليه.»

بعد أن فرغ يوسف من رواية ما حدث له ولزوجته كان تواقاً ليعرف كيف سأتصرف، وتوسل إلي أن أنصحه وأساعده. كان الوقت يقترب من الظهيرة، وامتطى رجالي خيولهم وكان حصاني مجهزاً بانتظاري، حين خطرت في قلبي فكرة من شأنها ترتيب كل المصاعب المرتبطة بالأرمني الشاب وزوجته.

استدعيته وقلت له: «بعد ما حكيته لي، يستحيل علي أن أطلق سراحك، فقد اعترفت بأنك هربت مع امرأة من حريم السردار، وقد لا تدري أن هذا يعتبر عند المسلمين جريمة يعاقب عليها بالقتل لحرمة النساء عندنا. ولو تصرفت وفق ما يمليه الواجب علي لأرسلتك مباشرةً إلى يريفان؛ ولكني لن أفعل بشرط أن تنضم إلينا في جولتنا الاستطلاعية وتكون دليلنا في هذه البلاد التي تعرفها جيداً.» ثم شرحت له مهامنا والغرض من جولتنا، وأضفت:

«إن كنت جاداً في مساعدتنا فستؤدي خدمة تؤهلك لمكافأة، وعندها أستطيع أن أتكلم بما في صالحك أمام السردار ورئيسي وأن أضمن إطلاق سراحك بإذن الله. وستبقى زوجتك في هذه الأثناء هنا برعاية أهل القرية الطيبين في كل أمان، وآمل أنها ستتعافى تماماً عندما تعود في المرة القادمة.»

عندما سمع الشاب كلامي أمسك بيدي وقبلها ورضي بكل شروطي، فتمنطق بحزامه وأسلحته واستعد لمرافقتنا. سمحت له بزيارة زوجته ليحكي لها عن اتفاقنا وليؤكد لها أنهما سيلتقيان قريباً. فشكرني ثانيةً وانطلق بسرعة الغزال حتى بلغ رأس تلة قبل أن نصل إلى مشارفها.