مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/09
خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.
الفصل التاسع. حاجي بابا يصبح سقاء
[عدل]وصلنا إلى مشهد في الموعد، ودخل الشاه زاده إليها في موكب مهيب بين كل الصخب والاستعراض والفوضى التي ترافق مثل هذه المناسبات. وجدت نفسي وحيداً في مدينة غريبة بعيداً عن أصدقائي وعن أي إنسان يمكن أن ألتمس عوناً منه، وليس عندي حتى موس حلاقة. وبعد أن تفقّدت ما أملك وجدت أن ممتلكاتي تقتصر على خمسة تومانات نجحتُ في نشلها من الكيس الذي سرقته في خان إصفهان وخبأتها في بطانة قبعتي، ورداء بني من الصوف وسترة من جلد الخروف وقميص وسروال وحذاء ثقيل. بقيت في ضيافة البغال ما دام يتلقى حصته اليومية من الأطعمة أثناء مرافقة الشاه زاده؛ أما الآن، بعد أن خرج هو وبغاله من خدمة الأمير، لم يعد يمكن أن أقبل ضيافته. فكرت في العودة إلى حرفتي، ولكن من يسلم رقبته لموس رجل ذي سمعة جاسوس تركماني؟ ومع أن مالي كان يكفي لشراء ما أحتاجه للحلاقة، إلا أنه غير كافٍ لأفتح محلاً، وكنت أكره أن أعمل بالمياومة.
نصحني صديقي البغال الذي كان يعرف سبل مشهد ووسائلها أن أعمل سقاء، وقال: «أنت شاب قوي البدن، صوتك جميل، وتستطيع أن تجذب الناس إليك بإنشادك. وفضلاً عن ذلك لديك موهبة في المجاملة والتملق والضحك على اللحى. يأتي إلى مشهد أفواج من زائري مرقد الإمام رضا عليه السلام، وهؤلاء يعتقدون أن الصدقة هي السبيل لمحو ذنوبهم لذا يتصدقون بسخاء على صاحب أحسن دعاء. يجب أن تبيع كل جرعة ماء باسم الإمام حسين عليه السلام. لا تطلبْ أبداً أجراً من أحد، ومتى شرب المسافر ارفع صوتك بالدعاء حتى يسمعك الجميع، وقل: «بارك الله سفركم! حماكم الإمام عليه السلام من العطش في الآخرة!» وأدعية أخرى مثلها. قل ما شئت لمن قطعوا خمسمئة فرسخ من أجل الصلاة في مشهد، فهم يصدقون أي شيء. كنتُ سقاءً في مشهد وأعرف هذه الحرفة تمام المعرفة؛ بعدها استطعت شراء خمسة بغال فأصبحت الشخص الذي تراه.»
اتبعت نصيحة صديقي، فاشتريت قربة من جلد فيها حنفية من نحاس وكوباً ملوناً مطلياً. وبعد أن ملأت القربة بالماء تركتها مدّةً من الوقت لتذهب رائحة الجلد ثم انطلقت إلى مرقد الإمام عليه السلام وباشرت مهنتي الجديدة في الحال. اخترت لنفسي صيحة «ماء! ماء! باسم الإمام عليه السلام، ماء!» وكنت أصيحها بكل قوة صدري، وبما أنني أخذت منذ يومين بضعة دروس من صديقي، كانت مهارتي مثل قدامى الممارسين. وفور ظهوري جذبت انتباه زملائي في المهنة الذين بادروني بنظرات فيها تساؤل عن حقي في منافستهم، وعندما اقتربت من الخزان لأملأ قربتي حاولوا افتعال خصام معي، وأحدهم دفعني ليوقعني في الخزان؛ ولكن لمّا رأوا تصميمي المدعوم بعضلات قوية اضطروا إلى التراجع واللجوء إلى الشتائم؛ وفي مجال الشتائم كنت معلماً بلا منازع وتفوقت فيها عليهم بكل يسرٍ فأسكتُّهم تماماً.
بدا الأمر وكأنني ولدت لأعمل سقاء: فالماء الذي أخذته من خزان قذر كان يحوّله مديحي إلى ماء زمزم وإلى ماء من أنهار الجنة، وكان الإقبال عليه يفوق كل تصوّر، وكذلك النقود التي جمعتها مقابل توزيعه مجاناً. كنت أترقب باستمرار قدوم فوج جديد من الزائرين، وقبل أن يترجلوا عن بغالهم، يغطيهم غبار الطريق وفي قلبهم ارتياح النجاة من التركمان، أدعوهم باسم النبي ﷺ إلى ماء يروي عطشهم، وأحمد الله على سلامتهم من التركمان وألمّح أن عليهم أن يكرموني على دعائي لهم، ونادراً ما تخيب أعمالي.
اقترب موعد شعائر محرّم فقررت أن أجهِّز نفسي لدور السقاء الذي يحمل الماء في تمثيلية تقدَّم في آخر أيام ذكرى محرم. تجرى التمثيلية في ميدان واسع أمام جمهور غفير وبحضور الشاه زاده، وكنت أحب أن يذيع صيتي وأكسب بعض المال بعد أن أستعرض قوتي. يتمثل دور السقاء في التمثيلية في حمل قربة ضخمة من الماء مع حركات عجيبة. كان ينافسني في هذا الدور السقاء الذي أداه بنجاح في السنة الماضية، ولكن قربتي كان فيها من الماء أكثر مما يقوى على حمله، ولم أكن أخشى أن يتغلب عليه. لكن الناس نصحوني أن أتقي شره لأنه لئيم الطبع ولن يتوانى عن إيذائي متى سنحت له الفرصة.
وعندما جاء يوم الاستعراض تجمع كل سكان المدينة في الميدان ليشاهدوا الشعائر الدينية وكان الشاه زاده جالساً وراء نافذة فوق بوابة قصره، وخرجت إلى الساحة عاري الصدر والدم يسيل من جسمي أحمل قربة هائلة من الماء. ولما وصلت إلى مقربة النافذة التي كان الأمير يجلس وراءها دعوت له بالصحة وطول العمر بأعلى صوت فرمى إلي عملة ذهبية وعبّر عن إعجابه بأدائي. تحمست لإطرائه فدعوت عدداً من الأولاد أن يتسلقوا ظهري فتكوموا على القربة مما أثار دهشة الناس وإعجابهم؛ فناديت ولداً آخر، وهنا برز غريمي من الحشد وقفز على ظهري واستقر فوق الجالسين عليه أملاً أن يسحقني سحقاً. ولكنني جمّعت كل قواي فحملت حملي بين صيحات الإعجاب. وأخيراً أنزلت عبئي عن ظهري وحييت الناس الذين صفقوا لي ورموا إلي قطعاً نقدية صغيرة.
ومع أنني لم أشعر بأي سوء وأنا أؤدي دوري بحماس أمام الحشود، بعد أن تخلصت من عبئي وعدت إلى منزلي أصابني ألم فظيع في ظهري جعلني غير مؤهل لحمل الماء في المستقبل، فبعت قربتي والأدوات الأخرى، ووجدت أنني أصبحت غنياً مقارنة بحالتي البائسة عندما جئت إلى مشهد. لم أكن أعرف ماذا أفعل في وضعي هذا لأن صديقي البغال كان قد سافر مع قافلة إلى طهران، ولم يكن عندي أحد غيره أستنصحه. فكرت أن أشكو الأذى الذي ألحقه بي غريمي وآخذه إلى القاضي، ولكن بعض من حولي قالوا أن ذلك لن يجدي لأن الشريعة الإسلامية ليس فيها حكم في رض الظهر؛ هناك حكمٌ أن العين بالعين والسن بالسن، ولا شيء عن الظهر. لو كان عندي صديقٌ ذو نفوذ ليوصي القاضي بقضيتي لكان عندي أمل أن أحصل على تعويض؛ أما رجل غريب بلا مال ولا صديق فلن يحصل على شيء، وقد يخسر بقايا ما كسبه من عرق جبينه.