مستخدم:Nehaoua/ملعب2

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

خالد بهم: يا بني حنيفة، بعدا لكم كما بعدت عاد وثمود. «1» أما والله لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه، كأنّي أسمع جرسه وأبصر غيبه، ولكنكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندامة. وإنّي لمّا رأيتكم تتهمون النّصيح وتسفّهون الحليم، استشعرت


70


منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. والله ما منعكم الله التوبة ولا أخذكم على غرّة، ولقد أمهلكم حتى ملّ الواعظ ووهن الموعوظ، وكنتم كأنما يعنى بما أنتم فيه غيركم، فأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق، ومن نصيحتي الندامة؛ وأصبح في يدي من هلاككم البكاء، ومن ذلّكم الجزع. وأصبح ما فات غير مردود، وما بقي غير مأمون. وقال القطاميّ في هذا المعنى:

ومعصية الشّفيق عليك ممّا
يزيدك مرّة منه استماعا
وخير الأمر ما استقبلت منه
وليس بأن تتبّعه اتّباعا
كذاك وما رأيت الناس إلا
إلى ما جرّ غاويهم سراعا
تراهم يغمزون من استركّوا
ويجتنبون من صدق المصاعا «

وكان يقال: لا تستشر معلما ولا حائكا ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء. وأنشد في المعلمين:

وكيف يرجّى العقل والرأي عند من
يروح إلى أنثى ويغدو إلى طفل

وكان يقال: لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها. وكان يقال: لا رأي لحاقن ولا حازق: وهو الذي ضغطه الخف. ولا الحاقب وهو الذي يجد رراّ في بطنه. وينشد في الرأي بعد فوته:

وعاجز الرأي مضياع لفرصته
حتى إذا فات أمر عاتب القدرا

شعر للمؤلف

ومن قولنا في هذا المعنى:

فلئن سمعت نصيحتي وعصّيتها
ما كنت أول ناصح معصيّ

وقال حبيب في بني تغلب عند إيقاع مالك بن طوق بهم:

لم يألكم مالك صفحا ومغفرة
لو كان ينفخ قين الحيّ في فحم «


71


حفظ الأسرار

قالت الحكماء: صدرك أوسع لسرك من صدر غيرك. وقالوا: سرّك من دمك. يعنون أنه ربما كان في إفشائه سفك دمك. وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف:

ولا تفش سرّك إلّا إليك
فإنّ لكلّ نصيح نصيحا
وإنّي رأيت غواة الرجا
ل لا يتركون أديما صحيحا «

وقالت الحكماء: ما كنت كاتمه من عدوّك فلا تطلع عليه صديقك. وقال عمرو بن العاص: ما استودعت رجلا سراّ فأفشاه فلمته؛ لأني كنت أضيق صدرا منه حين استودعته إياه حين أفشاه. وقال الشاعر:

إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه
فصدر الذي يستودع السرّ أضيق

لبعض الأعراب

قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قال: أجحد المخبر وأحلف للمستخبر.

وقيل لآخر: كيف كتمانك للسر؟ قال: ما قلبي له إلا قبر. وقال المأمون: الملوك تحتمل كل شيء إلا ثلاثة أشياء: القدح في الملوك، وإفشاء السر، والتعرّض للحرّم. وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا، أفلا أحدثك به؟ قال لا، يا بني، إنه من كتم سره كان الخيار له، [ومن أفشاه كان الخيار عليه 1] فلا تكن مملوكا بعد أن كنت مالكا.

ملك من ملوك العجم استشار وزيريه

وفي التاجر أنّ بعض ملوك العجم استشار وزيريه، فقال أحد هما: لا ينبغي للملك أن يستشير منّا أحدا إلا خاليا به؛ فإنه أموت للسر، وأحزم للرأي، وأجدر بالسلامة، وأعفى لبعضنا من غائلة بعض؛ «2» فإن إفشاء السرّ إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين، وإفشاءه إلى ثلاثة كإفشائه إلى جماعة؛ لأن


بين معاوية وابن الأشعث في الدخول على الملوك

ووقف الأحنف بن قيس ومحمد بن الأشعث بباب معاوية، فأذن للأحنف، ثم أذن لابن الأشعث، فأسرع في مشيته حتى تقدم الأحنف ودخل قبله. فلما رآه معاوية غمّه ذلك وأحنقه، فالتفت إليه فقال: والله إني ما أذنت له قبلك وأنا أريد أن تدخل قبله، وإنا كما نلي أموركم نلي ادابكم، ولا يزيد متزيّد في خطوه إلا لنقص يجده من نفسه.

وقال همام الرقاشي «1» : أبلغ أبا مسمع عنّي مغلغلة ... وفي العتاب حياة بين أقوام قدّمت قبلي رجالا ما يكون لهم ... في الحقّ أن يلجوا الأبواب قدّامى لو عدّ قبر وقبر كنت أقربهم ... قربى وأبعدهم من منزل الذّام حتى جعلت إذا ما حاجة عرضت ... بباب قصرك أدلوها بأقوام «2»

لمعاوية في آذنه

قيل لمعاوية: إن آذنك يقدم معارفه في الإذن على وجوه الناس. قال: وما عليه؟ إنّ المعرفة لتنفع في الكلب العقور والجمل الصّئول «3» ؛ فكيف في رجل حسيب ذي كرم ودين؟

للحكماء في الوصول إلى المراد

وقالت الحكماء: لا يواظب أحد على باب السلطان فيلقي عن نفسه الأنفة ويحتمل الأذى ويكظم الغيظ إلا وصل إلى حاجته.

مازال[عدل]


74


وقالوا: من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له.



٤٨
الجزء الأول


  1. التكملة من عيون الاخبار.
٥١
من العقد الفريد