مرئية الآلهة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مرئية الآلهة

​مرئية الآلهة​ المؤلف بدر شاكر السياب


بلينا و ما تبلى النجوم الطوالع
و يبقى اليتامى بعدنا و المصانع
وبقى كرب الجالب الكرب كالصدى
يغص المنادى بالردى وهو راجع
كأن الأميبي توأم وهو توأم
لها فهو في منجى من الموت قابع
و لكنه الفرد الذي يزحف الورى
إلى حيث ترمي مقلتيه المطامع
أعنقاء من صحراء مجد تقحّمت
بها مغرب الشمس البعيد الزعازع
أم انسل من أهرام فرعون هاجع
وقته انتقاص الدود منه المباضع
و من ليس يحيا لن يرى و هو مالك
فلو كان يحيا ما عدته الفواجع
و ما كان إلا اسما كرب ابن مثله
به يدمغ اثنان الورى و البضائع
و لكنه اسم بالأسامي يغتذي
تهجاه زفار اللظى و المدافع
تمنيت أني آله لا يصيبها
كلال و لا وقت بها مرّ ضائع
لها من دماء الناس قوت و خلفها
من المال عن أن ينفذ القوت مانع
و ما تخطىء الآلات من الجمع تارة
و في الطرح إن يخطىء من الناس جامع
و لا عاقبتها عصبة من ورائها
علينا عقاب برئوا منه واقع
ألا كم رفعنا من إله و كم هوى
إله و أضحى ثالث و هو رابع
فما جاوزنا صورة منه خطها
على غفلة منا مجيع و جائع
و ما كان معبودا سوى ما نخافة
و نرجوه أو ما خيلته الطبائع
فتموز مثل اللات و الرعد ما رمى
بغير الذي تطوى عليه الأضالع
و كم أله التمر التهامي معشر
لما ليس يحيا دونه الناس راكع
فلما شكا بعد الأثافي قدرها
وضنت على الشدق الحفي المراضع
كفى كل ثغر كان يدعوه جوعه
إله أحاطته المدى و الأصابع
دمى هذه الخمر التي تشربونها
و لحمي هو الخبز الذي نال جائع
و لما تشظى قلب نرسيس و أنثى
يلم الشظايا شار وبائع
و غذّى بها القلب الذي حين ذاقها
نما فيه نابا كوسج فهو قاطع
هوى كل عال من إله و سافل
إلى حيث ما م راحل ثم راجع
و أفضى إلى العرس السديمي معدن
بما امتاح من أحدق ميدوز لا مع
هو الشمس إلا أن في زمهريره
من الموت ظلا حجّبته البراقع
جزى أمه الأرض التي من عروقها
ربا و اغتذى في جوفها و هو هاجع
بشر الذي يجزى به شر من عذا
و أروى و يجزاه العدو المنازع
فأدمى بنيها وارتعى من بناتها
حقولا ترجى فهي شوه بلاقع
كقابيل يغتال الأشقاء راكل
كأوديب للخبز الإلهي صافع
و هذا الإله الأملس الفظ ما جلا
لنرسيس يجثو عنده و هو خاشع
سوى وجه نرسيس الرخامي شابه
شحوب يهوذي التلاوين ناقع
و أوفى من الأرباب جيل يئمّه
على قمّة الأولمب ربّ مخادع
ترى فحم إذ يلقاه يلقاه راجفا
و فولاذ من تلماح عينيه مائع
و يا عهد كنّا كابن حلاّج واحدا
مع الله إن ضاع الورى فهو ضائع
أكلّ الرّجال الجوف أن يملأوا به
خواء الحشا هذا الإله المضارع
فعاد الفقير الروح من ليس كاسيا
به ظاهرا منّا فحل التنازع