مرآة الحسناء (1872)/قافية الحا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


قافية الحا

وقال

فؤَادي فدى خود شذا طيبها فاحا
وبدرُ مُحيَّاها بأُفقِ الحمى لاحا
نظرتُ إليها فانثنى غصنُ قدِّها
وعاد عليهِ بلبلُ القلب صدَّاحا
ولما رأَتني شاخصًا في جمالها
فأَرْخَتْ نقابًا ظلَّ بالمسك فواحا
فقلتُ هبيني من جبينكِ نظرةً
فصدَّت وقالت قطُّ ما شمت أصباحا
فقلتُ أريني خدَّكِ الأحمر الذي
سباني قالت قطُّ لم ترَ تفَّاحا
فقلتُ أريني لحظَكِ فهو خمرتي
فقالت أما تخشى من السكر إفضاحا
فقلتُ أريني ثغركِ الباسمَ السنى
فقالت ألم تنظر أقاحًا وأقداحا
فقلتُ وهل لي من رضابكِ رشفةٌ
فقالت أيا هذا ألم تذُقِ الراحا
فقلتُ أريني جيدَكِ الزاهر الذي
بدا نورُهُ قالت ألم ترَ مصباحا
فقلتُ أريني الخصرَ منكِ كرامةً
فقالت وهل عينٌ تشاهدُ أرواحا
وتاهت بقدٍّ قد يقدُّ القنا إذا
مشت واصطباري بعدَ ذلك قد راحا
وقالت وهل يُروى من الصخر ذو ظما
فقلتُ وكم ماءٍ من الصخر قد ساحا
وقال من المجون
جزَّارُنا يذبحُ اغنامهُ
فهل لهُ اذ ذاك من ذابحِ
يدعونهُ زورًا ابا صالحٍ
ونحن ندعوهُ ابا سالحِ
وقال
بات يرعى الشوقَ والدمعُ يسحُّ
والجوى يزدادُ والصبر يشحُّ
مغرمٌ قد اسكرتهُ عنوة
اعينُ العينِ فمنها ليس يصحو
حَدَقٌ يطفحُ لي منها الهوى
مثلَ اقداحٍ بها للخمر طفحُ
كم ليالٍ اسهرتْ جفني بها
خطراتُ الشوقِ والوجدُ الملحُّ
ارقبُ الصبحَ من الشرق وما
لِلَيَالي الوجدِ والاشواقِ صبحُ
فالدُّجى للشرق بابٌ مغلقٌ
دونهُ اضحى لقرنِ الشمس نطحُ
ظُلُمُاتٌ اغمرت قاعَ السما
فارت بحرًا بهِ للنجم سبحُ
واذا نجمٌ بدا المحهُ
عن نجومٍ ليس لي منهن لمحُ
والرجا يكتب آياتِ اللقـا
في فؤَادي وصروفُ الدهرِ تمحو
يا احبائي خسرنا شملنـا
يا زماني هل عقيب الخسرِ ربحُ
ما لعيني في النوى شغلٌ سوى
ذرفِ دمعٍ كلَّما سال يصحُّ
امسحُ الدمعَ فيرتد الى
مهجةٍ ليس لما تبكيهِ مسحُ
مهجةٌ هاجمها جيش الاسى
بعدَ احبابٍ لهم في القلب صرحُ
صارمتني نِعَمُ القرب وقد
صادمتني نقَمٌ في البين تلحو

التهديد

صدحت بلابلةُ الاراكِ صباحا
فاهاجتِ البلبالَ والاتراحا
وتنفست ريحُ الصبا فتأَوهت
نفسي وطارحتُ الحمام نواحا
بالله يا ذاتَ الخضابِ لمَ البكا
مهلاً فاثخنتِ الفؤَاد جراحا
شمتُ الجمالَ فرحتُ مسلوبَ الحشى
وشربتُ كاساتِ الغرام طفاحا
مازلتُ اكتمُ حرقتني وصبابتي
حتى كسا جسدي الضنا فاباحا
الله ممَّن غادرتني هايمًا
اطوي جبالاً من هوى وبطاحا
اختالُ بين عواذلٍ وعواذرٍ
لا صادفتْ عينُ العذول نجاحا
وغدوتُ أَرْوَغَ من ثعالةَ في الهوى
لما اثارَ على الفؤَادِ كفاحا
أَوَكيف لم يفتك بقلبي الحسن اذ
يبدو وقد غدتِ العيونُ صفاحا
إِني عهدتك يافؤَادي صابرًا
فلمَ الفتَ بذا الجفا الحاحا
لاشكَّ كنتَ ضللت في ليل النوى
لو لم يكنْ املُ اللقا مصباحا
اشقيقةَ القمرين حتى مَ الجنا
عطفًا على من قد جفا النُصَّاحا
أَترى فديتكِ هل اذا عاملتِ مَنْ
يهواكِ بالحسنى ترين جناحا
لم ارجُ منكِ سوى التفاتٍ كالظبا
فتلفتي ان كان ذاك مباحا
قلبي بنار جواكِ طال عذابهُ
ياليتهُ تَرَكَ الهوى وارتاحا
ولكنتُ عاملتُ الهوى بالقتل لو
أُعطبْتُ من شرع السلوّ سلاحا
يا ربّةَ الحسن البديع ترفَّقي
بفتىً لغيركِ لم يكنْ مرتاحا
روحي فدى تلك المباسم فهي كم
تهدي لنا ماءَ الحياة قراحا!
وبمهجتي تلك الخدودَ فكم زها
برياضها وردُ الجمالِ وفاحا
لو تعلمين حقيقةَ الحبِّ الذي
لكِ في الفؤَادِ لما أردت سراحا
أَوْ لو عرفتِ مَن الذي بكِ مغرمٌ
لظننتِ ذيَّاكَ الغرامَ مزاحا
إني امرءٌ ربحَ المعزةَ بالحجى
وغدا إليكِ بذلةٍ ملتاحا
قلبي لخيمكِ لا لحسنكِ قد صبا
فعلى الدُّمى كم من جمالٍ لاحا
إن تقفلي بالسخطِ أبوابَ الرضى
دوني فصبري قد غدا مفتاحا
هذا إذا لم أسلُ حبَّكِ فاعلمي
أَني فتًى حَسِبَ السلوَّ رباحا
وإذا سلوتُ فلستُ أرجع للهوى
أبدًا ولو كان الرجوعُ فلاحا
ومن المَعيبِ عليَّ إنْ أكُ سرتُ في
أمرٍ وأرجِعُ نادمًا نوَّاحا
والعشقُ يفسدُ بالقلوب فنعمَ من
لا يعشقنَّ كواعبًا وملاحا
كن سالي الحسناءِ يا قلبي عسى
تلقى بذا بعدَ الفسادِ صلاحا
إن الهوى عينُ الهوانِ ففرَّ من
سطواتِه وخُذِ السلوَّ جناحا
يا قاتلَ اللهُ الغرامَ فكم بهِ
ذو العزِّ في وادي المذلة راحا
ولكم جوانحُ قد جنحنَ إلى اللظى
شغفًا وكم من مدمعٍ قد ساحا
نورُ السلوِّ بدا فشمت هُدًى ومن
حيث الشعاعُ أتى نرى الأشباحا
يا ربِّ خذْ بيدي فعفوك دائمٌ
واجعل لنفسي في حماك مراحا