مرآة الحسناء (1872)/قافية الألف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


قافية الألف

قال

بيت الهوى

بهواكِ عشتُ وفي هواكِ فنائي
وعلى هواك تنعُّمي وشقائي
ياربَّةَ الحسن الذي هُوَ في الهوى
ولعُ العيونِ ولوعةُ الاحشاءِ
لكِ طلعةٌ لولا التبسمُّ والرضى
والسخط قلتُ البدرُ ذو الاضواءِ
فرقٌ وفرعٌ منكِ بينما جرى
اجَلي فذا صبحي وذاك مسائي
ولواحظٌ يُترعن كاسات الهوى
ممزوجةً لكن بماءِ حياءِ
هذي هي المقلُ التي يصبو الى
اسيافها قلبي لصبّ دماءِي
مَنْ لي بذي الحور التي احداقها
يَقدَحْنَ زند العشق في الحوباءِ
يا هندِ للاقمار حسنُكِ لو بدا
لخجلنَ منكِ وهُنَّ في العَلياءِ
ما انتِ الا الشمسُ في كَبِد السما
تُجلى وما عيني سوى الحَرْباءِ
صنَمُ الجَمال لهُ تخرُّ سواجداً
هامُ الدُّمى في هيكل الاهواءِ
هذا هو البيتُ الذي اعتابُهُ
نُضِحَتْ بكلِّ دمٍ جرى كالماءِ
قد شيَّدتْ اركانَهُ دولُ الشباب
وزخرفتـــهُ السنُ الشعراءِ
بيتُ الهوى فيهِ تظلُّ نوافثاً
بالطائفين سواحرُ الدنياءِ
ما هذه الدنيا سوى مجموعةٍ
ياهو عليهــا معشرُ الادباءِ
كلٌّ يراها غادةً ترعى الوفا
والكلُّ منها في قِلًى وجفاءِ
نِقَمٌ هيَ الدنيا لدى اهل النهى
لكنَّها نِعَمٌ لدى الجُهَلاءِ
ما فاز بالنٌَعمى سوى مَنْ عندهُ
سِيَّانِ كلُّ اسًّى وكلُّ هناءِ
ولقد خبرتُ الطيّبات فكلُّها
رسُلُ الردى وطلائعُ الاسواءِ
حتى انفردتُ عن الورى فأَمنتهم
انَّ التفرُّدَ آمنُ العُشَراءِ
مالي وللناس الذين أَوَدُّهُمُ
اعداهمُ ما لي وللاعداءِ
وقال
غازَلتني باعينٍ كالظُباءِ
ذاتُ دَلٍّ تُبدي نفار الظِباءَ
غادةٌ لو رأَت محاسنها البدرُ
أستحى من طلوعهِ في السماءِ
افتديها من ظبيةٍ ترتعي
بينَ ضلوعي رُعْبُوْبةٍ نهداءِ
وجهها معدِنُ الجمال وفيهِ
عنصرُ اللطف قد نما والحياءِ
ذاتُ جيدٍ كالرّيمِ أَلبَسَهُ الحسنُ
عقوداً من السنى والبهاءِ
ينثنی تحت ثوبها غصنُ بانٍ
غرَسَتْهُ الاشواقُ في احشاءِي
وعلى الخدّ خالها قام يحكى
عنبراً في حديقةٍ غنَّاءِ
في هوى عينها جُننتُ فان قالوا
بمَ جُنَّ فلت بالسوداءِ
كلما لاح كوكبُ الصبح في الافق
زرتهٌ بالغرَّة الغرَّاءِ
سبَتِ العقلَ اذ رنَتْ وتثنَّتْ
كحسامٍ وصَعدةٍ سمراء
جذبتني باعينٍ تحملُ السحرَ
كحمل الزجاجِ للكهرباءِ
قد دعَتْ عند فترة الجفن رسلاً
للهوى من جبينها ذي الجلاءِ
في سماءِ الجَمالِ كالشمس لاحت
واليها العيون كالحرباءِ
لستُ اشكو لقدُّها من عذابي
كيف اشكو لصعدةٍ صمَّاءِ
كوكبُ الظرفِ حلَّ ميزان
نهدَيها فكان التأْثيرُ بالحوباءِ
كم بذهني قد لاح تمثالها الحاوي
كمالاً مجرَّدًا عن سواء
انَّ قلبي برشف ريقتها طابَ
ومن لا يطيبُ بالصهباء
لستُ الوي عن حبها طول عمري
لا ولو أنها لوَت عن ولائي
وإذا ما قابلتها بوفائي
أدبَرَت بالجفاءِ والبغضاءِ
ثمرُ الدَلِّ كالحياءِ صدودٌ
ويحق الدلالُ للحَسْناءِ
اقبلت بعد بُعدها فادارتْ
لي كؤُوسَ اللقايدُ البرحاءِ
سترَتْ فجر فرقهـا بالثريَّا
خجلةً مذ دنَتْ عقيبَ التنائي
فوق طور الاشواق بتُّ أُناجي
مهجتي عن ظهور نور اللقاءِ
انَّ سكري بطرفها لا بكاسٍ
قام يسعى بها غزال الفلاءِ
اهيفٌ رقَّتِ الشمائل منهُ
فغدت كالشُّمُول للندماءِ
لاح نور الجمال من وجههِ الباهي
ففاق الاقمارَ في الظَلماءِ
وعلى خدِّه المنير قد امتدَّ
عذارٌ كالفيءِ في الاضواء
ان يرنّحْ اعطافَهُ التيهُ أزرى
بقضيبٍ تثنيهِ ريحُ الصباءِ
نافرٌ آنسٌ عبوسٌ بشوشٌ
ظالمٌ عادلٌ عجيبُ المضاءِ
لنبال الاحداق منهُ فؤَادي
هدفٌ ما عداه من اخطاءِ
هو دائي ومحنتي وعنائي
وهنائي ومنحتي ودوائي
بهواهُ قد جئتُ في غزَلٍ ذي
رقَّةٍ بين حكمةٍ وثناءِ
انما الشعرُ للنفوس رياضٌ
غرستها قرائحُ الادباءِ
ثمرُ العلم والحجى الشعرُ لكنْ
قطفُهُ لا يُباح للاغبيـاءِ
كلُّ مَنْ يسئَمُ العلوم ويهوى
كثرة المال ذا من الحمقاءِ
ذكرُ اهل العلوم خُلِّدَ في الدنيا
وقد باد ذكرُ اهل الثراءِ
رُبَّ ذُلٍ لراحةٍ ذات ملء
وفخارٍ لراحةٍ صفراءِ
ولقد يحملُ الصغارُ قوًى لم
يستطعها اكابرُ الكبراءِ
اكبرُ المرئيَّات يُرسَمُ في اعيننا
وهي اصغرُ الاعضــاءِ
انَّ فخرَ الفتى بثوب النهى لا
بثيابٍ صُنِعْنَ في صنعـاءِ
من يكن عارياً عن العقل لم يربحْ
فخاراً اذا اكتسى بفراءِ
كم فقيرٍ امسى غنياَ وكم من
ذي غنًى عاد افقرَ الفقراءِ
اليس حالٌ تدومُ ثابتةَ ما
دامَ سيرُ الافلاك للانتهاءِ
كان للشمس دارةُ الحملِ الاشرفِ
واليومَ دارةُ الجوزاء
نقطةُ الاعتدال ترجعُ في دائرة
الارض دايماً للوراءِ
تمدحُ الاغنياءَ منَّا شفاهٌ
ومديحُ القلوب للعقلاءِ
وقال
ان تبدَّت فكوكبٌ في سماء
او تثنَّت فبانةٌ في نقاءِ
غادةٌ غادرت فؤَادي قتيلاً
بنبالٍ من مُقلةٍ كحلاءِ
ذاتُ طرف اقوى مضاءً من السيف
وقدٍّ كالصعدةِ السمراءِ
ونهودٍ كانهنَّ نجومٌ
من لجينٍ يبعثنَ نور البهاءِ
فبنهدٍ ومعصمٍ وجفونٍ
قد سبتني واتلفت احشاءِي
انَّ برقَ الجمال من ثغرها الباسم
يسبي اذ لاح عقل الرائي
قد ادارت لحظاً بهِ التأَم الحسنُ
التئَامَ الانوار بالكهرباءِ
ان يكنْ جيدُها زجاجة خمرٍ
فمن الثغر منبذُ الصهباءِ
سرقَ الحسنَ كلهُ وجهُها الزاهي
واضحى مبرقعاً بالحياءِ
فعلى لوح مهجتي طُبِعَتْ صورةُ
ذاك الجمال ذي الأضواءِ
وحوَت اعذب الدلال وكم يحلو
دلال الرعبوبة الحسناءِ
ارضعتني الغرامَ الحاظُها حتى
استحالت إلى الغرام دمائي
ان رجوتُ اللقاءَ والوصلَ جاءَت
ببعادٍ واحسرتي وجفائي
شبتُ ممَّا قاسيتُ وجناً وما
حلَّت ببرج المشيب شمس الصِبَاءِ
رُبَّ ليلٍ قد بتُّ فيهِ أُناجي
قمراً فوق قامةٍ هيفاءِ
واديرُ الحديثَ من كل معنًى
قد روتهُ صبحاً نسيمُ الصَّباءِ
نتعاطى نجوى الهوى بعتابٍ
يستميلُ العذراءَ ذات الخباءِ
ونجوم الافلاك ترنو الينا
من خلال الظلماءِ كالرقباءِ
وكأَنَّ المرْيخ ذو حسَدٍ
بشخص فينـــا بعينهِ الحمراءِ
والدراري جندٌ تثيرُ وغًى
فانظرْ دخانَ المجرَّة الرقطاءِ
لم نزل نستنيرُ بالكاس حتى
يدفقَ النورُ من فمِ الظلماءِ
واحنيني الى الربوع التي قد
كنتُ اجني بها ثمار اللقاءِ
قد تقضَّى ذاك الزمانُ وابقى
في فؤَاد المحبّ كلَّ عناءِ
يا نسيمَ الرياضِ بالله سيري
نحوَ مَنْ بالنوى اطالت بكائي
واحملي نفحةَ السلام عساها
تذكرُ العهدَ والوصالَ النائي
ليت شعري من الذي قد ثناها
عن محبٍّ لم يأْلُ عهد الولاءِ
هل رمتها يدُ الشبيبةِ قهراً
في هوى الغير فانثنتْ عن وفائي
والهوى يُوقعِ الأكارمَ رغماً
بحبال اللئام والسفلاءِ
فمتى يا سُلمى يشاءُ الولا ان
نتنادى في هجعةٍ خلياءِ
يا منائي على الوفا والجفاهل
تبدلين الفصيحَ بالفأفاءِ
هل تُضاهي الغربانُ عقبان صيدٍ
او تُباهي الحَصْباءُ شُهْبَ السماءِ
وإذا ما الزمان اعلى لئيماً
فهو بين الورى من الادنياءِ
ما رأَت مقلتاي اعظَم خطبٍ
من دنيٍّ يختال بالعَلياءِ
كيف تاتي النعمى الى رجلٍ كان
رضيعَ البؤسى من الاثداءِ
وفعالُ اللثام اشقى وادهى
من دواهي زمانهم ذي الشقاءِ
لاسقى الغيثُ تربَ ارض اتتنا
بصغارٍ تعلو على الكُبَراءِ
لو يكون الانسان يفكر بالموت
لكان انثنى عن الكبرياءِ
لا خلودٌ للمرءِ في هذهِ
الدنيا فكلٌّ مصيرهُ للفناءِ
ومسيرُ الايام في العمر يحكي
عجَلَات البخار في البيداءْ
ليس يُرجى للناس امنٌ من
الأيَّام ان الايَّامَ كالاعداءِ
كيف يُبدي الزمانُ للمرءِ صفواً
وهو بدءُ الأكدار والارزاءِ
زمنٌ يخفض العليَّ الى القاعِ
ويُعلي الدنيَّ للجوزاء
ايها المبتغي هناءً على الارضِ
تأَمَّلْ تلقَ الاسى في الهناء
حادثة
لا تنظري يوم النزال إلى الظُبَى
منَّا بتلك المقالة الكحلاءِ
فاذا نظرتِ الى السيوف تثلمت
خجلاً فنحذرُ سطوةَ الاعداءِ
وقال
قامت تعاطيني المدامَ مليحةٌ
تُغني بمقلتها عن الصهباءِ
فلثمت وجنتَها فسكري كان بال
حمراءِ والسوداءِ والصفراءِ
الى احد اصدقائِه
التعزية
لا ينفعنَّك في الحتوف بكاءٌ
ماذا استفادت قبلك الخنساءُ
حتى مَ تدعو المَيْتَ من جوفِ الثرى
أنَّى نجيبكَ صخرةٌ صمَّاءُ
ولو الدموع نفعنَ في الرزءِ الفتى
لبكى الجميعُ معاً فكم ارزاءُ
لم يخلق اللهُ المدامعَ للبكا
بل لانجلاءِ العين حين تُساءُ
والحزن تطلبهُ الطبيعةُ عندما
يردُ الاسى والعقلُ ليس يشاءُ
يتحاربان على المدى حتى اذا
غلبَ التعقُّل تبرزُ السرَّاءُ
ما في الوجود مسرَّةٌ فاذا بدت
سرَّاءُ قل هذه هي الضرَّّاءُ
لو كان في الدنيا ثباتٌ كان لي
فرحٌ ولكن تُبدَلُ الاشياءُ
والناس تمضي حسْبَ حال زمانهم
كالشمس تمضي حسبها الافياءُ
أنَّى تملّتني الحيوةُ وكلُّها
وهمٌ فصبحٌ ينقضي ومساءُ
ما العمرُ ما الافراحُ ما النعمى وما
هذا الوجود وما هي الدنياءُ
رنَّاتُ صوتٍ في الهواءِ تروحُ او
لمعاتُ برقٍ بعدهُ الظلماءُ
لا خلدَ في الدنيا لنا فعلى الملا
للموت شُنَّتْ غارةٌ شعواءُ
والموتُ للحيَوانِ ضربةُ لازبٍ
فيهِ لكلِّ ذوي الحيوةِ غِذاءُ
يا مولعاً بالحسن قبّل ذا الثرى
فالحسنُ بُطوَى فيهِ والحسناءُ
وتوقَّ ان تطإِ الترابَ فرُبَّما
منك الملوكُ تُطاءُ والعظماءُ
ان الحيوةَ على المحيَّا برقعٌ
حسَنٌ تقومُ وراءَهُ الاسواءُ
يا اعين العِيْنِ الملاح تأَمّلي
كيف العيونُ تغورُ والعيناءُ
اين المحاسنُ این انوارُ الصِّبا
اين البها والطلعةُ الغرَّاءُ
لا عاد يظهر غيرُ وجهٍ جامدٍ
تعلو عليهِ بشرةٌ صفراءُ
كن يا اخا الاحزان منفرداً ولا
تضجر فافكارُ الفتى نُدَماءُ
ودع المعزّي ان يعزّي نفسهُ
فالناسُ في حكم المصاب سواءُ
لا تأمن الانسان فهو مكيدةٌ
كالفخِّ والاصحابُ هم اعداءُ
ومن العجائب ان ترى لك صاحباً
يرعى ذمامك ان دهاك بلاءُ
هيهاتِ ماكلٌّ شبيهاً للذي
فارقتهُ فلذاك حُقَّ رثاءُ
ذاك الوديعُ اخو اللطافة ذو الوفا
من لا تزعزع ودَّهُ البأْساءُ
فليندبنَّ النادباتُ عليهِ ما
ناحت على اغصانها الورقاءُ
وليذرف الصخر الاصمُّ مدامعاً
ان كان يدفُقُ من حشاهُ الماءُ
دعني اطلُّ على ثراهُ عبرتي
ولتنزفنَّ مع الدموع دماءُ
ان كان مَيْاُكَ ذا اخاًلك فهو لي
خلٌّ وفيٌّ والبكاءُ وفاءُ
كلٌّ سيُدرَس تحت اقدام الفنا
ويغيبُ عنهُ رونقٌ وبهاءُ
فالصبرُ في هذي الخطوب يَلَذُّاذ
لولا التصبُّر تزهِقِ الحوباءُ
ولربَّما كان التصبُّر للفتى
درعاً بهِ تُستقبلُ البلواءُ
كم تزحمُ الابدانَ امراضٌ وكم
صبرُ العلاج بهِ يقوم شفاءُ
ومن التراب الطبُّ يهدينا الدوا
وإلى التراب تعيدنا الأدواءُ
وقال في جزاء الدهر
اضجَّت الجفا بعدَ الوفاءِ
وعجبت للنوى بعد اللقاءِ
وراغت بالسوى وجداً وجداً
وزاغت فيهِ عن سبل الولاءِ
وكنتُ أظنُّ أنَّ صفا هواها
سيثبتُ كالنقوش على الصفاءِ
اذا هو خطُّ برقٍ به جهامٍ
يلوحُ واحرفٌ في لوح ماءِ
فهل يُرجى رسوخُ هوى الغواني
وهنَّ عليهِ اطيشُ من هواءِ
ومن عشقَ الغواني في صِباهَ
درى كيف السَّمُومُ من الصَّباءِ
يبادلنَ المحبَّ ندى النصابي
مبادلةَ الوهاد صدى النداءِ
ويخطرنَ الدنوَّ ولا دنوٌّ
نظيرَ الآل يقرب وهو ناءِ
قفا بي صاحبيَّ على طلولٍ
ذرتها في الفضا ريحُ القضاءِ
طلول سعادَ من ابلت عهودي
فاصبحَ ربعُها عِبرَ البلاءِ
رسومٌ فاندباها وابكياها
هناك مع الغوادي والسماءِ
فوا اسف الزمان على ديارٍ
عفت بعدي وصارت كالهباءِ
واضحت بعد ما كانت فناءً
لسكَّان الهنا سكَنَ الفناءِ
وكان بها غزال الانس يرعى
فضاع وعاضَهُ وحشُ الفلاءِ
فيا راثي الديارِ ديارِ سعدى
دع الذكرى و بالِغْ بالرثاءِ
ولا تعتبْ جزاءَ الدهر لكنْ
سعادَ فذنبها داعي الجزاءِ
ولا تعجبْ اذا اغربتُ عنها
بل اعجبْ ان بقيتُ على البقاءِ
انا ارعى الولا في كل شوطٍ
لذاك سلوتُ خائنةَ الولاءِ
سلوثٌ ولستُ ارجع طول عمري
اليها لا ومن يدري خفائي
ولو بكت المدى ندماً وندباً
فطبعُ الخائنات على البكاءِ