محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة السابعة والثلاثون
كتاب القسامة
قال أبو محمد رحمه الله : فإن قال قائل : فما تقولون في قتيل يوجد وفيه رمق , فيحمل فيموت في مكان آخر , أو في الطريق , أو يموت إثر وجودهم له وفيه حياة فجوابنا : أنه لا قسامة في هذا , وإنما فيه التداعي فقط , يكلف أولياؤه البينة , سواء ادعى هو على أحد أو لم يدع , فإن جاءوا بالبينة قضى لهم بما شهدت به بينتهم , وإن لم يأتوا بالبينة حلف المدعى عليهم يمينا واحدة إن كان واحدا فإن كانوا أكثر من واحد حلفوا كلهم يمينا يمينا ، ولا بد ويجبرون على ذلك أبدا. وبرهاننا على ذلك : هو أن الأصل المطرد في كل دعوى في الإسلام من دم أو مال أو غير ذلك من الحقوق , ولا نحاش شيئا هو " أن البينة على المدعي واليمين على من ادعي عليه ". كما أمر رسول الله ﷺ إذ يقول لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه. وقوله ﷺ : بينتك أو يمينه , وهذان عامان , ولا يصح لأحد أن يخرج عنهما شيئا , إلا ما أخرجه نص أو إجماع , ولا نص إلا في القتيل يوجد فقط , فمتى وجده حيا أحد من الناس فلا قسامة فيه ألبتة وبالله تعالى التوفيق. فإن وجد لا أثر فيه فقد
قلنا : إن رسول الله ﷺ إنما حكم في مقتول , وليس كل ميت مقتولا , فإن تيقنا أنه قتل بأثر وجد فيه من : ضرب أو شدخ أو خنق , أو ذبح أو طعن , أو جرح أو كسر , أو سم فهو مقتول والقسامة فيه. وإن تيقنا أنه ميت حتف أنفه لا أثر فيه ألبتة فلا قسامة ; لأنه ليست هي الحال التي حكم فيها رسول الله ﷺ بالقسامة. إن أشكل أمره فأمكن أن يكون ميتا حتف أنفه , وأمكن أن يكون مقتولا , غمه بشيء وضعه على فيه فقطع نفسه فمات : فالقسامة فيه.
فإن قيل : لم قلتم هذا والأصل أن من مات غير مقتول فلا قسامة فيه
قلنا وبالله تعالى التوفيق : إن المقتول أيضا ممكن أن يكون قتل نفسه أو قتله سبع , فلما كان إمكان ما ذكرنا لا يمنع من القسامة لأمكان أن يكون قد قتله من ادعى عليه أنه قتله , ووجبت القسامة ; لأمكان أن يكون قتله من ادعى عليه أنه قتله فليس هذا قياسا , فلا تكن غافلا متعسفا أننا قد قسنا أحدهما على الآخر ومعاذ الله من ذلك , لكنه باب واحد كله , إنما هو من وجد ميتا وادعى أولياؤه على قوم أنهم قتلوه , أو على واحد أنه قتله وكان قتلهم له الذي ادعى أولياؤه عليهم ممكنا فهذه هي القصة التي حكم فيها رسول الله ﷺ بعينها بالقسامة , ففرض علينا أن نحكم فيها بالقسامة إذا أمكن أن يكون من ادعى أولياؤه حقا , وإنما يبطل الحكم بالقسامة إذا أيقنا أن الذي يدعونه باطل بيقين لا شك فيه
قال أبو محمد رحمه الله : فسواء وجد القتيل في دار أعداء كفار , أو أعداء مؤمنين , أو أصدقاء كفار , أو أصدقاء مؤمنين , أو في دار أخيه , أو ابنه أو حيثما وجد , فالقسامة في ذلك
وهو قول ابن الزبير ومعاوية , بحضرة الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة ; لأنهما حكما بالقسامة في إسماعيل بن هبار وجد مقتولا بالمدينة ,.
وادعى قوم قتله على ثلاثة من قبائل شتى مفترقة الدور ولم يوجد المقتول بين أظهرهم وهم : زهرى , وتيمي , وليثي كناني , وبهذا نقول وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد رحمه الله : وسواء وجد المقتول في مسجد , أو في داره نفسه , أو في المسجد الجامع , أو في السوق , أو بالفلاة , أو في سفينة , أو نهر يجري فيه الماء , أو في بحر , أو على عنق إنسان , أو في سقف , أو في شجرة , أو في غار , أو على دابة واقفة , أو سائرة كل ذلك سواء كما قلنا.
ومتى ادعى أولياؤه في كل ذلك على أحد فالقسامة في ذلك كما حكم رسول الله ﷺ وبالله تعالى التوفيق.
وأما قولهم : إن وجد بين قريتين فإنه يذرع ما بينهما فإلى أيهما كان أقرب : حلفوا وغرموا مع قولهم : إن وجد في قرية حلفوا وودوا. فإن تعلقوا في ذلك مما ناه يوسف بن عبد الله النمري ، حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي ، حدثنا يوسف بن أحمد ، حدثنا أبو جعفر العقيلي ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق ، حدثنا أبو إسرائيل الملائي ، حدثنا عطية هو العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : وجد قتيل بين قريتين فأمر النبي عليه السلام فقيس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى إحداهما بشبر , فكأني أنظر إلى شبر رسول الله ﷺ فضمن النبي عليه السلام من كانت أقرب إليه.
ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كانت أم عمرو بن سعد عند الجلاس بن سويد ، هو ابن الصامت فقال الجلاس في غزوة تبوك : إن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير فسمعها عويمر , فقال : والله إني لا شيء إن لم أرفعها إلى النبي عليه الصلاة والسلام أن ينزل القرآن فيه , وأن أخلط بخطبته , ولنعم الأب هو لي فأخبر النبي ﷺ فسكتوا , فدعا النبي ﷺ الجلاس فعرفه وهم يترحلون فلم يتحرك أحد , كذلك كانوا يفعلون , لا يتحركون إذا نزل الوحي , فرفع عن النبي عليه السلام فقال : يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر إلى قوله فإن يتوبوا يك خيرا لهم فقال الجلاس : استتب إلي ربي , فإني أتوب إلى الله , وأشهد له بصدق وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله قال عروة : كان مولى الجلاس قتل في بني عمرو بن عوف , فأبى بنو عمرو بن عوف : أن يعقلوه , فلما قدم النبي عليه السلام جعل عقله على عمرو بن عوف , قال عروة : فما زال عمير منها بعليا حتى مات. وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا محمد بن عبد الله الشعيبي عن مكحول أن قتيلا وجد في هذيل , فأتوا النبي ﷺ فأخبروه فدعا خمسين منهم , فأحلفهم , كل رجل عن نفسه يمينا : بالله تعالى ما قتلنا ، ولا علمنا قاتلا , ثم أغرمهم الدية. حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر غندر ، حدثنا شعبة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي , قال : إنما كانت القسامة في الجاهلية إذا وجد القتيل بين ظهراني قوم أقسم منهم خمسون : ما قتلنا , ولا علمنا قاتلا فإن عجزت الأيمان ردت عليهم , ثم عقلوا.
وروينا من طريق إسماعيل الترمذي ، حدثنا سعيد بن عمرو أبو عثمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش عن الشعبي عن مكحول ، حدثنا عمرو بن أبي خزاعة أنه قتل فيهم قتيل على عهد رسول الله ﷺ فجعل القسامة على خزاعة : بالله ما قتلنا ، ولا نعلم قاتلا , وحلف كل منهم عن نفسه , وغرموا الدية. قالوا :
وقد ذكرنا هذا عن عمر , وعلي قبل.
قال أبو محمد رحمه الله : وكل هذه الأقاويل فلا يجب الأشتغال بها على ما نبين إن شاء الله تعالى : أما الحديث الذي صدرنا به : فهالك ; لأنه انفرد به عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف جدا ضعفه هشيم , وسفيان الثوري , ويحيى بن معين , وأحمد بن حنبل , وما ندري أحدا وثقه وذكر عنه أحمد بن حنبل أنه بلغه عنه أنه كان يأتي الكلبي الكذاب فيأخذ عنه الأحاديث , ثم يكنيه بأبي سعيد ويحدث بها عن أبي سعيد , فيوهم الناس أنه الخدري , وهذا من تلك الأحاديث والله أعلم فهو ساقط. ثم هو أيضا من رواية أبي إسرائيل الملائي هو إسماعيل بن أبي إسحاق , فهو بلية عن بلية , والملائي هذا ضعيف جدا وليس في الذرع بين القريتين خبر غير هذا ألبتة , لا مسند ، ولا مرسل.
وأما حديث الجلاس بن سويد بن الصامت , وعمير بن سعد , فإنه مرسل عن عروة بن الزبير : أن رسول الله ﷺ لأنه إنما فيه : أن مولى الجلاس قتل في بني عمرو بن عوف , وأن رسول الله ﷺ لما هاجر جعل عقله على بني عمرو بن عوف , وليس في هذا أنه وجد مقتولا فيهم , ولا أنه عليه السلام أوجب فيه قسامة وهذا خلاف قولهم وإنما فيه : أنه قتل فيهم , فقاتله منهم , وإذا كان قاتله منهم فالعقل عليهم فهذه صفة قتل الخطأ وبه نقول فبطل تمويههم بهذا الخبر وبالله تعالى التوفيق.
وأما حديث عمرو بن أبي خزاعة فهو مجهول ومرسل فبطل.
وأما ما ذكروه عن عمر بن الخطاب , وعلي بن أبي طالب فقد قدمنا أنه عن علي لا يصح ألبتة ; لأنه عن أبي جعفر عنه فهو منقطع , وعن الحارث الأعور , وقد وصفه الشعبي بالكذب وفيه أيضا : الحجاج بن أرطاة.
وأما الرواية عن عمر فقد بينا أنها لا تصح , وما نعلم في القرآن , ولا في السنة الثابتة عن رسول الله ﷺ ولا في الإجماع , ولا في القياس : أن يحلف مدعى عليه ويغرم والقوم أصحاب قياس بزعمهم , فهلا قاسوا الدعوى في الدم على الدعوى في المال , وغير ذلك , ولكن لا السنة أصابوا , ولا القياس أحسنوا.
قال أبو محمد رحمه الله : فإن قال قائل : فما تقولون في قتيل يوجد وفيه رمق , فيحمل فيموت في مكان آخر , أو في الطريق , أو يموت إثر وجودهم له وفيه حياة فجوابنا : أنه لا قسامة في هذا , وإنما فيه التداعي فقط , يكلف أولياؤه البينة , سواء ادعى هو على أحد أو لم يدع , فإن جاءوا بالبينة قضى لهم بما شهدت به بينتهم , وإن لم يأتوا بالبينة حلف المدعى عليهم يمينا واحدة إن كان واحدا فإن كانوا أكثر من واحد حلفوا كلهم يمينا يمينا ، ولا بد ويجبرون على ذلك أبدا. وبرهاننا على ذلك : هو أن الأصل المطرد في كل دعوى في الإسلام من دم أو مال أو غير ذلك من الحقوق , ولا نحاش شيئا هو " أن البينة على المدعي واليمين على من ادعي عليه ". كما أمر رسول الله ﷺ إذ يقول لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه. وقوله ﷺ : بينتك أو يمينه , وهذان عامان , ولا يصح لأحد أن يخرج عنهما شيئا , إلا ما أخرجه نص أو إجماع , ولا نص إلا في القتيل يوجد فقط , فمتى وجده حيا أحد من الناس فلا قسامة فيه ألبتة وبالله تعالى التوفيق. فإن وجد لا أثر فيه فقد
قلنا : إن رسول الله ﷺ إنما حكم في مقتول , وليس كل ميت مقتولا , فإن تيقنا أنه قتل بأثر وجد فيه من : ضرب أو شدخ أو خنق , أو ذبح أو طعن , أو جرح أو كسر , أو سم فهو مقتول والقسامة فيه. وإن تيقنا أنه ميت حتف أنفه لا أثر فيه ألبتة فلا قسامة ; لأنه ليست هي الحال التي حكم فيها رسول الله ﷺ بالقسامة. إن أشكل أمره فأمكن أن يكون ميتا حتف أنفه , وأمكن أن يكون مقتولا , غمه بشيء وضعه على فيه فقطع نفسه فمات : فالقسامة فيه.
فإن قيل : لم قلتم هذا والأصل أن من مات غير مقتول فلا قسامة فيه
قلنا وبالله تعالى التوفيق : إن المقتول أيضا ممكن أن يكون قتل نفسه أو قتله سبع , فلما كان إمكان ما ذكرنا لا يمنع من القسامة لأمكان أن يكون قد قتله من ادعى عليه أنه قتله , ووجبت القسامة ; لأمكان أن يكون قتله من ادعى عليه أنه قتله فليس هذا قياسا , فلا تكن غافلا متعسفا أننا قد قسنا أحدهما على الآخر ومعاذ الله من ذلك , لكنه باب واحد كله , إنما هو من وجد ميتا وادعى أولياؤه على قوم أنهم قتلوه , أو على واحد أنه قتله وكان قتلهم له الذي ادعى أولياؤه عليهم ممكنا فهذه هي القصة التي حكم فيها رسول الله ﷺ بعينها بالقسامة , ففرض علينا أن نحكم فيها بالقسامة إذا أمكن أن يكون من ادعى أولياؤه حقا , وإنما يبطل الحكم بالقسامة إذا أيقنا أن الذي يدعونه باطل بيقين لا شك فيه
قال أبو محمد رحمه الله : فسواء وجد القتيل في دار أعداء كفار , أو أعداء مؤمنين , أو أصدقاء كفار , أو أصدقاء مؤمنين , أو في دار أخيه , أو ابنه أو حيثما وجد , فالقسامة في ذلك
وهو قول ابن الزبير ومعاوية , بحضرة الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة ; لأنهما حكما بالقسامة في إسماعيل بن هبار وجد مقتولا بالمدينة ,.
وادعى قوم قتله على ثلاثة من قبائل شتى مفترقة الدور ولم يوجد المقتول بين أظهرهم وهم : زهرى , وتيمي , وليثي كناني , وبهذا نقول وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد رحمه الله : وسواء وجد المقتول في مسجد , أو في داره نفسه , أو في المسجد الجامع , أو في السوق , أو بالفلاة , أو في سفينة , أو نهر يجري فيه الماء , أو في بحر , أو على عنق إنسان , أو في سقف , أو في شجرة , أو في غار , أو على دابة واقفة , أو سائرة كل ذلك سواء كما قلنا.
ومتى ادعى أولياؤه في كل ذلك على أحد فالقسامة في ذلك كما حكم رسول الله ﷺ وبالله تعالى التوفيق.
وأما قولهم : إن وجد بين قريتين فإنه يذرع ما بينهما فإلى أيهما كان أقرب : حلفوا وغرموا مع قولهم : إن وجد في قرية حلفوا وودوا. فإن تعلقوا في ذلك مما ناه يوسف بن عبد الله النمري ، حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي ، حدثنا يوسف بن أحمد ، حدثنا أبو جعفر العقيلي ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق ، حدثنا أبو إسرائيل الملائي ، حدثنا عطية هو العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : وجد قتيل بين قريتين فأمر النبي عليه السلام فقيس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى إحداهما بشبر , فكأني أنظر إلى شبر رسول الله ﷺ فضمن النبي عليه السلام من كانت أقرب إليه.
ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كانت أم عمرو بن سعد عند الجلاس بن سويد ، هو ابن الصامت فقال الجلاس في غزوة تبوك : إن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير فسمعها عويمر , فقال : والله إني لا شيء إن لم أرفعها إلى النبي عليه الصلاة والسلام أن ينزل القرآن فيه , وأن أخلط بخطبته , ولنعم الأب هو لي فأخبر النبي ﷺ فسكتوا , فدعا النبي ﷺ الجلاس فعرفه وهم يترحلون فلم يتحرك أحد , كذلك كانوا يفعلون , لا يتحركون إذا نزل الوحي , فرفع عن النبي عليه السلام فقال : يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر إلى قوله فإن يتوبوا يك خيرا لهم فقال الجلاس : استتب إلي ربي , فإني أتوب إلى الله , وأشهد له بصدق وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله قال عروة : كان مولى الجلاس قتل في بني عمرو بن عوف , فأبى بنو عمرو بن عوف : أن يعقلوه , فلما قدم النبي عليه السلام جعل عقله على عمرو بن عوف , قال عروة : فما زال عمير منها بعليا حتى مات. وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا محمد بن عبد الله الشعيبي عن مكحول أن قتيلا وجد في هذيل , فأتوا النبي ﷺ فأخبروه فدعا خمسين منهم , فأحلفهم , كل رجل عن نفسه يمينا : بالله تعالى ما قتلنا ، ولا علمنا قاتلا , ثم أغرمهم الدية. حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر غندر ، حدثنا شعبة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي , قال : إنما كانت القسامة في الجاهلية إذا وجد القتيل بين ظهراني قوم أقسم منهم خمسون : ما قتلنا , ولا علمنا قاتلا فإن عجزت الأيمان ردت عليهم , ثم عقلوا.
وروينا من طريق إسماعيل الترمذي ، حدثنا سعيد بن عمرو أبو عثمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش عن الشعبي عن مكحول ، حدثنا عمرو بن أبي خزاعة أنه قتل فيهم قتيل على عهد رسول الله ﷺ فجعل القسامة على خزاعة : بالله ما قتلنا ، ولا نعلم قاتلا , وحلف كل منهم عن نفسه , وغرموا الدية. قالوا :
وقد ذكرنا هذا عن عمر , وعلي قبل.
قال أبو محمد رحمه الله : وكل هذه الأقاويل فلا يجب الأشتغال بها على ما نبين إن شاء الله تعالى : أما الحديث الذي صدرنا به : فهالك ; لأنه انفرد به عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف جدا ضعفه هشيم , وسفيان الثوري , ويحيى بن معين , وأحمد بن حنبل , وما ندري أحدا وثقه وذكر عنه أحمد بن حنبل أنه بلغه عنه أنه كان يأتي الكلبي الكذاب فيأخذ عنه الأحاديث , ثم يكنيه بأبي سعيد ويحدث بها عن أبي سعيد , فيوهم الناس أنه الخدري , وهذا من تلك الأحاديث والله أعلم فهو ساقط. ثم هو أيضا من رواية أبي إسرائيل الملائي هو إسماعيل بن أبي إسحاق , فهو بلية عن بلية , والملائي هذا ضعيف جدا وليس في الذرع بين القريتين خبر غير هذا ألبتة , لا مسند ، ولا مرسل.
وأما حديث الجلاس بن سويد بن الصامت , وعمير بن سعد , فإنه مرسل عن عروة بن الزبير : أن رسول الله ﷺ لأنه إنما فيه : أن مولى الجلاس قتل في بني عمرو بن عوف , وأن رسول الله ﷺ لما هاجر جعل عقله على بني عمرو بن عوف , وليس في هذا أنه وجد مقتولا فيهم , ولا أنه عليه السلام أوجب فيه قسامة وهذا خلاف قولهم وإنما فيه : أنه قتل فيهم , فقاتله منهم , وإذا كان قاتله منهم فالعقل عليهم فهذه صفة قتل الخطأ وبه نقول فبطل تمويههم بهذا الخبر وبالله تعالى التوفيق.
وأما حديث عمرو بن أبي خزاعة فهو مجهول ومرسل فبطل.
وأما ما ذكروه عن عمر بن الخطاب , وعلي بن أبي طالب فقد قدمنا أنه عن علي لا يصح ألبتة ; لأنه عن أبي جعفر عنه فهو منقطع , وعن الحارث الأعور , وقد وصفه الشعبي بالكذب وفيه أيضا : الحجاج بن أرطاة.
وأما الرواية عن عمر فقد بينا أنها لا تصح , وما نعلم في القرآن , ولا في السنة الثابتة عن رسول الله ﷺ ولا في الإجماع , ولا في القياس : أن يحلف مدعى عليه ويغرم والقوم أصحاب قياس بزعمهم , فهلا قاسوا الدعوى في الدم على الدعوى في المال , وغير ذلك , ولكن لا السنة أصابوا , ولا القياس أحسنوا.