محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الخامسة والستون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ابن حزم - المحلى المؤلف ابن حزم
كتاب المواريث (مسأله 1747 - 1750)


كتاب المواريث

الآثار الواردة في الجد

1747 - مسألة: ومن مات له موروث وهما كافران , ثم أسلم الحي أخذ ميراثه على سنة الإسلام ، ولا تقسم مواريث أهل الذمة إلا على قسم الله تعالى المواريث في القرآن.

برهان ذلك : قول الله تعالى : {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}.

وقوله تعالى : {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما}. ولا أعجب ممن يدع حكم القرآن وهو يقر أنه الحق , وأنه حكم الله تعالى ويحكم بحكم الكفر وهو يقر أنه حكم الشيطان الرجيم , وأنه الضلال المبين , والذي لا يحل العمل به إن هذا لعجب عجيب.

روينا من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال : أن زيد بن أسلم حدثه أن يهودية جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت : إن ابني هلك , فزعمت اليهود أنه لا حق لي في ميراثه فدعاهم عمر فقال : ألا تعطون هذه حقها فقالوا : لا نجد لها حقا في كتابنا فقال : أفي التوراة قالوا : بلى , في المثناة قال : وما المثناة قالوا : كتاب كتبه أقوام علماء حكماء فسبهم عمر وقال : اذهبوا فأعطوها حقها.

ومن طريق ابن وهب ، عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن شريح : أن اجعل مواريث أهل الذمة على فرائض الله عز وجل.

وقال أبو حنيفة : مواريث أهل الذمة مقسومة على أحكام دينهم , إلا أن يتحاكموا إلينا.

وقال مالك : تقسيم مواريث أهل الكتاب على حكم دينهم سواء أسلم أحد الورثة قبل القسم أو لم يسلم

وأما غير أهل الكتاب فمن أسلم منهم من الورثة بعد القسمة فليس له غير ما أخذ , ومن أسلم منهم قبل القسمة : قسم على حكم الإسلام

وقال الشافعي , وأبو سليمان كقولنا.

قال أبو محمد : أما تقسيم مالك : ففي غاية الفساد ; لأنه لم يوجب الفرق الذي ذكر : قرآن , ولا سنة , ولا رواية سقيمة , ولا دليل , ولا إجماع , ولا قول صاحب , ولا قياس , ولا رأي له وجه , وما نعلمه عن أحد قبل مالك.

وأما قول أبي حنيفة وما وافقه فيه مالك : فقد ذكرنا إبطاله , وما في الشنعة أعظم من تحكيم الكفر واليهود والنصارى على مسلم إن هذا لعجب وما عهدنا قولهم في حكم بين مسلم وذمي إلا أنه يحكم فيه ، ولا بد بحكم الإسلام إلا هاهنا , فإنهم أوجبوا أن يحكم على المسلم بحكم الشيطان في دين اليهود والنصارى , لا سيما إن أسلم الورثة كلهم , فلعمري إن اقتسامهم ميراثهم بقول " دكريز القوطي " " وهلال اليهودي " لعجب , نعوذ بالله منه , على أنه قد جاء في هذا أثران يحتجون بأضعف منهما , وبإسنادهما نفسه , إذا وافق تقليدهم وهو

كما روينا من طريق أبي داود ، حدثنا حجاج بن يعقوب ، حدثنا موسى بن داود ، حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس قال قال النبي  : كل قسم قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية وإن ما أدرك إسلام ولم يقسم فهو على قسم الإسلام.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال عمرو بن شعيب : قضى رسول الله أن كل ما قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية , وأن ما أدرك الإسلام , ولم يقسم فهو على قسمة الإسلام.

قال علي : محمد بن مسلم ضعيف ,

والثاني مرسل , ولا نعتمد عليهما , إنما حجتنا ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق.


1748 - مسألة: ومن ولد بعد موت موروثه فخرج حيا كله أو بعضه أقله أو أكثره ثم مات بعد تمام خروجه عطس أو لم يعطس وصحت حياته بيقين بحركة عين , أو يد , أو نفس , أو بأي شيء صحت , فإنه يرث ويورث , ولا معنى للأستهلال.

وهو قول أبي حنيفة , وسفيان الثوري , والأوزاعي , وأبي سليمان.

برهان ذلك : قول الله تعالى : {يوصيكم الله في أولادكم}. وهذا ولد بلا شك.

فإن قيل : هلا ورثتموه وإن ولد ميتا بحياته في البطن

قلنا : لو أيقنا حياته لورثناه , وقد تكون لحركة ريح والجنين ميت وقد ينفش الحمل , ويعلم أنه ليس حملا وإنما كان علة , فإنما نوقن حياته إذا شاهدناه حيا.

وقال الشافعي : لا يرث ، ولا يورث حتى يخرج حيا كله.

وهذا قول لا برهان على صحته.

وقالت طائفة لا يرث ، ولا يورث وإن رضع وأكل ما لم يستهل صارخا وهو قول مالك , واحتج له مقلدوه بما روي من أن عمر كان يفرض للصبي إذا استهل صارخا. وعن ابن عمر : إذا صاح صلي عليه. وعن ابن عباس : إذا استهل الصبي ورث وورث.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج : أخبرني أبو الزبير : أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في المنفوس : يرث إذا سمع صوته.

ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الله بن شريك العامري عن بشر بن غالب , قال : سئل الحسن بن علي : متى يجب سهم المولود قال : إذا استهل. وصح عن إبراهيم النخعي : إذا استهل الصبي وجب عقله وميراثه. وصح عن شريح : أنه لم يورث من لم يستهل

وروي أيضا : عن القاسم بن محمد , وابن سيرين , والشعبي , والحسن , والزهري , وقتادة وهو قول مالك وروي أيضا عن أبي حنيفة.

قال أبو محمد : احتج من قلد هذأ القول بالخبر الثابت عن رسول الله  : ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه وذكر باقي الخبر. وبالخبر الثابت عنه عليه الصلاة والسلام ، أنه قال : صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان. وب

ما روينا من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة عن النبي قال : إذا استهل المولود ورث.

ومن طريق أحمد بن شعيب ، أخبرنا يحيى بن موسى البلخي ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي قال : الصبي إذا استهل ورث وصلي عليه.

ومن طريق محمد بن عبد الملك بن أيمن حدث عن أبي الأحوص محمد بن الهيثم ، حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني عن بقية عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر عن النبي  : إذا استهل المولود صلي عليه وورث ، ولا يصلى عليه حتى يستهل.

ومن طريق عبد الملك بن حبيب حدثني طلق عن نافع بن يزيد ، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب " أن رسول الله قال : إذا استهل المولود وجبت ديته وميراثه وصلي عليه إن مات. قال ابن حبيب : وحدثنيه أيضا : مطرف ، عن ابن أبي حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي . قالوا

وهو قول عمر , وابن عمر والحسين , وابن عباس , وجابر وأبي هريرة : ستة من الصحابة , وجماعة من التابعين , لا يعرف لهم منهم مخالف : هذا كل ما شغبوا به , وما نعلم لهم شيئا غير هذا , وكله إما لا شيء

وأما لا حجة لهم فيه. أما الخبر الصحيح : فينبغي لهم أن يستغفروا الله تعالى من تمويههم به فيما ليس فيه منه شيء هل ذكر رسول الله فيه شيئا من حكم الميراث بنص أو بدليل أما هذا تقويل له عليه الصلاة والسلام ما لم يقل وهل في ذلك الخبر إلا أن كل مولود فإن الشيطان ينخسه وهذا حق نؤمن به , وما خولفوا قط في هذا , ثم فيه أنه يستهل صارخا من نخسة الشيطان هذا فبضرورة الحس والمشاهدة ندري يقينا أنه عليه الصلاة والسلام إنما عني بذلك من استهل منهم , وبقي حكم من لم يستهل فنقول لهم : أخبرونا أيوجد مولود يخرج حيا ، ولا يستهل أم لا يوجد أصلا

فإن قالوا : لا يوجد أصلا كابروا العيان وأنكروا المشاهدة , فهذا موجود كثير لا يستهل إلا بعد أزيد من ساعة زمانية , وربما لم يستهل حتى يموت

ثم نقول لهم : فإذ لا يوجد هذا أبدا فكلامكم وكلامنا فيها عناء , وبمنزلة من تكلم فيمن يولد من الفم ونحو ذلك من المحال

فإن قالوا : بل قد يوجد هذا

قلنا لهم : فأخبرونا الآن أتقولون : إنه ليس مولودا فهذه حماقة ومكابرة للعيان , أم تقولون : إن الشيطان لم ينخسه , فتكذبوا رسول الله وهذا كما ترون أم تقولون : إنه نخسه فلم يستهل فهذا قولنا , ورجعتم إلى الحق من أنه عليه الصلاة والسلام ذكر في هذا الخبر : من يستهل دون من لا يستهل , ولا بد من أحد هذه الثلاث , إلا أنه بكل حال ليس في هذا الخبر شيء من حكم المواريث , فبطل احتجاجهم به وهكذا القول في الخبر الآخر سواء سواء.

وأما حديث ابن قسيط عن أبي هريرة , فليس فيه إلا : أنه إذا استهل ورث , وهكذا نقول , وليس فيه : أنه إذا لم يستهل لم يرث , فإقحامه فيه : كذب على رسول الله فبطل تعلقهم به.

وأيضا : فإن لفظة " الأستهلال " في اللغة هو الظهور , تقول استهل الهلال بمعنى ظهر , فيكون معناه : إذا ظهر المولود ورث ,

وهو قولنا.

وأما خبر أبي الزبير عن جابر , فلم يقل أبو الزبير : إنه سمعه , فهو مدلس. وفي حديث الأوزاعي : بقية وهو ضعيف. وحديثا : عبد الملك بن حبيب مرسلان , وعبد الملك هالك. فسقط تعلقهم بهذه الآثار.

وأما قولهم : إنه قول ستة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف , فكم قصة مثل هذه قد خالفوا فيها طوائف من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف , كالقصاص في اللطمة , وإمامة الجالس وغير ذلك كثير جدا , ولا حجة في أحد دون رسول الله .

وأيضا : فالآثار المذكورة عن الصحابة إنما فيها : أنه إذا استهل ورث ولم نخالفهم في ذلك , وليس فيها إذا لم يستهل لم يورث فلا حجة لهم فيها. ثم نسألهم عن مولود ولد فلم يستهل , إلا أنه تحرك , ورضع , وطرف بعينه , ثم قتله قاتل عمدا , أيجب فيه قصاص أو دية أم ليس فيه إلا غرة

فإن قالوا : فيه القود أو الدية : نقضوا قولهم , وأوجبوا أنه ولد حي فلم منعوه الميراث

وإن قالوا : ليس فيه إلا غرة تركوا قولهم وبالله تعالى التوفيق.


1749 - مسألة: وإذا قسم الميراث فحضر قرابة للميت , أو للورثة , أو يتامى , أو مساكين : ففرض على الورثة البالغين , وعلى وصي الصغار , وعلى وكيل الغائب : أن يعطوا كل من ذكرنا ما طابت به أنفسهم مما لا يجحف بالورثة , ويجبرهم الحاكم على ذلك إن أبوا. لقول الله تعالى : {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا} وأمر الله تعالى فرض لا يحل خلافه

وهو قول طائفة : من السلف :

كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله , قال : قسم لي بها أبو موسى الأشعري في قوله تعالى {وإذا حضر القسمة أولو القربى} الآية.

ومن طريق البخاري ، حدثنا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : يزعمون : أن هذه الآية نسخت : وإذا حضر القسمة أولو القربى فلا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون الناس بها , هما واليان : وال يرث , وذاك الذي يرزق , ووال لا يرث , فذلك الذي يقول بالمعروف , يقول : لا أملك لك أن أعطيك.

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا محمود بن خداش ، حدثنا عباد بن العوام ، حدثنا حجاج عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، أنه قال في قول الله عز وجل: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} قال : هي واجبة يعمل بها وقد أعطيت بها.

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن خلف ، حدثنا أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد ، حدثنا ابن جريج : أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أن أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق , والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبراه : أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قسم ميراث أبيه عبد الرحمن , وعائشة يومئذ حية , فلم يدع في الدار مسكينا , ولا ذا قرابة إلا أعطاهم , وتلا : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وذكر باقي الحديث. وصح أيضا : عن عروة بن الزبير , وابن سيرين , وحميد بن عبد الرحمن الحميري , ويحيى بن يعمر , والشعبي , والنخعي , والحسن , والزهري , وأبي العالية , والعلاء بن بدر , وسعيد بن جبير , ومجاهد.

وروي عن عطاء

وهو قول أبي سليمان.

وروي أنها ليست بواجبة : عن ابن عباس , وسعيد بن المسيب , وأبي مالك , وزيد بن أسلم .

وبه يقول مالك , وأبو حنيفة , والشافعي , وما نعلم لأهل هذا القول حجة أصلا , بل هو دعوى مجردة , وما يفهم أحد من : افعل : إن شئت فلا تفعل. وليس وجودنا آيات قام البرهان على أنها منسوخة , أو مخصوصة , أو أنها ندب , بموجب أن يقال فيما لا دليل بذلك فيه : هذا ندب , أو هذا منسوخ , أو هذا مخصوص , فيكون قولا بالباطل وبالله تعالى التوفيق. وهذا مما خالفوا فيه جمهور السلف ، رضي الله عنهم ، تم كتاب الفرائض.


1750 - مسألة: مستدركة : ولا يصح نص في ميراث الخال , فما فضل عن سهم ذوي السهام , وذوي الفرائض , ولم يكن هنالك عاصب , ولا معتق ، ولا عاصب معتق : ففي مصالح المسلمين , لا يرد شيء من ذلك على ذي سهم , ولا على غير ذي سهم من ذوي الأرحام , إذ لم يوجب ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع. فإن كان ذوو الأرحام فقراء أعطوا على قدر فقرهم , والباقي في مصالح المسلمين. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب المواريث
كتاب المواريث (مسأله 1707 - 1717) | كتاب المواريث (مسأله 1718 - 1726) | كتاب المواريث (مسأله 1727 - 1730) | كتاب المواريث (مسأله 1731 - 1735) | كتاب المواريث (مسأله 1736 - 1738) | كتاب المواريث (مسأله 1739 - 1746) | كتاب المواريث (مسأله 1747 - 1750)