محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الخامسة والثلاثون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب الشفعة

1598 - مسألة : فإن أخذ الشفيع حقه لزم المشتري رد ما استغل وكان كل ما أنفذ فيه من هبة ، أو صدقة أو عتق ، أو حبس ، أو بنيان ، أو مكاتبة ، أو مقاسمة ، فهو كله باطل مردود مفسوخ أبدا ، وتقلع أنقاضه ليس له غير ذلك ، لا سيما المخاصم المانع ، فإن هذا غاصب ظالم متعد ، مانع حق غيره بلا مرية ، فإن ترك الشريك الأخذ بالشفعة نفذ كل ذلك وصح ، ولم يرد شيئا منه ، وكانت الغلة له ، هذا إذا كان إيذانه الشريك ممكنا له ، أو للبائع حين اشترى ، فإن لم يكن إيذان الشريك ممكنا للبائع لعذر ما ، أو لتعذر طريق ، فإن الشفعة للشريك متى طلبها ، وليس على المشتري رد الغلة حينئذ ، لكن كل ما أحدث فيه مما ذكرنا فمفسوخ ويقلع بنيانه ولا بد . برهان ذلك : قوله عليه السلام الذي أوردنا قبل { لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه } فلا يخلو بيع الشريك قبل أن يؤذن شريكه من أحد أوجه ثلاثة ، لا رابع لها : إما أن يكون باطلا وإن صححه الشفيع بتركه الشفعة وهذا باطل ؛ لأنه لو كان ذلك لوجب عليه رد الغلة على كل حال أخذ الشفيع أو ترك ، والخبر يوجب غير هذا ، بل يوجب أن الشريك أحق ، وأنه إن ترك فله ذلك ، فلو كان البيع باطلا لاحتاج إلى تجديد عقد آخر وهذا خطأ ، أو يكون صحيحا حتى يبطله الشفيع بالأخذ وهذا باطل بقوله عليه الصلاة والسلام : { لا يصلح } فمن الباطل أن يكون صحيحا ما أخبر عليه الصلاة والسلام أنه لا يصلح ، أو يكون موقوفا ، فإن أخذ الشفيع بالشفعة علم أن البيع وقع باطلا ، وإن ترك حقه علم أن البيع وقع صحيحا وهذا هو الصحيح لبطلان الوجهين الأولين لقوله عليه السلام { الشريك أحق } فصح أن للمشتري حقا بعد حق الشفيع . فصح ما قلناه . وبالله تعالى التوفيق . ونسأل من خالف في هذا : متى كان الشفيع أحق ، أحين أخذ أم حين رد البيع ؟ فإن قالوا : من حين أخذ ؟ قلنا : هذا باطل ؛ لأنه خلاف حكم رسول الله إذ جعله أحق حين البيع ، فإذ هو أحق حين البيع فإذا أخذ فقد أخذ حقه من حين البيع . وأما إذا لم يكن للبائع إعلام الشريك ، فإن الله تعالى يقول : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال رسول الله  : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فصح بلا شك أن من لم يقدر على إيذان الشريك ، ولم يستطعه فقد سقط حقه وحل له البيع ؛ لأن قوله عليه السلام { : لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه } يقتضي ضرورة من يقدر على إيذانه ، فخرج عن هذا النص حكم من لم يقدر على إيذانه فهو قادر على البيع ، وعاجز عن الإيذان فمباح له ما قدر عليه ، وساقط عنه ما ليس في وسعه فهذا إذا طلب الشفيع وأخذ شفعته ، فحينئذ بطل العقد ، وكان قبل ذلك صحيحا ، فإذا هو كذلك فالغلة له ؛ لأنها غلة ماله . وأما البناء وسائر ما أحدث فقد أبطله حكم رسول الله بأن الشفيع أحق منه فإنما أنفذ حكمه فيما غيره أحق به منه فبطل أن ينفذ حكمه فيما جعله تعالى حقا لغيره لقوله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } واختلف الناس في هذا : فروينا من طريق عبد الرزاق أنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي ، وابن أبي ليلى ، قالا جميعا : إذا بنى ثم جاء الشفيع بعده فالقيمة . وقال حماد بن أبي سليمان : يقلع بناءه وبه يأخذ سفيان الثوري وأبو حنيفة ، وأبو سليمان ، وأصحابهم وبقول الشعبي يأخذ مالك ، والبتي ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد قال أبو محمد : إلزامه قلع بنائه واجب بما ذكرنا ، وبأنه لا يجوز له إبقاء أنقاضه في ساحة غيره لقول رسول الله  : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام . } ولا يجوز إلزامه غرامة في ابتياع ما لا يريد ابتياعه من أنقاض بناء المخرج من الابتياع لأنه لم يوجب ذلك نص ، فهو ظلم مجرد . ولا فرق بين إلزامه غرامة للمخرج عن الملك وبين إباحة أنقاض المخرج للشفيع وكل ذلك أكل مال محرم بالباطل ، بل كل ذي حق أولى بحقه وبالله تعالى التوفيق . قال علي أوجب الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام الخيار في البيع في خمسة مواضع : المصراة ، ومن بايع وقال : لا خلابة فهذان خيارهما ثلاثة أيام بلياليها فقط . ومن تلقيت سلعته فهذا له الخيار إذا دخل السوق ، لا قبل ذلك . ومن وجد عيبا لم يبين له به ، ولا شرط السلامة منه . والشريك يبيع مع غير شريكه ولا يؤذنه . فهؤلاء لهم الخيار بلا تحديد مدة إلا حتى يقروا بترك حقهم : فوجدنا مشتري المصراة ، ومن بايع على أن لا خلابة : ينقضي خيارهما بتمام الثلاثة الأيام ولا يكون لهما خيار بعدها ، ويلزمهما الشراء ، فصح يقينا أن العقد وقع صحيحا ، إذ لو وقع فاسدا لم يلزم أصلا إلا بتجديد عقد ، فإذ قد صح هذا بما ذكرنا ، وأنه لو وقع فاسدا لم يخير في إمضائه أو في رده ، بل كان يكون باطلا لا خيار لأحد في تصحيحه ، فقد صح أنه وقع صحيحا ، ثم جعل تعالى للمشتري رده إن شاء . فصح أن الغلة له رد أو أخذ لأنها حدثت في ماله . ووجدنا من تلقى السلع فابتاع ، وإن كان منهيا عن ذلك فإن الله تعالى لم يجعل للبائع خيارا إلا بعد دخوله إلى السوق ، ولم يجعل له قبل ذلك خيارا ، فصح أن البيع صحيح ، وإن كان منهيا عن التلقي ، ولم ينه عن الابتياع ؛ لأن التلقي غير الابتياع فهما فعلان ، أحدهما غير الآخر نهى عن أحدهما ولم ينه عن الآخر ، لكن جعل للبائع خيار في رده أو إمضائه ولو وقع فاسدا لبطل جملة . فوجب بذلك أن العلة للمشتري في رد البائع البيع ، أو إجازته . ووجدنا [ أيضا ] من وجد عيبا لم يبين له به ، ولا شرط السلامة منه ، له الخيار أيضا في إمضاء البيع أو رده ، فعلمنا أن البيع وقع صحيحا ، إذ لو وقع فاسدا لم يجز إمضاؤه ، فوجب أيضا أن الغلة له ، رد أو أخذ . وبقي أمر الشفيع فوجدناه بخلاف كل ما ذكرناه من البيوع ؛ لأنه لم يأت نص بالمنع من البيوع المذكورة ، بل جاء النص بإجازتها كما قدمنا ، وبان الدليل بأنها وقعت صحيحة . ووجدنا من يمكنه إيذان شريكه فقد جاء النص بأنه لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذنه ، فلو لم يكن إلا هذا اللفظ وحده لوجب بطلان العقد بكل حال ، لكن لما جعل النبي الشريك أحق ، وأباح له الأخذ أو الترك : وجب أنه مراعى كما ذكرنا ، فإن أخذ فقد علمنا أنه لم يمض ذلك العقد ، بل أبطله ، فصح أنه انعقد فاسدا فلزمه رد الغلة ، وإن ترك الأخذ فقد أجازه ، فصح أنه انعقد جائزا . وأما من لم يمكنه الإيذان فلم يأت النص فيه بأنه لا يصلح ، وقد أحل الله البيع ، إلا أن للشريك الأخذ أو الترك ، فإن أخذ فحينئذ بطل العقد ، لا قبل ذلك ، فالغلة للمشتري هاهنا على كل حال وبالله تعالى التوفيق .

1599 - مسألة : والشفعة واجبة للبدوي ، وللساكن في غير المصر ، وللغائب ، وللصغير إذا كبر ، وللمجنون إذا أفاق ، وللذمي بعموم قوله عليه السلام { : فشريكه أحق به } وقد قال قوم من السلف : لا شفعة . قال الشعبي : لا شفعة لمن لا يسكن المصر ، ولا للذمي . وقال أحمد بن حنبل : لا شفعة لذمي . وقال النخعي : لا شفعة لغائب ، وقاله أيضا الحارث العكلي ، وعثمان البتي ، قالا : إلا القريب الغيبة . وقال ابن أبي ليلى : لا شفعة لصغير وما نعلم لمن منع من ذلك حجة أصلا وبالله تعالى التوفيق ، فإن ترك ولي الصغير ، أو المجنون الأخذ بالشفعة فإن كان ذلك نظرا لهما لزمهما ؛ لأنه فعل ما أمر به من النصيحة لهما ، وإن كان الترك ليس نظرا لهما لم يلزمهما ، ولهما الأخذ أبدا ؛ لأنه فعل ما نهي عنه من غشهما

1600 - مسألة: فإن باع الشقص بعرض , أو بعقار لم يجز للشفيع أخذه إلا بمثل ذلك العقار , أو مثل ذلك العرض , فإن لم يقدر على ذلك أصلا فالمطلوب مخير بين أن يلزمه قيمة العرض أو العقار , وبين أن يسلم إليه الشقص ويلزمه مثل ذلك العقار , أو مثل ذلك العرض متى قدر عليه ; لأن البيع لم يقع إلا بذلك العرض أو ذلك العقار , وليس للشريك أخذ الشقص إلا بما رضي به البائع سواء عرضه عليه قبل البيع أو أخذه بعد البيع , هذا ما لا خلاف فيه من أحد ; فلا يجوز إجبار البائع على أخذ غير ما طابت به نفسه وبالله تعالى التوفيق. فإن لم يقدر عليه فقد تعين له قبله عرض أو عقار عجز عنه ,

وقال تعالى : {والحرمات قصاص} فله الأقتصاص بالقيمة التي هي مثل حرمة المال الذي له عنده وبالله تعالى التوفيق.


1601 - مسألة: ومن باع شقصه بثمن إلى أجل فالشفيع أحق به بذلك الثمن إلى ذلك الأجل.

وقال مالك : إن كان مليا أخذ الشقص بذلك الثمن إلى ذلك الأجل ,

وكذلك إن كان معسرا فضمنه مليء وإلا فلا.

وقال الشافعي : وأبو حنيفة : لا يأخذه إلا بالنقد , فإن أبى قيل له : اصبر , فإذا جاء الأجل فخذها حينئذ.

قال علي : احتجوا بأن قالوا : إن البائع لم يرض ذمة الشريك وقد يعسر قبل الأجل.

قال أبو محمد : هذا لا شيء , ونقول لهم : إن كان لم يرض ذمة الشريك فكان ماذا ومن أين وجب مراعاة رضاه وسخطه

وكذلك أيضا لم يرض معاملته , وقد يعسر الذي باع منه أيضا , فالأرزاق مقسومة , وقول رسول الله  : فالشريك أحق موجب له الأخذ بما يبيع به جملة وتفضيله على المشتري فيما اشترى فقط وبالله تعالى التوفيق.


1602 - مسألة: ولو أن الشريك بعد بيع شريكه قبل أن يؤذنه باع أيضا حصته من ذلك الشريك البائع , أو من المشتري منه , أو من أجنبي علم بأن له الشفعة أو لم يعلم علم بالبيع , أو لم يعلم فالشفعة له كما كانت ; لأنه حق قد أوجبه الله تعالى له فلا يسقطه عنه بيع ماله , ولا غير ذلك أصلا وبالله تعالى التوفيق.


1603- مسألة: ومن وجبت له الشفعة ولا مال له لم يجب أن يهمل , لكن يباع ذلك الشقص عليه , فإن وفى بالثمن فذلك , وإن فضلت فضلة دفعت إليه , وإن لم يف اتبع بالباقي , وأنظر فيه أن يوسر , وذلك لأنه ذو مال بذلك الشقص الواجب له . ومن كان له مال فليس ذا عسرة , لكن يباع ماله في الدين الذي عليه , فإن لم يف فهو حينئذ ذو عسرة بالباقي فنظرة إلى ميسرة حينئذ كما أمر الله تعالى . .

وقال قوم : يبطل حقه في الشفعة , وهذا باطل ; لأنه إخراج حقه الذي جعله الله تعالى أحق به عن يده بلا برهان , وهذا لا يجوز . وبالله تعالى التوفيق .


1604 - مسألة: وإن مات الشفيع قبل أن يقول : أنا آخذ شفعتي فقد بطل حقه ، ولا حق لورثته في الأخذ بالشفعة أصلا ; لأن الله تعالى إنما جعل الحق له لا لغيره , والخيار لا يورث , وهذا قول محمد بن سيرين.

وروينا من طريق عبد الرزاق عن فضيل عن محمد بن سالم عن الشعبي قال : سمعنا أن الشفعة لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث ، ولا تعار , هي لصاحبها الذي وقعت له. قال عبد الرزاق :

وهو قول سفيان الثوري

وهو قول أبي حنيفة , وسفيان بن عيينة , والحسن بن حي , وأحمد , وإسحاق , وأبي سليمان , وأصحابهم.

وقال مالك , والشافعي : الشفعة لورثته. واحتجوا بأن قالوا : تورث الشفعة كما يورث العفو في الدم أو القصاص ما نعلم لهم شيئا أوهموا به غير هذا , وهذا باطل ; لأنها دعوى بلا

برهان ثم هو احتجاج للخطأ بالخطأ. وقولهم : إن العفو والقصاص يورثان , خطأ , بل هما لمن جعلهما الله تعالى له من ذكور الأولياء فقط , وإنما أوجب الله تعالى الميراث في الأموال , لا فيما ليس مالا , ولو ورث الخيار لوجب أن يورث عندهم فيمن جعل أمر امرأته بيد إنسان بعينه وخيره في طلاقها أو إبقائها , فمات ذلك الإنسان , فكان يجب على قولهم أن يرث ورثته ما جعل له من الخيار , وهم لا يقولون هذا. ونسألهم أيضا : لمن يأخذون الورثة بالشفعة , أللميت أم لأنفسهم

فإن قالوا : للميت

قلنا : هذا باطل ; لأن الميت لا يملك شيئا.

وإن قالوا : لأنفسهم

قلنا : هذا باطل ; لأن شركتهم إنما حدثت بعد البيع فلا توجد شفعة , ولم يكونوا حين البيع شركاء , فلم تجب لهم شفعة. وهذا مما تناقض فيه المالكيون , وخالفوا جمهور العلماء ; لأنهم يقولون : إن أحد الأولياء الذي لهم العفو أو القصاص إن مات وترك زوجة وبنات لم يرثن الخيار الذي له. وهذا مما تناقض فيه الحنفيون ; لأنهم يورثون العفو والقصاص ، ولا يورثون الخيار هاهنا ,

فأما إذا بلغ الشريك أمر البيع فقال : أنا آخذ بالشفعة ثم مات فقد صحت له , وهي موروثة عنه حينئذ , ولورثته الطلب ; لأنها حينئذ مال قد تم له. ولا معنى للطلب عند القاضي , ولا لحكم القاضي ; لأن الله تعالى لم يوجب ذلك قط ، ولا رسوله وإنما جعل القاضي ليجبر الممتنع من الحق فقط ، ولا مزيد , ولو تعاطى الناس الحقوق بينهم ما احتيج إلى قاض وبالله تعالى التوفيق.


1605 - مسألة: ومن باع شقصا أو سلعة معه صفقة واحدة فجاء الشفيع يطلب فليس له إلا أن يأخذ الكل أو يترك الكل وهذا قول عثمان البتي وسوار بن عبد الله , وعبيد الله بن الحسن القاضيين.

وروي أيضا عن أبي حنيفة من طريق خاملة.

وقال أبو حنيفة في المشهور عنه , وسفيان , ومالك , وابن شبرمة , والشافعي : يأخذ الشقص بحصته من الثمن , واحتجوا بأنه لا يدخل في الشفعة ما لا شفعة فيه , ولا يقطع بالشفعة فيما فيه شفعة بالنص.

قال علي : ليس للشفيع بعد البيع إلا ما كان له إذا أذنه البائع قبل البيع , والنص والإجماع المتيقن قد بينا بأنه لا يخرج عن ملك البائع إلا ما رضي بإخراجه عن ملكه , قال تعالى : {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} والبائع لم يرض ببيع الشقص وحده دون تلك السلعة فلا يجوز إجباره على بيع ما لا يرضى بيعه بغير نص. ولو عرض عليه قبل البيع لم يكن للشريك إلا أخذ الكل أو الترك بإجماعهم معنا ,

وكذلك لو حضر عند البيع , ولم يجعل له رسول الله بعد البيع من غيره إلا ما كان حقه لو أخذه إذا عرض عليه قبل البيع فقط وليس له في العرض قبل البيع تبعيض ما لا يريد البائع تبعيضه , فإنما له الآن ما كان له حينئذ ، ولا مزيد وبالله تعالى التوفيق

وأيضا فلا يجوز أن يلزم المشتري بعض صفقة لم يرض قط تبعيضها , ولا أن يفسخ عن البائع بيعا وقع صحيحا إلا بنص وارد , ولا نص في شيء من ذلك , فهو كله باطل. فإن رضي المشتري بتسليم الشقص وحده فقد قيل ليس للشفيع غيره , لأنه كرضا البائع بذلك حين الإيذان. والأولى عندنا : أن الشريك أحق بجميع الصفقة إن أراد ذلك ; لأنها صفقة واحدة , وعقد واحد , إما تصح فتصح كلها ,

وأما تفسد فتفسد كلها , ولا يمكن تبعيض عقد واحد بتصحيح بعضه وإفساد بعضه إلا بنص وارد في ذلك.


1606 - مسألة: ومن كان له شركاء فباع من أحدهم كان للشركاء مشاركته فيه وهو باق على حصته مما اشترى كأحدهم , لأنه شريك وهم شركاء , فهو داخل معهم في قول رسول الله  : فشريكه أحق وقد قال قائل : لا حصة للمشتري وهذا خلاف النص كما ذكرنا.

وروينا من طريق ليث بن أبي سليم عن الشعبي ، أنه قال : إذا باع من أحد شركائه فلا شفعة للآخرين منهم.

وكذلك أيضا عن الحسن , وعثمان البتي

قال علي : وهذا خلاف النص أيضا.


1607 - مسألة: فلو كان بعض الشركاء غيبا فاشترى أحدهم فكذلك أيضا , وليس للحاضر أن يقول : لا آخذ إلا حصتي لأن البائع لا يرضى ببيع بعض ذلك دون بعض كما ذكرنا آنفا فيمن باع شقصا وسلعة. فلو باع من أجنبي فحضر أحد الشركاء فليس له أن يأخذ إلا حصته فقط في قول قوم والذي نقول به : إنه ليس له إلا أخذ الكل أو ترك الكل ; لأنه لم يكن له حين الإيذان إلا ذلك , فإنما هو أحق بما كان حقه حين الإيذان فقط وبالله تعالى التوفيق.


1608 - مسألة: فإن باع اثنان فأكثر من واحد , أو من أكثر من واحد , أو باع واحد من اثنين فصاعدا , فللشريك أن يأخذ أي حصة شاء ويدع أيها شاء , وله أن يأخذ الجميع ; لأنها عقود مختلفة وإن كانت معا لقول الله تعالى : {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} فعقد زيد غير عقد عمرو. ولو استحق الثمن الذي أعطى أحدهما فانفسخ عقده لم يكدح ذلك في حصة غيره لما ذكرنا

وهو قول أبي حنيفة , والشافعي وبالله تعالى التوفيق.


1609 - مسألة: وإن كان شركاء في شيء بعضهم بميراث , وبعضهم ببيع , وبعضهم بهبة , وفيهم إخوة ورثوا أباهم ما كان أبوهم ورثه مع أعمامهم , فباع أحدهم فالجميع شفعاء على عددهم , ليس الأخ أولى بحصة أخيه من عمه , ولا من امرأة أبيه , ولا من امرأة جده , ولا من الأجنبي ; لأن رسول الله قال : فشريكه أحق وكلهم شريكه

وهو قول أبي حنيفة , والشافعي.

وقال مالك : إن كان إخوة الأم وزوجات وبنات وأخوات وعصبة فباع أحد الإخوة للأم فسائر الإخوة للأم أحق بالشفعة من سائر الورثة.

وكذلك لو باع إحدى الزوجات فسائرهن أحق بالشفعة من سائر الورثة ,

وكذلك لو باع أحد البنات فسائرهن أحق بالشفعة من سائر الورثة.

وكذلك لو باع إحدى الأخوات فسائرهن أحق بالشفعة من سائر الورثة , ثم ناقض فقال : لو باع أحد العصبة لم يكن سائر العصبة أحق بالشفعة , بل يأخذها معهم البنات , والزوجات , والأخوات , والإخوة لأم. قال : فلو اشترى بنات إنسان شقصا واشترى أخواته شقصا آخر من ذلك الشيء , واشترى أجنبيون شقصا ثالثا منه فباع إحدى البنات أو إحدى الأخوات لم يكن أخواتها أحق بالشفعة من عمتها , ولا من الأجنبيين. قال : ولو كان ورثة ومشترون في شيء فباع أحد الورثة فللأجنبي الشفعة في ذلك مع سائر الورثة , وهذا كلام يغني إيراده عن تكلف إفساده لفحش تناقضه , وظهور فساده وبالله تعالى التوفيق.


1610 - مسألة: ومن باع شقصا وله شركاء لأحدهم مائة سهم , ولأخر عشرون , ولأخر عشر العشر أو أقل أو أكثر : فكلهم سواء في الأخذ بالشفعة , ويقتسمون ما أخذوا بالسواء , ولا معنى لتفاضل حصصهم.

وهو قول إبراهيم النخعي , والشعبي , والحسن البصري , وابن أبي ليلى , وابن شبرمة , وسفيان الثوري , وأبي حنيفة , وأصحابه , وشريك , والحسن بن حي , وعثمان البتي , وعبد الله بن الحسن , وأبي سليمان , وأشهر قولي الشافعي.

وروينا من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم عن عبيدة : وأشعث قال عبيدة عن إبراهيم , وأشعث عن الشعبي , قالا جميعا : الشفعة على رءوس الرجال , قال هشيم : وبه كان يقضي ابن أبي ليلى , وابن شبرمة وقال آخرون : هي على قدر الأنصباء

وهو قول عطاء : وابن سيرين

وروي عن الحسن أيضا.

وبه يقول مالك , وسوار بن عبد الله , وإسحاق , وأبو عبيد

قال علي : قول رسول الله  : فشريكه تسوية بين جميع الشركاء ولو كان هنالك مفاضلة لبينها رسول الله ولم يجمل الأمر : فبطلت المفاضلة. ولا يختلفون في أن من أوصى لورثة فلان , فإنهم في الوصية سواء ، ولا يقتسمونها على حصص الميراث , وإنما استحقوها بكونهم من الورثة.


1611 - مسألة: ولا شفعة إلا بتمام البيع بالتفريق أو التخيير لأنها ليس بيعا قبل ذلك

وهو قول كل من يقول بتفرق الأبدان.

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب الشفعة
كتاب الشفعة (مسأله 1595 - 1597) | كتاب الشفعة (مسأله 1598 - 1611) | كتاب الشفعة (مسأله 1612)