محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثالثة
كتاب الجنائز
578 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يجلس على قبر ، فإن لم يجد أين يجلس : فليقف حتى يقضي حاجته ، ولو استوفز ولم يقعد لم يبن أنه يحرج . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : { لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر } . وهكذا رويناه من طريق سفيان الثوري ، وعبد العزيز الدراوردي ، كلاهما : عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ . وروينا أيضا من طريق جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ النهي عن القعود على القبر : وقد ذكرناه قبل هذا بيسير ؟ ورويناه أيضا من طريق واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي عن رسول الله ﷺ { لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها } . فهذه آثار متواترة في غاية الصحة وهو قول جماعة من السلف رضي الله عنهم ، منهم أبو هريرة ؟ ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن سالم البراد عن ابن عمر قال : لأن أطأ على رضف أحب إلي من أن أطأ على قبر وعن ابن مسعود : لأن أطأ على جمرة حتى تبرد أحب إلي من أن أتعمد وطء قبر لي عنه مندوحة . وعن سعيد بن جبير : لأن أطأ على جمرة حتى تبرد أحب إلي من أن أطأ على قبر - وهو قول أبي سليمان . فقال قائلون بإباحة ذلك ، وحملوا الجلوس المتوعد عليه إنما هو للغائط خاصة ؟ وهذا باطل بحت لوجوه - : أولها - أنه دعوى بلا برهان ، وصرف لكلام رسول الله ﷺ عن وجهه ، وهذا عظيم جدا وثانيها - أن لفظ الخبر مانع من ذلك قطعا ، بقوله عليه السلام { لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده : خير له من أن يجلس على قبر } . وبالضرورة يدري كل ذي حس سليم : أن القعود للغائط لا يكون هكذا ألبتة ، وما عهدنا قط أحدا يقعد على ثيابه للغائط إلا من لا صحة لدماغه ؟ وثالثها - أن الرواة لهذا الخبر لم يتعدوا به وجهه من الجلوس المعهود ، وما علمنا قط في اللغة - جلس فلان - بمعنى تغوط ، فظهر فساد هذا القول - ولله تعالى الحمد ؟ وقد ذكرنا تحريم الصلاة إلى القبر وعليه في كتاب الصلاة والله تعالى محمود ؟
579 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يمشي بين القبور بنعلين سبتيتين وهما اللتان لا شعر فيهما ، فإن كان فيهما شعر : جاز ذلك ؟ فإن كانت إحداهما بشعر ، والأخرى بلا شعر : جاز المشي فيهما ؟ - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك ثنا وكيع عن الأسود بن شعبان - وكان ثقة - عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك { عن بشير رسول الله ﷺ وهو ابن الخصاصية - قال كنت أمشي مع رسول الله ﷺ فرأى رجلا يمشي بين القبور في نعليه ، فقال : يا صاحب السبتيتين ألقهما } ؟ وحدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن سليمان البصري ثنا سليمان بن حرب ثنا الأسود بن شيبان حدثني خالد بن سمير أخبرني بشير بن نهيك أخبرني بشير بن الخصاصية - وكان اسمه في الجاهلية زحم ، فسماه رسول الله ﷺ بشيرا - قال : { بينا أنا أمشي بين المقابر وعلي نعلان ، إذ ناداني رسول الله ﷺ يا صاحب السبتيتين ، يا صاحب السبتيتين ، إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك ، قال : فخلعتهما } ؟ . قال أبو محمد : فإن قيل - فهلا منعتم من كل نعل ، لعموم قوله عليه السلام { فاخلع نعليك } ؟ قلنا : منع من ذلك وجهان - : أحدهما : أنه عليه السلام إنما دعا صاحب سبتيتين ، بنص كلامه ، ثم أمره بخلع نعليه ؟ والثاني ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني ثنا يونس بن محمد ثنا شيبان عن قتادة ثنا أنس بن مالك قال : قال نبي الله ﷺ : { إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم } وذكر الحديث . قال أبو محمد : فهذا إخبار منه عليه السلام بما يكون بعده ، وأن الناس من المسلمين سيلبسون النعال في مدافن الموتى إلى يوم القيامة ، على عموم إنذاره عليه السلام بذلك ، ولم ينه عنه ، والأخبار لا تنسخ أصلا . فصح إباحة لباس النعال في المقابر ، ووجب استثناء السبتية منها ، لنصه عليه السلام عليها ؟ قال أبو محمد : وقال بعض من لا يبالي بما أطلق به لسانه فقال : لعل تينك النعلين كان فيهما قذر ؟ قال أبو محمد : من قطع بهذا فقد كذب على رسول الله ﷺ إذ قوله ما لم يقل ، ومن لم يقطع بذلك فقد حكم بالظن ، وقفا ما لا علم له به ، وكلاهما خطتا خسف نعوذ بالله منهما ؟ ثم يقال له : فهبك ذلك كذلك ؟ أتقولون : بهذا أنتم ؟ فتمنعون من المشي ، بين القبور بنعلين فيهما قذر ؟ فمن قولهم : لا ؟ فيقال لهم : فأي راحة لكم في دعوى كاذبة ؟ ثم لو صحت لم تقولوا بها ، ولبقيتم مخالفين للخبر بكل حال ؟ ويقال له أيضا : ولعل البناء في الرعاف إنما هو في الدم الأسود لشبهه بدم الحيض ، ولعل فساد صلاة الرجل إلى جنب المرأة إنما هو إذا كانت شابة خوف الفتنة ، ومثل هذا كثير
580 - مسألة : ويصلى على ما وجد من الميت المسلم ، ولو أنه ظفر أو شعر فما فوق ذلك ، ويغسل ويكفن ، إلا أن يكون من شهيد فلا يغسل ، لكن يلف ويدفن ؟ ويصلى على الميت المسلم وإن كان غائبا لا يوجد منه شيء . فإن وجد من الميت عضو آخر بعد ذلك أيضا غسل أيضا ، وكفن ، ودفن ، ولا بأس بالصلاة عليه ثانية ، وهكذا أبدا ؟ برهان ذلك - : أننا قد ذكرنا قبل وجوب غسل الميت وتكفينه ودفنه والصلاة عليه ، فصح بذلك غسل جميع أعضائه - قليلها وكثيرها - وستر جميعها بالكفن والدفن ، فذلك بلا شك واجب في كل جزء منه . فإذ هو كذلك فواجب عمله فيما أمكن عمله فيه ، بالوجود متى وجد ، ولا يجوز أن يسقط ذلك في الأعضاء المفرقة بلا برهان وينوي بالصلاة على ما وجد منه الصلاة على جميعه : جسده ، وروحه ؟ وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إن وجد نصف الميت الذي فيه الرأس ، أو أكثر من نصفه وإن لم يكن فيه الرأس - : غسل وكفن وصلي عليه ؟ وإن وجد النصف الذي ليس فيه الرأس ، أو أقل من النصف الذي فيه الرأس - : لم يغسل ، ولا كفن ، ولا صلي عليه قال أبو محمد : وهذا تخليط ناهيك به وقيل لهم : من أين لكم أن الصلاة على أكثره واجبة ، وعلى نصفه غير واجبة ؟ وأنتم قد جعلتم الربع - فيما أنكشف من بطن الحرة وشعرها - كثيرا في حكم الكل ، وجعلتم العشر - في بعض مسائلكم أيضا - في حكم الكل ؟ وهو من حلق عشر رأسه ، أو عشر لحيته من المحرمين في قول محمد بن الحسن ، فمن أين هذه الأحكام في الدين بغير إذن من الله تعالى بها ؟ وقد روينا عن أبي أيوب الأنصاري وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما : أنهما صليا على رجل ، إنسان ؟ وهو قول أبي سليمان ، وأصحابنا . وروي عن عمر ، أنه صلى على عظام وعن أبي عبيدة : أنه صلى على رأس وأما الصلاة على الغائب فقد جاء به نص قاطع ، أغنى عن النظر ، وإن كان النظر تجب به الصلاة عليه ؛ لأن قول رسول الله ﷺ : { صلوا على صاحبكم } عموم يدخل فيه الغائب والحاضر ، ولا يجوز أن يخص به أحدهما ، بل فرض في كل مسلم دفن بغير صلاة أن يصلي عليه من بلغه ذلك من المسلمين ، لأنها فرض على الكفاية ، وهي فيمن صلى عليه ندب . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن رسول الله ﷺ نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ؟ خرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا } . وبه إلى البخاري : ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني عطاء أنه سمع جابر بن عبد الله يقول " قال النبي ﷺ { قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش ، فهلم فصلوا عليه ، فصففنا ، فصلى النبي ﷺ ونحن } . وبه إلى البخاري : ثنا مسدد عن أبي عوانة عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله ﷺ صلى على النجاشي . قال جابر : فكنت في الصف الثاني أو الثالث } . ورويناه أيضا من طريق قوية عن عمران بن الحصين عن النبي ﷺ . فهذا أمر رسول الله ﷺ وعمله وعمل جميع أصحابه ، فلا إجماع أصح من هذا ، وآثار متواترة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كما أوردنا ؟ ومنع من هذا : مالك ، وأبو حنيفة ، وادعى أصحابهما الخصوص للنجاشي ، وهذه دعوى كاذبة بلا برهان - وبالله تعالى التوفيق . فإن قالوا : هل فعل هذا أحد من الصحابة بعد رسول الله ﷺ ؟ قلنا لهم : وهل جاء قط عن أحد من الصحابة أنه زجر عن هذا أو أنكره ؟ ثم يقال لهم : لا حجة في أحد غير رسول الله ﷺ . قال تعالى : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل }
581 - مسألة : والصلاة جائزة على القبر ، وإن كان قد صلي على المدفون فيه وقال أبو حنيفة : إن دفن بلا صلاة : صلي على القبر ما بين دفنه إلى ثلاثة أيام ، ولا يصلى عليه بعد ذلك ، وإن دفن بعد أن صلي عليه لم يصل أحد على قبره ؟ وقال مالك : لا يصلى على قبر ، وروى ذلك عن إبراهيم النخعي ؟ وقال الشافعي ، والأوزاعي ، وأبو سليمان : يصلى على القبر وإن كان قد صلي على المدفون فيه ، وقد روي هذا عن ابن سيرين ؟ وقال أحمد بن حنبل : يصلى عليه إلى شهر ، ولا يصلى عليه بعد ذلك ؟ وقال إسحاق : يصلي الغائب على القبر إلى شهر ، ويصلي عليه الحاضر إلى ثلاث ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة { أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ، ففقدها رسول الله ﷺ فسأل عنها أو عنه ، فقالوا : مات ، فقال : أفلا كنتم آذنتموني ؟ قال : فكأنهم صغروا أمرها أو أمره ، فقال : دلوني على قبره ، فدلوه ، فصلى عليها ، ثم قال : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم } . فادعى قوم أن هذا الكلام منه عليه السلام دليل على أنه خصوص له ؟ قال أبو محمد : وليس كما قالوا ، وإنما في هذا الكلام بركة صلاته عليه السلام وفضيلتها على صلاة غيره فقط ، وليس فيه نهي غيره عن الصلاة على القبر أصلا ، بل قد قال الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ومما يدل على بطلان دعوى الخصوص ههنا ما رويناه بالسند المذكور إلى مسلم : ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا محمد بن إدريس عن الشيباني هو أبو إسحاق - عن الشعبي عمن حدثه قال { انتهينا مع رسول الله ﷺ إلى قبر رطب ، فصلى عليه ، وصفوا خلفه ، وكبر أربعا } قال الشيباني : قلت لعامر الشعبي : من حدثك ؟ قال : الثقة ، من شهده ، ابن عباس . فهذا أبطل الخصوص ، لأن أصحابه عليه السلام ، وعليهم رضوان الله صلوا معه على القبر ، فبطلت دعوى الخصوص وبه إلى مسلم حدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة السامي ثنا غندر ثنا شعبة عن حبيب بن الشهيد [ عن ثابت ] عن أنس { أن النبي ﷺ صلى على قبر } . قال أبو محمد : فهذه آثار متواترة لا يسع الخروج عنها واحتج بعضهم بأن رسول الله ﷺ لم يصل المسلمون على قبره ؟ قال أبو محمد : ما علمنا أحدا من الصحابة رضي الله عنهم نهى عن الصلاة على قبر رسول الله ﷺ وما نهى الله تعالى عنه ، ولا رسوله عليه السلام ، فالمنع من ذلك باطل ، والصلاة عليه فعل خير ، والدعوى باطل إلا ببرهان ؟ وقال بعضهم : نهي النبي ﷺ عن الصلاة إلى القبر وعلى القبر مانع من هذا قال أبو محمد : وهذا عجب ما مثله عجب وهو أن المحتج بهذا عكس الحق عكسا ؛ لأنه صح عن النبي ﷺ النهي عن الصلاة على القبر ، أو إليه . أو في المقبرة ، وعن الجلوس على القبر ، فقال هذا القائل : كل هذا مباح وصح عن النبي ﷺ أنه صلى على قبر صلاته على الميت ، فقال هذا القائل : لا يجوز ذلك واحتج بالنهي عن الصلاة مطلقا في منعه من صلاة الجنازة على القبر ، واحتج بخبر الصلاة على القبر في إباحته الحرام من الصلوات في المقبرة ، وإلى القبر ، وعليه ؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل ؟ وقال بعضهم : كان ابن عمر لا يصلي على القبر ؟ قلنا : نعم ، كان لا يصلي سائر الصلوات على القبر ، ويصلي صلاة الجنازة على القبر أبدا ؟ قال أبو محمد : وهذا لو صح لكان قد صح ما يعارضه ، وهو أنه رضي الله عنه صلى صلاة الجنازة على القبر ، ثم لو لم يأت هذا عنه لكان قد عارضه ما صح عن الصحابة في ذلك ، فكيف ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ . ولا يصح عن ابن عمر إلا ما ذكرناه وروينا عن معمر عن أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة : مات عبد الرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة ، فحملناه فجئنا به مكة فدفناه ، فقدمت علينا عائشة أم المؤمنين فقالت : أين قبر أخي ؟ فدللناها عليه ، فوضعت في هودجها عند قبره فصلت عليه وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : أنه قدم وقد مات أخوه عاصم ، فقال : أين قبر أخي ؟ فدل عليه ، فصلى عليه ودعا له . قال أبو محمد : هذا يبين أنها صلاة الجنازة ، لا الدعاء فقط وعن علي بن أبي طالب : أنه أمر قرظة بن كعب الأنصاري أن يصلي على قبر سهل بن حنيف بقوم جاءوا بعدما دفن وصلي عليه ؟ وعن علي بن أبي طالب أيضا : أنه صلى على جنازة بعدما صلي عليها ؟ وعن يحيى بن سعيد القطان ثنا أبان بن يزيد العطار عن يحيى بن أبي كثير : أن أنس بن مالك صلى على جنازة بعدما صلي عليها وعن ابن مسعود نحو ذلك . وعن سعيد بن المسيب إباحة ذلك . وعن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد : أنه صلى على جنازة بعدما صلي عليها وعن قتادة : أنه كان إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى عليها . فهذه طوائف من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف ؟ وأما أمر تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لا يشكل ، لأنه تحديد بلا دليل ، ولا فرق بين من حد بهذا ، أو من حد بغير ذلك .
582 - مسألة : ومن تزوج كافرة فحملت منه وهو مسلم وماتت حاملا - : فإن كانت قبل أربعة أشهر ولم ينفخ فيه الروح بعد : دفنت مع أهل دينها ، وإن كان بعد أربعة أشهر والروح قد نفخ فيه : دفنت في طرف مقبرة المسلمين ؛ لأن عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله ﷺ أن لا يدفن مسلم مع مشرك - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك ثنا وكيع عن الأسود بن شيبان - وكان ثقة - عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك عن بشير رسول الله ﷺ وهو ابن الخصاصية قال : { كنت أمشي مع رسول الله ﷺ فمر على قبور المسلمين ، فقال : لقد سبق هؤلاء شرا كثيرا ، ثم مر على قبور المشركين فقال : لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا } . فصح بهذا تفريق قبور المسلمين عن قبور المشركين . والحمل ما لم ينفخ فيه الروح فإنما هو بعض جسم أمه ، ومن حشوة بطنها ، وهي مدفونة مع المشركين ، فإذا نفخ فيه الروح فهو خلق آخر ، كما قال تعالى : { فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر } ، فهو حينئذ إنسان حي غير أمه ، بل قد يكون ذكرا وهي أنثى ، وهو ابن مسلم فله حكم الإسلام ، فلا يجوز أن يدفن في مقابر المشركين ، وهي كافرة ، فلا تدفن في مقابر المسلمين ، فوجب أن تدفن بناحية لأجل ذلك روينا عن سليمان بن موسى : أن واثلة بن الأسقع صاحب رسول الله ﷺ دفن امرأة نصرانية ماتت حبلى من مسلم - : في مقبرة ليست بمقبرة النصارى ، ولا بمقبرة المسلمين بين ذلك . وروينا عن عمر بن الخطاب : أنها تدفن مع المسلمين من أجل ولدها
583 - مسألة : والصغير يسبى مع أبويه أو أحدهما أو دونهما فيموت - : فإنه يدفن مع المسلمين ويصلى عليه ، قال تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } فصح أن كل مولود فهو مسلم ، إلا من أقره الله تعالى على الكفر ، وليس إلا من ولد بين ذميين كافرين ، أو حربيين كافرين ، ولم يسب حتى بلغ ، وما عدا هذين فمسلم ؟
584 - مسألة : وأحق الناس بالصلاة على الميت والميتة : الأولياء - : وهم : الأب وآباؤه ، والابن وأبناؤه ، ثم الإخوة الأشقاء ، ثم الذين للأب ، ثم بنوهم ، ثم الأعمام للأب والأم ، ثم للأب ثم بنوهم ، ثم كل ذي رحم محرمة ، إلا أن يوصي الميت أن يصلي عليه إنسان ، فهو أولى . ثم الزوج ، ثم الأمير أو القاضي ، فإن صلى غير من ذكرنا أجزأ - : برهان ذلك - : قول الله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } وهذا عموم لا يجوز تخصيصه ، وقول رسول الله ﷺ : { لا يؤمن الرجل في أهله } يدخل فيه : ذو الرحم ، والزوج ، فإذا اجتمعا فهما سواء في الحديث ، فلا يجوز تقديم أحدهما على الآخر وذو الرحم أولى بالآية ، ثم الزوج أولى من غيره بالحديث ؟ رويناه عن قتادة عن سعيد بن المسيب : أنه قال في الصلاة على المرأة : أب ، أو ابن ، أو أخ : أحق بالصلاة عليها من الزوج ؟ ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ليث عن زيد بن أبي سليمان : أن عمر بن الخطاب قال في الصلاة على المرأة إذا ماتت - : الولي دون الزوج ؟ وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة في الصلاة على المرأة إذا ماتت : الأخ أحق من الزوج . ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن : كانوا يقدمون الأئمة على جنائزهم ، فإن تدارءوا فالولي ، ثم الزوج . فإن قيل : قد قدم الحسين بن علي - : سعيد بن العاص على ولي له وقال : لولا أنها سنة ما قدمتك ؟ وقال أبو بكرة لإخوة زوجته : أنا أحق منكم قلنا : لم ندع لكم إجماعا فتعارضونا بهذا ، ولكن إذا تنازع الأئمة وجب الرد إلى القرآن والسنة ، وفي القرآن والسنة ما أوردنا ، ولم يبح الله تعالى الرد في التنازع إلى غير كلامه وحكم نبيه ﷺ . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والأوزاعي في أحد قوليه : الأولياء أحق بالصلاة عليها من الزوج ، إلا أن أبا حنيفة قال : إن كان ولدها ابن زوجها الحاضر فالزوج أبو الولد أحق - وهذا لا معنى له ، لأنه دعوى بلا برهان
585 - مسألة : وأحق الناس بإنزال المرأة في قبرها من لم يطأ تلك الليلة ، وإن كان أجنبيا ، حضر زوجها أو أولياؤها أو لم يحضروا ، وأحقهم بإنزال الرجل أولياؤه ؟ أما الرجل فلقول الله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } وهذا عموم ، لا يجوز تخصيصه إلا بنص . وأما المرأة فإن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال : ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن محمد هو المسندي - ثنا أبو عامر هو العقدي - ثنا فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن أنس بن مالك قال { شهدنا بنتا لرسول الله ﷺ ورسول الله ﷺ جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل منكم رجل لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : أنا ، قال : فانزل ؟ فنزل في قبرها } . حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا محمد بن معمر ثنا روح بن أسلم أنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس { أن رسول الله ﷺ قال : لما ماتت رقية ابنته رضي الله عنها : لا يدخل القبر رجل قارف الليلة ، فلم يدخل عثمان } قال أبو محمد : المقارفة الوطء ، لا مقارفة الذنب . ومعاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة النبي ﷺ بأنه لم يقارف ذنبا . فصح أن من لم يطأ تلك الليلة أولى من الأب والزوج وغيرهما ؟