محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة السادسة عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


كتاب الأطعمة

1005 - مسألة: ومن سمى بالعجمية فقد سمى كما أمر ; لأن الله تعالى لم يشترط لغة من لغة، ولا تسمية من تسمية، فكيفما سمى فقد أدى ما عليه وبالله تعالى التوفيق.

1006 - مسألة: ومن ذبح مال غيره بأمره فنسي أن يسمي الله تعالى، أو تعمد فهو ضامن مثل الحيوان الذي أفسد، لأنه ميتة كما قدمنا فقد أفسد مال أخيه، وأموال الناس تضمن بالعمد والنسيان وبالله تعالى التوفيق.

1007 - مسألة: ولا يحل أكل ما نحره أو ذبحه إنسان من مال غيره بغير أمر مالكه بغصب أو سرقة أو تعد بغير حق وهو ميتة لا يحل لصاحبه، ولا لغيره ويضمنه قاتله إلا أن يكون نظرا صحيحا كخوف أن يموت فبادر بذكاته، أو نظرا لصغير أو مجنون أو غائب، أو في حق واجب. برهان ذلك: قول الله تعالى: {إلا ما ذكيتم}. وقول رسول الله : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام.

وقال تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}. فنسأل من خالف قولنا أبحق ذبح هذا الحيوان أو نحر، أم بباطل، ولا بد من أحدهما، ولا يقول مسلم: إنه ذبح بحق، فإذ لا شك في أنه نحر وذبح بباطل فهو محرم أكله بنص القرآن.

وأيضا: فإن الحيوان حرام أكله إلا ما ذكينا، فالذكاة حق مأمور به طاعة لله تعالى لا يحل أكل ما حرم من الحيوان إلا به، وذبح المعتدي باطل محرم عليه معصية لله تعالى بلا خلاف وبنص القرآن والسنة. ومن الباطل المتيقن أن تنوب المعصية عن الطاعة والعجب أنهم متفقون معنا على أن الفروج المحرمة لا تحل إلا بالعقد المأمور به لا بالعقد المحرم: فمن أين وقع لهم أن يبيحوا الحيوان المحرم بالفعل المحرم وما الفرق بين تصيد المحرم للصيد المحرم عليه، وبين ذبح المتعدي لما حرم عليه ذبحه وبهذا جاءت السنن الثابتة:

روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا إسحاق بن إبراهيم، هو ابن راهويه نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبيه عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج قال: كنا مع رسول الله بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فأمر بها رسول الله فأكفئت، ثم عدل عشرا من الغنم بجزور. فهذا رسول الله قد أمر بهرق القدور التي فيها اللحم المذبوح من الغنيمة قبل القسمة، ولا شك في أنه لو كان حلالا أكله ما أمر بهرقه، لأنه عليه السلام نهى عن إضاعة المال فصح يقينا أنه حرام محض، وأن ذبحه ونحره تعد يوجب الضمان، ولا يبيح الأكل. وما نعلم للمخالف حجة أصلا لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من قول صاحب، ولا من قياس، إلا أن بعضهم موه بخبر رويناه من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: كنا مع رسول الله في جنازة، فاستقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم فأكلوا ورسول الله يلوك لقمة في فيه ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع من يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل بها إلي بثمنها، فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته، فأرسلت إلي بها فقال رسول الله أطعميه الأسارى.

قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، بل هو لو صح حجة عليهم: أول ذلك: أنه عن رجل لم يسم، ولا يدرى أصحت صحبته أم لا.

والثاني: أنه لو صح لكان حجة لنا لأن رسول الله لم يستحل أكله، ولا أباح لأحد من المسلمين أكل شيء منه، بل أمر بأن يطعم الكفار المستحلين للميتة، ولعل أولئك الأسارى كانوا مرضى يحل لهم التداوي بالميتة، مع أنها لم تكن غصبا، ولا مسروقة، وإنما أخذتها بشراء صحيح عند نفسها، لكن لما لم يكن بإذن مالكها لم يحل أكلها لمسلم، فبطل تمويههم بهذا الخبر. ولا شك في أن تلك الشاة مضمونة على المرأة، وذلك منصوص في الخبر من قول المرأة " ابعثها إلي بثمنها " ونحن نأتيهم من هذه الطريق بعينها بما هو حجة مبينة عليهم لنا في هذه المسألة:

روينا من طريق أبي داود السجستاني نا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص هو سلام بن سليم عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، فأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول الله يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: إن النهبة ليست بأحل من الميتة، أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة ; شك أبو الأحوص في أيتهما قال عليه السلام. فهذا ذلك الإسناد نفسه ببيان لا إشكال فيه من إفساده اللحم المذبوح منتهبا غير مقسوم وخلطه بالتراب. فصح يقينا أنه حرام بحت لا يحل أصلا، إذ لو حل لما أفسده عليه السلام ; فمن العجائب أن تكون طريق واحدة حجة فيما لا بيان فيها منه، ولا تكون حجة فيما فيها البيان الجلي منه.

وروينا من طريق طاووس، وعكرمة النهي عن أكل ذبيحة السارق وهو قول إسحاق ابن راهويه، وأبي سليمان، وأصحابه، ولا نعلم خلاف قولنا في هذه المسألة عن أحد من الصحابة، ولا عن تابع إلا عن الزهري، وربيعة ويحيى بن سعيد، فقط وبالله تعالى التوفيق.

1008 - مسألة: ولا يحل أكل ما ذبح أو نحر فخرا أو مباهاة لقول الله تعالى: {أو فسقا أهل لغير الله به} وهذا مما أهل لغير الله به.

وروينا من طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة نا يحيى، هو ابن سعيد القطان عن منصور بن حيان عن عامر بن واثلة أن علي بن أبي طالب قال: " إن رسول الله قال له: لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غير منار الأرض.

ومن طريق سعيد بن منصور نا ربعي بن عبد الله بن الجارود قال: سمعت الجارود بن أبي سبرة يقول: كان رجل من بني رياح يقال له: ابن وثيل هو سحيم قال: وكان شاعرا نافرا غالبا أبا الفرزدق الشاعر بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من إبله وهذا مائة من إبله إذا وردت، فلما وردت الإبل الماء قاما إليها بالسيوف فجعلا يكسعان عراقيبها، فخرج الناس على الحمرات يريدون اللحم وعلي بالكوفة فخرج على بغلة رسول الله وهو ينادي: أيها الناس لا تأكلوا من لحومها فإنها مما أهل بها لغير الله. وعن عكرمة لا تؤكل ذبيحة ذبحها الشعراء فخرا ورياء، ولا ما ذبحه الأعراب على قبورهم، ولا يعلم لعلي رضي الله عنه في هذا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم. وكل ما في هذا الباب فهو برهان على صحة قولنا في الباب الذي قبله من تحريم ذبيحة السارق، والغاصب، والمتعدي لأن هؤلاء بلا شك ممن ذبح لغير الله عز وجل، وذبائحهم ونحائرهم ممن أهل لغير الله تعالى به بيقين، إذ لا يجوز ألبتة أن يعصي أحد يريد بذلك وجه الله تعالى: وهؤلاء عصاة لله تعالى بلا شك، مخالفون لأمره في ذلك الذبح نفسه، وفي ذلك العقر نفسه.

1009 - مسألة: وأما جواز ما كان من ذلك نظرا ومصلحة فلقول الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ونهى رسول الله عن إضاعة المال ; فحفظ مال المسلم والذمي واجب وبر وتقوى، وإضاعته إثم وعدوان وحرام.

روينا من طريق البخاري نا محمد بن أبي بكر هو المقدمي نا المعتمر بن سليمان التيمي عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر أنه سمع ابن كعب بن مالك يخبر ابن عمر بأن أباه كعب بن مالك أخبره أن جارية لهم كانت ترعى غنما بسلع فأبصرت بشاة من غنمها موتا فكسرت حجرا فذبحتها فقال لأهله: لا تأكلوا حتى آتي رسول الله فأسأله أو أرسل إليه من يسأله فسأل النبي فأمره النبي بأكلها.

1010 - مسألة: فلو خرجت بيضة من دجاجة ميتة أو طائر ميت مما يؤكل لحمه لو ذكي فإن كانت ذات قشر فأكلها حلال، وإن لم تكن ذات قشر بعد فهي حرام ; لأنها إذا صارت ذات قشر فقد باينت الميتة وصارت منحازة عنها، وإذا لم تكن ذات قشر فهي حينئذ بعض حشوتها ومتصلة بها فهي حرام.

1011 - مسألة: ولو طبخ بيض فوجد في جملتها بيضة فاسدة قد صارت دما أو فيها فرخ رميت الفاسدة وأكل سائر البيض لقول الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فالحلال حلال لا يفسده مجاورة الحرام له، والحرام حرام لا يصلحه مجاورة الحلال له وبالله تعالى التوفيق.

1012 - مسألة: وكل خبز أو طعام أو لحم أو غير ذلك طبخ أو شوي بعذرة أو بميتة فهو حلال كله، لأنه ليس ميتة، ولا عذرة، والعذرة والميتة حرام، وما أحل فهو حلال فإذا لم يظهر في شيء منه عين العذرة أو الميتة فهو حلال.

وكذلك لو وقع طعام في خمر، أو في عذرة فغسل حتى لا يكون للحرام فيه عين فهو حلال، إذ لم يوجب تحريم شيء من ذلك قرآن، ولا سنة.

1013 - مسألة: فلو مات حيوان مما يحل أكله لو ذكي فحلب منه لبن فاللبن حلال، لأن اللبن حلال بالنص، فلا يحرمه كونه في ضرع ميتة، لأنه قد باينها بعد، وهو وما حلب منها في حياتها ثم ماتت سواء، وإنما هو لبن حلال في وعاء حرام فقط، فهو والذي في وعاء ذهب أو فضة سواء وبالله تعالى التوفيق.

1014 - مسألة: ولا يحل أكل السم القاتل ببطء أو تعجيل، ولا ما يؤذي من الأطعمة، ولا الإكثار من طعام يمرض الإكثار منه لقول الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}.

روينا من طريق سفيان بن عيينة عن زياد بن علاقة قال: سمعت أسامة بن شريك قال " شهدت رسول الله يقول: تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل به دواء إلا الهرم قال علي: زياد ثقة مأمون روى عنه شعبة، وسفيان، وسفيان ومسعر، وأبو عوانة وأبو إسحاق الشيباني، وغيرهم. وليس في الخبر الثابت هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون حمد لترك الدواء أصلا، ولا ذكر للمنع منه، وأمره عليه السلام بالتداوي: نهي عن تركه، وأكل المضر: ترك للتداوي، فهو منهي عنه وبالله تعالى التوفيق.

1015 - مسألة: وكل حيوان ذكي فوجد في بطنه جنين ميت، وقد كان نفخ فيه الروح بعد فهو ميتة لا يحل أكله، فلو أدرك حيا فذكي حل أكله، فلو كان لم ينفخ فيه الروح بعد فهو حلال إلا إن كان بعد دما لا لحم فيه، ولا معنى لأشعاره، ولا لعدم إشعاره

وهو قول أبي حنيفة. برهان ذلك: قول الله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم}.

وقال تعالى: {إلا ما ذكيتم}. وبالعيان ندري أن ذكاة الأم ليست ذكاة للجنين الحي، لأنه غيرها وقد يكون ذكرا وهي أنثى، فأما إذا كان لحما لم ينفخ فيه الروح بعد فهو بعضها ولم يكن قط حيا فيحتاج إلى ذكاة. وقد احتج المخالفون بأخبار واهية: منها: من طريق وكيع، عن ابن أبي ليلى عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي : ذكاة الجنين ذكاة أمه، وابن أبي ليلى سيئ الحفظ وعطية هالك. ومن طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن النبي بمثله إسماعيل بن مسلم ضعيف.

ومن طريق ابن المبارك عن مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد عن النبي في الجنين كلوه إن شئتم، مجالد ضعيف، وأبو الوداك ضعيف.

ومن طريق أبي الزبير عن جابر عن النبي : ذكاة الجنين ذكاة أمه حديث أبي الزبير ما لم يكن عند الليث عنه، أو لم يقل فيه أبو الزبير: أنه سمعه من جابر ; فلم يسمعه من جابر وهذا من هذا النمط لا يدرى ممن أخذه عن جابر فهو عن مجهول على ما أوردنا قبل. ثم لم يأت عن أبي الزبير إلا من طريق حماد بن شعيب، والحسن بن بشر، وعتاب بن بشير عن عبيد الله بن زياد القداح وكلهم ضعفاء.

ومن طريق أبي حذيفة، حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى قال: ذكر لي، عن ابن عمر عن النبي في الجنين إذا أشعر فذكاته ذكاة أمه أبو حذيفة ضعيف، ومحمد بن مسلم أسقط منه ثم هو منقطع.

ومن طريق ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عن النبي : ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر ابن أبي ليلى سيئ الحفظ، ثم هو منقطع. وقالوا: هو قول جمهور العلماء:

كما روينا من طريق سفيان عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله يقولون ذكاة الجنين ذكاة أمه.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا ابن علية عن أيوب السختياني، عن ابن عمر قال في جنين الناقة إذا تم وأشعر: فذكاته ذكاة أمه وينحر.

ومن طريق الحارث عن علي إذا أشعر جنين الناقة فكله، فإن ذكاته ذكاة أمه وعن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه، عن ابن عباس أنه أشار إلى جنين ناقة وأخذ بذنبه وقال: هذا من بهيمة الأنعام وعن أبي الزبير عن جابر نحر جنين الناقة نحر أمه. وعن إبراهيم، عن ابن مسعود ذكاة الجنين ذكاة أمه وهو قول إبراهيم، والشعبي، والقاسم بن محمد، وطاووس، وأبي ظبيان، وأبي إسحاق السبيعي، والحسن، وسعيد بن المسيب ونافع، وعكرمة، ومجاهد، وعطاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، والحسن بن حي، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، والشافعي.

روينا من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية عن مسعر بن كدام عن حماد بن أبي سليمان في جنين المذبوحة قال: لا تكون ذكاة نفس عن نفسين وهو قول أبي حنيفة، وزفر:، حدثنا أحمد بن عمر بن أنس، حدثنا محمد بن عيسى غندر، حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا أبو الميمون، حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله بن عمر بن راشد البجلي، حدثنا أبو زرعة هو عبد الرحمن بن عمر النصري، حدثنا عبد الله بن حيان قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله الناقة تذبح وفي بطنها جنين يرتكض فيشق بطنها فيخرج جنينها أيؤكل قال: نعم، قلت: إن الأوزاعي قال: لا يؤكل، قال: أصاب الأوزاعي فهذا قول لمالك أيضا. واختلف القائلون في إباحة أكله: فروينا عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. قال: إذا علم أن موت الجنين قبل موت أمه أكل وإلا لم يؤكل، قيل له: من أين يعلم ذلك قال: إذا خرج لم ينتفخ ولم يتغير فهو موتها.

وقال بعضهم: لا يؤكل إلا أن يكون قد أشعر وتم وهو قول ابن عمر، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والزهري، والشعبي، ونافع، وعكرمة، ومجاهد، وعطاء، ويحيى بن سعيد، قال يحيى: فإن خرج حيا لم يحل أكله إلا أن يذكى وبه قال مالك، إلا، أنه قال: إن خرج حيا كره أكله، وليس حراما. وقال آخرون: أشعر أو لم يشعر هو حلال وهو قول ابن عباس، وإبراهيم، وسعيد بن المسيب، والأوزاعي، والليث، وسفيان، والحسن بن حي، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، والشافعي.

قال أبو محمد: لو صح عن النبي لقلنا به مسارعين وإذا لم يصح عنه فلا يحل ترك القرآن لقول قائل أو قائلين:

فأما أبو حنيفة، فإنه يشنع، بخلاف الصاحب لا يعرف له مخالف، وخلاف جمهور العلماء، ويرى ذلك خلافا للإجماع، هذا مكان خالف فيه الصحابة وجمهور العلماء من التابعين والآثار التي يحتج هو بأسقط منها وهذا تناقض فاحش.

وأما مالك، فإنه لم يحرم الجنين إذا خرج بعد ذبح أمه حيا، وما نعلم هذا عن أحد من خلق الله تعالى قبله. ويلزم على هذا أنه إن كان عنده ذكيا بذكاة أمه أنه إن عاش وكبر وألقح ونتج أنه حلال أكله متى مات، لأنه ذكي بعد بذكاة أمه وحاشا لله من هذا، فكلاهما خالف الإجماع، أو ما يراه إجماعا في هذه المسألة وبالله تعالى التوفيق.

1016 - مسألة: ولا يحل الأكل، ولا الشرب في آنية الذهب أو الفضة لا لرجل، ولا لأمرأة، فإن كان مضببا بالفضة جاز الأكل والشرب فيه للرجال والنساء، لأنه ليس إناء فضة، فإن كان مضببا بالذهب، أو مزينا به حرم على الرجال، لأن فيه استعمال ذهب وحل للنساء لأنه ليس إناء ذهب:

روينا من طريق مسلم، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع هو مولى ابن عمر عن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أم سلمة أم المؤمنين أن رسول الله قال: الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم فهذا عموم يدخل فيه الرجال والنساء. وصح عن النبي : أن الذهب حرام على ذكور أمته حل لأناثها.

وروينا عن علي رضي الله عنه أنه أتي بفالوذج في إناء فضة فأخرجه وجعله على رغيف وأكله إلا أن يصح ما حدثنا به محمد بن إسماعيل العذري قاضي سرقسطة، حدثنا محمد بن علي المطوعي، حدثنا الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري أنا الحسين بن الحسن الطوسي بنيسابور، وعبد الله بن محمد الخزاعي بمكة، قالا جميعا: حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة، حدثنا يحيى بن محمد الجاري، حدثنا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن جده، عن ابن عمر قال: قال رسول الله : من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم. فإن صح هذا الخبر قلنا به على نصه، ولم يحل الشرب في إناء فيه شيء من ذهب أو فضة لرجل، ولا لأمرأة، وإنما توقفنا عنه لأن زكريا بن إبراهيم لا نعرفه بعدل، ولا جراحة وبالله تعالى التوفيق وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن مروان بن معاوية، عن العلاء عن يعلى بن النعمان قال: قال عمرو: من شرب في قدح مفضض سقاه الله جمرا يوم القيامة. وصح، عن ابن عمر أنه كان لا يشرب بقدح فيه ضبة فضة، ولا حلقة فضة: وعن جماعة مثل هذا وعن آخرين إباحته.

1017 - مسألة: ولا يحل القران في الأكل إلا بإذن المؤاكل، وهو أن تأخذ أنت شيئين شيئين ويأخذ هو واحدا واحدا كتمرتين وتمرة، أو تينتين وتينة، ونحو ذلك، إلا أن يكون الشيء كله لك فافعل فيه ما شئت.

روينا من طريق البخاري، حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا جبلة بن سحيم: أنه سمع ابن عمر يقول وهو يمر بهم وهم يأكلون لا تقارنوا فإن رسول الله نهى عن القران إلا أن يستأذن الرجل أخاه قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر.

قال علي: هذا أعم مما رواه سفيان عن جبلة بن سحيم، فإذا أذن المؤاكل فهو حقه تركه.

1018 - مسألة : ولا يحل أكل ما عجن بالخمر ، أو بما لا يحل أكله أو شربه ، ولا قدر طبخت بشيء من ذلك ، إلا أن يكون مما عجن به الدقيق وطبخ به الطعام شيئا حلالا وكان ما رمى فيه من الحرام قليلا لا ريح له فيه ولا طعم ولا لون ، ولا يظهر للحرام في ذلك أثر أصلا فهو حلال حينئذ ، وقد عصى الله تعالى من رمى فيه شيئا منه ، لأن الحرام إذا بطلت صفاته التي بها سمي بذلك الاسم الذي به نص على تحريمه فقد بطل ذلك الاسم عنه وإذا بطل ذلك الاسم سقط التحريم ، لأنه إنما حرم ما يسمى بذلك الاسم كالخمر ، والدم ، والميتة ، فإذا استحال الدم لحما ، أو الخمر خلا ، أو الميتة بالتغذي أجزأ في الحيوان الأكل لها من الدجاج ، وغيره فقد سقط التحريم وبالله تعالى التوفيق . ومن خالف هذا لزمه أن يحرم اللبن ، لأنه دم استحال لبنا ، وأن يحرم التمر والزرع المسقي بالعذرة والبول ، ولزمه أن يبيح العذرة والبول ، لأنهما طعام ، وماء حلالان استحالا إلى اسم منصوص على تحريم المسمى به . وأما تحريم ما عجن أو طبخ به ، فلظهور أثره في جميع الشيء المعجون والمطبوخ ، وأما إذا كان الأثر لشيء حلال ، وكان الحرام لا أثر له ، فقد قلنا الآن ما يكفي - : روينا من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن يزيد عن داود بن عمرو عن مكحول عن أبي الدرداء : في المري يجعل فيه الخمر ؟ قال : لا بأس به ، ذبحته النار والملح .

1019 - مسألة: ولا يحل أكل جبن عقد بإنفحة ميتة لأن أثرها ظاهر فيه وهو عقدها له لما ذكر آنفا وهكذا كل ما مزج بحرام وبالله تعالى التوفيق.

1020 - مسألة: ولا يحل أكل ما ولغ فيه الكلب، لأمر رسول الله بهرقه، فإن أكل منه ولم يلغ فيه فهو كله حلال وقد تقصينا هذه المسألة في كتاب الطهارة فأغنى عن إعادتها وبالله تعالى التوفيق.

1021 - مسألة: ولا يحل الأكل من وسط الطعام، ولا أن تأكل مما لا يليك سواء كان صنفا واحدا أو أصنافا شتى، فلو أن المرء أخذ شيئا مما يلي غيره ثم جعله أمام نفسه وتركه ثم أخذه فأكله فلا حرج عليه في ذلك.

روينا من طريق سفيان بن عيينة قال:، حدثنا عطاء بن السائب قال: قال لنا سعيد بن جبير: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله : البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من نواحيه، ولا تأكلوا من وسطه سماع سفيان، وشعبة، وحماد بن زيد من عطاء بن السائب كان قبل اختلاطه.

ومن طريق البخاري، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، حدثنا محمد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن وهب بن كيسان أبي نعيم عن عمر بن أبي سلمة المخزومي: " أن رسول الله قال له: كل مما يليك.

ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الله بن الصباح العطار، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة: أن رسول الله قال له: ادنه يا بني فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فلم يخص عليه السلام صنفا من أصناف. وذكر المفرقون بين ذلك خبرا رويناه من طريق محمد بن جرير الطبري، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية المنقري، حدثنا أبو الهذيل حدثني عبيد الله بن عكراش بن ذؤيب عن أبيه: أنه كان مع رسول الله فأتوا بحفنة من ثريد فقال له رسول الله يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد ثم أتينا بطبق فيه ألوان من رطب أو تمر فقال له رسول الله يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير طعام واحد، قال: وجالت يد النبي في الطبق فعبيد الله بن العكراش بن ذؤيب ضعيف جدا لا يحتج به، ومثل هذا لا يجوز أن يقوله رسول الله لأنه لا يكاد يوجد طعام لا يكون أصنافا إلا في الندرة ; فالثريد فيه لحم وخبز، وربما بصل وحمص والمرق كذلك، ويكون في اللحم كبد وشحم ولحم وصدرة وظهر، وهكذا في أكثر الأشياء.

فإن ذكروا حديث أنس: دعا رسول الله رجل فانطلقت معه فجيء بمرقة فيها دباء فجعل رسول الله يأكل من ذلك الدباء وتعجبه، قال أنس: فجعلت ألقيه إليه، ولا أطعمه. وفيه أيضا في رواية بعض الثقات: فرأيت رسول الله يتتبع الدباء من حول الصحفة فإن هذا خبر صحيح. وقد قال بعض أهل الظاهر إنما هذا في الدباء خاصة.

قال أبو محمد: وليس هذا عندنا كذلك لأنه فعل من رسول الله ولم يقل: إنه خاص بالدباء، فلا ينبغي لنا أن نقوله، لكن نقول: إن هذا الخبر موافق لمعهود الأصل، وقد كان ذلك بلا شك مباحا قبل أن يقول عليه السلام: كل مما يليك فهو منسوخ بيقين بأمره عليه السلام بالأكل مما يلي الآكل، ومن ادعى أن المنسوخ عاد مباحا لم يصدق إلا ببرهان لأنه دعوى بلا دليل.

وأيضا فإن هذا الخبر لما تدبرناه وجدناه ليس فيه ألبتة لا نص، ولا دليل على أنه عليه السلام أخذ الدباء مما لا يليه ومن ادعى هذا فقد ادعى الباطل وقال ما ليس في الحديث. وقد يكون الدباء في نواحي الصحفة مما يلي النبي عن يمينه ويساره فيتتبعه مما يليه في كل ذلك، وهذا الذي لا يجوز أن يحمل الخبر على ما سواه. إذ ليس فيه ما يظن المخالف أصلا: فبطل تعلقهم به ولله الحمد. فإذا أخذ المرء الشيء مما لا يليه ثم جعله أمامه فإنما نهى عن أن يأكل مما لا يليه، وهذا لم يأكل مما لا يليه فإذا صار أمامه فله أكله حينئذ، لأنه مما يليه وقد اجتر خالد بن الوليد الضب من يدي رسول الله فأكله ولم ينكر النبي ذلك وسنذكره إن شاء الله تعالى في باب الضب وبالله تعالى التوفيق.

1022 - مسألة: ومن أكل وحده فلا يأكل إلا مما يليه لما ذكرنا آنفا فإن أدار الصحفة فله ذلك، لأنه لم ينه عن ذلك، فإن كان الطعام لغيره لم يجز له أن يدير الصحفة لأن واضعها أملك بوضعها، ولم يجعل له إدارتها إنما جعل له الأكل مما يليه فقط، فإن كانت القصعة والطعام له فله أن يديرها كما يشاء، وأن يرفعها إذا شاء ; لأنه ماله وليس له أن يأكل إلا مما يليه، لأن أمر النبي بذلك عموم.

وقال الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}.

وقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب الأطعمة
كتاب الأطعمة (مسألة 989(مكرر) - 993) | كتاب الأطعمة (مسألة 994 - 996) | كتاب الأطعمة (مسألة 997 - 1004) | كتاب الأطعمة (مسألة 1005 - 1022) | كتاب الأطعمة (مسألة 1023 - 1044)