مجلة المقتبس/العدد 92/الخرافات والأوهام

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 92/الخرافات والأوهام

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 9 - 1914



في تأثير الفلك والأيام

لا ترقب النجم في أمر تحاوله ... فالله يفعل لا جدي ولا حمل

مع السعادة ما للنجم من أثر ... ولا يضرك مريخ ولا زحل

(البهاء زهير).

إنّ الأوهام والخرافات في الظواهر الجوية قديمة في العمران تترامى إلى العصور الأولى وأهم مسبباتها عبادة الأجرام ألفلكية وحب استكشاف المغيبات ومعرفة المستقبل والاستعداد والاستشقاء ولاسيما في الأقاليم الشرقية التي يصفوجوها في معظم أيام السنة وتتجلى فيها الظواهر الجوية بأبهى أشكالها فنزعت نفوس سكانها منذ فطرتهم إلى استطلاع المؤثرات واستنطاق النيرات والكواكب التي رأوها من مقومات الحياة الأولية. فكان تلون أشكالها واختلاف مظاهرها وتبدل مواقعها وتغير ألوانها وما شاكل داعياً إلى عبادتها ثم استرشادها لما في نفوس تلك العصور من البساطة وهم في مهد الحضارة وفي سرير النشأة فاشتهر بذلك المصريون والفينيقيون والكلدانيون والآشوريون والبابليون والفرس واليونان والرومان إلى أن دالت دولتهم وقامت دولة العرب ثم الدول التي تلتها فظلت الاعتقادات الوهمية سائدة بينهم إلى مدة قرنين، ولذلك كثر الاشتغال خاصة عند القدماء بعلوم التنجيم كالكهانة والقيافة والعيافة والزجر والخط في الرمال وتعبير الرؤيا. ووضعوا أقاصيص للمعبودات والكواكب فوجد عندهم علم الذي كثرت فيه تجرصات الأوهام وتفشت الخرافات والأقاصيص.

ومنه نشأت العلوم التنجيمية والسحرية بأنواعها وامتلأت كتب القدماء بأخبارهم وأحاديثهم القصصية في العصر الخرافي فألفت فيها الكتب الكثيرة من أهمها السندهند عند الهنود، وقد أمر الخليفة أبوجعفر المنصور بتعريبه فعربه الفزاري وقرب الخلفاء المنجمين واعتمدوا على أوهامهم فتفشى ذلك بينهم حتى لم يستطع اقتلاعه علماء الشّرع الصادعون بتخطئته. ونبغ من الغرب الخوارزمي فألف على مثال السندهند زبجه المشهو ر جامعاً فيه بين مذاهب ألفرس والهند والروم وهو جداول حركات الكواكب التي ترشد إلى التقويم والتوقيت. ثم اشتهر بعد ذلك أبومعشر البلخي ألفلكي فألف كتابه المملوء ب والأوهام ثم البتاني والبيروني والوسي وأمثالهم وقد نجوفي مؤلفاتهم نحوالاختبار والتحقيق أكثر من غيرهم.

وسموا علم البحث في إحكام كل وقت وزمان من الخير والشر وما يندمج في سلك ذلك من السعد والنحس إلخ، علم (الاختيارات) وفي مفتاح السعادة لطاش كبري وكشف الظنون للحاج خليفة وأسماء مؤلفات كثيرة بهذا ألفن. وسموا علم الرصد وما يبنى عليه من النافع والضار وما شاكل علم الزيج والزايرجة ولهم أزياج كثيرة عددوا أسماءها في كشف الظنون وغيره.

ولذلك ترى مؤلفاتهم كثيرة في أحداث الجو والآثار العلوية وأحكام النجوم والتأثيرات العلوية والزجر وألفال واستخراج الحب والضمير والتوفيق بين الطب والنجوم والاستدلال بالكسوفات على الحوادث وفي المذنبات وأيام العجوز وليعقوب ابن اسحق الكندي رسائل كثيرة في هذه الموضوعات كما نرى لغيره بعضها مثل أرسطووابن الخمار البغدادي والفارابي وابن سينا وابن خطيب الري والفضل بن حاتم النيريزي وأمثالهم.

فتحولت خذه العلوم من النجامة إلى الرمل وحساب النسيم والزايرجة. وقيل لها في أيامنا التبريج والتنجيم. وهكذا بقي الإنسان سحابة عصور طويلة وأحقاب مستفيضة منهمكاً بمراقبة النجوم ورصد الطوالع والمنازل يوفق بين سعودها وأعماله ويحذر من نحوسها ومستقبله فينقاد بأزمة الأوهام ويسكن بمسكنات الإنذار بالويلات ولله در القائل يخاطب أمثال هؤلاء الضالين:

يا راصد الخنس الجواري ... ما فعلت هذه السماء

مظلمونا وقد زعمتم ... أنكم اليوم أملياء

ولا نرى غير زور قول ... إذاك جهل أم ازدراء

إنا إلى الله قد علمنا ... أن ليس يستدفع القضاء

رضيت بالله لي إلهاً ... حسبكم البدر أوذكاء

ما هذه إلا نجم السواري ... إلا عباد يد أوإماء

يقضي عليها وليس تقضي ... وما لها في الوري اقتضاء

فمن هذه الاعتقادات ما هو مبني على قواعد علمية ومشاهدات إخبارية مثل علاقة القمر بالمد والجزر وتقلبات الهواء وحدوث العواصف حتى ثبت عند بعض الراصدين بعد مراقبة سنوات طويلة: أن الزوابع والعواصف تكون أكثر عدداً إذا كان القمر هلالاً وتقل إذا أبدر.

وكذلك معرفة الكسوف والخسوف بأوقاتهما ومواعيد رجوع المذنبات وقياس أبعاد الكواكب ومعرفة قطر الأرض ومحيطها وكرويتها ودورانها حول الشمس. وعلاقة السفع الشمسية (أي سواد الشمس) باضطراب حالة الأرض الجوية والداخلية فثوران البراكين والزلازل وشدة حرارة الصيف وبرد الشتاء والزوابع تكون إذا كانت السفع في معظمها أوأقلها لما يحدث من الاضطراب المغناطيسي. ومن مفاعيل حرارة الشمس أنها تسبب الرياح والغيوم والأمطار واختلاف الدورتين الهوائية والمائية فهي بحصر الكلام حياة الحيوان والنبات والجماد. وعرف المراقبون أن أكثر أيام الشهر مطراً يكون في اليوم التاسع من الهلال وأكثر ساعات النهار مطراً يكون في الساعة الرابعة بعد الظهر.

كل هذه الإستقراآت والمشاهدات حملت الناس على تأليه الشمس والقمر وعدهما سبب حياة العالم.

ومن هذه الاعتقادات ما لم يقم على صحته دليل قاطع حتى الآن وإن كان بعضها من الممكنات مثل اصطدام الأرض بالمذنبات أوبحلقة الشهب والنيازك التي تلتقي بمعظمها كل ثلاثين سنة مرة وميعاد رجوعها سنة 1929 م. أما ملتقى الأرض بالمذنبات فيكون بموعد كل منها بحسب مدته وهي كثيرة الأنواع مختلفة المدات. على أن الرصد أفادنا أن اصطدام المذنبات بالأرض لا يضر هذه لأن مذنب بيالا سنة 1852 انقسم بصدمته شطرين ثم تفتت وكان آخر العهد به، فلذلك كان تكهن بعض العلماء من هذا القبيل لا يريب العقلاء والمفكرين وإن كان قد أقلق العامة في أزمان مختلفة. على أن مخاطر الأرض كثيرة فقد يمكن أن يكون تفانيها بجفاف البحار والأنهار وانقطاع الأمطار ونضوب المياه وتوسيع نطاق الرمضاء كما هو الحال في المريخ الآن أويكون بفقدها هو اءها وزوال بخارها المائي فلا تنعقد السحب في جوها ولا يجد المتنفس أوكسجيناً يدخل رئتيه فتموت الناس اختناقاً كما هو الحال في القمر الآن أويكون موت الناس غرقاً بمياه البحار التي تدفعها البراكين المنفجرة في قلبها فترفعها من أماكنها وترسلها على البر فتجعل النجاد سهو لاً وتصير الكرة ملساء بلا تضاريس وتغير سطحها فتغمرها المياه. وكذلك إذا تراكمت الثلوج وقطع الجمد في القطبين الجنوبي والشمالي فتجتمع وتزيد مساحتها إلى أن تصل إلى المحيطين فتملأها وتدفق مياههما على الأرض فتغرقها وتغطيها بالجمد. ومثل هذا أيضاً إذا كثر سجل المياه للشواطئ وجرف السيول للأتربة ووضعها في البحار فقد تزول اليابسة متوارية تحت أعماق المياه.

فمثل هذه الأسباب ممكنة منتظرة ولكن لا يعلم وقت حدوثها إلا خالق العالم الذي تسمح إرادته العالية بفناء العالم كما سمحت ببقائه لأسباب يريدها هو ونحن لا نعرف لها وجهاً ولا يمكن التذرع إلى استطلاعها بوسيلة.

فبعد أن عرفنا من هذه المقدمات هذه النتائج نقول أن أول من سلك البحار بدلالة النجوم الفينيقيون سكان شواطئ آسيا وجرى مجراهم اليونان منذ حرب طروادة سنة 12. . ق م والعرب أيضاً في إبان مجدهم ومعرفتهم الملاحة، فكان نجم القطب وغيره من السور الثابتة قائداً لهم ودليلاً في أسفارهم حتى إذا توارت هذه الأدلة بالغيوم عمدوا إلى الاستدلال بالإبرة المغناطيسية. ولكن بقي المقام الأول للملاحة معتمداً على النجوم ومطالعها.

ولما كانت النيرات والكواكب أساساً لتقسيم الوقت كان القدماء من مثل السريان والعبران والعرب والهنود والصينيين قد قسموا السنة إلى اثني عشر شهراً والشهر إلى أربعة أسابيع والأسبوع إلى سبعة أيام فجعلوا لكل يوم من الأسبوع كوكباً من السيارات السبع لعهدهم والشمس والقمر والمريخ والمشتري والزهرة وعطارد وزحل ولا تزال تسمية الأيام عند الفرنج مبنية على هذه العلاقة، ونسبوا إلى ذلك كثيراً من التأثيرات الغريبة في طبائع الكائنات مع أنهم كانوا يجهلون شؤونهم الخاصة على حد قول شاعر العرب:

وما الذي تدريه في فلك العلي ... إذا كنت في أحوال دارك جاهلاً

أما العرب فقد قسموا الأفلاك إلى تسعة منها سبعة للكواكب السيارة والثامن للكرسي وهو فلك النجوم الثوابت أو الفلك المكوكب والتاسع وهو العرش ويعرف بالأطلس لخلوه من الكواكب، ولهذه الكواكب في الأفلاك أبراج عددها اثنا عشر فبعضها له منها برج والبعض برجان، وهذه البروج تنقسم إلى نارية ومائية وهو ائية وترابية وإلى صيفية وخريفية وشتوية وربيعية وإلى شمالية وجنوبية ومرتفعة وهابطة وسعيدة ونحسة. ومنازل القمر ثمان وعشرون منزلة يحل كل يوم من الشهر منزلة منها ويستتر.

والكواكب السيارة منقسمة إلى سعد ونحس وممتزج، ولكل نجم شرف في المنازل فشرف زحل في إحدى وعشرين درجة من المنيران وشرف المريخ في ثمان وعشرين من الجدي والشمس في تسع عشرة من الحمل. وعطارد في عشرين من السنبلة. والزهرة في سبع وعشرين من الحوت والمشتري في أربعة عشرة من السرطان والقمر في الدرجة الثالثة من الثور إلى غير ذلك من أمثال هذه الاختيارات

ومن كلفهم في هذا التأثير أن الخليل بن أحمد الفراهيدي مخترع العروض قد وجد اتفاق الحروف مع النجم فقال أن عدد الحروف العربية بعدد منازل القمر (28) وغاية ما بلغ إليه الكلام مع الزيادة (7) أحرف كعدد السيارات. وصور الزوائد (12) كعدد البروج. وما يدغم من الحروف مع لام التعريف عدده (14) ويعرف بالشمسي وهو مثل منازل القمر التي يسيرها تحت الأرض و (14) فوقها. فتأمل

ولم ينحصر ذلك في اللغة بل تجاوزها إلى صناعة الطب فإنهم اعتمدوا على كثير من العلاجات على مثل هذه الموافقات والظواهر ألفلكية فهذا ابن أبي أصيبعة قد روى في كتاب (طبقات الأطباء): أنه نقل من بعض الكتب أن بختيشوع (الطبيب المشهو ر) كان يأمر بالحقن والقمر متصل بالذنب فيحل القولنج من ساعته. ويأمر بشرب الدواء والقمر على مناظرة الزهرة فيصلح العليل من يومه.

ولا بأس أن نلم بمعتقدات القدماء في مثل هذه المظاهر ألفلكية فقد ذهب أرسطو وتبعة العرب وأهل القرون الوسطى: أن المذنب ليس إلا أبخرة تتصاعد عن الأرض حتى تبلغ طبقة الهواء المجاورة لكرة النار فتتحرك بحركة تلك الطبقة على الاستدارة ثم تستطيل وتتكاثف إلى أن تحترق فتتوقد وتتألف حتى تنطفي نارها فتتوارى وهو من أعقم المذاهب وأدناها في نظر المحققين من العلماء.

ومن مزاعم هذا ألفيلسوف أيضاً أن كرة الهواء تقسم إلى ثلاث طبقات فالسفلى تعيش فيها الحيوانات والنباتات وهي غير متحركة كالأرض التي تحتها والوسطى عليها وهي بغاية البرودة غير متحركة أيضاً. والعليا مجاورة لكرة النار تتحرك بحركة ألفلك الأعظم اليومية، وإن الأبخرة التي تتصعد من الأرض تسخن في طبقة الهواء التي تجاور كرة النار فتحمى وتتألف ثم تستطيل بدورانها.

ويروى أن ديموقريطس زعم أن بعض المذنبات ليست إلا أرواح المشاهير حتى تابعه بودين من فلاسفة القرن السادس عشر. ومن أقواله في هذا الوهم: إنني أعتقد اعتقاد ديموقريطس أن الكواكب هي أرواح المشاهير تصعد إلى السماء ظافرة مزدهية ولذلك كانت الحروب والأوبئة والمجاعات وأمثال هذه النكبات الجائحة تدمر الأرض عند ظهورها إذ تفقد عظماءها ونوابغها فلا يبق فيها من يدبر شؤونها.

وعلى هذا العزم الباطل توهموا أن مذنب هالي الذي ظهر سنة 43 ق م هو روح جوليوس قيصر إمبراطور رومية الذي قتل بعد ظهوره بقليل. وأشاعوا بينهم هذه الرواية وهي أن قيصر هذا تحول كوكباً وهاجاً وانتظم في سلك الآلهة العلوية وأيد قولهم شدة تألقه حتى كان يرى في الهاجرة.

ومن أغرب هذه المعتقدات أن تبقى راسخة في الأذهان حتى أوائل القرن الماضي فإن ألفرنسيين مع مدنيتهم العصر يتفاءلوا يوم ولادة نابليون بونابرت بظهور مذنب في 8آب سنة 1769 وذلك قبل ولادته بأسبوع، وتشاءموا بظهور مذنب في 21 كانون الثاني سنة1821 واشتداد تألقه في أوائل أيار ولاسيما في 5 منه يوم مات نابليون فجمعوا بهذا بين المعتقدين.

ومن مزاعم القدماء في كسوف الشمس وخسوف القمر اضطرابهم جميعاً حتى الملوك والعظماء فكان هؤلاء كثيراً ما يوصدون أبواب القصور ويلحقون شعور أولادهم حزناً وحداداً ويقدمون القرابين للآلهة وللكواكب دفعاً لغضبها وتمويهاً على الشعب بإلقاء الرعب في قلوبهم، ولاسيما عند اليونانيين والرومان.

وأما الهنود والصينيون فيشهدون الأهازيج ويطلقون البنادق ويقرعون النحاس لإعادة نظام النيرين ومثل ذلك يجري عندنا حتى اليوم في بعض الأماكن.

وكثير من الإفرنج ينسبون للقمر أيام نحس وسعد فمنهم من يتفاءل بالزواج في ليالي نموه وإبداره ومنه من يتفاءل بمحاقه فيفضل أهل أثينا ليلة الهلال.

وأهل اسكتلندا اليوم الأخير من السنة، يعتقد الدانمركيون أن المولود والقمر في الزيادة بولد بعده من جنسه وبالعكس إذا كان القمر في النقصان.

وإذا ولد والقمر في الحضيض مات قبل سن الرشد وإذا ولد في سنة كبيسة مات هو وأمه في ليلة واحدة وعند بعضهم أن دلك اليدين في ضوء القمر يذهب الثآليل والدمامل، وعندنا أن عد النجوم يولد الثآليل، ومن مزاعم الإفرنج في الشهر أن مولودة كانون الثاني مديرة للمنزل مائلة للسويداء والكآبة ولكنها كريمة الأخلاق. . . . وشهر تشرين الثاني عند ألفرنسيين شهر الأموات وعند الهولنديين شهر السرور وألفرح فيكثر فيه الزواج، ويعتقدون أن شهر آب تحت حكم الأسد والعذراء فمن أوله إلى 21 منه يحكم برج الأسد ومن 22 إلى نهايته يحكم برج العذراء فمن ولد في الأيام التي يحكم فيها برج الأسد ينال الثروة والمجد ويكون من أرباب الترف واللهو ولكنه يصاب بالخصام في أسرته والحزن عليها وقد ينال ربحاً من إرث أونصيب.

ومن ولد في الأيام التي يحكم فيها برج العذراء كانت حياته معرضة لخطر عظيم في صغره ولا أمل له بغير الإرث وكل ما يرثه يكون موضوع النزاع.

والرومانيون واليونان وألفرنسيون والإنكليز يتشاءمون من شهر أيار ولا يتزوجون فيه والزواج في حزيران وتشرين الأول ميمون إلى غير ذلك.

وأما الاعتقاد في أيام الأسبوع فالأميركان كانوا يقولون أن مولود يوم الاثنين يكون جميل الوجه والثلاثاء ممتلأ من نعمة الله والأربعاء مسروراً وبشوش الوجه والخميس تعساً شقياً والجمعة هبة إلهية والسبت منهمكاً في تحصيل معاشه والأحد مستغنياً لا يحتاج إلى شيء. والعطاس يوم الاثنين ينذر بالخطر والثلاثاء يدل على قبلة من أجنبي والأربعاء للحصول على رسالة والخميس لليمن والجمعة للحزن والسبت لمقابلة حبيبة والأحد للعياذ من الشيطان.

ويوم الأربعاء أحسن الأيام والخميس آلام والجمعة خسارة والسبت خطر على العروس والأحد ندم على ما فعلت وأما بالنظر إلى الأشغال فالأربعاء عندهم أقبح الأيام والسبت أحسنها.

وتقليم الأظافر يوم الاثنين للأخبار والثلاثاء لزوج أحذية جديد والأربعاء للصحة والخميس للثروة والجمعة للحزن والسبت للسفر والأحد للمصيبة.

والزواج يوم الاثنين للثروة والثلاثاء للصحة والأربعاء أفضل يوم والخميس للبلايا والجمعة للخسران والسبت لحرمان الحظ ونيل التعاسة.

ورأيت في تعاليق بعض المخطوطات التي أحرزها من مكتبتي ولاسيما (شرح السبط المارديني لفرائض السخاوي) وهو من نوادر المخطوطات ما يوافق هذه النظرات عند العرب فمما ينسب إلى الإمام الشافعي قوله في أيام الأسبوع وتنسب إلى الإمام علي أيضاً:

لنعم اليوم يوم السبت حقاً ... لصيد إن أردت بلا امتراء

وفي الأحد البناء لأن فيه ... إبان الله إطباق السماء

وفي السماء إن سافرت فيه ... فترجع بالمليح وبالثناء

وإن رمت الحجامة في الثلاثا ... ففي ساعاته هرق الدماء

وإن شرب امرؤ منكم دواء ... فنعم اليوم يوم الأربعاء

وفي يوم الخميس قضاء حاج ... لأن الله يأذن بالقضاء

وفي الجمعات تزويج وعرس ... فتجتمع الرجال مع النساء

ولابن حجر العسقلاني:

قص الأظافر يوم السبت آكلة ... تبدووفيما يليه يذهب البركة

وعالم فاضل يبدوبتلوهما ... وإن يكن في الثلاثا فاحذر الهلكة

ويورث السوء في الأخلاق رابعها ... وفي الخميس يأتي لمن سلكه

والقسم والعلم زده في عروبتها ... عن النبي رويانا فالتفوا نسكه

وسعود الأيام ونحوسها هو بحسب ما ورد في كتاب (جامع ألفنون وسلوة المحزون)

لابن شبيب الحراني المتوفي سنة 695 هـ (1295م) من نوادر مخطوطات مكتبتي ونسخه عزيزة الوجود. إن يوم الجمعة أفضل الأيام يحمد فيه الزواج والراحة وتقليم الأظافر والسبت يوم راحة لا يجوز فيه صرم النخل. والأحد أول يوم للخليقة يصلح فيه البناء وابتداء كل عمل، والاثنين مبارك ترفع فيه الأعمال والثلاثاء للحجامة والقعود وإصلاح حال النفس والأربعاء قليل الخير ولاسيما آخر أربعاء الشهر فهو يوم نحس مستمر يشرب فيه الدواء ويحمد فيه دخول الحمام وترك الشغل والخميس مبارك للابتداء بالسفر ولطلب الحوائج وفي المأثور عن الرسول بورك لأمتي في بكور سبتها وخميسها ويكره فيه الحجامة والقصد.

وشهر محرم أوله عند ملوك العرب يجلسون فيه للهناء كالأعياد، وصفر القعود فيه أولى من الحركة، وربيع الأول شهر مبارك. وجمادى الأولى مبعث الحوادث العجيبة حتى قالوا العجب كل العجب بين جمادى ورجب. ورجب الأصم يمتنع فيه الحرب والاستئثار عند عرب الجاهلية ورمضان شهر مبارك للصوم والاستغفار إلى غير ذلك مما اقتطفته من صفحات كثيرة للاستدلال على اعتقاد العرب.

ومن نوادر المنجمين عندهم أن هارون الرشيد مرض فأتى بمنجم فأخذ المنجم له تقويماً فتغير وجهه، فقال له هارون الرشيد أصدقني ما سبب تغير وجهك وما ظهر لك وأنت في أمان فأجابه أنه لم يبق لأمير المؤمنين إلا أيام قليلة وبينما هارون الرشيد مضطرب لهذا النبأ إذا بجعفر البرمكي وزيره قادم عليه فأعلمه بالقصة فاستدعاه إليه وقال له: كم عمرك؟ فقال ثلاثون سنة فقال له جعفر خذ تقويمك لنرى كم تعيش فقال ثلاثاً وثلاثين سنة فقال له هارون مر بقتله فقتل فقال له: لوكان صادقاً لصدق بنفسه. وعاش بعد ذلك هارون أعواماً.

ولما أراد الخليفة المعتصم العباسي فتح عمورية سنة 223 هـ (238 م) جمع المنجمين ليختاروا له الطالع السعيد للهجوم عليها فحذره من ذلك لأن المذنب هالي كان قد ظهر قبل ذلك أي سنة 222 هـ (837م) وقد وصفه المؤرخون مثل ابن الأثير وابن أبي أسامة وغيرهما. ولكنه اضطر إلى فتحها فظفر بها واكتسحها فقال أبوتمام قصيدته البائية المشهورة ساخراً بالمنجمين وهي من مشهورات القصائد الواقعية جاء فيها:

السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصفائح في ... متونهن جلاء الشك والريب

والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أين الرواية بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

تخرصاً وأحاديثاً ملفقة ... ليست بنبع إذا عدت ولا غرب

عجائباً زعموا الأيام مجفلة ... عنهن في صفر الأصفار أورجب

وخوفوا الناس من دهياء مظلمة ... إذا بدا الكوكب الغربي ذوالذنب

وصيروا الأبراج العليا مرتبة ... ما كان منقلباً أوغير منقلب

يقضون بالأمر عنها وهي غافلة ... ما دار في فلك منها وفي قطب إلى آخر ما هنالك من التهكم ووصف بسالة المعتصم وإقدامه وتنكيله بأعدائه

ومن لطيف ذلك أن عبد الملك بن مازة البخاري دخل عليه مملوك وفي يده قوس فقال مشيراً إلى حلول الشمس بالقوس سعد وبالعقرب نحس:

تهاني لما بدا عقرب ... على خده أن أروم السفر

فقلت وفي يده قوسه ... أسير ففي القوس حل القمر

ومثل ما عند العرب كان عند الأعاجم فالتاريخ يروي لنا: أنه بينما كان أسطول اليونان على أهبة السفر لمحاربة السبرطيين في 3 آب سنة 431 ق م وكان بيركليس على ظهر السفينة حدث كسوف فتشاءم البحارة من ذلك الظلام القاتم وكادوا يتقهقرون جزعاً فأسرع بيركليس ووضع رداءه على وجه أحد القواد قائلاً له: أست في ظلمة وهل في ذلك ما يخيفك؟ وأي فرق بين هذا الظلام وذاك القتام سوى أن الأول ناتج عن شيء أعظم من ردائي وهكذا استبقى قواهم واستعاد نشاطهم. إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة.

هذا ما احتمله المقام من النظر في أوهام الناس في الأفلاك والمواقيت ونحوها مما يتعلق بالجو وظواهره وفي فرصة أخرى إن شاء الله نعود إلى الكلام في تأثير النجم من سيّار وثابت على البسطاء عند الأمم قديمها وحديثها.

زحلة (لبنان):

عيسى إسكندر المعلوف