مجلة المقتبس/العدد 9/خواطر سائح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 9/خواطر سائح

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 10 - 1906



لا نخال أحداً من الناطقين بالضاد يجهل مكانة الأستاذ العالم الشيخ عبد المحسن الكاظمي البغدادي نزيل القاهرة ورسوخ قدمه في الشعر بعد أن حمل المؤيد والمنار قصيدته العينية الشهيرة إلى الأقطار التي يتكلم أهلها بالعربية ولقد أتحفنا حفظه الله بالقصيدة الآتية أرسلها إلى صديق له جواباً عن قصيدة وقد ضمنها ما رآه واختبره في رحلته من - أبو شهر - أحد الثغور الفارسية إلى القاهرة وهي كما يراها قراء المقتبس تصورات عصرية بأسلوب بدوي متين وسبك محكم رصين وهذه هي:

جوىً أودى بقلبك أم وجيبُ ... غداة حدا بك الحادي الطروبُ

بعدت عن الديار وصرتَ تدعو ... على البعد الديارَ ولا مجيب

رحلت وأنت للعلياءِ صاد ... تحوم على الموارد أو تلوبُ

وخلفت المنازل آنساتٍ ... سروب الغيد تتبعها سروب

تشق حشاك من كلف عليها ... وتأنفُ أن تشقَّ لك الجيوب

وتسحب كالأنيس فضول برد ... وفي برديك ذو شجن كئيب

تشدُّ الرحل من بلد لأخرى ... وما لمناك من بلد تصيب

وتبلو الناس فرداً بعد فرد ... وما في الناس إلا ما يريب

كأنك ترود مرعى كل أنس ... ومرعى الإنس في الزورا خصيب

وفي مصر أراك وأنت لاهٍ ... وقلبك في العراق جوىً يذوب

فكم والى مَ تنجب ثم تبكي ... ولا يجدي البكاء ولا النحيب

وتشرب ماَء جفنك وهو ملح ... ووردك بالحمى عذب شروب

كأن الدمع بنطف وهو قان ... عصارةُ كرمة والجفن كوب

دع الأنفاس تصعد محرقات ... وخل الدمع من علقٍ يصوب

لقد بان الخليط فلا خليط ... وقد بعد الحبيب فلا حبيب

فلا تتكلفنَّ لي التصابي ... ولا تسم الحشا ما لا يثيبُ

فلا حلوان في عينيَّ تحلو ... ولا طيب الجنينة لي يطيب

وما في ذا الحمى لي من حميم ... بصحبته ألذُّ واستطيب

ورب أخ رماه البين عني ... بعيداً وهو من قلبي قريب أناديه ولم أرَ من أنادي ... وأسأله النوال فلا يجيب

أقول له وقد أحصى ذنوبي ... من الحسنات أن تحصى الذنوب

يعاتبني وقلب الحرّ أدرى ... بما تطوي الأضالع والجنوب

ويزعم أنني ثمل طروب ... وما أنا ذلك الثمل الطروب

أخيّ أعر مناديك ابن سمع ... يصيخ إلى الدعاء ويستجيب

عساك ترد من ذا العتب عني ... لنفسك أو إلى العتبى تثوب

أراك أرتبت من حالات نفسي ... وما في النفس من حال يريب

أعد نظراً تجد عذري صريحاً ... وعذر المرءِ آونة مشوب

فما كانت قطيعتنا جفاءً ... فيوهم ظنك الحلمُ الكذوب

فكن مني على ثقة وحول ... ظنونك أن بارقها خلوب

فما أنا من تغيره الليالي ... وتثنيه الحوادث والخطوب

ينوب بهاك لي عن كل حسن ... وما عن حسن وجهك من ينوب

إذا ما عنَّ ذكرك لي تنزت ... له كبدي وطار بها الوجيب

أعيذك من جوى شبت لظاه ... ببينك واستمرَّ لها الشبوب

وأشفق أن أبثك بعض ما بي ... وبعض الغيب يعلمه اللبيب

أؤمل أوبة مما تقضى ... واعلم ما تقضى لا يؤوب

فمن عبثت بنا نطف التصابي ... ومالت للقبول بنا الجنوب

فبينا تجمع الشملَ الأغاني ... إذا بالشمل فرقه نعيب

بنفسي ما بنفسك يوم شطت ... (أبو شهر) وسرت ولا صحيب

أقمنا برهة والفجر طفل ... بطلعته قرون الليل شيب

وسرنا والهموم لها انسياب ... علينا والظلام له دبيب

وعجنا راكبين اليم فلكاً ... وهل أغني الفوارس ذا الركوب

بواخر من بنات الماء شماً ... على هام السحاب لها سحوب

تحلق كالعقاب بنا وتهوي ... هويّ الطود أوهته الخطوب

ولم يرعِ الحشا منا ومنها ... صعود بالعواصف أو صبوب تكفُّ الموجَ وهو بها محيط ... نزاع النفس لاقتها شعوب

ومن عجب على الأمواه تطفو ... وبين ضلوعها أبداً وجيب

بلغت بها قرارة كل لج ... بعيد القعر لؤلؤهُ رطيب

هنالك شمت لألاَء اللآلي ... ولم تعبث برونقها الثقوب

وجزت به أقاصي كل ثغر ... تسيب به المخاوف ما تسيب

وظلت أجزّ لمة كل ليل ... له الولدان من هول تشيب

وأرضِ جزتها من بعد أرض ... سباسبها المريعة والسهوب

أعوج بحارها طوراً وطوراً ... أجوب من الموامي ما أجوب

إلى أن قادني أملي لمصر ... قياد الجامحات وهنّ لوب

وجاذبني إليها الشوق حتى ... سلست وراض مصعبي الجذيب

إذا بالنيل رقراق الحواشي ... قريب النيل جارفه عزيب

إذا ما سال سال بكل شعب ... وسالت في أباطحه الشعوب

كأن عليه من ذهب مذاب ... مزيج باللجين ولا مذيب

وما أحلى الجزيرة من محل ... ترفّ على جوانبه القلوب

تحفّ بها رياض طيبات ... يطيب بنشرها الأرج المطيب

عليها تصدح الورق ارتياحاً ... ويشدو في رباها العندليب

وألفيت البلاد طغت خمولاً ... ودب بأهلها الكسل الدبوب

وأسواق البطالة عامرات ... ووادي الموبقات بها عشيب

وفيها من سمات الخصب لفظ ... يفاه به ومعناه جدوب

وماءُ العز أدركه نضوب ... بها أو كاد يدركه النضوب

بقاصمة الفقار رمى قراها ... ولما يخطها الرامي المصيب

وهل أبقى لها إلا بقايا ... حشاً بليت كما بلي الشعيب

فلا ينفك ينهبها وكل ... بها من حيث لا يدري نهيب

فقمت مغاضباً شعباً فشعباً ... وكل جوارحي منها شعوب

أيا أهل الحمية كيف أضحى ... حماكم وهو من عزّ حريب أليس الشرق بالإشراق أحرى ... وأجدر منه بالغرب الغروب

فما لطنوبكم قصرت وطالت ... من الغربي فوقكم طنوب

تطول جبالكم منها الروابي ... وتعلو هامكم منها العجوب

رضيتم بالقعود على الدنايا ... ومنهجكم إلى العليا لحيب

ترومون الفخار على الأعادي ... وعن خطط الفخار لكم نكوب

وترجون الخلاص من احتلال ... وعار الاحتلال بكم لصيب

كما يرجو الفريس خلاص نفس ... وقد علقت من الأسد النيوب

أتيت لأستطب فزاد سقمي ... وقد يفضي إلى الداءِ الطبيب

لها بقية