مجلة المقتبس/العدد 78/تاريخ الحضارة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 78/تاريخ الحضارة

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 8 - 1912


مترجم عن الإفرنسية

نتائج الحروب الصليبية - كانت نتيجة الحروب الصليبية قصيرة العمر فلم تستطع مملكة القدس أن تقاوم المسلمين بل انحلت سنة 1291 ودك البيزنطيون أساس الإمبراطورية اللاتينية التي أسست سنة 1204 ولكن القبر المقدس أخذ يجذب إليه كل سنة ألوفاً من الحجاج فخصصت لهم سفن تقلع من البندقية وجنوة ومرسيليا وهكذا ابتدأت الصلات المنظمة بين إيطاليا والشرق.

ولم تكن توجد أدوات الزينة وحاصلات البلاد الحارة وأباريز الهند (كالفلفل وجوز الطيب والزنجبيل والقرفة) والعاج وحرير الصين والأقمشة والبسط والسكر والقطن والأوراق إلا في أسواق الآستانة وبغداد والإسكندرية وكانت هذه السلع التي يرغب فيها الغربيون من وراء الغاية ويبذلون في سبيلها كل مرتخص وغالٍ تربح أرباحاً فاحشة فقد بدأ أهل البندقية رعايا الإمبراطورية البيزنطية يتجرون مع بيزنطة: وأخذ الناس في أوربا في القرن الثاني عشر يؤثرون أن يذهبوا لاستبضاع متاجر الشرق من مصادرها فتبعث المدن التجارية الكبرى في ذاك العهد كالبندقية وجنوة وبيزا سفنها إلى موانئ فلسطين حيث كانت تصل قوافل دمشق وبغداد وكان للبنادقة في القرن الثالث عشر حي خاص في القسطنطينية بعد أخذها ومكاتب تجارية حتى البحر الأسود حيث يتجرون وطربزون وسمح أمراء المسلمين في مصر وطرابلس الغرب بالتجارة مع رعاياهم وعقدت البندقية وجنوة معاهدات تشبه هذه فأخذت مراكب البندقية وجنوة ترد بصورة منظمة إلى الإسكندرية تقل الأباريز والأقمشة وعلى هذا فالصلات بين الغرب والشرق قد بدأت بحرب بين المؤمنين وانتهت بمسائل بين المتجرين وآثر التجار الألمان وكانوا إلى القرن الحادي عشر يجلبون بضائع الآستانة بركوب المراكب في نهر الدانوب أن يجتازوا جبال الألب ويبتاعوها من تجار إيطاليا فتغير طريق التجارة الأعظم وترك طريق الدانوب وأصبح طريقها من الإسكندرية ماراً بالبندقية فثنية برنير فأكسبورغ فنورمبرغ.

الصلات بين الشرق والغرب - تحضر الغربيون باحتكاكهم مع الشرقيون وأنه ليعتذر القول في تحديد الطريق التي دخل منها إلى أوربا اختراع من اختراعات الشرق فه انتهت إلينا من طريق أهل الصليب في فلسطين أو من طريق التجار الإيطاليين أو الحرب في صقلية أو من المغاربة في أسبانيا ولكن يمكن تقدير الحساب بما نحن مدينون به للعرب وهذا الحساب يطول شرحه.

فقد أتانا من العرب (أولاً) الحنطة السوداء والهليون والقنب والكتان والتوت والزعفران والأرز والنخيل والليمون والبرتقال والبن والقطن وقصب السكر التي أصبحت من أهم زراعات أميركا (ثانياً) معظم صناعاتنا في التزين مثل الأقمشة الدمشقية القطنية والسختيان وأقمشة الحرير المزركشة بالذهب أو الفضة والشاش الموصلي والشفوف (البرنجك) والصندل والحبر والمخمل الذي زيد إتقانه في إيطاليا بعد حين والزجاج والمرايا التي قلدوا في البندقية والورق والسكر وعمل الحلويات والمشروبات (ثالثاً) مبادئ كثير من علومنا كالجبر وحساب المثلثات والكيمياء والأرقام العربية التي اقتبسها العرب من الهنود فسهل بها الحساب مهما كان صعباً. دع عنك السحر وعمل التعاويذ التي اعتقد فيها الإيطاليون إلى يوم الناس هذا وحجر الفلاسفة الذي كان بعض أمراء الألمان يبذلون من مالهم للبحث عنه حتى القرن السابع عشر وذلك بواسطة صناع الذهب أو الكيماويين.

ولقد جمعت العرب وقربت جميع الاختراعات والمعارف المأثورة عن العالم القديم في الشرق (كيونان وفارس والهند بل والصين) وهم الذين نقلوها إلينا ودخلت كثير من الألفاظ العربية في لغاتنا وهي تشهد بما نقلناه عنهم. وبواسطة العرب دل العالم الغربي الذي أصبح بربرياً في غمار المدنية فإذا كان لأفكارنا وصناعتنا ارتباط بالقديم فإن جماع الاختراعات التي تجعل الحياة سهلة لطيفة قد جائنا من العرب.

تأثير الحروب الصليبية في المعتقدات - أثر الاحتكاك بالشرق في الأفكار الدينية بين المسيحيين أيضاً فقد تحمسوا أولاً للنزال والطعان ولما شاهدوا المسلمين عن أمم رأوا بينهم رجالاً أشداء منورين كرماء أمثال صلاح الدين الذي أخلى سبيل أسرى المسيحيين بدون فدية وبعث بطبيبه إلى أحد زعماء الصليبيين وقد مرض ليداويه فبدأ المسيحيون يحترمون المسلمين وإذ أراد الصليبيون أن يثبتوا فضائل الديانة المسيحية للمسلمين واليهود تناقشوا بينهم فاضطرتهم المناقشة أن يقابلوا بين الأديان الثلاثة ومن هذه المقابلة استنتج بعضهم أن الأديان الثلاثة باطلة إذ أن كل واحد منها يدعي أنها حقيقية وما عداها باطل فقالوا أنه لو جاء ثلاثة دجالين عظام (كذا) موسى ويسوع المسيح ومحمد (صلوات الله عليهم) فخدعوا اليهود والنصارى والمسلمين وهذه الجملة نسبت خطأ إلى الإمبراطور فريدريك الثاني وسرت في إيطاليا في القرن الثالث عشر. واستنتج آخرون العكس فقالوا أن الأديان الثلاثة حسنة كلها وقصوا هذا المثل: كان لرجل خاتم له ارتباط بإرثه وكان يحب أولاده الثلاثة بدرجة واحدة فصنع خاتمين اثنين يشبهان خاتمه ودفع إلى كل واحد منهم خاتماً ثم مات الأب فأنشأ كل من الأولاد الثلاثة يطالب بالإرث الذي له علاقة بالخاتم فقضى القاضي أن يرث الإرث ثلاثتهم فالنصارى والمسلمين واليهود كلهم ثلاثة أبناء لأب واحد سماوي أراد أن يكون لكل منهم حظ من إرثه. وقد جعل المسيحيون في آخر هذه القصة اختلافاً فقالوا أنهم أتوا بمريض وأمسكوه الخواتم الثلاثة فشفى عندما يمس الخاتم الحقيقي والمعجزة محك الدين الحق. والمعجزات قالت أن النصرانية أفضل.

فرنسا في القرن الثالث

الملكية الفرنسوية في القرون الوسطى

ارتقاء الملكية عَلَى عهد الكابتيين - لم يكن ملك فرنسا سيداً إلا في محلته جاء القرن الثاني عشر وأملاكه لا يعتد بها فكانت سياسة البيت الملكي في فرنسا سياسة أسرة من الفلاحين تبحث في توسيع أملاكها فيقتنى أفراده بالبيع والزواج والفتوح أملاكاً يضمونها إلى أملاكهم رويداً رويدا فيبسطون يديهم مرة عَلَى ولاية وأخرى عَلَى كونتية صغيرة (سانس وملون) وأحياناً عَلَى محلة صغرى (مثل مونتلرة وبوجنسي) وقد زادت أملاك البيت المالك عَلَى عهد فيليب أغسطس ثلاثة أضعاف ما كانت عليه بأخذ أملاك دوج نورمانديا. فكثر عديد الفرنسان في جيش الملك كما كثر المال في خزائنه والرعايا في أملاكه أكثر من كل أمير في فرنسا وأصبح أقدر سيد في مملكته وأناب عنه في أملاكه المنتشرة في أقطار فرنسا حكاماً أخذوا يضيقون خناق وكلاء كبار السادات ليجعلوا اسم سيدهم محترماً في كل صقع وناد.

باريز عَلَى عهد فيليب أغسطس - كانت باريز في القرن التاسع عشر عَلَى عهد حصار النورمانديين لا تتجاوز رقعة الجزيرة وفي أواخر القرن الثاني عشر امتدت عَلَى ضفتي السين ولكن يجعل فيليب أغسطس الحياء الجديدة بمأمن من هجمات العدو أنشأ حول المدينة التي وسعها عَلَى هذه الصورة سوراً غليظاً ذا أبراج لا تزال ترى إلى اليوم بعض بقاياه وظلت المدينة أبداً في الوسط وهناك كانت الكنيسة الكاتدرائية (التي أصبحت بعد كنيسة نوتردام) ومقر الأسقف وقصر الملك (حيث جمع سان لوي فيما بعد مجلس نوابه وأصبحت دار العدل أو ديوان المظالم) وعلى الشاطئ الأيسر من ناحية جبل سانت جنيفيف طلبة المدارس ورجال الكهنوت الذين يختلفون إلى المدارس ومن هذه الجهة انتهى السور أمام طرف جزيرة تورنل ماراً بجبل سانت جنيفيف وامتد إلى نهر السين قبالة متحف اللوفر. وعلى الجانب الأيمن يبدأ السور قبالة المدينة وينتهي باللوفر. وكان السكان في هذه البقعة الضيقة يزدحمون حتى لا يضيعوا فراغاً عظيماً فكانت الأزقة ضيقة معوجة ومظلمة لا بلاط فيها ولا نور. وليس فيها بوليس تقرع كل مساء علامة الانصراف إلى البيوت فيعود الأهالي الوديعون إلى منازلهم ويغلقون أبوابهم وكانت الأزقة عرضة للصوص والمتشردين من كل جنس ومن خطر الجلل أن يلقي المرء نفسه في التهلكة باجتيازها.

وما كان لمدينة بايز إدارة عامة بل كانت مبنية عَلَى أرض شطر منها فقط ملك الملك وكانت عدة أحياء ولاسيما ما بني منها خارج السور من الأرباض مبنية في أملاك الأديار التي كانت بادئ ذي بدء بنيت في القرى مثل سان جرمان دي برى (بالقرب من برى أو كلرك الذي كان يمتد إلى شاطئ السين) سان مرتان دي شان وسان جنيفيف وليس الملك هو السيد في هذه الأحياء بل رئيس الدير وله الحق لا أن يتقاضى كراء البيوت التي بنيت في أملاكه بل أن ينظر في محكمته في قضايا السكان والجرائم المرتكبة في حيه أجمع.

وبعد فما كانت باريز جسماً واحداً حتى أن شطرها الذي هو ملك خاص للملك يكن منظماً تنظيم المديريات كما كانت كثير من المدن الصغرى (مثل أمين وسواسون وبوفى وغيرها) وليس لباريز سجل مديرية ولا شيخ بلد ولا مراقب بل كان العملة الذين يعملون عملاً واحداً والتجار الذين يتجرون بنصف واحد في باريز وفي غيرها من المدن يجتمعون اجتماعات لكل منها نظامه وصندوقه وزعماؤه. وكانت أقوى النقابات في باريز نقابة تجار الماء أي النواخذة مجزي المراكب الذين كانوا يتجرون عَلَى السفن في نهر السين ولهم زعيمهم وسموه أمين التجار (شاهبندر) ومجلس إدارة مشايخ البلد وما لبث أمين التجار ومشايخ البلدان عدوا بمرور الأيام ممثلي الطبقة الممدنة في باريز وسمي البيت الذي كانوا يجتمعون فيه منزل المدينة أو المجلس البلدي وسمى اجتماعهم جماعة المدينة ولا يزال لمدينة باريز إلى اليوم شعار من قارب بقلوع رمزاً إلى جماعة تجار الماء وأول من سعى في تحسين عاصمته فيليب أغسطس رأس ملوك فرنسا فلم يسورها بسور فقط بل رصف بعض أزقة المدينة وطم البواليع القذرة التي كانت حول قصره وما بدأت إقامة المصانع الجميلة إلا في القرن الثالث عشر ولم يبق في باريزنا الحديثة من باريز فيليب أغسطس سوى قبة جرس سان جرمان دي برى وكنيسة سان جوليان لوبوفر الصغرى.

سان لوى - كان بسان لوى ملكاً تام الأدوات عَلَى نحو ما يطلب في القرون الوسطى مسيحياً خاضعاً وفارساً شجاعاً وقاضياً شديداً حاز جميع الفضائل التي تبلغها مدارك أهل عصره من مثل التقوى والشجاعة والعدل يحضر قداسين في اليوم ويصلي الغداة ويلبس المسح ويغسل أرجل الفقراء ويعترف ويتناول تكفيراً عن سيئاته ويأمر بطرد اليهود وإحراق الزنادقة وثقب ألسن المجدفين بحديدة محماة فتراه في الحرب يتقدم صفوف رجاله وما قط شوهد فارس مثله كما قال جوانفيل فهو حكيم القرن يتأدب مع الله ويشعر بما يجب عليه بأن يحكم بين الناس بالعدل وكثيراً ما يذهب إلى غابة فنسين ليجلس تحت سنديانة أو في حديقة المدينة وكل من لهم شأن يأتونه فيكلمونه بدون أن يزعجوهم مزعج من الحجاب فيحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون وأقصى أمانيه أن يحكم في الجميع حكماً عادلاً لا هوى للنفس فيه. صلب أحد كبار سادات المملكة أنكر أن دي كوسى ثلاثة من الطلبة لأنهم اصطادوا في قصره فقبض الملك عليه وجاء به إلى قصره فطلب بقية السادات بحسب العادة أن يدفع هذا السيد عن نفسه البراز فأبى سان لوى ذلك قائلاً أن مسائل الفقراء والكنائس والأشخاص الذين تنبغي لهم الشفقة لا يجب المرء أن يسترسل فيها عَلَى هذه الصورة فيجعل الحكم للغالب. فاغتاظ السادات وخرجوا من قصره فترك الملك هذا الموضوع ووضع المسألة عَلَى بساط الحكم فهتف أحد الأشراف مستهزئاً لو كنت ملكاً لصلبت بارونياتي فسمعه الملك وقال له: ما تقول يا جان هل تقول أن الواجب أن أصلب باروتياني لا ليس الأمر كذلك بل إني معاقبهم إذا أساؤا. ولقد كان الشعور بالعدل عظيماً في سان لوى بحيث رفعه عَلَى مستوى أعلى السادة وحظر البراز في كل بلاده وأصبحت جميع المسائل التي يتحاكم فيها إلى البراز يحكم فيها بحجج وشهود لأن القتال كما قال ليس طريقاً إلى الحق وبهذا فقد قدس سان لولى المملكة الفرنسوية وعود القوم أن يروا ملك فرنسا مصدر العدل كله.

معاهدة سان لوى - نفع سان لوى بالقدوة والاحترام الذي حازه أكثر مما نفع بالقوانين والأنظمة ولقد ظن زمناً طويلاً أنه سن جملة من القوانين كانوا يسمونها نظامات سان لوى ثم أدركوا أن هذه النظامات الموهومة لم تكن سوى تأليف مجموعتين من الحقوق أخذتا من العادات وكتبتا في أواخر القرن الثالث عشر عَلَى يد أناس من أرباب التجارب غير معروفين ولا علاقة لهم بالملك. وظن أيضاً أن سان لوى ألف براءة أو لوائح حقوق الكنيسة في فرنسا ثم ثبت أن هذه اللوائح المزعومة قد وضعت في القرن الخامس عشر وربما كانت بعد لوائح شارل السابع والأوامر الصادقة حقيقة عن سان لوى هي أوامر البراز ولوائح لتنظيم حسابات المستخدمين في أملاكه.

الحياة العقلية والصناعية

كلية باريز - كان لباريز كما كان لعامة الأبرشيات مدرسة ملحقة بالكاتدرائية وكان لكثير من الديار مدارس خاصة بها (مثل سان جرمان دي برى وسان جرمان لو كسروا وسانت جنيفيف) وقد كثر عدد الطلبة حتى ضاقت بهم الجزيرة فأخذوا ينزلون الضفة اليسرى من السين وهناك بين سنتي 1103 و1125 كان احد العامة من الشبان الذين جمعوا إلى الجمال طلاقة وبياناً واسمه أبلارد وهو أكثر أهل عصره استنارة (ويعرف قليلاً من اليونانية والعبرانية) يلقي دروسه في الفلسفة عَلَى ثلاثة آلاف مستمع وما كانت تسع هذا الجمهور قاعة ولا ردهة فجعل أبلارد يلقيها بين الكروم في جبل سان جنيفيف.

وكان من العادة الجارية أن يعقد أهل الحرفة الواحدة اجتماعات فكما يجتمع الخياطون والحذائون وصانعوا الأجواج وأهل كل حرفة عَلَى حدتها هكذا ألف الرجال الذين يعنون بالمدارس اجتماعاً خاصاً وقد وقع استحسان البابا عَلَى هذا الاجتماع في القرن الثالث عشر فسمى مدرسة باريز كلية (أي مجموع) المعلمين والطلبة في باريز وكان لها رئيس منتخب وخدمتها ومحكمتها التي لها الحق وحدها في أن تقضي بين الأساتذة والتلامذة وكثيراً ما تختلف كلية باريز مع أمير التجار فيعطيهم الملك الحق دونه. وقد صلب أمين تجار باريز سنة 1403 طالبين قبض عليها في منازعة كالتي كانت تحدث كل يوم في تلك الطرق الضيقة الغاصة بالمتشردين فأغلقت الكلية صفوفها فكانت هذه الوسيلة ذريعة لنيل تعويض فاضطر أمين التجار أن يذهب لإنزال المصلوبين باحتفال وأن يدفنهما ويقدم اعتذاره للكلية لأنه خرق امتيازاتها.

وانقسمت الكلية إلى حلقات انقسامها إلى ضروب من التعليم فبعد أن أدخل إليها تعليم الحقوق والطب (ولم يكن هذان العلمان يدرسان في باريز قبل القرن الثالث عشر) صار لها أربع مدارس اللاهوت والحقوق والطب والفنون. وكانت مدرسة الفنون تحتوي عَلَى جميع علوم الترفيوم (النحو والبيان والمنطق) والكوادرفيوم (الحساب والموسيقى والهندسة والفلك والفلسفة) ويقبض الأساتذة رواتب كما يتناولون أجوراً من المستمعين ودرسهم مكتوب عَلَى دفتر فيأتون فيتلونه عَلَى المسامع ويسكن الطلبة وهم من أعمار مختلفة في المدينة ولكن منذ قام بعض المحسنين في القرن الثالث عشر وأنشأوا أدواراً لقبول الطلبة الفقراء أخذ الكثيرون يعيشون داخليين في هذه المدارس عَلَى طريقة جروا فيها عَلَى نظام الأديار وكان لكل مدرسة ثلاث درجات في التعليم ينتقل الطالب من إحداهما بعد أن يثبت علمه بفحص وقضية يثبتها أو جدل يناضل فيه ثم يصبح بكلوراً أو معلماً أو دكتور وكان القوم يرغبون في نيل هذه الدرجات الثلاث لأن صاحبها يجد له عملاً في الكنائس والمحاكم أو المدارس عَلَى أيسر وجه.

وكانت كلية باريز في القرن الثالث عشر أعظم مدرسة في أوربا تؤوي زهاء عشرين ألفاً من الطلبة عَلَى اختلاف بلادهم. وهي التي رسمت لوربا صورة التعليم العالي وحذت كلية أكسفورد وكمبردج الإنكليزيتان حذوها ولما أراد أمراء الألمان تأسيس مدارس في بلادهم أنشأوا كلهم كليات جروا فيها عَلَى مثال كليات باريز ومنها انتهت غلينا طريقة الرتب وتقسيم المدارس الذي لا يزال عَلَى حاله القديم في ألمانيا.

الحقوق الرومانية - ما فتئ الإيطاليون يضعون الحقوق الرومانية موضع العمل وقد أخذوا في القرن الحادي عشر يدرسونها في إيطاليا درساً أصولياً في كتب يوستنيانوس فكان الأساتذة والطلبة يجتمعون في بولون وبلغ عددهم عشرة آلاف طالب واشتغلوا قرنين في تفسير كتب القوانين الرومانية والتعليق عليها سطراً سطرا وتألف من شروحهم ذيل علق عليه علماء القانون في القرن الثالث عشر شروحات جديدة وكانت الولايات الجنوبية في فرنسا فقط (حتى ولاية أوفرن) تعمل بالقانون الروماني أما ولايات الشمال فتجري عَلَى العادة ويحكم مجلس النواب في باريز بموجب العادة.

بيد أنه كان للقوانين الروماني الترجيح عَلَى العادة وذلك لأنها هي التي دونت وهي وحدها تدرس في المدارس فكانت تسمى العدل أو الحق خلاف العادة بلا زيادة ولا نقص ويقضي القضاة والمحامون الذين يحملون شهادات الحقوق بضع سنين في دراستها بعضهم في بولون والآخر في أورليان أو مونبليه. وكان القانون الروماني في عدة مواد يحكم بخلاف العادة فتسبع العلماء بهذا الحق وادخلوه بالتدريج حتى عَلَى غير معرفة منهم في العادة وبدأ إدماج القانون الروماني في القرن الثالث عشر إلى آخر القرن السادس عشر فتعدلت به العادات القديمة كل التعديل ولاسيما قد أضعف سلطة السادة والمديريات التي سكت عنها القانون الروماني وقوى سلطة الملك وحكامه لأن المشرعين قد طبقوا عَلَى الملك كل ما كان يعطيه القانون للإمبراطور الروماني من الحقوق كما طبقوا عَلَى عماله كل ما يطبقه القانون الروماني لولاة الرومان وحكامهم وفي القانون الروماني (إن ما يقضي به الأمير يكون قانوناً نافذاً) فأصبحت هذه الحكومة قاعدة الحكومة في فرنسا ثم في ألمانيا وكانت أساس السلطة المطلقة.