مجلة المقتبس/العدد 77/العنجوس أو الشبث أو المالوش أو الكاروب
مجلة المقتبس/العدد 77/العنجوس أو الشبث أو المالوش أو الكاروب
1ً: مدخل البحث
ثلاثة أشياء ترقي البلاد أعظم الرقي وترفعها إلى أوج المدنية والعمران وهي العلم والصناعة والزراعة فإذا وجدتها في صقع قلت: هناك أيضاً الفلاح والنجاح والحال أن المقتبس كثيراً ما بحث عن العلوم وطرق أبوابها المختلفة وتعرض أيضاً في بعض الأحيان للصنائع، إلا أنه كثيراً ما أغفل الزراعة، معين ثروة البلاد وسبب رقيها. ولست أريد الآن ذكر منافع هذا الفرع من الحضارة فهذا مذكور عَلَى الألسنة ومستفيض الخبر بين الناس كلهم أجمعين. إنما أريد أن أبين هنا ضرر آفة تفتك بالزراعة أعظم فتك وتتلف أتعاب الزراعين لعدة سنين في قليل من الزمن. أريد الكلام عن العنجوس، وقبل أن أمعن في البحث أذكر ما لهذه اللفظة ومرادفاتها من الحظ في اللغة فأقول:
2ً: حظ هذه الألفاظ من اللغة
العنجوس لم ترد في ديوان من دواوين اللغة التي في أيدينا إن مطولة وإن مختصرة. وهذا يدلك عَلَى أن معاجمنا عَلَى ضخامة مجلداتها لا تحوي كل اللغة بل جزءاً منها. ويستحب أن يسعى اللغويون في وضع معجم جامع للشوارد والأوابد والضوابط والروابط ولمصطلحات أصحاب العلوم والصنائع والفنون عَلَى ضروبها وفروعها حتى تكون تلك الدواوين مرجعاً يعود عليه كل عربي في كل موضوع ومصطلح.
هذه اللفظة وإن لم تذكر في كتب فنون اللغة إلا أن الإسكافي نص عليها في كتابه مبادئ اللغة والمؤلف كما تعليم من أهالي أوائل المائة الخامسة من الهجرة وكان من المجلين في اللغة في عصره. فالاعتماد عليه مما يركن إليه فقال المذكور في الصفحة 157 من النسخة المطبوعة بمصر بمطبعة السعادة ما نصه: العنجوس (وضبطها وزان صعفوق أي بفتح وسكون وضم. والمشهور أن ما جاء عَلَى وزن فنعول يكون مضموم الأول كزنبور وصندوق (ويجوز في هذا فتح) والصنبور والطنبور والعنتوت والعنبوج والعنجوف والعنجول والعنجوج ونحوها. دخال الأذن وقيل: بل هو الذي يفسد المزارع ويخلخل مساد الماء بالفرسية وأرسوه (كذا) وبيدنا أوسع المعاجم الفارسية ولم نرى فيه هذا اللفظ الفارسي. وشك أن الواقف عَلَى طبع هذا الكتاب صحف هذه الكلمة كما صحف كثيراً غيرها. وقد يقال في معنى هذا الحرف أنه يدل عَلَى معنى دخال الأذن عند قوم من العرب ويعني المالوش عند قوم آخرين أو عند أغلب العرب. فإن كان بالمعنى الأول فهو من أصل سامي قديم من عجش بالشين المثلثة في الآخر ومعناه لسع ولذع وغرز في اللغة الآرامية. وإن كان بالمعنى الثاني فهو عجس العربية ومعناها: قبض عَلَى الشيء أو شد القبض عليه. وهو من خواص المالوش. كما ستراه فيما في وصفه العلمي.)
الشبث وزان السبب مثل العنجوس في الاختلاف في وصفه قال في اتلتاج: دويبة كثيرة الأرجل عظيمة الرأس من أحناش الأرض (وهذا هو وصف دخال الأذن الكبير) وقيل: هي دويبة واسعة الفم مرتفعة المؤخر تخرب الأرض وتكون عند الندوة وتأكل (صغار) العقارب وهي التي تسمى (عند قوم من العرب) شحمة الأرض اهـ. وهذا أدق وصف جاء للقدماء في المالوس. واللفظة مشتقة من لفظة سامية مشتركة المعنى في جميع الحروف من شيث به بمعنى تعلق لتعلق كلتا هاتين الحشرتين بفريستهما.
العنجوس والشبث من كلام العرب الفصيح. وأما أهل الشام فيسمون هذه الدويبة المخربة المالوش والكلمة من أصل سرياني (أرميّ) من ملش أي نزع الشيء ونتفه وخرطه وقشره وخربه: وكل ذلك من أعمال المالوش هذا فضلاً عَلَى أن اللفظة سريانية المعنى والمبنى واللفظ عَلَى أنه قد يكون من أصل عربي فصيح من ملش الشيء. إذا فتشه بيده كأنه يطلب فيه شيئاً. عَلَى أن فاعول من الأوزان الخاصة بالآرامية وإن وردت ألفاظ عربية موزونة هذا الوزن الأرجح إذاً أنها أرمية أي سريانية.
وأما أهل العراق يسمون هذه الدويبة الكاروب وزان الماوش واللفظة مشتقة من كرب الأرض آثارها وقلبها. وهذا العمل كما رأيت من خصائص هذا الحييوين. عَلَى أن بعضهم يربطون فيسمونه الكرنيب ويلفظونها الجرنيب بجيم مثلثة فارسية وهو غلط. لأن الكرنيب هو نوع من الجعل يقع في كرناف النخل وأهل العراق يسمون الكرناف كرنيباً وهو أصول السعف التي تبقى بعد قطعه في جذع النخلة. وكان الصل في هذه اللفظة جعل الكرناف أو الكرنيب فحذف المضاف وبقي المضاف إليه من باب شهرة الشيء.
3ً: وصفه العلمي العناجيس: طائفة من الأحناش من رتبة مستقيمات الأجنحة من جنس الجدجد. اسم هذه الدويبة الفرنسوية العامي - واسمها الفصيح عندهم والإنكليز يسمونها - أي الخلد الجدجد واسمها العلمي بالمعنى الإنكليزي وسميت كذلك لمشابهتها لهذين الحيوانين معاً بظواهرها.
يدا هذه الدويبة عريضتان مفلطحتان قويتان كأنها يدا الخلد وهم مسننتان وقاطعتان من الداخل. تتخذهما بمنزلة منشار ومر وهي تنشر بهما ما يمكن نشره من أصول الشجار وعروقها وجذورها، وتحفر بهما ما يمكن حفره. وفكاها قويان صلبان.
بدنها ضخم كالإبهام مكتل وهي تجر نفسها جراً عَلَى الأرض. وهي دميمة الصورة جهمة الوجه لونها أسمر وغريبة الخلقة كأن بها قعساً لبروز صدرها واندغام رأسها فيه. ورأسها بيضي الشكل منحنٍ نحو الأرض يذكرك شكله بشكل رأس السرطان تقريباً ما خلا لونه. وجناحاها طويلان كفا ية ومطويان طي الشباك ويتجاوزان الغمدين. وقدها كبير بالنسبة إلى مجموع سائر أعضائها وينتهي بطنها بشوكتين مفصلتين شعراوين طويلتين بعض الطول.
والعنجوس يرى في جميع الربوع ويعيش كما يعيش الخلد أي تحت الأرض وهو كثير من الضرر ولا يعرف له منفعة إلى الآن.
وللعنجوس تباينات منها: العنجوس المشهور أو طوله من 3 إلى 5 سنتيمترات ولونه أطحل وفي عصعصه شوكة مخروطة معوجة حادة وغمداه بطول البطن ضعيفين. وهو يقضي شتاءه غائراً في الأرض في حالة الخمول والجمود فإذا أقبل الربيع نشط من عقاله وغادر خلوته المظلمة خارجاً منها بثقب يثقبه صعباً ويبقى مرقى له وطريقاً ينسل منه عند الحاجة. وعند الهيج يقف الذكر ربيث عند فوهة الثقب ويسمع دوياً دقيقاً رخيماً تلتذ به الأنثى فتقرب منه. وبعد اللقاح تضع الأنثى من 200 إلى 300 بيضة في ثقب محفور تحت قارعة رزدق من الرزادق فتنقف بعد شهر عن فراخ شديدة البياض لا أجنحة لها كأنها الخراطيم فتنمو رويداً رويداً وتتحول من حالة إلى حالة حتى تبلغ أشدها في الصيف التالي.
والعنجوس يحفر الدهاليز والأروقة الطويلة في باطن الأرض ويخددها أخاديد كثيرة. وهو بلية من بلايا البساتين والحقول والزارع وقد ظن جمهور من الناس في سابق العهد أن هذه الدويبة من أكلة الحشائش والبقول. وليس الأمر كذلك إنما تقطع الجذور والأصول والعروق التي تقف في وجهها وقوف العقبة الكؤود طلباً لرزقها. وهي لا تأكل إلا ما تجده من دود الهوام والحشرات وصغارها. إلا أن قطعها للجذور يتلف أشجاراً كثيرة ويميتها بتاتاً.
4ً: طريقة إتلافها
هذا العنجوس أعيى حياة الفلاحين والزراعين حتى أيسوا من اتخاذ الو سائل لمحاربته أو لمطاردته. فأشار بعضهم أن تحفر في الأرض موارد عديدة تكون جدرانها مقطوعة قطعاً تامة قياماً فإذا جئت لتردها سقطت فيها ولم تعد تستطيع أن تخرج منها.
ذكر آخرون أن أحسن طريقة لإتلاف العناجيس هو أن تحفر في الأرض حفر مربعة ويلقى فيها السماد فتسرع في الحال تلك الدويبات لتطلب فيها رزقها من الحشرات فإذا صارت فيها أخذت بمئات وقتلت. وإن شئت طريقة ثالثة فادفن في الأرض جرارً مدهونة الداخل بدهان الخزف فإذا دخلتها لن تستطيع الخروج منها لزلقها كلما حاولت الخروج منها. إلا أن هذه الذرائع ليست مما يعمل بها في الأرضين الواسعة بل في البساتين الصغرى. ومما يساعد عَلَى إتلافها الجرذان والفئران وكثير من الطيور والله الواقي.
بغداد
(ساتسنا).