مجلة المقتبس/العدد 7/نفاضة الجراب
مجلة المقتبس/العدد 7/نفاضة الجراب
منام الوهراني
للوهراني صورة منام رآه أو تخيله أتى فيه بكل حلاوة اعتذر ابن خلكان بطوله عن ذكره في ترجمة الرجل. رأى كأن القيامة قامت والناس يعرضون على الديان بأعمالهم فوصف حال فريق الجنة وفريق السعير بألفاظ لو عرت عن البذيء لساغ نشرها على رؤوس الملأ فسأل عن بعض من يدعون التصوف وهم بعيدون منه فقيل له هؤلاء قوم غلب عليهم العجز والكسل في الدنيا فهربوا من كد الصنائع والأعمال إلى زوايا المساجد والمشاهد بحجة العبادة والانقطاع فلا يزال أحدهم يأكل وينام حتى يموت. قال: فبأي شيءٍ كانوا ينفعون الناس ويعينون بني آدم فقيل له: والله بلا شيءٍ البتة ولا كانوا إلا كمثل شجر الخروع في البستان يشربون الماء ويضيقون الطريق وليس لهم ثمرة.
ثم قال: ومشينا معه (في المحشر) مقدار أربعة فراسخ وإذا بجمع عظيم يحتوي على مشايخ وشبان وكهول قد حف مجلسهم السكينة والوقار وجلالة الملك والرياسة تلوح على وجوههم فسألنا عنهم فقيل هؤلاء السادة والقادة من بني شمس فدخل قسيم الأعور حتى وقف بين يدي عظيمهم فقال: يا خال (كذا) المؤمنين يا كاتب وحي رب العالمين نحن قوم من محبيكم وقد طردنا عن الحوض لأجلكم ونحن هالكون من شدة العطش بسببكم فقال: لك بينة تشهد بما تقول فقال: نعم جماعة من شيعتكم ومحبيكم الأكراد فقال: أحضرهم فقال: ابعث معي رجلاً شامياً فتخلل الناس ونادى بأعلى صوته: يا عبد الملك بن درياش (؟) قاضي قضاة مصر في أيام الملك الناصر صلاح الدين فلم يجبه أحد. فوقع ابن بدر مغشياً عليه من شدة الأوام فقعدنا عند رأسه وسألنا هل عندكم قطرة ماء نبل بها حلقه. فقالوا: لا والله لو تقدمتم قليلاً لما احتجتم إلى هذا كله. فقلنا له: وكيف ذلك. فقال: لأن أم حبيبة زوجة النبي (ص) تبعث إلى أخيها معاوية كل يوم خمس ثلجيات مزملات كل ثلجية مثل جبل الثلج عشرين كرة فيها الماء الخاص من عين التسنيم. يدفع واحدة منها إلى عمرو بن العاص والأخرى إلى زياد بن أبي سفيان وذويه والأخرى إلى مروان بن الحكم وذويه والأخرى إلى سعيد ابن العاص وذويه ويقسم الواحدة في آل أبي سفيان.
وما كان أسرع من أن حضرة القاضي في جماعة من الأكراد فتقدموا إلى معاوية فسلمو عليه ثم التفتوا إلى ابنه يزيد فقالوا: السلام عليك يا إمام العدل السلام عليك يا خليفة الله في الأرض السلام عليك يا ابن عم رسول الله السلام عليك يا سيدي ورحمة الله وبركاته نفعنا الله بطاعتك وأدخلنا في شفاعتك ورفع درجتك في الجنة كما رفعها في الدنيا فرداً عليهم رداً خفيفاً وقال للقاضي صدر الدين: الحمد لله الذي جعل في أصحابي وشيعتي من يصلح أن يكون قاضي قضاة المسلمين. فقال له القاضي: كل ذلك ببركة الفقيه عيسى ضياء الدين. فقال له أوصيك بأصحابك الأكراد خيراً فإنهم أولى بحسن تدبيرك من سائر الناس فقال: نعم يا أمير المؤمنين ما أحتاج فيهم وصية هذا أنا قد وليت القضاء لجماعة منهم أنا أعرفهم في بلادنا لا يعيشون إلا من لصوصية البقر في الليل وسرقة الحمير بالنهار ولم أفعل ذلك إلا لأني ألزمت باستقضاء قوم أنحس منهم بكثير.