مجلة المقتبس/العدد 53/مخطوطات ومطبوعات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 53/مخطوطات ومطبوعات

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 7 - 1910



كتاب المثنى

قال ابن ساعد: إن علم اللغة هو نقل الألفاظ الدالة على المعاني المفردة وضبطها وتمييز الخاص بذلك اللسان من الدخيل فيه وتفصيل ما يدل على الذوات مما يدل على الأحداث وما يدل على الأدوات وبيان ما يدل على أجناس الأشياء وأنواعها وأصنافها مما يدل على الأشخاص وبيان الألفاظ المتباينة والمترادفة والمشتركة والمتشابهة. ومنفعة الإحاطة بهذه المعلومات خبراً طلاقة العبارة والتمكن من التفنن في الكلام وإيضاح المعاني بالألفاظ الفصيحة والأقوال البليغة.

ولقد طبعت كتب كثيرة في اللغة ولا يزال يظفر بأشياء لم يكتب لها الظهور ومما وقع إلينا من مكتبة أحد علماء هذه الحاضرة نسخة من كتاب المثنى تأليف حجة العرب أبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي الحلبي الذي ذكره السيوطي في بغية الوعاة فقال أنه عبد الواحد علي أبو الطيب اللغوي الحلبي الإمام الأوحد.

قال في البلغة له التصانيف الجليلة منها مراتب النحويين، أطياف الإتباع، الإبدال، شجر الدر، وقد ضاع أكثر مؤلفاته وكان بينه وابن خالويه مناقشة مات بعد الخمسين وثلثمائة، وقال الصفدي: أحد العلماء المبرزين المتقنين لعلمي اللغة والعربية أخذ عن أبي عمر الزاهد ومحمد بن يحيى الصولي وأصله من عسكر مكرم قد حلب وأقام بها إلى أن قتل في دخوله الدمستق حلب سنة إحدى وخمسين وثلثمائة.

وكتابه هذا في 130 ورقة أكبر من الربع عليه حواش وتعليقات مفيدة كتب على الحاشية أن أكثرها بقلم ابن الشحنة وابن مكتوم القيسي تلميذ أبي حيان وفيه نقص من وسطه ونقص قليل من آخره إلا أنه لا يحول دون الانتفاع منه لأن النسخة القديمة على ما يظهر وهي حسنة الخط بالشكل الكامل والصحة غالبة عليها بحيث يسهل تمثيلها بالطبع دون الرجوع إلى الأمهات لتصحيح ألفاظها وإثبات الروايات المعتمدة في ضبطها وليس في الكتاب تاريخ نسخه ويرجح أنها مما كتب في القرن السابع أو الثامن.

جاء في مقدمته ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد النبي وعلى آل محمد. قال أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي: أنه ليس شيء من كتبنا وإن قصر أبوابه وقلت أوراقه وضمر حجمه وصغر جسمه بأقل فائدة في معناه للمتعلم ولا أنر عائدة في مغزاه على المتفهم من غيره وإن أسهبنا فيه وأغرقنا في معانيه حتى طارت أصوله وانشرحت فصوله بل كان كل واحد بحمد الله على غاية ما يمكننا من الكمال فيما اقتصرنا به عليه ونهاية التمام فيما انتهينا به إليه وما من شيء توخيناه من ذلك ولا تعمدناه إلا لغرض الإفهام تحريناه وحرصنا على الإعلام الذي أردناه وكل من الله سبحانه وبه. فإذا كانت بغيتنا فيما نعانيه وإرادتنا فيما نعيده ونبديه معونة اللقن المستفيد والتقريب على ذي الفهم البعيد وإلحاق الكهام البليد بالذكي الحديد وكان ذلك لوجه الله خالصاً موفوراً لا نريد به جزاءاً ولا شكوراً فإنا غير قانطين من تفضله جل اسمه علينا بالإرشاد وتوفيقه إيانا للسداد والله عند الظن عبده وكافل لمن استرشده برشده ولا قوة إلا بالله. ونحن قاصدون في كتابنا هذا قصد ما ورد من كلام العرب مثنى في الاستعمال تثنية لازمة ومبتدئون بشرح وجوهه وتقصيها وذكر ضروب توسعهم فيها فنقول أن جميع ما ورد على ذلك من الأسماء عشرة اصناف الاثنان غلب إحداهما عليهما لقب واحد منهما يجمعهما لقب واحد الاثنان ثنيا باسم أب أو جد أو إحداهما ابن الآخر فغلب اسم الأب الاثنان اللذان لا يفردان من لفظهما الاثنان في اللفظ يراد بهما واحد الاثنان يثنيان وإن اكتفي بأحدهما لم ينقص المعنى وأما ما ورد من ذلك من الأفعال من الأفعال فصنفان من الفعل المبني على صيغة التثنية والمراد به تكرير الفعل. الفعل يجيء لفظه لاثنين ومعناه واحد ونحن نبوب هذه الأبواب ونأتي على ما فيها أو جمهوره إن شاء الله.

هذا باب الاثنين غلب اسم أحدهما على اسم صاحبه قال الأصمعي وأبو عبيدة قولهم سار في الناس سيرة العمرين إنما يريدون أبا بكر رضي الله عنهما وقال الفراء محو ذلك وسمع معاذاً الهراء يقول لقد قيل سنة العمر ين قبل عمر بن عبد العزيز وجاء في حديث أنهم قالوا لعثمان رضي الله عنه نطلب منك سيرة العمرين فهذا يدلك على صحة ما قلنا.

وهنا أخذ المؤلف يورد الأمثلة في هذا الباب مثل الحنتفان والزهدمان والبجيران والعتبان والعبدان والحيدان والعقامان والنافعان والشريفان والعشاءآن والأمقسان والقربان والقمران والمربدان والطلحيتان وأبانان والنيران والمشرقان والضمران والدحرضان والكيران والموصلان والصباحان والبصرتان والغدوان والمطران. وشرحها شرحاً موجزاً واستشهد لها بكلام العرب وأورد في باب التثنية لاتفاق اسميهما السعدان لسعد بن زيد مناة بن تميم وسعد بن زيد مناة ين تميم والمروان لمرو الشاهجان ومرو الروذ. والفرقدان والقطبان والناظران والوريدان والأجدلان والذراعان والمسجدان قال بعد الأمثلة الكثيرة في هذا الباب يفوت الإحصاء ويدخل فيه الأذنان والعينان والجبينان والحاجبان والخدان والوجنتان واللحيان والعارضان وما أشبه ذلك.

وقال في بابا الاثنين غالب نعت أحدهما على نعت صاحبه مثل الأسمران الخبز والماء والأسودان التمر والماء والأخضران البحر والليل والأبيضان الخبز والماء والباكران الصبح والمساء ويقال لهما الرائحان والأبيضان الشحم والشباب. وقال في باب الاثنين جمعاً في التثنية وأورد لفظاً الأقهبان الفيل والجاموس الأحمران الخمر واللحم والأصفران والأسودان والأزهران والأيهمان والأعميان والأطيبان والأخبثان الخ.

وأتى على هذا النحو في تفصيل الأبواب تفصيلاً حسناً وشرحها شرحاً أحسن.

وقال في الإتباع الذي في أوله الألف: قال أبو ملك تقول العرب في صفة الشيء بالشدة أنه لشديد أديد وهو من الأد وألأد القوة إلا أن الأديد لا يفر قال الراجز:

نضوت عني شرة وادا ... من بعد ما كنت حملا نهدا

ويقال جيء به من عيصك وآيصك أين من حيث كان ولم يكن فالعيص الأصل والأيص إتباع الخ.

وقال في الإتباع الذي في أوله الباء يقال أنه لحسن بسن وأنه لكثير بثير وأنه قليل بليل الخ وقال في التوكيد الذي في أوله الباء: يقال فر وله بصيص وأصيص وبصيص من الفزع وكله بمعنى الصوت الضعيف ويقال أنه لغض بض وغاض باض وهي الغضاضة والبضاضة قال أبو زيد والبضاضة رقة البشرة وقال الأصمعي هي رقة البشرة والبياض وقال أبو زيد قد يكون الاسم بضاً ويقال أن لسر بر وسار بار وأنهم لسارون بارون وسرون برون قال الشاعر:

أخوة ما علمت سرون برون ... فإن غبت فالذئاب جياع

وهكذا أتى بباب الإتباع على حروف المعجم فاستوفاه ولم نعثر في شيء من كتب اللغة المطبوعة على أكثر استيفاء لهذا المبحث من هنا. وفي آخر هذا الفصل البديع انتهى بحسب الظاهر الكتاب. وجاءت بعده قطعة أخرى في اللغة على تلك الشاكلة ولكنها تكاد تتجاوز ثلاثة أرباع الكتاب فمن أمثلته: الباء والشين يقال أرب على القوم وأرش عليهم إذا حمل عليهم ووشى بهم وهو يؤرب على القوم تأريباً ويؤرش تأريشاً ويقال غلام بلبل وش لشل إذا كان خفيفاً ظريفاً. وقال في الباء والفاء: أبو زيد يقال خذه بابانه وخذه بافانه أي بزمانه وحينه وأنشد:

فهلا بافان وفي الدهر غرة ... تزور وفي الأيام عنك عقول

وعلى هذه الصورة كانت سياقة هذه الأبواب المفيدة ولها نظائر من كتب اللغة المطبوعة.

وهاك نموذجاً آخر: الجيم والقاف قال الأصمعي: يقال لكل ذي حانوت كربج وكربق والكربج والكربق أيضاً اسم الحانوت وهو فارسي معرب وسئل عن كثير فقال كربجاً قال أبو حاتم يعني صاحب حانوت ويقال هو الفالوذج والفالوذق وأعطاني من الشعير أو الحنطة كيلجة وكيلقة. أبو عمرو يقال أنه لحسن الجسم وحسن القسم بمعنى واحد والقسم هو الجسم بعينه وأنشد:

طبيخ نحاز أو طبيخ أمهية ... دقيق العظام سيء القسم أملط

ويقال انباجت عليهم بايجة الدهر وانباقت عليهم بايقة وهي البوايج والبوايق أي الشدائد والدواهي قال الشاعر وهو الشماخ يرثي عمر رضي الله عنه:

قضيت أموراً غادرت بعدها ... بوايج في أكمامها لم تفتق

وفي الحديث لن يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوايقه أي دواهيه قال ابن ألأحمر:

أخاف بوايقاً تسري إلينا ... من الأشياع سراً أو جهارا

ومن الأمثلة الكثيرة ما ورد في العين والنون الأصمعي يقول أعطيته إعطاء وانطيته إنطاء بمعنى واحد ومنه قول الأعشى:

جيادك في القيظ في نعمة ... تصان الجلال وتنطا الشعيرا

والدعفص والدنفص من الرجال الزري المنظر القميء ويقال عسل الذئب يعسل عسلانا وينسل نسلانا وهو ضرب من المشي تضطرب فيه متناه وفي التنزيل: فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون وشكا عمرو بن معدي كرب إلى عمر بن الخطاب رحمة الله عليه المعص فقال: كذب عليك العسل أي عليك بالعدو قال الشاعر: عسلان الذئب أمسى قارباً ... برد الليل عليه فنسل

وهكذا تجد الكتاب من أوله إلى آخره سلسلة فوائد لغوية حرية بالتدبر والاستظهار ولو اتسع المجال لأكثرنا من الأمثلة وفيما أوردناه مقنع فعسى أن تصح عزيمة بعض الطابعين والمؤلفين على نشره ليضاف إلى المجموعة اللطيفة التي طبعت مؤخراً من كتاب اللغة مثل كتاب فقه اللغة للثعالبي والألفاظ الكتابية للهمذاني وتهذيب الألفاظ لابن السكيت والنوادر لأبي زيد والأضداد لابن بشار الأنباري والفصيح لثعلب وذيله للبغدادي وفصيح اللغة للهروي وفعلت وأفعلت للزجاج ومبادئ اللغة للإسكافي وأساس البلاغة للزمخشري والمقصور والممدود لابن ولاد وغير ذلك من المختصرات والمطولات كرسائل الدارات للأصمعي ورأس تلك الكتب الممتعة المخصص لابن سيدة المطبوع والمحكم له الذي يرجى طبعه عما قريب.

أعمال الأعلام

فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يجر ذلك من شجون الكلام تأليف.

لسان الدين ابن الخطيب طبع في بلرم صقلية سنة 1910 ص68.

احتفل علماء الطليان في المشرقيات بمرور مئة سنة على مولد ميشيل آماري المستشرق الإيطالي الذي صرف حياته كلها في درس التاريخ الإسلامي ولاسيما ما كان متعلقاً منه بجزيرة صقلية التي دانت للمسلمين زمناً طويلاً فوضعوا لذلك كتاباً أتى كل واحدة بنبذة تاريخية أو اجتماعية نشرها. ومن جملة ما نشر هذا الجزء من تاريخ ابن الخطيب. تشره حسن حسني أفندي عبد الوهاب أستاذ التاريخ في المدرسة الخلدونية بتونس بدعوة مكن صديقنا الأستاذ نالينو الإيطالي ومكافأة لذكرى من خدم الإسلام والمسلمين في أوربا طيلة حياته وقد علق الناشر بالفرنسية شروحاً وحواشي على هذا الجزء تدل على بعد غوره وتدقيقه على أسلوب الأوربيين. وللكتاب مناسبة كبرى بتاريخ شمالي أفريقية وصقلية والأندلس وفيه ذكر من ولي الملك بصقلية قال لسان الدين في وصفها: قال أبو محمد الرشاطي: صقلية جزيرة كبيرة وصقلية اسم لإحدى مدنها الكثيرة وقلاعها الأثيرة وطولها مسيرة خمسة أيام وهي في البحر الشامي موازية لبعض بلاد أفريقية واق رب المواضع إليها من بلاد أفريقية رأس أدار بينهما اثنتي عشرة ومائتين وكانوا قبل ذلك معاهدين ولافتتاحها خبر شهير. وقال أبو الحسن ابن جبير في رحلته يصف مدينة مسنة وأخبار ملوكها: هذه المدينة موسم تحار الكفار ومقصد جواري البحر من جميع الأقطار كثيرة الإرفاق برخاء الأسعار مظلمة بالكفر لا يقر فيها للمسلمين قرار أسواقها دافقة حفيلة وأرزاقها واسعة بأرغاد العيش كفيلة لا تزال بها ليلك ونهارك في أمان وإن كنت غريب الوجه واليد واللسان وذكر بعد مدينة مسينة المدينة المعروفة ببلارمة فقال فيها سكنى الحضر من المسلمين ولهم فيها المساجد والأسواق المختصة بهم والأرباض وسائر المسلمين بضياعها وجميع قراها ومدنها كسر قوسة وغيرها بهذه المدينة سكنى ملكها غليام وش أنه عجيب في حسن السيرة واستعمال المسلمين وهو كثير الثقة بهم وساكن إليهم في أحواله والمهم من أشغاله وزمنهم وزراؤه وحجابه وهم أهل دولته والمرتسمون بخاصته وعليهم يلوح رونق مملكته لأنهم في الملابس الفاخرة والمراكب الفارهة ولهذا الملك القصور المشيدة والبساتين الأنيقة وهو كثير الاتخاذ للقيان والجواري وليس في جميع ملوك الرومية أشرف منه في الملك ولا أنم ولا أرفع وهو يتشبه في تنعمه بالملك وترتيب قوانينه وتقسيم مراتب رجاله وتفخيم أبهته وإظهار زينته بملوك المسلمين.

وملكه عظيم جداً وله الأطباء والمنجمون وهو كثير الاعتناء بهم شديد الحرص عليهم. ومن عجيب شأنه أنه يقرأ ويكتب بالعربية وعلامته الحمد لله حق حمده وكانت علامة أبيه الحمد لله شكراً لأنعمه. وجواريه وحظاياه في قصره مسلمات كلهن. وذكر لنا أن الإفرنجية من النصرانيات تقع في قصره فتعود مسلمة يعيدها الجواري المسلمات. وذكر مدينة شيلفود فقال هي مدينة ساحلية كثيرة الخصب واسعة المرفق منتظمة الأشجار والأعناب مرتبة الأسواق يسكنها طائفة من المسلمين وذكر مدينة ثرمة فقال هي أحسن وضعاً من التي تقدم ذكرها وهي حصينة تركب البحر وتشرف عليه وللمسلمين فيها ربض كبير لهم فيها مساجد وهذه المدينة من الخصب واسع الرزق على غاية وذكر المدينة التي هي حاضرة صقلية فقال هي أم الحضارة والجامعة بين الحسنيين غضارة ونضارة فما شئت بها من جمال مخبر ومنظر وموارد عيش أخضر عتيقة أنيقة مشرقة مونقة تتطلع بمرأة فتان وتتخايل بين ساحات وبسائط كلها بستان فسيحة السكك والشوارع تروق الأبصار بحسن موضعها البارع عجيبة الشأن قرطبية البنيان قد زخرفت فيها لملكها دنياه تنتظم بلبتها قصوره انتظام العقود في نحور الكواعب وتنقلب في بساتينها ويادنيها بين نزهة وم لاعب فكم له فيها لأعمرت من مقاصر ومصانع ومناظر ومطالع وكنائس قد صيغ من الذهب والفضة صلبانها وديارات قد زخرف بنيانها وللمسلمين بهذه المدينة رسم باق من الإسلام يعمرون أكثر مساجدهم ويقيمون الصلاة بأذان مسموع ولهم أرباض قد انفردوا بها بأسمائهم وبكنائسهم ولهم فيها قاضٍ وجامع يجتمعون للصلاة فيه ويحتفلون في وقوده وأما المساجد فكثيرة ولا تحصر وأكثرها محاضر لمعلمي القرآن وأطنب في شبهها في مدينة قرطبة. وذكر مدينة طرابنش وأطنب في ذكر الجميع بما لا مرغب في إطالته إذ يجر التفجع ويثير التوجع أعاد الله دار إيمان بقدرته اهـ.

وذكر من ولي على هذه الجزيرة من الملوك إلى أن تغلب عليها الروم واستولى عليها رجار ملك النصارى في زمن المرابطين على عهد الأموي المستعلي من ملوك الشيعة بمصر عندما استولت الروم على بيت المقدس والجزائر أو قبل ذلك بيسر وتداول هذه الجزيرة أمراء إلى أن انقطع عنهم إمداد المسلمين لاشتغال كل جهة بما يخصها من الفتن فكان استخلاص العدو لها في سنة خمس وثمانين وأربعمائة وذكر المؤلف من خرج من هذه الجزيرة من المحدثين والعلماء والفقهاء والشعراء والكتاب مثل ابن حمديس الصقلي قدم على المعتمد بن عباد عند الجلاء لحادثتها فكان أثيراً لديه وهو القائل مما ألمَّ فيه بذكر صقلية:

قضت للصبا النفس أوطارها ... وابلغها الشيب إنذارها

نعم وأجالت قداح الهوى ... عليها فقسمن أعشارها

وما غرس الدهر في تربة ... غراساً ولم يجن أثمارها

فأفنيت في الحرب آلاتها ... وأعددت للسلم أوزارها

كميتاً لها مرح بالفتى ... إذا حث باللهو أدوارها

تناولها الكوب من دنها ... فتحسبه كان مضمارها

وساقية زررت كفها ... على عنق الظبي أزرارها

تدير بياقوتة درة ... فتغمس في مائها نارها

وفتيان صدق كزهر النجوم ... كرام النجائر أحرارها يديرون راحاً تفيض الكؤوس ... على ظلم الليل أنوارها

كأن لها من نسيج الحباب ... شباكاً تعقل طيارها

وراهبة أغلقت ديرها ... فكنا مع الليل زوارها

حدانا غليها شذا قهوة ... تذيع لأنفك أسرارها

فما فاز بالمسك إلا فتىً ... يتيم دارين أو دارها

كأن نوافجه عندها ... دنان مضمنة قارها

طرحت بميزانها درهمي ... فسيل من الكاس دينارها

خبنا بنات لها أربعاً ... ليفترعن اللهو أبكارها

من اللاء أعصار زهر النجوم ... تكاد تطاول أعمارها

تريك عرائسها أيدياً ... طوالاً تصافح أخصارها

تفرس في شمسها طيبها ... مجيد الفراسة واختارها

فتى دارس الخمر حتى درى ... عصير الخمور وأعصارها

يعد لما شئت من قهوة ... سنيها ويعرف خمارها

وعدنا إلى هالة أطلعت ... على قضب البان أقمارها

يرى ملك اللهو فيها الهموم ... تثور فيقتل ثوارها

وقد سكنت حركات الأسى ... قيان تحرك أوتارها

فهذي تعانق عوداً لها ... وتلك تقيل مزمارها

وراقصة لقطت رجلها ... حساب يد نقرت طارها

وقضب من الشمع مصفرة ... تريك من النار نوارها

كأن لها عنداً صفقت ... وقد وزن العدل أقطارها

تقل الدياجي على هامها ... فتهنك بالنور أستارها

كأنا نسلط آجالها ... عليها فتمحق أعمارها

ذكرت صقلية والأسى ... يهيج للنفس تذكارها

فإن كنت أخرجت من جنة ... فإني أحدث أخبارها

ولولا ملوحة ماء البكا ... حسبت دموعي أنهارا ضحكت ابن عشرين من صبوتي ... بكيت ابن ستين أوزارها

فلا تعمن عليك الذنوب ... إذا كان ربك غفارها

وقد أجاد الناشر في التعليق على الرسالة بعض ما فات المؤلف من رجال صقلية أو هاجروا منها إلى أفريقية وذكر أناساً منهم فنشكره على تحفته.

درس التاريخ الإسلامي

تأليف الشيخ محي الدين الخياط. القسم الثاني طبع على نفقة المكتبة

الأهلية ي المطبعة العصرية ببيروت ص87.

أجاد مؤلف هذا التاريخ بتسهيل مطالبه وتنسيق عباراته بحيث يتناول التلميذ على أيسر وجه بعبارة لطيفة وهذا الجزء يشتمل على تاريخ دولة الخلفاء الراشدين وما حدث من الأحداث الأولى في الإسلام. وكنا نود لو صحت عزيمة المؤلف على شكل مواضع الأشكال من عباراته حتى تقوى ملكته الفصيحة أو التلاوة المعربة في التلميذ وأن يعلق شرحاً خفيفاً في الهامش على بعض الأعلام ولاسيما الجغرافية فيكون التلميذ على بصيرة من مواقع البلاد التي تعرض له ويجتمع له منها مجموعة معجم صغير للبلدان التي فتحت للصدر الأول. وذلك مثل الجابية والبلقاء وبصرى والعربة واليرموك وقيسارية وعمواس وسبطية والرها وبرقة والقادسية والأهواز والجزيرة وكذلك بعض أعلام فارسية مثل مكران وطخارستان وماسبذان وابيبرود وطوس فإن التلميذ لا يقنعه أن تقول مكران من بلاد فارس خصوصاً وأن كثيراً من أسماء هذه البلاد قد تغير الآن عن أصله أو دثر برمتها. ثم إنا لاحظنا إيجازاً في العبارات كان يكون مخلاً في بعض المحال مثل اقتضاب الجملة التي قالها هرقل من الشام إلى القسطنطينية بائساً أنه إلى الشام وقال: السلام عليك يا سوريا سلاماً لا اجتماع بعده وقد كتب التاريخ أنه قال هكذا: السلام يا سورية سلامٌ لا اجتماع بعده ولا يعود رومي إليك أبداً إلا خائفاً حتى يولد المولود المشئوم ويا ليته لا يولد فما أحلى فعله وأمر فتنة على الروم.

المهاجر السوري

تأليف جميل أفندي بطرس حلوة في مطبعة جريدة الهدى اليومية في.

نيويورك ص154.

من أنفع الكتب الاجتماعية والاقتصادية التي نشرت بالعربية هذه الآونة هذا الكتاب الذي وضعه مؤلفه من مهاجرة السوريين في أميركا الشمالية لفائدة المهاجر السوري إلى أرض خريستوف كولمبس فقد بحث بثاً مستوفي فيما ينبغي للمهاجر عمله حتى ينجح بدأه بلمحة من تاريخ مهاجرة السوريين ونشوئها ومؤسسيها وعدد السوريين في الولايات المتحدة وأعمالهم وقد قال في ذلك أن الأحوال قد تحولت في الشئون وتبدلت وأميركا اليوم غير ما كانت عليه منذ خمس عشرة سنة وذلك ليكون المتخلفون في الوطن على ببصيرة وانتباه ولاسيما أن السياسة قد بشرت بالترقي والتحسن والحرية بالتقوى وسورية غنية بمناجمها وآكامها وريافها ومائها وهوائها ولا ينقصها إلا بذل الأموال عليها وتوجيه العزائم إليها حتى يفيض منها اللبن والعسل.

وذكر أن الهجرة لا ترجع إلى أبعد من خمسين عاماً كان الباعث عليها اختلال المجاري الاقتصادية في السلطنة العثمانية. وقد أنكرنا عليه قوله أن الصواعق في عهد الحكومة الحميدية كانت تقع على رؤوس نصارى الشرق دون سواهم وعلى فلوسهم يعيش الجاسوس والمنافق لما ثبت لدى العارفين أن المسيحيين إن لم يكونوا سواء وإخوانهم المسلمين في المعاملة فقد كانت حقوقهم مرعية أكثر وقولنا في مسيحيي سورية لا في غيرها خصوصاً وأن أكثر المهاجرين من لبنان ولبنان باستقلال إدارته كان أكثر دعة من غيره من الولايات.

وقال أنه هاجر إلى الولايات المتحدة فقط من سنة 1905 إلى 1908 خمسة آلاف نسمة وكلما نجح أفراد زادت الهجرة وفي الولايات المتحدة من السوريين الآن عدد يبلغ الثلثمائة ألف إذا حسبنا تكاثرهم على سبيل التوالد.

وقد تكلم المؤلف بحرية فقال أن البعض من المتجولين على تقدير أنهم في بلاد غربة وعلى رغم أن لا رقابة عليهم ولا معاينة خلعوا عنهم تبعة الاستقامة والصدق والأمانة جارين بذلك على أنفسهم نقمة الوطنيين ولعنة المواطنين.

وأجاد في كلامه على المرأة السورية المهاجرة وأشار إلى ما تتعرض له من الهوان وثلم الشرف بإتجارها وأشار بأن تعفى من هذه المذلة فالمال لا يكون شريفاً تحصيله من هذا السبيل.

وعقد فصولاً كثيرة في المهاجرة والدولة ومقتضياتها واستئصال النخاسة وحماية العمال والخطر الأصفر وتفريق المهاجرين في الولايات عوضاً عن تجمعهم وضريبة الدخول على النفوس والفحص ومراقبة الحكومة وما ينبغي للمهاجر أن يكون له من المال ويكون عليه من الصحة والهندام. وتكلم على عمران الولايات المتحدة وأجاد فقال يكفي أن يقال عن مساحة الولايات المتحدة أن ولاية تكساس فقط منها تسع إنكلترا وجرمانيا وفرنسا وإيطاليا مجموعات! وأورد دستور الولايات المتحدة وحقوق الرعوية فيها ورئاسة جمهوريتها وتذاكر التجنس بالجنسية الأميركية وغير ذلك من القوانين النافعة لتصور حالة تلك البلاد وهو مما ينفع المهاجرين وغيرهم فنشكر للمؤلف تحفته التي نفع بها أبناء وطنه.

كتب متفرقة

نقد النصائح الكافية_تأليف الشيخ جمال الدين القاسمي وفيه تعديل معاوية وقبول مرويه ومروي الصحابة الذي كانوا معه وبيان الاعتدال والإنصاف كما هو مذهب الأئمة وفلاسفة الإسلام وهو في 44 صفحة طبع في مطبعة الفيحاء بدمشق ومن أحسن ما راقنا فيه الفصل المعنون ببيان أن كتب الحديث مشتركة بين الأمة يرويها الشيعي عن السني وبالعكس وإن عادة السلف الرواية عن المخالفين في المذهب وإن كتب الحديث هي إيمانية محمدية لا شافعية ولا غيرها والكتاب جيد كسائر ما خطته يراعة الأستاذ.

الأخلاق_وهو كتاب عربه عن الإنكليزية محمد أفندي الصادق حسين صدر الجزءان الأولان منه ومؤلفه صموئيل سميلز من مشاهير الإنكليز ويطلب من مكاتب القاهرة.

الصحة من السعادة_تأليف الطبيب مصطفى السعادة صدر الجزء الأول منه في 166 صفحة وفيه الكثير من القوانين الصحية والتدابير الأهلية يطلب من مؤلفه في بيروت.

ديوان الإنشاء_هو مختصر في المراسلات العصرية تأليف محمد عمر أفندي نجا في بيروت في 244 صفحة وفيه كثير من الفوائد والرسائل التجارية يطلب من مؤلفه ومن مكاتب بيروت.

الإسلام حافظ الذمم في ما بين الأمم_تأليف عبد الوهاب أفندي سليم التنير من أفاضل بيروت وفيه رد على بعض قسس البروتستانت الذين تناولوا الإسلام بأحط من شأنه آخذاً من كتب الإفرنج ومنشوراتهم وتواريخهم غير مغفل ما ورد في الإسلام نفسه وهو في 41 صفحة.

الدرر_أعادت المطبعة الأدبية في بيروت طبع الدرر لأديب بك إسحق من كتاب الطبقة الأولى من الصحافيين في القرن الماضي وفيه مقالاته وقصصه وخطبه وآثاره مراثيه وكل ما يتعلق بذلك وهو من جمع شقيقه عوني أفندي إسحق وقد وقع في 616 صفحة.

مجلتان جديدتان

مجلة الاقتصاد_هي زراعية صناعية تجارية مصورة لمنشئها أنيبال أفندي أبيلا تصدر في بيروت مرتين في الشهر في 32 صفحة وقيمة اشتراكها في العام خمسة بشالك ما عدا أجرة البريد وفيها عدة مقالات نافعة منها مقالة في بلجيكا واقتصادياتها جاء فيها أن مساحة إنكلترا 315 ألف كيلومتر مربع وسكانها 40 مليوناً ومعدل السكان في كل كيلومتر مربع 126 والديون العمومية 17 ملياراً والتجارة 17 ملياراً وطول سككها الحديدية 35 ألف كيلومتر ومساحة البلجيك 29. 450 وسكانها 7 ملايين ومعدل سكانها 224 وديونها 2. 2 مليار وتجارتها 3 مليار وتجارتها 3 مليار وطول سككها 4500 ومساحة النمسا والمجر 625 ألف كيلومتر وسكانها 44 مليوناً ومعدل الساكن في كل كيلومتر 69 وديونها 16 ملياراً وتجارتها 42 مليون وسككها 25 ألف كيلومتر ومساحة ألمانيا 540 ألف كيلومتر مربع وسكانها 53 مليوناً ومعدل السكان في كل كيلومتر 97 وديونها 156 ملياراً وتجارتها 10 ملايين وسككها الحديدية 49 ألف كيلومتر ومساحة روسيا 5. 430. 000 وسكانها 106 ملايين ومعدل السكان 19 وديونها 16 ملياراً وتجارتها 4 مليارات وطول سككها 40 ألف كيلومتر ومساحة إيطاليا 290 ألف كيلومتر وسكانها 32 مليوناً ومعدل سكانها في كل كيلومتر 109 وتجارتها 3 مليارات وسككها 16 ألف كيلومتر ومساحة فرنسا 536 ألف كيلومتر وسكانها 38 ومعدل السكان 72 ساكناً في كل كيلومتر وديونها 35 ملياراً وتجارتها 7 وسككها الحديدية 42 ألف كيلومتر أما البلاد العثمانية فمساحتها 4 ملايين كيلومتر مربع وسكانها 38 مليوناً ومعدل السكان في كل كيلومتر 10 أشخاص وديونها 5 مليارات وتجارتها 12 مليار وسككها الحديدية 5000 كيلومتر بما فيه طريق الحجاز.

العالم الجديد_مجلة شهرية تصدر باللغة العربية في نيويورك وتبحث في شؤون اجتماعية واقتصادية ولغوية وفكاهية وتاريخية اطلعنا على العددين السابع والثامن فرأيناهما حافلين بالموضوعات والمباحث النافعة لمنشئها سلوم أفندي مكرزل وقيمة اشتراكها دولاران ونصف وهي في عشرين صفحة كبيرة.