مجلة المقتبس/العدد 45/ديوان الرصافي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 45/ديوان الرصافي

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 11 - 1909



طبع بالمطبعة الأهلية في بيروت سنة 1328 (ص230)

يعرف قراء هذه المجلة شعر معروف أفندي الرصافي بما قرأوه وله في مجلدات المقتبس الأربع من الشعر الاجتماعي العذب المتين الذي كان فيه الفرد المقدم في العراق والشام أيام كان الكلام يحظر عَلَى كل إنسان وقد اشتهر بذلك حتى وصفه بعضهم بأنه شاعر المقتبس ولا عجب فهذه المجلة تفاخر بهذه النسبة. وقد طبع هذه المرة ديوانه وأكثر من ثلاثة أرباعه مما نشر في هذه المجلة عني بتبويبه الشيخ محي الدين الخياط من أفاضل بيروت وقدم له مقدمة رائقة وجعله في أربعة أبواب الكونيات والاجتماعيات والتاريخيات والوصفيات ومن شعر الرصافي الأخير من قصيدة في جرائد الأستانة.

ولم يكفها هذا الخلاف وإنما ... أطافت بنقصٍ للحقيقةِ زائد

فما بين مكذوب عليه وكاذب ... وما بين محجود عليه وجاحد

ترى في فروق اليوم قراء صحفها ... فريقين من ذي حجة ومعاند

جدال عَلَى مر الجديدين دائم ... بتفنيد رأي أو بتنقيد ناقد

وقال فيها:

ولم أر شيئاً كالجرائد عندهم ... مبادئه منقوضة بالمقاصد

يقولون نحن المصلحون ولم أجد ... لهم في مجال القول غير المفاسد

وكيفيبين الحق من نفثاتهم ... وكل له في الحق نفثة مارد

وقال من قصيدة في وصف لبنان:

لبنان تفعل بالحياة جنانة ... فعل الزلال بغلة الظمآن

وترد غصن العيش بعد ذبوله ... غضاً يميد بفرعه الفينان

فكأن لبنانا عروس إذ غدا ... يزهو بنشر غدائر الأغصان

وكأنما البحر الخضم سجنجل ... يبدي خيال جمالها الفتان

جبل سمت منه الفروع وأصله ... تحت البسيطةِ راسخ الأركان

تهفو الغصون به النهار وفي الدجى ... تهفو عليه ذوائب النيران

وترى النجوم عَلَى ذراهُ كأنها ... من فوقه درر عَلَى تيج إلى أن قال:

لبست ربى لبنان ثوباً اخضراً ... وزهت بحيث الحسن أحمر قان

نشر الربيع بهن زهراً مونقاً ... يزري بنظم قلائد العقيان

فبرزن من وشي الطبيعة بالحلى ... فكأنهن بحسنهن غوان

وكأن صنيناً أطل مراقباً ... يرنو لهن بمقلة الغيران

تلك الربى أما الجما فواحد ... فيها وأما أهلها فاثنان

رجل يسير إلى النجاح وآخر ... يسعى وغايتهإلى الخسران

متخاذلين بها وهم اعوانها ... ومن البلاء تخاذل الأعوان

ضعفت مباني كل أمر عندهم ... ما بين هادمها وبين الباني

وتفرقوا دنيا كأن لم يكفهم ... في النائبات تفرق الأديان

وسعوا فرادى للنجاح وفاتهم ... أن التضامن رائد العمران

وقال من قصيدة حول البوسفور:

سفوح جبال بعضها فوق بعضها ... مكللة حافاتهن بأشجار

يروق بجنبيها خرير مياهها ... ويشجي بقطريها ترنم أطيار

ويجري النسيم الرطب فيها كأنه ... تبختر بيضاء الترائب معطار

معاهد زرها في الهواجر تلقها ... موشحة فيها برقة أسحار

نزلنا بها والشمس من فوق أرسلت ... على منحنى الوادي ذوائب أنوار

وقد ظل من بين الغصون شعاعها ... يوقع ديناراً لنا جنب دينار

كأن التفاف الدوح والنور بينها ... جيوب من الأنوار زرت بأزرار

تميل إذا هبَّ النسيم غصونها ... فتأتي بظل في الجوانب موار

ترانا إذا ما الطير في الدوح غردت ... تميل بأسماع إليها وأبصار

وقال من قصيدة في التربية بعد أن شاهد مسرح الحيوانات في بيروت:

كأنما الليث لم يخلق أخا ظفر ... محدد الناب قذافاً إلى العطب

شاهدته مشهداً بدعاً علمت به ... أن الغرائز لم تطبع عَلى شغب

وإن خبث البرايا في طبائعها ... لا بد فيه سوى الأطباع من سبب وإن ليث الشرى ما صيغ مفترساً ... لكن احالته فراساً يد السغب

وكم من الناس من قد راح مندفعاً ... بدافع الجوع نحو القتل والسلب

وان تربية الإنسان يرجعه ... إكسيرها وهو من ترب إلى الذهب

هذا إذا حسنت أما إذا قبحت ... كالمندلي بها يمسي من الحطب

فكل ماهو في الإنسان مكتسب ... فلا تقل فيه شيء غير مكتسب

أني أرى أسوأ الآباء تربية ... للابن أحرى بأن يدعى اعقاب

والمرء كالنبت ينمو حسب تربته ... وليس ينبت نبع منبت الغرب

من عاش في الوسط الزاكي زكا خلقاً ... حتى علا في المعالي ارفع الرتب

فاحرس عَلَى أدب تحيا النفوس به ... فإنما قيمة الإنسان بالأدب

وقد عني بتفسير ألفاظه اللغوية الشيخ مصطفى الغلاييني منشئ مجلة النبراس الشهير فجاء الديوان موفور الخيرات من كل الجهات حرياً بكل من ذاق لماظه من الأدب أن يقتنيه ويتدارسه فشعر الرصافي هو النموذج الراقي من شعر هذا العصر.