مجلة المقتبس/العدد 38/إيقاظ الرقود

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 38/إيقاظ الرقود

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1909


إلى كم أنت تهتف بالنشيد ... وقد أعياك إيقاظ الرقود

فلست وإن شددت عرى القصيد ... تجد في نشيدك أو مفيد

لأن القوم في غي بعيد

إذا أيقظتهم زادوا رقادا ... وإن أنهضتم قعدوا وئآدا

فسبحان الذي خلق العبادا ... كأن القوم قد خلقوا جمادا

وهل يخلوا الجماد عن الجمود

أطلت وكاد يعييني الكلام ... ملاماً دون وقعته الحسام

فما انتبهوا ولا نفع الملام ... كأَن القوم أطفال نيام

تهز من الجهالة في مهود

إليك إليك يا بغداد عني ... فإني لست منك ولست مني

ولكني وإن كبر التجني ... يعز علي يا بغداد أني

أراك عَلَى شفا هول شديد

تتابعت الخطوب عليك تترى ... وبدل منك حلو العيش مرّا

فهلاّ تنجبين فتى أغرّا ... أراك عقمت لا تلدين حرا

وكنت لمثله أزكى ولود

أقما الجهل فيك له شهودا ... وسامك بالهوان له الجسودا

متى تبدين منك له جحودا ... فهلا عدت ذاكرةً عهودا

بهن رشدت أيام الرشيد

زمان نفوذ حكمك مستمر ... زمان سحاب فيضك مستدرّ

زمان العلم أنت مقر ... زمان بناء عزك مشمخر

وبدر علاك في سعد السعود

برحت الأوج ميلاً للحضيض ... وضقت وكنت ذات عليّ عريض

وقد أصبحت فيجسم مريض ... وكنت بأوجه للعز بيض

فصرت بأوجه للذل سود

ترقى العالمون وقد هبطنا ... وفي درك الهوان قد انحططن وعن سنن الحضارة قد شحطنا ... فقطنا يا بني بغداد قطنا

إلى كم نحن في عيش القرود

ألم تك قبلنا الأجداد تبني ... بناءً للعلوم بكل فن

لماذا نحن يا أسرى التأَني ... أخذنا بالتقهقر والتدني

وصرنا عاجزين عن الصعود

كأن زحل يشاهد ما لدينا ... لذاك أحمر من حنق علينا

قال موجهاً لوماً إلينا ... لو أني مثلكم أمسيت هينا

إذاً لنضوت جلباب الوجود

وكنتم في الجهالة وهي تعشي ... وعشتم كالوحوش أخس عيش

أما فيكم فتى للعز يمشي ... تبارك من أدار بنات نعش

وصفدكم بأصفاد الركود

حكيتم في توقفكم جديَّا ... فصرتم كالسها شعباً خفيا

ألا تجرون في مجرى الثريا ... تؤم بدورها فلكاً قصيا

فنبرز منه في وضع جديد

حكومة شعبنا جارت وصارت ... علينا تستبد بما أشارت

فلا أحداً دعته ولا استشارت ... وكل حكومة ظلمت وجارت

فبشرها بتمزيق الحدود

حكومتنا تميل لباخسيها ... مجانبةً طريق مؤسسيها

فلا يغررك لين ملابسيها ... فهم كالنار تحرق لامسيها

وتحسن للنواظر من بعيد

لقد غص القصيم بكل نذل ... وأمسى من تخاصمهم بشغل

فريقاً خطتي غيّ وجهل ... كلا الخصمين ليس له بأهل

ولكن من لتنكيل المريد

إليهم أرسلت بغداد جندا ... ليهلك ثم عن عبث ويفدى

لقصد ابن الرشيد أضاع قصدا ... فلا يا ابن الرشيد بلغت رشدا ولا بلغ السعود ابن السعود

مشوا يتحركون بعزم ساكن ... ورثة حالهم تبكي الأماكن

وقد تركوا الحلائل في المساكن ... جنود أرسلت للموت لكن

بفتك الجوعِ لا فتك الحديد

قد التفوا بأسمالٍ بوال ... مشاةً في السهول وفي الجبال

يجدون المسير بلا نعال ... بحال للنواظر غير حال

وزيّ غير ما زي الجنود

مشوا في منهج جهلوه نهجاً ... يجوبون الفلا فجاً ففجاّ

إلى حيث السلامة لا ترجى ... فيا لهفي على الشبان تزجى

عَلَى عبث إلى الموت المبيد

وكلٌ مذ غدوا للبيت أما ... فودع أهله زوجاً وأما

وضم وليده بيد وشما ... بكى الولد الوحيد عليه لما

غدا يبكي على الولد الوحيد

تقول له الخليلة وهو ماش ... رويدك لا برجت أخا انتعاش

فبعدك من يحصل لي معاشي ... فقال ودمعه بادي الرشاش

وكلتكمو إلى الرب الودود

عساكر قد فضوا عرياً وجوعاً ... بحيث الأرض تبتلع الجموعا

إلى أن ضار أغناهم ربوعاً ... لفرط الجوع مرتضياً قنوعا

بقدر لو أصاب من الجلود

هناك قضوا وما فتحوا بلادا ... هناك بأسرهم نفدوا نفادا

هناك لحيرة عدموا الرشادا ... هناك لروعهم فقدوا الرقادا

هناك عروا هناك من البرود

أناديهم ولي شجن مهيج ... وأذكرهم فينبعث النشيج

ودمع محاجري بدم مزيج ... إلا يا هالكين لكم أجيج

ذكا بحشاي محتدم الوقود سكنا من جهالتنا بقاعا ... يجور بها المؤَمر ما استطاعا

فكدنا أن نموت بها ارتياعا ... وهبنا أمة هلكت ضياعا

تولى أمرها. . . . .

أيا حرية الصحف ارحمينا ... فأنا لم نزل لك عاشقينا

متى تصلين كيما تطلقينا ... عدينا في وصالك وامطلينا

فأنا منك نقنع بالوعود

فأنت الروح تشفين الجروحا ... يحرّج فقدك البلد الفسيحا

رأس لبلدة لم تحو روحا ... وإن حوت القصور أو الصروحا

حياة تستفاد

أقول وليس بعض القول جداً ... لسلطان تجبر واستبدا

تعدى في الأمور وما استعدَّا ... ألا يا أيها الملك المفدى

ومن لولاه لم نك في الوجود

أنم عن أن تسوس الملك طرفاً ... أقم ما تشتهي زمراً وعزفا

أطل منكم الريمة خل عرفاً ... سم البلدان مهما شئت خسفا

وأرسل من تشاء إلى اللحود

فدتك الناس من ملك مطاع ... ابن ما شئت من طرق ابتداع

لا تخش إلا أنه ولا تراع ... فهل هذي البلاد سوى ضياع

ملكت أو العباد سوى عبيد

تنعم في قصورك غير دار ... أعاش الناس أم هم في بوار

فإنك لم تطالب باعتذار ... وهب أن الممالك في دمار

أليس بناء قصرك بالمشيد

جميع ملوك هذي الأرض فلك ... وأنت البحر فيك ندى وهلك

فأين لهم علاك وذاك أنك ... لئن وهبوا النقود فأنت ملك

وهوب للبلاد وللنقود