مجلة المقتبس/العدد 3/انتقاد المقتبس
مجلة المقتبس/العدد 3/انتقاد المقتبس
تتابعت كتب التقريظ والانتقاد علينا وها نحن نلخصها فيما يلي مكتفين بما ورد فيها من ضروب النقد. وفي مأمولنا أن نصلح ما يمكن إصلاحه من وضع هذه الصحيفة وموضوعاتها على الزمن حتى يجيء منها ما يفيد ويروق بعون الله وتسديده. ورجاؤنا إلى من يأتوا العلم الرجيح ورزقوا ملكة النقد الصحيح أن يقبسوا المقتبس من أنوارهم كلما عن لهم ذلك. ورحم الله من أهدى إلى عيوبي.
ولقد اختلفت آراء المفكرين والعالمين فمن قائل باختصار مقالات المقتبس ومن قائل بإشباعها وتوفية كل مبحث حقه من الشرح. كما اختلفت المذاهب في أسلوب إنشائه فمن قائل أنه يصعب فهمه على غير المتعلمين أو دون الرجوع إلى المعاجم كما قال بعضهم ومن مصرح أن لغة المجلات ينبغي لها على كل حال أن تكون أرقى من لغة الجرائد لأن قراءها من الخاصة أو ممن يدانيهم ويرى الفريق الأول أنه لا بأس باستعمال ما استعمله العرب من التراكيب أيضاً ويرده بعضهم ويفنده. واعترض بعضهم على استعمال الإشارات الجديدة مثل،؟. وغيرها قائلين أن ذلك لا يجدر إلا بكتب الأطفال والنساء واستحسنها بعضهم وأراد الإكثار منها للإفهام. ورأى بعض العلماء ضبط الكلمات المبهمة. وآخذنا أحد العلماء على كوننا لم ننسب ارتقاء الصحافة العربية للشيخ محمد عبده أيام كان يحرر الوقائع المصرية ويدير المطبوعات ويحتم على الصحف أن تلتزم تصحيح عباراتها أو توقف. كما عاتبنا بعضهم على أننا لم نذكر المعلم بطرس البستاني في عداد من نهضوا بالصحافة. واستنسب بعضهم نشر رواية في كل جزء لأنه يتوقف عليها لفت أنظار أكثر القراء وصرح عالم بأن الروايات لا يليق نشرها في المجلات العلمية التي تتوخى الجد والفائدة.
وانتقدت مجلة الشتاء الغراء اطراد المقتبس في أسلوبه الإنشائي الجد البحت وإرادته على استعمال الهزل الأدبي وقالت أن نكات الوهراني والتعاويذي لا تقوم مقام النكتة الخفيفة وآخذته على تجاوزه الحد في الإيجاز في تلخيص مقالات الجرائد العربية وعلى ما سرى إليه من الغلط من أن سليم النقاش عم مارون النقاش هو الذي أتى بالتمثيل إلى مصر. ولم تر مجلة الشتاء حكم ابن حزم جديرة بالإيثار قالت ولو كانت من مأثور الكلام لأبقاها ناموس بقاء الأنسب في ذاكرة أهل العلم. ونقدت على المقتبس إهماله ذكر العادات الذميمة ونقائص المجتمع صراحة أو تعريضاً وإطلاقه العنان لأمثال التناسل الغريب الخ.
وكتب إلينا أحد علماء دمشق يقول: استغرب المحققون ذكرك قصة المتنبي في باب التناسل الغريب إذ لم يعلم أن للمتنبي أكثر من ولد أو ولدين على شهرة أحواله فإما بيان المأخذ وإما إصلاح الغلط. وإذا قرأت ترجمته إلى آخرها في ابن خلكان يتضح لك ذلك بأجلى برهان. ثم أن مجلتك لا يليق بها أن تعدل عن جادة الجد وخلو الغرض وقتاً من الأوقات فاستعمالك لألفاظ يستشم من خلالها ريح التعريض والاستهزاء غير جائز مثل الفقاقيع الفارغة وما ذكرته في وصف الشعراء المحدثين عند بحثك عن دواء الأرق. ويا حبذا لو ضربت صفحاً عن نفاضة الجراب وإن راقت الأكثرين لأن الغاية تعليم وتهذيب وترقية عقل. قيل للإمام علي كرم الله وجهه لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين فقال: الخضاب زينة ونحن قوم في مصيبة. وكذلك نحن الآن في دور جد وعمل لا دور هزل وفكاهة. . .
وصحح لنا عالم اجتماعي ف بدمشق بعض أغلاط فقال: جاء في الصحيفة 74 أمطرت رماداً فانكشفت للحال مدينتان رومانيتان كانت مدفونتين والصواب أن يقال فتغطت للحال مدينتان رومانيتان كانتا مكشوفتين لأن البركان غطى حينئذ المدينتين بالحمم والرماد ولم تكشفا إلا من عهد قريب. ومنها ما جاء في الصحيفة 80 خلقوا أولادكم بغير أخلاقكم والصواب لا تكرهوا أولادكم على التخلق بأخلاقكم الخ. ومنها في صحيفة 78 الإنجيل والمكاتبات والنصارى يقولون الإنجيل والرسائل. ومنها في صحيفة 110 التحبيز والصواب التمييز.
ونختم هذا الفصل بقطعة من رسالة لصديقنا الأمير شكيب أرسلان قصد فيها الدعابة الأدبية واعدين أن تلم في فرصة أخرى بما تجود به قرائح المفكرين من نقد هفواتنا قال الأمير سامحه الله: وآنست في نفسك انشراحاً ونشاطاً، وقلة في كمية السوداء وانحطاطاً، يدل على ذلك في مجلتك فكاهات رويتها، ومداعبات أثرتها، وأسجاع ملت إليها، متى كنت يا محمد مولعاً بالسجع عهدي بك لا تطيقه وإذا مررت بالجناس ولو تمثل لك واقفاً رفسته برجلك وأكببته لوجهه. وطالما نقمت علينا التسجيع، وأقمت علينا من النكير بعدد أنواع البديع، وعددت سجع الحمام، من قبل فجع الحمام، واعتبرت نفائس الجناس، من وساوس الخناس، فها أنا ذا أسجع الآن ولا حرج علي منك ولا تثريب، وأجنس وأنت ساكت ساكن وهذا أمر غريب، فهل هداك الله إلى الصواب الآن حتى صرت في مذاهب المذاهب وطرق الطرق أو هل نزغت بك نزغات جداد، وجدت بك أهواء لم تكن تعتاد، أو لعلك حصرت السجع والجناس في فاتحة المجلة لأنها من المجلة كقاعة الاستقبال من البيت فلا يد فيها من مراعاة الأمور الرسمية والسجع رسمي في المقدمات. . ولا عيب في هذه المقدمة إلا هذا السعدان الذي في آخرها. لا تؤاخذني بالله عليك لي عندك ثارات، وبصدري من حماطة الجلجلان حزازات، وأنت منصف فلا ينبغي أن يثقل عليك الحق كما يثقل على غيرك. . . أما ما استعظمت من روايات التناسل حتى تجاوزت الحد في الاحتراز في نقله فليس بتلك الدرجة فإن الأمثال كثيرة والمرحوم الحاج حسن عبد الله من خيام مرجعيون وعسى أن لا أكون شرقياً في كثرة الأرقام كان له من الولد وولد الولد ما يربو على التسعين وهو والد محمد أفندي الحاج حسن الشاعر الأديب. أما نصائح ابن حزم فقد ذكرتني بحكم ابن المقفع وإن كان لا ينكر أن هذا أعلى طبقة في الكتابة وأما نكات الوهراني فلا بأس بها لكن يا أخي سألت الله لمجلتك أن يدفع عنها آفات التطويل والتكرار، وأنت لم تقصر في تكرار ذكر الشعير مع الأشعار، ففي كتاب الوهراني الذي يخشى من وهر لسانه طلب للشعير مطول برسم البغلة وفي قصيدة التعاويذي أعاذنا الله من مثله كلام عن الشعير لأجل الفرس فهذا كثير على الشعير. . .