مجلة المقتبس/العدد 27/مطبوعات ومخطوطات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 27/مطبوعات ومخطوطات

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 4 - 1908



كتاب البدء والتاريخ

لم نكد نقرأ مبحث الصنائع الإسلامية الذي نقلناه إلى العربية في هذا الجزء حتى جاءنا البريد من باريز يحمل الجزء الرابع من كتاب البدء والتاريخ لأبي زيد أحمد بن سهل البلخي الذي نشره المسيو كلمان هوار كاتب تلك الرسالة وأحد أساتذة مدرسة الألسنة الشرقية الحية في باريز مترجماً بقلمه إلى الإفرنسية. أخذه عن نسخة وحيدة في مكتبة الداماد إبراهيم باشا بالأستانة وطبع الأجزاء الأربعة التي صدرت منه إلى الآن نحو ثلثيه وبقي الثلث الآخر.

وقد كان ناشره العلامة يرى أولاً أن الكتاب للبلخي لأن النسخة المنقول عنها كتب عليها اسمه ثم تبين من بعض القرائن التي ذكرها في مقدمة الجزء الثاني والثالث أن الكتاب للمطهر بن طاهر المقدسي المقيم ببست من أعمال سجستان. ساعد على هذا الشك أمور منها أن ابن النديم صاحب الفهرست لم يذكر كتاب البدء والتاريخ في جملة مصنفات البلخي ومنها أن كتاب خريدة العجائب المنسوب لابن الوردي الذي اقتطع منه بعض فقرات من البدء والتاريخ وإن قال انه للبلخي إلا أن أبا منصور الثعالبي في كتابه الغرر في سير الملوك وأخبارهم ذكر كتاب البدء والتاريخ مرتين وقال أنه للمطهر بن طاهر. والثعالبي ثقة لقدمه. فقد كان بعد تأليف البدء والتاريخ بخمسين سنة وابن الوردي كان في القرن التاسع للهجرة. وأن ياقوت الرومي يقول في كتابه معجم الأدباء أن البلخي توفي سنة 322 على حين انتهى هذا الكتاب إلى سنة 355 بيد أن من نسب إليه الكتاب مشهور بين أهل العلم في عصره بالفضل والفلسفة وأحكام النجوم والرحلة وله مصنفات في الجغرافية وغيرها والمطهر بن طاهر غير معروف ولم يعثر له على ترجمة.

وكيفما كان الحال فقد بذل ناشره جزاه الله خيراً من العناية بتصحيحه ما وصل إليه ذرعه مستعيناً ببعض أئمة التاريخ والأدب العربي من علماء المشرقيات في أوروبا أمثال كوي الهولاندي وغولدسير المجري ومرجليوث الإنكليزي ودارنبورغ وبارييه دي مينار الفرنسويين. كل هذه العناية وقد اعتذر عن نفسه وعدّ منها الجرأة أن ينشر كتاباً من القرن الرابع منقولاً عن نسخة مخطوطة واحدة فقال أنه لم يرَ بداً من نقل العبارة بنصها وعلى علاتها بل على أغلاطها النحوية وأن يقتصروا على التصحيح الظاهر مشيراً في الحاشية للأصل وكيف ورد.

قال المؤلف في المقدمة: تسلق الزائغون عن المحبة في التلبيس على الضعفاء وتعلق المنحرفون عن نهج الحق في إفساد عقيدة الأغبياء من طريق مبادئ الخلق ومبانيه وما إليه مآله تعلقاً به ينبهون غرة الغافل ويحيرون فطنة العاقل وذلك من أنكى مكايدهم للدين وأثخن لبلوغهم في انتقاص الموحدين ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويعلي كلمته ويفلج حجته ولو كره الكافرون وأن من أعظم الآفة على عوام الأمة تصديهم لمناظرة من ناظرهم بما تخيل في أوهامهم وانتصب في نفوسهم من غير ارتياض بطرق العلم ولا معرفة بأوضاع القول ولا تحكك بأدب الجدل ولا بصيرة بحقائق الكلام ثم إلقاؤهم بأيديهم عند أول صاكة تصك أفهامهم وقارعة تقرع أسماعهم ضارعين خاشعين مستجدين مستقلين إلى ما لاح لهم بلا إجالة روية ولا تنقير عن خبيئة وعلى أهل الطرف والشرف منهم التخصيص بالنادر الغريب والرغبة عن الظاهر المستفبض والإيجاب بغوامض الألفاظ الرائقة والكلم الرائعة وإن كانت ناحلة المعاني نحيفة المغاني ضعيفة الضمائر واهية القواعد فقصارى نظرهم الاستخفاف بالشرائع والأديان التي هي وثاق الله تعالى في سياسة خلقه وملاك أمره ونظام الألفة بين عباده وقوام معاشهم والمنبه على معادهم الرادع لهم عن التباغي والتظالم والمهيب بهم إلى التعاطف والتواصل والباعث لهم على اعتقاد الذخائر من مشكور صنائع العاجل ومحمود ثواب الآجل.

إلى أن قال: وجمعت ما وجدت في ذكر مبدأ الخلق ومنتهاه ثم ما يتبعه من قصص الأنبياء عليهم السلام وأخبار الأمم والأجيال وتواريخ الملوك ذوي الأخطار من العرب والعجم وما روي من أمر الخلفاء من لدن قيام الساعة إلى زماننا هذا وهو سنة ثلاثمائة وخمس وخمسين من هجرة نبينا محمد وما حكي أنه واقع بعد من الكوائن والفتن والعجائب بين يدي الساعة على نحو ما بين وفصل فقي الكتب المتقدمة والأخبار المؤرخة من الخلق والخلائق وأديان أصناف الأمم ومعاملتهم ورسومهم وذكر العمران من الأرض وكيفية صفات الأقاليم والممالك ثم ما جرى في الإسلام من المغازي والفتوح وغير ذلك الخ. ويشتمل الكتاب على اثنين وعشرين فصلاً يجمع كل فصل أبواباً وأذكاراً من جنس ما يدل عليه. قدمه مؤلفه إلى احد ملوك عصره إلا أنه لم يذكر اسمه ويرى الناشر أن المقدم إليه ربما كان وزير المنصور بن نوح الساماني.

والجزء الرابع الذي أهدي إلينا يبدأ من الفصل الثاني عشر بذكر أديان أهل الأرض ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم من أهل الكتاب وغيرهم وانتهى بالسادس عشر لسنة إحدى عشرة من الهجرة قال في ذكر المعطلة والملاحدة أو الدهرية أو الزنادقة أو المهملة: وقط ما انتشروا في أمة من الأمم ولا أقروا في وقت من الأوقات انتشارهم في هذه الأمة لإعطائهم الإقرار بالديانة ظاهراً (وهو ما نسميه اليوم بحرية الأديان) وحقن الشريعة دم من أجاب إليها وهم هؤلاء الباطنية الباطلية الذين تخلعوا عن الأديان ومرجوا نفوسهم في ميادين الشهوات فحظوا عند الظلمة بترخيصهم لهم في ارتكاب ما يهوون وتهوينهم عليهم عواقب ما يحذرون حتى ترى المظالم قد فشت والقلوب قد قست والمنكرات قد ظهرت والفواحش قد كثرت وارتفعت الأمانة وغلبت الخيانة وعطلت المروءة واستخف بالربانيين واهتضم المستضعفون وأميت العدل وأحيي الجور فظهر ما لم يذكر في عهد ملك من الملوك في قديم الدهر وحديثه ولا في زمن نبي من الأنبياء عليهم السلام. . .

وفي الكتاب فوائد كثيرة جغرافية وتاريخية واجتماعية وعمرانية وهو من أهم الكتب في النحل والملل وخوضه فيها يدل على أن المؤلف هو البلخي لما عرف من ترجمته أنه طالما اجتمع بزعماء أرباب الملل واستوصفهم معتقداتهم قال في طورسينا: يخرج الرجل من مصر إلى قلزم في ثلاثة أيام ومن قلزم إلى الطور طريقان أحدهما في البحر والآخر في البر وهما جميعاً يؤديان إلى فاران وهي مدينة العمالقة ثم يسير منها إلى الطور في يومين فإذا انتهى إليه صعد ستة آلاق وستمائة وستاً وستين مرقاة وفي نصف الجبل كنيسة لإيليا النبي وفي قلة الجبل كنيسة مبنية باسم موسى عليه السلام بأساطين من رخام وأبواب من صفر وهو الموضع الذي كلم الله عز وجل فيه موسى وقطع منه الألواح للتوراة ولا يكون فيها إلا راهب واحد للخدمة ويزعمون أنه لا يقدر أحد أن يبيت فيها فيهيء له بيت صغير من خارج بناء فيه.

والكتاب كما رأيت لطيف الأسلوب في إنشائه. وإنشاء القرن الرابع مهما انحط أرقى من إنشاء الأعصر التي تليه. وقد اتضح أن مؤلفه معتزلي من نسبة الاختيار المطلق للإنسان ورعاية الأصلح لله سبحانه وتعالى ونحو ذلك مما ذكره في المعراج النبوي فإنه قال: والوجه في هذا وما أشبهه أن لا يجاوز فيه نص الكتاب ومستفيض السنة مع المخالف المنكر المستعظم لما يخرج عن العادة المعهودة والطبع القويم وقال أن المسرى قد يكون بالروح والجسم وأنه لا خلاف بين أهل اللغة أن الرؤيا في المنام لا غير وإن كان جاء في التفسير أنه رؤية العين فحكم العقل أن يخاطب كلاً على قدر فهمه.

فهذا الكلام يدل على أن المؤلف معتزلي فإن كان المطهر الذي نسب إليه التأليف معتزلياً تقوى الشبهة في أن الكتاب له وإلا فيبقى هناك مجال للقول في أنه للبلخي. ولعل الذي أحيا هذا الكتاب الذي كاد يدفن يوفق إلى تصفح بعض ما يعثر عليه من مصنفات البلخي فيقابل بين أسلوبه فيها وأسلوبه في كتاب البدء والتاريخ ليتجلى له إن كان هذا المؤلف له أو نسب إليه وهو لغيره. فإن المدقق لا يلبث أن يدرك من بعض الألفاظ والتعابير أن المؤلف واحد ولكل كاتب ألفاظ تكاد تكون خاصة به يستعملها في معظم ما تخطه يراعته.

وقد تصفحنا جملة صالحة من الترجمة الإفرنسية فرأيناها موافقة للأصل العربي اللهم إلا إذا كان في هذا بعض التباس فهناك المترجم يعذر لا محالة. ومهما يكن فإنا نهنيء المسيو هواء على إحياء هذا الأثر النفيس وما أحرى أن تكون مبالغته في العناية بما نشر معلمة لطابعينا ومؤلفينا كيف نطبع الكتب إذا أريد بها النفع الحقيقي لا مجرد النسخ والإلقاء للطبع كيفما اتفق. ونشكر لمدرسة اللغات الشرقية على طبعها هذا السفر الجليل ونرجو أن يوفق أمثال المسيو هوار وغيره من رصفائه الجهابذة إلى نشر كثير من آثار الشرق على النحو الذي طبع به هذا الكتاب من الإتقان والجودة. وكل جزء منه يباع بعشرين فرنكاً. فنحث طلاب العلم والأدب على اقتنائه فإنه من خير الكتب التي تزين المكاتب والقماطر ويسر بوضعها وطبعها الخاطر والناظر ومن جملة فوائده أنه يعين من أراد أن يتعلم الترجمة من الإفرنسية إلى العربية وبالعكس.

بلاغات النساء

هو كتاب حوى طرائف كلام النساء وملح نوادرهن وأخبار ذوات الرأي منهن وأشعارهن في الجاهلية وصدر الإسلام تأليف أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر المتوفى سنة 380 هـ نقله عن نسخة مخطوطة في خزانة الكتب الخديوية أحمد أفندي الألفي من أفاضل أدباء مصر وقدم له مقدمة رشيقة وصف فيها الأصل الذي اهتدى إليه وحافظ على كلام المؤلف فلم يحذف منه ما لا ينطبق مثلاً على عادات هذا العصر في التآليف فأبقى قسم المجون بحاله لأنه داخل في أنواع الأحوال الاجتماعية والبلاغات اللغوية المروية عن النساء ليتم للمطالع الإشراف على هذه الأحوال والبلاغات في قسميها الجدي والفكاهي وقد يستغرق المطالع في مطالعة هذا الأثر النفيس فيحار في التفضيل ولا غرو فإن كلام عائشة وفاطمة وزينب وأم كلثوم وحفصة وأروى بنت الحارث وسودة بنت عمارة والزرقاء بنت عدي وبكارة الهلالية وأم الخير لبنت الحريش البارقية والحجانة بنت المهاجر وأم معبد ورقيقة بنت بنانة وامرأة أبي الأسود الديلمي وصفية بنت هشام المنقرية وجمعة وهند بنتا الحسن وآمنة بنت الشريد وأم سنان بنت خيثمة بن خرسة ونائلة بنت القرفصة وعائشة بنت عثمان بن عفان وفاطمة بنت عبد الملك وعكرشة بنت الأطش والدارمية الجحونية وجروة بنت مرة بن غالب وأم البراء بنت صفوان إلى غيرهن من الأديبات الحكيمات هو للبلاغة معين وعلى الأدب أكبر معين يقل وقوع مثله للرجال دع عنك ربات الحجال. وقد جاء الكتاب في زهاء مئتي صفحة مطبوعة جيداً وعلق عليه ناشره بتفسير بعض الألفاظ العويصة وبذل الجهد في إرجاع النصوص إلى الصواب ما أمكن لأن النسخة الأصلية محرفة تحريفاً مشيناً فجزاه الله خيراً والكتاب يطلب من المكاتب الشهيرة بمصر وثمنه عشرة قروش.