مجلة المقتبس/العدد 26/الأخصاء في العلوم
مجلة المقتبس/العدد 26/الأخصاء في العلوم
المخصي هو الذي يتفرد بدراسة فن واحد من أخصى الرجل إذا تعلم علماً واحد والنتفة (كهمزة) من ينتف من العلم شيئاً ولا يستقصيه قال في التاج: وكان أبو عبيدة إذا ذكر له الأصمعي يقول ذاك الرجل نتفة قال الأزهري: أراد أنه لم يستقص كلام العرب إنما حفظ الوخز والخطيئة منه أي القليل. فالأخصاء هو موضوع بحثنا هنا يتوقف عليه نجاح العلم وارتقاؤه ولا يقال عن أمة أنها مرتقية في علومها إلا إذا كثر فيها الأخصائيون في كل علم من علوم الحياة والاجتماع وكل من تفردوا في الغالب وطار ذكرهم في الآفاق وتناقلت أعمالهم الأجيال بعد الأجيال والعصور غبَّ العصور وكانوا بلا مراء من أهل الأخصاء صرفوا وكدهم إلى معاناة علم واحد والنظر في دقائقه وخفاياه ودرسه من عامة أطرافه.
وَهِم قوم أن الأخصاء في العلوم يرتجل ارتجالاً فالمهندس يتعلم الهندسة وحدها والأثري يدرس علم الآثار والمؤرخ التاريخ والكيماوي الكيمياء والطبيعي الطبيعيات والفلكي الأفلاك فيبرزون وترتقي مداركهم. ولكن دل تاريخ العلم في الأمم القديمة والحديثة على أن لا يخصي في علم إلا من سبق له أن شارك في علوم كثيرة ولو مشاركة بسيطة لأن للعلوم علاقة بعضها ببعض كعلاقة البشر بعضهم ببعض فكما أنه لا يتيسر النفع لأمة أن تبقى وراء تخومها منعزلة عن جاراتها فكذلك العلم الواحد وهو ثمرة عقول العالمين لا يتقن إلا إذا قدمت له المقدمات وشدا صاحبه شيئاً من أكثر ما ينفع وقلما سمع بأن رجل أثر في إنهاض أمة أو خدم علماً أنفع نفعاً بذكر وكان ما تميز به وحده هو كل رأس ماله العلمي والعقلي حتى أن نفس علماء الدين في الإسلام الذين أثروا تأثيراً كبيراً كانوا مشاركين في علوم الدنيا مشاركة تامة والغزالي والماوردي والفخر الرازي وابن تيمية وابن حزم وابن القيم وأبو حاتم الرازي والجاحظ وغيرهم كثيرون لم يؤثروا في قومهم ولم يزالوا مؤثرين لا لأنهم سعوا في تنمية ملكات عقولهم بالعلوم الرياضية والتاريخية فعرفوا كيف يسلكون ولذلك ترى لكلامهم قبولاً لا تراه لغيرهم ممن لم يشاركوا مشاركتهم في العلوم الدنيوية.
وكذلك الحال فيمن عرفوا بالعلوم المدنية كنصير الدين الطوسي وابن رشد وابن سينا والفارابي وعبد اللطيف البغدادي وابن الهيثم والبتاني والبيروني ومئات غيرهم لم ينفعوا في علومهم التي تفردوا فيها إلا بعد أن عرفوا من علوم الدين ما حسنت معه سيرتهم وسريرتهم.
وإذا أمعنا النظر في تاريخ هذه الأمة نجدها لم تعهد الأخصائيين في العلوم المدنية إلا في أواخر القرن الثاني أو في منتصف الثالث على حين بدأت بالنقل وتعلم علوم الحضارة منذ القرن الأول للهجرة ولما عمت هذه العلوم وخصوصاً الفلسفية نشأ بحكم الطبع أناس متفردون ودام هذا التفرد على أشده إلى أواخر القرن السادس ثم أخذ يضعف بضعف طرق التعليم وزهد الحكومات في العلم إلا ما كان منه تحت ستار الآخرة تمويهاً على عقول السذج وفساد السياسة فساد العالم فكيف بالعلم وهو الذي لا تنفق سوقه إلا في أرض الراحة والطمأنينة ولا يقوى إلا بالبواعث والدواعي.
وكأن العقول في أهل هذه البلاد ضعفت بعد اشتغالها الطويل قروناً فأخلدت إلى الراحة طوعاً أو كرهاً في القرون الخمسة الأخيرة التي لم تبق منها إلا حثالة من فروع الدين واللغة فقط وقلَّ في كبار المشتغلين من أهلها بعقولهم من أصبح يدعى نتفة من علم فضلاً عن أخصائي. أو كأن ضعف أمة قوة أخرى كما قال بعضهم:
حياةُ بعض ممات بعضٍ ... حياةُ كلّ محالُ فرض
فقد كنا هنا كلما ضعفت عقولنا وزهدنا في ترقية مداركنا وانصرفنا إلى التافه الذي لا يؤبه له قويت الأمم الغربية بعلومها ومدارك أهلها وطفق العلم يعم أفرادها جيلاً بعد جيل حتى جاء القرن الثامن عشر الميلادي وقد كثر الأخصائيون فيهم وزادوا في القرن التاسع عشر أي زيادة وأتى هذا القرن العشرون وقد كاد يعم العلم قضهم وقضيضهم وذكورهم وإناثهم. ومن جمهور المتعلمين يخرج في العادة الأخصائيون وهم إما مسوقون بنابل من طبيعتهم إلى إتقان فن أو فنين والتبريز فيهما على الأقران أو أن أحدهم ينمي في نفسه الميل إلى فن ينفع الناس نفعاً حقيقياً. قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: من أراد أن يكون عالماً فليطلب فناً واحداً ومن أراد أن يكون أديباً فليتفنن في العلوم. وقال احد الحكماء: اقصد من أصناف العلوم ما هو أشهى لنفسك وأخف على قلبك فإن نفاذك فيه على حسب شهوتك له وسهولته عليك.
ما ظهر في الغرب أمثال نيوتن ولابلاس وكيتي وشيلر وهيكل وهيجل وفيختي وماكولي ولايبنز وسبينوزا وكانت وكونت وديكارت وشوبنهور وروسو وفولتير وديدر ودروين وهاكسلي ومئات غيرهم إلا بعد أن نظم التعليم عندهم تنظيماً حسناً وعم الإصلاح أصوله وفروعه فصار الأخصاء في أفراد منهم الآن على ما يعجب منه بل أصبح العلم الواحد ينقسم إلى فروع كثيرة ويشتتغل في كل فرع منه عدة أفراد. فواحد للميكروبات وآخر للعدسيات وبعضهم للأجواء وآخرون للأضواء وغيرهم للماء وفريق للسماء وافراد للكهرباء وطائفة للكيمياء وآخرون للعيون وبعضهم للجنون وهكذا تجد لكل ما يخطر ببالك وما لا يخطر من فروع المعرفة مئات من الأخصائيين ومئات من المجامع العلمية الخاصة بها والمدارس الموقوفة عليها. وبحق ما قال أحد أساتذة كلية أكسفورد في مأدبة أقيمت لجماعة من أساتذة الإنكليز في كلية السوربون بباريز منذ شهور أن كانت القرون الوسطى هي قرون التعميم في التعليم فإن هذا العصر عصر الأخصاء فيها.
أما هذه البلاد على ما دخل إليها حتى الآن من قشور علوم الغرب فليست إلا كأوروبا في قرنها الخامس عشر أو السادس عشر تحتاج الآن إلى تعلم ما يخرجها عن حد الأمية ثم أن تتعلم البسائط من أوليات العلوم واللغات فإذا تمت لها هذه الأمنية ينشأ فيها بحكم الطبع أولئك الأخصائيون الذين تتطالُّ نفوسنا إلى الاستكثار منهم بين أظهرنا لقيام جامعتنا وأحكام ملكات العلوم فينا والانتفاع بحقائقها ودقائقها في العمليات لا الاقتصار على النظريات منها كما نحن فيها حتى اليوم اللهم إلا الطب والهندسة والحقوق.
إن من يقول بأن الأخصائيين اليوم بيننا ينبغي أن يكثروا بين أظهرنا وجمهور الأمة في التعليم كما ترى هو كمن يريد أن يعلم التعليم العالي لمن لم يتعلم مبادئ القراءة والكتابة. فحالنا الآن إذا قست ما أخذناه من بحور العلوم الزاخرة إلى ما عليه حقيقتها حال من لم يعرف القراءة البسيطة وأهله يريدون أن يعلموه الفلسفة التي هي علم العلوم أو كمن هو في سفر بعيد وتريده أن يقطع في اليوم في دقيقة وأن يعدي من سيف البحر إلى سيفه الآخر ولا سفينة لديه أو كمن تريده على أن يخطب في علم ما وراء الطبيعة في صحراء أفريقية.
قال لاروس في معجمه الكبير: اتسعت معارف البشر النظرية والعملية بعد استقرار أمرها فاحتاج الناس ن يقسموها بحسب استعدادهم وحاجاتهم إلى أقسام لا آخر لها ينقطع إليها أفراد ويبحثون في مضامينها فالأصول من المعارف هي المعلومات العامة وتفرعاتها هي الأخصائيات. لقد كان بادئ بدءٍ كل شيء مفهوماً في الفلسفة فكانت لفظة عام عند الأمم الجاهلة تتناول جميع العلوم وتنقسم إلى قسمين المحسوسات والمعقولات ودعيت علوم الطبيعة وعلوم ما وراء الطبيعة. أما الصنائع اليدوية فلم تكن منظمة تنظيماً معقولاً ولا جارية على طريقة معقولة وكان أرباب الأفكار يحتقرونها فلا يمارسها إلا الصعاليك ينصرفون إليها تقليداً ويخلفون في تعلمها آباءهم بدون وقوف على القوانين الميكانيكية أو الطبيعية التي كانوا يعملون بها على الدوام.
ثم حسنت حال الإنسان بالتدريج ودخلت الأعمال في طور نظام وانتظمت العلوم الرئيسة لاسيما الآداب والفنون وعلوم النظر والعلوم العملية أي التجارة والصناعة والحرف ونشأ الأخصاء في كل فرع من فروع هذه الطبقات. فالطبيب مضطر إلى تعلم أمور كثيرة ولا يخصي في تعاطي فرع واحد إلا في المدن أما في القرى فيمارس كل فرع من فروع الأمراض الباطنية والخارجية. وهكذا الحال في الأعمال التجارية والصناعية فإن كل حرفة أو مهنة تنقسم على أقسام تدعى تقسيم الأعمال. وقد دخل كل علم اليوم في دائرة الأخصاء حتى ما يلزم الطاهي والبائع والسوقي في المعارف فأصبح من الضروري بالنظر لتكاثر أعمال البشر وانتشارها أن يزيد أبداً الأخصاء في كل علم وشأن. وإذا نظرت إلى الأخصاء من حيث العلم فإنه دليل الكفاءة وبدونه لا يكون عالم فإن المبادئ الأولية من جميع العلوم هي ولا شك نافعة لكل الناس حتى العامة ومتى حاز المرء قسطاً من هذه العلوم السطحية ورأى أن يتبحر فيها يجب عليه تعيين الموضوع الذي سينصرف إليه وبدون ذلك يتقدم المرء في علمه تقدماً بطيئاً ويخلط فيه ويبقى متوسطاً إلى الضعف. والأخصاء ضروري أيضاً في العلم العملي أي في المعامل والأعمال اليدوية وذلك للإسراع فيها ويرى أرباب معامل الأبر والخياطة في لندرا أن في تقسيم الأعمال اقتصاداً كبيراً.
إذا قسمت الأعمال وأخصى المشتغلون بالعلوم وتوسعوا فيها فالأخصاء يؤدي ولا جرم إلى الضعف الأدبي. وذلك أن العاملات مثلاً إذا قضين نهارهن في عملهن السهل اللطيف في الظاهر كأن يتوفرن على إدخال الخيوط في أبرهن فإنهن لا يفقدن شيئاً من حواسهن ولكن ثبت بالإحصاء أنهن يفقدن حاسة النظر في أقرب وقت أما القوى العقلية والقوى المماثلة لها فإنها تتأذى أيضاً. أما في العلم المحض فإن من ينصرفون إلى الأخصاء ككثير من الرياضيين والمهندسين والفلكيين يعيشون في العالم كأنهم ليسوا منه ويدهشون معاصريهم بغرابة أخلاقهم وتشتت أفكارهم التي جرت مجرى الأمثال. وبالجملة فيقضى على كل مخص في العلم أو في الصناعة أن يحرز حظاً من المعارف لأول أمره وأن يخصي في علمين أو ثلاثة فإذا مارس أحدها أراح غيره أهـ.
وقال الراغب الأصفهاني في الذريعة: حق الناس أن لا يترك شيئاً من العلوم أمكنه النظر فيه واتسع العمر له ألا ويخبر بشمه عرفه وبذوقه طيبه ثم أن ساعده القدر على التغذي به والتزود منه فيها نعمت وإلا لم يصر لجهله بمحله وغباوته عن منفعته إلا معادياً له بطبعه
فمن يكُ ذا فم مرّ مريض ... يجد مراً به الماَء الزلالا
فمن جهل شيئاً عاداه والناس أعداء ما جهلوا بل قال الله تعالى وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم. وحكي عن بعض الفضلاء أنه رؤي بعد ما طعن في السن وهو يتعلم أشكال الهندسة فقيل له في ذلك فقال: وجدته علماً نافعاً فكرهت أن أكون لجهلي به معادياً له ولا ينبغي للعاقل أن يستهين بشيء من العلوم بل يجعل لكل حظه الذي يستحقه ومنزله الذي يستوجبه ويشكر من هداه لفهم وصار سبباً لعلمه. ولقد حُكي عن بعض الحكماء أنه قال: يجب أن نشكر أيادي الذين ولدوا لنا الشكوك إذ كانوا سبباً لما حرك خواطرنا لطلب العلم فضلاً عن شكر من أفادنا طرفاً من العلم ولولا مكان فكر نم تقدمنا لأصبح المتأخرون حيارى قاصرين عن فهم مصالح دنياهم فضلاً عن مصالح أخراهم. فمن تأمل حكمة الله تعالى في أقل آلة يستعملها الناس كالمقراض حيث جمع سكينين مركباً على وجه يتوفى حداهما على نمط واحد للقرض أكثر تعظيم الله تعالى وشكره ويقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.
ومن أجمل ما يروى في باب الانفراد بعلم والإلمام بعلوم أخرى ما قاله أبو حاتم السجستاني قال: قدم علينا عامل من أهل الكوفة لم أر في عمال السلطان أبرع منه فدخلت عليه مسلماً قال: يا سجستاني من علماؤكم بالبصرة قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الصمعي والمازني أعلمنا بعلم النحو وهلال الرازي أفقهنا والشاذكوني أعلمنا بالحديث وأنا أنسب إلى علم القرآن وابن الكلبي أكتبنا للشروط فقال لكاتبه: إذا كان غداً فاجمعهم لي فجمعنا فقال: ايكم المازني فقال أبو عثمان أنا. فقال: هل يجزئ في كفارة الظهار عتق عبد أعور. فقال المازني: أنا صاحب عربية لست بصاحب فقه. فقال: يا زياد كيف تكتب بين رجل وامرأة خلعها زوجها على الثلث من صداقها، فقال: ليس هذا من علمي هذا من علم أبي حاتم. فقال لي: يا أبا حاتم كيف تكتب إلى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصة أهل البصرة وما أصابهم في الثمرة من الجوائح وتسأل النظر لهم فقلت: أنا صاحب قرآن لست بصاحب بلاغة وكتابة فقال: أقبح بالرجل يتعاطى العلم خمسين سنة ولا يعرف إلا فناً واحداً حتى إذا سئل عن غيره لم يجر فيه جواباً لكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئل عن هذا لأجاب.
ومن استقرى تاريخ العرب يجد من أمثال الكسائي مئات كما قلنا ممن كتب لهم التقدم في علوم كثيرة فقد ذكر ابن خلكان وابن أبي أصيبعة في ترجمة كمال الدين بن يونس المتوفى سنة 639 وهو ممن لم يشتهروا كثيراً بيننا أنه تبحر في جميع الفنون وجمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وتفرد بعلم الرياضة وكان الفقهاء يقولون أنه يدري أربعة وعشرين فناً دراية متقنة منها المهب والخلاف العراقي والبخاري وأصول الفقه وأصول الدين والحكمة والمنطق والطبيعي والإلهي والصب وفنون الرياضة من إقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي وأنواع الحساب المفتوح منه والجبر والمقابلة والرثماطيقي وطريق الخطأين والموسيقى والمساحة معرفة لا يشاركه فيها غيره إلا في ظواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها واستخرج في علم الأوفاق طرقاً لم يهتد إليها أحد وكان يبحث في العربية والتصريف بحثاً مستوفياً وكان له في التفسير والحديث وما يتعلق به وأسماء الرجال يد طولى وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم والشعار والمحاضرات شيئاً كثيراً وكان أهل الذمة يقرؤن عليه التوراة والإنجيل وشرح لهما هذين الكتابين شرحاً يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما له مثله وكان في كل فن من هذه الفنون كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه قال صاحب وفيات الأعيان: وبالجملة فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم يسمع عن أحد ممن تقدمه أنه قد جمعه قال أبو بشر ثمامة بن الأشرس الخميري المعتزلي وكان خصيصاً بالمأمون: رأيت رجلاً يتردد على باب المأمون ورأيت عليه أبهة أديب فجلست إليه فناقشته في اللغة فوجدته بحراً فاتشته عن النحو فشاهدته نسيج وحده وعن الفقه فوجدته رجلاً فقيهاً عارفاً باختلاف القوم وبالنجوم ماهراً وبالطب خبيراً وبأيام العرب وأشعارها فقلت له من تكون وما أظنك إلا الغراء فقال: أنا هو.
وكان القاضي أبو الفرج المعافي النهرواني فقيهاً أديباً شاعراً عالماً بكل فن قال ابن خلكان ذكر أحمد بن عمر بن روح أن أبا الفرج المذكور حضر في دار لبعض الرؤساء وكان هناك جماعة من أهل الأدب فقالوا: في أي نوع من العلوم نتذاكر فقال: ابو الفرج لذلك الرئيس خزانتك قد جمعت أنواع العلوم وصناف الأدب فإن رأيت أن تبعث غلاماً إليها فتأمره أن يفتح بابها ويضرب بيده إلى أي كتاب منها فيحمله ثم يفتحه وينظر في أي العلوم فنتذاكره ونتجارى فيه وقال ابن روح: وهذا يدل على ان أبا الفرج كان له أنسة بشائر العلوم وكان أبو محمد الباجي يقول إذا حضر القاضي أبو الفرج فقد حضرت العلوم كلها. وقال: لو أوصى رجل بثلث ماله لأعلم الناس لوجب أن يدفع إلى أبي الفرج المعافى وكان ثقة مأموناً في روايته. هذا ما حضرنا من أمر الأخصاء والأخصائيين ولعل بعض مؤازرينا يكتبون فصلاً واسعاً في حالة الأخصاء عند الغربيين والطرق التي يعتمدون إليها بتفصيل أوسع وأشفى.