مجلة المقتبس/العدد 23/نظام الشرب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 23/نظام الشرب

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 12 - 1907



لماذا نشرب

الماء ضروري للحياة. وقد ثبت أن بعض المخلوقات المنحطة كذوات الثديين تصبر على قلة الماء حتى إذا بللت به تعود إلى الحياة في الحال. وفي الواقع انها تموت بعد أن تترك بيوضاً ذات قشرة ثخينة تبقى في الجفاف وتنقف في الرطوبة. وترى الحيوانات المائية في البلاد الحارة عند ما يقل الماء تتخذ لنفسها وقاية من مادة ملتحمة ثم تخلد إلى السبات. ففي بطائح السنيغامبيا التي تجف ثلاثة ارباع السنة سمك غريب (بروتو بتروس انيكتانس) متى اعوزه الماء وينغمس في قالب من الطحين الملتحم الأجزاء وينام نوماً طويلاً. ولا يعيش الإنسأن في القفار وبلاد السهوب المعشبة الا بفضل بعض الينأبيع القليلة. والحيوانات على اختلاف أجناسها تردها وهي تربد بل صداها.

تحمل الحيوان على الشرب ضرورة دفع العطش والمرء وحده هو الذي يتوقع من الشراب لذائذ أخرى. فهو يتطلب اشربة تبعث شهوته للطعام فيختار لذلك في العادة من الادوية المفتحة مما يتألف من الالكحول ممزوجاً بنباتات مرة كثبات كف الذئب وغيره مما يوصي به الأطباء. يتطلب الاشربة التي تسهل الهضم. والمرق من أكثرها تأثيراً وتغذيته متوسطة ولكن ينشأ عنه ترشح عزير في الاخلاط فتكثر العصارة المعدية ولذلك جرت العادة أن يتناول في بدء الطعام. ويتطلب المرء أيضاً اشربه تسره وتطيب بها نفسه كالقهوة والشاي واللوز الهندي تحسن صوت القلب وتدفع التعب وتهيج الرأس.

وفي بعض الأمثال أن من يقتصرون على الماء تعروهم الكآبة. فإذا كان العامل يتعاطى الالكحول بعد معاطاة عمله الشاق فذلك لأنه يريد أن يرى نضرة الحياة. والبحث عن المسكرات من مبادئ أعمالنا. ثم أن المرء يتطلب اشربة تغذية طبيعية كاللبن ومحضرة كالشوكولاتا ومخمرة الالكحول. وقد تبين اليوم أن الالحكول مادة تدب منها الحرارة في احسامنا ولكن الإفراط في تنأوله ملازم لاستعماله.

مدة بقاء الاشربة في المعدة

تقضي الحال بهضم الاشربة كما تهضم الاغذية ويقول الفسيولوجيون أن درجة هضم الطعام تختلف فهي تتبع لمكثها في المعدة. وقد رأى بعض الباحثيين باستعمالهم آلة الفوناند سكوب أن للمعد اطواراً في هضم الشراب فإذا فرغت الا تستغني في العادة عن أن يكون فيها كمية قليلة من الشراب فمتى تنأول المرء شراباً يسقط إلى المعدة في الحال على خلاف رأي الاقدمين ويمكث فيها زمناً. ويرون أن المعدة تنقبض وتصعد وتستطيل مارة بالعرض ويرتفع معدل ما فيها حتى يبلغ فم المعدة وهكذا ينزح الشراب على طريقة لا تنقطع

إذا عرفت هذا فلك أن تقول أن الشراب الممزوج بالاطعمة يمر في المعدة قبل الطعام لقلة كثافته ويشغل الطبقة العالية منها. ويرى أحد الباحثين من الألمان أن المعدة تهضم نصف لتر من الماء في نصف ساعة على حين يبقى اللحم فيها مدة ثلاث ساعات. وإذا جرب البحث في الاشربة المختلفة يتجلى أن مقامها في المعدة يختلف كاختلاف الاطعمة في سرعة هضمها وعدمه وقد جرب الطبيبان بيانشي وكونت فعل الاشربة في إنسان على الريق فأخذا يعطيانه نصف لتر من الماء فتمددت المعدة ككيس وبعد ساعتين فرغ معظم الماء وعادت المعدة إلى صورتها السالفة. وتمدد المعدة بالاشربة الغازية مثل ماء سلتز مثلاً تمدداً كثيراً وتتسع دائرتها ويطول زمن امتلائها فتجدها بعد ساعتين من تنأول الماء وهي محتوية على كمية كبيرة منه. وعليه فالواجب اتقاء الاشربة الكثيرة الغازية كماء سلتز الصناعي الذي ينعش شهوة الطعام الضعيفة قليلاً ثم يحدث عنه في الحال كسل دائم في المعدة. وليس في الخمور المزبدة هذا العائق فإن الاكحول الذي يحتوي عليه يقبض المعدة ثم أن مدمنيها يتعاطونها باردة جداً على درجة برودتها من 8 او 10 درجات واحياناً على معدل درجتين كماتشرب الشمبانيا المبردة. أما المرق فإنه يحدث غازات فتمدد المعدة ويطول أمر تفريغها فإذا هاج المرق ترشيح عصارة المعدة فإنه على العكس يبطئ الانقباضات المعدية. بمعنى أنه يسكن شهوة الطعام على حين يظهر أنه يغذي وليس في تغذيته كبير أمر بل أن المرء يشعر بالجوع بعد تنأوله سريعا وعليه فمن الواجب أن يتناول من المرق كمية قليلة كمايجب أن يكون قليل المائية يتناول على أنه مسهل للهضم زائد في العصارة المعدية لا على أنه غذاء.

أما الاشربة المغذية كاللبن والشكولاته فإنها تجري في المعدة فتتقلص بها مسرعة بعد ساعتين من هضمها ولا يعود فيها غير جزء ضعيف والاشربة الحارة والعطرة تبقى في المعدة أقل من جميع أنواع الاشربة ونعني بالاشربة الحارة القهوة اللوز الهندي والشاي والماتي والاشربة الأخيرة أي القهوة والشاي وللوز الهندي ولماتي نافعة للاعصاب بل انها ملينة لها وذلك أن المعد الكسلانة تحسن حالتها إذا استعملتها على ما أثبتته التجارب واعترف به العامة والخاصة في كل زمن.

في أي وقت يسوغ الشراب

لايكفي بيان أي شراب ينبغي الاعتماد عليه بل ينبغي أن يعرف في أي وقت يناسب تعاطيه. لا جرم أن في العادة قاعدة لذلك. فاللبن والشكولاتا يتنأولهما الناس في الصباح والخمر مع الغداء والقهوة بعدالطعام. وإذا عرفت هذه القواعد فإن السبب في بقائها مجهول على الجملة وذلك لانا نخضع للعادات بدون أن نبحث عن سرها فالمرق والحساء من المقبلات المعينة على الهضم وهو على جودته يمدد المعدة وهذه تصلح بالخمر الذي يقبضها فإذا لم تكف الخمور المألوفة في تنبيه المعدة الكسلانة فإن القهوة التي نشرب بعد الطعام تقوم مقامها وذلك لأنها تؤخذ على درجة 45 من الحرارة. والاشخاص المصابون بضعف في اعصابهم يستعيضون عن القهوة بقدح من منقوع الاقحوان إذا كأنت القهوة تهيج معهم وذلك لأن في الاقحوان مواد عطرة وحرارتها نافعة كحرارة القهوة. قليل من الخمر على الطعام خير مم يأتيه المدمنون فإنهم يتنأولون منها في الصبوح والغبوق فيأخذون قدحاً في الصباح على الريق لبيعثوا النشاط في أجسامهم ويتنأولون المقبلات والمشبهات والاكحول طول النهار. وهذه الاشربة إذا جمعت تهيج المخاط المعدي كما تهيج عروق الكبد فيتأتى عنها وجع في المعدة ومرض في الكبد أما المعارف بأشكال الخمر فإنه يحافظ على أصول الطبخ فيتسير له أن يتناول كمية كبرى من الكحول بدون أن يشعر بتأثيرات ضارة.

كيف ينبغي الشرب

لا تكفي معرفة الساعة التي يجد ربها الشرب بل ينبغي أيضاً أن تعرف طريقته. كما أنه ينبغي تنأول الطعام بتأن ينبغي كذلك شرب الماء بتأن فالعارف بالشراب إذا ذاق قدحاً منالخمر الجيد بشربه نغبه ويضعه في فمه شيئاً فشيئاً ويترشفه ليدرك رائحته وتصل به الحال أن يحسن ذوقه بحيث يعرف أصل ما يتناول من الخمر وحالته من القدم وهذه المعرفة تبلغ أرقى درجاتها عند المتتدوقين.

فالسير على هذه الصفة التي ما شأنها التلذذ مما يساعد على الهضم كثيراً وتأثر الاعصاب الذوقية يهيج ترشح الريق فياتي الماء إلى الفم ويحلل الشراب. وقد ابأن الفسيولوجيون أن المعدة وإن كانت فارغة ترشح عصارة معدية بكثرة. وعند ما يصل إليها الشراب فإن كل من المغذيات يهضم بسرعة وإذا كان من المهيجيات كالاكحول يتحلل ولا يؤثر أصلاً في المخاط.

ومن سوء الحط أن قليلين من المتذوقين يحسنون معرفة طعم الاشربة وذلك لاننا جمعنا الا نادر منا نشرب كما نأكل بسرعة زائدة دون أن نفكر فيما نعمل حتى إذا اصبنا بسوء الهضم نسرع إلى استشارة الطبيب وهذا لا يلبث أن يوصينا بالتأني ونحن لا نعمل بما يرسم لأن الأقلاع عن العادات السيئة يصعب مباشرة الاجدر استعمال الملعقة او طاس ذي عنق طويل كالذي يستعمله المرضى او يستعمل النبيذ الذي يجفف عنبه على القش. ومعلوم أن الطريقة الأخيرة تستعمل في احتساء الاشربة المبردة والاحتياط في ذلك مطلوب وإذا تنأولها المرء بسرعة تؤثر البرودة في المعدة وتحدث فيها اضطرابات تضربها.

واصعب من ذلك المدمن الذي يتناول القدح دفعة واحدة فتفتح المعدة وتقفل بسرعة كالآلة فلا يشعر المسكين الا بالحرارة التي تنشأ عن الاكحول فإذا جرى تنأوله على هذه الصورة من السرعة ودخل على معدة فارغة من الطعام لا يحلله اللعاب فيدخل إلى معدة جافة فيكون من ذلك ما يزيد في المضرة.

المدمن كالشره لا صواب في عمله فالأول مدخول في عقله والثاني شهواني. وارضاء شهوة أقل خطراً من الإفراط. وتكفي الشره كمية قليلة من الطعام فإذا أكثر منه تضعف حواسه وينقطع المجنون بالسكر هو ولا شك مصاب في عقله حقيقة لا يشبع مهما كبرت وأحسن الطرق في معالجة دائه أن يمنع من السكر على رغم انفه.

الإكثار من الاشربة

يشرب الناس كما يأكلون بسرعة بدون أن يتمهلوا في ذوق ما يتنأولون وبعد ذلك يكثرون من العجلة في طعامهم وشرابهم وكلتاهما عادتان رديئتان متلازمتان. فيشرب الشارب شرابه بدون شعور منه كلما رأى كأسه فرغ يملأوه حتى إذا استوفى حظه يكون قد ملا معدته بشراب والقى الاضطراب في عقله بابخرة خفيفة من السكر. ومن اصعب الأشياء أن يلح عليك من دعاك إلى تنأول طعامه وشرابه بالإكثار فتضطر إلى امتثال أمره أدباً وما هو إلا أن تنقلب إلى أهلك مريضاً لكثرة ما شربت.

ليست الاشربة الروحية ضارة فقط لما فيها فإن التسمم الالحكول بل القهوة بل بالشاي مشهور لدى الخاصة والعامة بل أن ضررها يكثر من تنأول الكميات الوافرة منها حتى أن الماء العذب النقي إذا جرى تنأوله با فراط يصبح ضاراً فيحل العصارة المعدية ويمنع الهضم ويتعب المعدة والطعام الكثير لا يستلزم أكثر من ثمانمائة غرام من الشراب ولكن الشراب لا يلبث أن يتناول ضعف هذا الوزن او ثلاثة أضعافه على أن قدحين من الشراب أي من ثلثمائة إلى خمسمائة غرام تكفي في غذاء منوسط والمكثرون من تنأول الجعة يصابون بتمدد المعدة وتضخم البطن وارتخاء البدن وتعب الكلى ويصابون بالزحير وانبساط القلب المفرط فالإكثار ضار على كل حال.

الاشربة الشافية

إذا كان الإفراط في تنأول الاشربة قتالاً فإن استعمالها في بعض الاحيان قد يشفى وكلامي هنا لا يتناول الادوية العديدة كالمياه المعدنية ومياه البروز واللعوق وغيرها من الاشربة التي تجهز على صورة سوائل بل أن المياه الصرفة وحده مساعداً حسناً على التداوي. فقد قام في الازمأن السالفة أطباء عالجوا الادواء بالماء وأول من سن هذه الطريقة فلاح من أهل العقول الكبيرة اسمه بريسينز اشتهر في أوائل القرن التاسع عشر بعد أن كان خاملاً في قرية صغيرة من سيلزيا من أعمال بروسيا وراح الناس من كل مكان يفزعون إلى تعاطي التداوي بالماء للاستحمام او للشرب منذ ذاك العهد أكثر الأطباء من وصف التداوي بالماء.

وكيفما كانت طريقة استعماله فإن الماء إذا أخذ بكثرة يجلب الانحطاط والسميات ويكثر الاخلاط الضارة بالحياة على الكلى والجلد. فمن الضروري أن يشرب الماء على الريق لينفع في غسل المعدة فإن المصأبين بضعف المجموع العصبي تجود صحتهم بتنأول قدح من الماء البارد صباحاً عند القيام من النوم وينبغي اختيار ماء ثقل فيه المعادن والا فتتعب الكلى. ولقد قام في عصر بريسينز من ينافسه ويصف غير طريقته في نفس قريته التي نشأ فيها وأخذ يحظر على الناس الشرب ينأهم في التعريق والتعريق يزعمه يدوم من ست إلى ثمان ساعات وكان يوعز بالأقلال من الطعام كثيراً وقد فاخر بان كثيرين شفوا على يده بهذه الطريقة ولكن الناس الذين يتحملون طريقته قلائل.

اماالأن فقد لطفت طريقة الأمتناع عن الشرب لأن الطبيب يصف للمصاب بسوء الهضم الذي ثقل فيه العصارة المعدية أن يخفف من السوائل كما يصف ذلك لأرباب المعد المصابة بالتمدد والمصأبين بالضعف الذين يحاذرون الأمتلاء والكظة. ولاسيما للشرهين ممن نرى حرمانهم من الاشربة يعدل شهواتهم للطعام بالقوة وفي تلك الحال يكفي تنأول قدح في خلال الطعام ولكن ينبغي أن يمتنع عن الشراب ساعتين او ثلاثاًُ بعده وهكذا اصدق المأثور عن النبي محمد (عليه السلام) (الماء في خلال الطعام يعطي قوة)

المشروبات القتالة

ثبت الآن أن الماء تنبعث الجراثيم الباثولوجية كالهواء الأصفر والحمى والتفوئيد وغيرها وقلما يعرف الناس أن الماء ينقل بيوض جراثيم الاحشاء كما اوضح ذلك العالم متشنكوف حديثاً وكثيراً من الناس من يحملون في احشائهم جراثيم التفوئيد بل والكوليرا ولا تضر بهم. فالماء يحتوي على حلمات طفيلية بقدر ما يحتوي من الباشلس فاضافة شيء من الالحكول عليه في صورة خمر اوغيره من الاشربة المخمرة لا تأثير له ولا نفع. اما تقطيره الذي طالما دعا إليه الأطباء فلا يؤثر إلا إذا بولغ في التدقيق فيه وهو ضاراً إذا كان هناك تربة ترشح وفيها شقوق.

وأحسن الطرق في تنأول أفضل الماء سالماً من المضار أن يطال تعريضة للهواء والشمس فهما يقللان سمية الجراثيم ويقيضان عليها. وبذلك يفهم القارئ كيف أن أهل مدينتي كفرسان وانجر إحداهما تشرب من نهر السين والثانية من نهر اللوار هم أقل أصابة بالحمى التيفوئيدية من غيرهما من المدن التي يستقي ماءها من الينأبيع وذلك لان بينك المدينتين تشربأن الماء بعد أن يمر على مرشحات متسعة من الرمل والفحم فيتعرض للهواء ويتصفى. أما من حيث الحلمات الطفيلية فإن الهواء والنور لا يؤثرأن فيها ويقول متشنكوف ينبغي غلي الماء للوقاية منه لكن هذا الاحتياط يصعب اتخاذه اذ أن الناس إذا تنأولوا طعامهم مطبوخاً وامكنهم الاستغناء عن البقول الفجة الا بغسلها بالماء المغلي وإذا أكلت من الفواكه ما طبخ او كان قابلاً للتقشير ولم يؤخذ اللبن الأمغلياً فإن استعماله الماء المغلي هو في العادة ثقيل تفه لا لذة فيه. نقول تفه لأن فقد الحامض الكربونيك الذي يوليه الطعم وثقيل لأنه زالت عنه مواده المعدنية. على أنه يمكن على حال أن لا يغإلى برداءة الماء المغلي وذلك بان يهوى بالتكرير ويحفظ في مكان رطب.

ويستعمل الجنس الأصفر الشاي الخفيف في امصارهم لأن الماء النقي من الشوائب يصعب ايجاده في بلادهم الكثيرة السكان ولكننا لا نرى استعماله في بلادنا لان تأثير الشاي إذا أضيف إلى تأثير الاشربة المخمورة والإكثار من اللحوم يضرنا أكثر مما ينفعنا. وانه ليطول العمل بهذه النصائح ولكنها تنفع ضعاف الأجسام ممن يريدون عود العافي عليهم كما تنفع صحاح الجسم ممن يتعرضون لانتهاك القوى والضعف إذا استرسلوا بلا وازع ضمعي. وحفظ الصحة عدو اللذة.