مجلة المقتبس/العدد 13/صدور المشارقة والمغاربة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 13/صدور المشارقة والمغاربة

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 2 - 1907


قطب الدين الشيرازي

هو القاضي قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي كان إماماً مبرزاً في عدة علوم مثل العلم الرياضي والمنطق وفنون الحكمة والطب والأصول وله عدة مصنفات وفضائله مشهورة. كان مولده بمدينة شيراز في صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة وتوفي بتبريز سنة عشر وسبعمائة فتكون مدة عمره ستاً وسبعين سنة وسبعة أشهر ملخصاً عن تاريخ أبي الفدا وقال ابن الوردي أنه توفي وهو في عشر الثمانين وكان غزير العلم واسع الصدر حسن الأخلاق وجيهاً عند التتر وغيرهم ثم قال في رثائه:

لقد عدم الإسلام حبراً مبرزاً ... كريم السجايا فيه مع بعده قرب

عجبت وقد دارت رحا العلم بعده ... وهل للرحا دور وقد عدم القطب

وقال الشيخ طاهر الجزائري في كُنَّاشه وقفت على كتاب من تراجم أناس من المشهورين جمع الإمام العلامة نجم الدين أبي الخير سعيد بن عبد الله الدهلي البغدادي وفيه ترجمة القطب الشيرازي وهي ناقصة في النسخة فأثبتها على ما وجدتها اعتناءً بهذا العلامة الأوحد: ومنها كتاب أقليدس وهو باللغة الفارسية أيضاً صنفه باسم البرواناه وزير الروم ومن جليل مصنفاته شرح كليات القانون في الطب لابن سينا وهذا الشرح لم تسمح قريحة بمثله لأنه يشتمل على خلاصة الشروح المصنفة لهذا الكتاب وهي عشرة شروح اجتمعت عنده مع تنقيحات لطيفة وزيادات غريبة من نتائج خاطره الغزيرة من كتب عزيزة الوجود قد لا يوجد مثلها إلا في خزائن الملوك وسماه التحفة السعدية يعني باسم الوزير سعد الدين محمد الساوجي وزير الملك غازان وبعده أخيه (كذا) خربنده واتفق أن هذا الكتاب تم شرحه وسيره إلى الوزير المذكور وفي أثناء هذه الحال توفي الشيخ قطب الدين ووقع الترسيم والتوكيل على الوزير المذكور وطولب بالأموال وذلك في أذربيجان سنة عشر وسبعمائة وقصد خربنده العراق والوزير صحبته لتحصيل المطلوب منه إلى أن قتله ليلة السبت حادي عشر شوال سنة إحدى عشرة بمحول قريب بغداد ومع ما كان فيه هذا الوزير من المضايقة رسم لقطب الدين جائزة هذا الشرح مبلغ ستة آلاف دينار رائج عنها من الدراهم ستة وثلاثون ألف درهم وراجعوا الوزير سعد الدين في ذلك وعرفوه بوفاة الشيخ قط الدين فقال الوزير أنا لا أعود في هبتي وخصوصاً لمثله وفي مثل كتابه فأحضر جميع المال المذكور وجمع له أرباب الديون فقضى عنه ما كان عليه من الديون القديمة والحديثة التي كانت قد اجتمعت عليه مدة المرض وكان قد بقي مريضاً أحد وخمسين يوماً وكان معظم نفقته في هذه العلة الصدقة على الفقراء وعلى طلبة العلم وبقيت من المال بقية وزعت على أولاده وخاصته وكان هذا الوزير قد أنعم بهذه الجائزة وهو يومئذ تحت التوكيل وهو مطالب بألف كومار من المال منها عشرة آلاف دينار روائج فانظر إلى علو همة هذا الرجل وسعة نفسه وصدق اعتقاد. . .

وكان له مع المشايخ الصالحين والصوفية المحققين اتصال حقيقي ونفس روحاني يرتاح إليهم في أوقات خلواته وصفاء مشروباته قال: وقد لازمت ذراه المحروس ثماني عشرة سنة فشاهدت معظم سيرته تشتمل على الأخلاق الشريفة والفضائل الكاملة مع السخاء المفرط. كان لا يبقي على شيء مما يحصل بيده لا في سفر ولا في حضر وكان أكثر عطائه للفقراء وطلبة العلم وذوي البيوت القديمة وذوي الحاجات قال ولقد حضر عنده في بعض الأيام مائتا دينار فبلغه أن صفي الدين عبد المؤمن بن فاخر صاحب الموسيقا قد قدم من بغداد لضرورة ديون عليه قد غلبته فقال هذا من بيت له خدمة قديمة للخليفة العباسي فبعث إليه بالمبلغ المذكور واعتذر إليه أنه لم يكن عنده في هذا الوقت غير هذا المقدار. قال: وكان يقول في مرض موته ليست فائدة المهلة في حياتي إلا لأعطي الفقراء شيئاً فكان مصمماً على العطاء والإحسان وفعل الخير إل أن صار إلى أحسن مصير. قال وكان في أسفاره يصحبه من التلاميذ جماعات وخصوصاً في أيام توجهه إلى خراسان والروم فلقد اجتمع معه في سفره إلى الروم نحو الأربعين طالباً وغالبهم أرباب فضائل وعلوم راسخة وكان يخدمهم بالمال والنفس والعلم وكانوا مع هذا يتقصونه وما يفعله معهم من الخدمة والخير ويقولون هذا الرجل متطفل علينا لأن الناس إنما يخدمونه ويعطونه الأموال لأجلنا ونحن الذين نشيد كلمته ونظهر فضيلته ونجمله بين الناس. قال وكان يبلغه هذا وأمثاله عنهم فلا يغضب ولا يلتفت إلى قول القائل إليه ذلك ويقول: أنا أريض أخلاقي بالصفح عن زلات إخواني إلي.

وقال الأربلي: وأخبرني الشيخ ضياء الدين الطوسي قال: اجتمعت بقطب الدين الشيرازي بقزوين وهو يقرأ الفقه على الشيخ علاء الدين الطاووسي صاحب التعليقة قال فسألته عن بعض أحواله فحكة لي اشتغاله بالطلب وأنه ترك معالجة الناس وخرج من شيراز وقصد بلاد خراسان وأنه توفر مدة سنين على تحصيل علم المعقولات من علم الكلام قال وقال لي ما وجدت نفسي في عمري متوفراً على طلب العلم لم اشتغل بسوى (كذا) هاتين السنتين هما كانتا خير تحصيل حصل فيهما من العلوم النظرية ما أحياني لكني غير عالم بالفقه فقصدت الشيخ علاء الدين الطاووسي لأقرأ عليه الفقه فقرأت عليه الحاوي الصغير وكتاب الوجيز وكانت للشيخ علاء الدين نسخة من الوجيز محشاة بالفوائد اللطيفة من الفقه فسرقها وهرب من قزوين قال: وهكذا كانت عادته إذا أعجبه كتاب يتحيل حتى يسرقه وكان مشتهراً بين طلبة العلم في مبادئ أحواله بهذا الوصف قال وطلب علاء الدين نسخته فلم يجدها فقالوا لم يكن عندك غير محمود الشيرازي فقال ليس هو آخذها وقال لي مهذب الدين الشيرازي أحد تلاميذ قطب الدين إن قطب الدين كان يلقي الدروس من هذه النسخة بمدينة سيواس ويقول هذه النسخة سرقتها من شيخي علاء الدين الطاووسي بقزوين في مبدأ تحصيل العلم وكنت عاجزاً عن مشترى الكتب.

ولما عمر ملك خوارزم نلك مارستاناً أنفذ الشيخ قطب الدين إليه برسم هذا المارستان كتباً طبية قيمتها بالتقريب أربعة آلاف درهم فأجازه بجائزة تشتمل على رقيق قماش ونقد قيمة الجميع ستة وثلاثون ألف درهم. وصنف كتاباً باسم الملك عز الدين ملك شيراز في علم الأخلاق والحكمة فأجازه ببغلة سنية وآلاتها ومعها ثلثمائة مثقال ذهباً وتخت قماش ذكر هذا وما قبله الأربلي قال: وكنت بماردين فسير لصاحبها الملك المظفر هدية تشتمل على مملوك صغير تركي وآخر رومي وتخت قماش منوع من الحرير وسجادة وكتاب صغير من تصانيفه فرد الملك المظفر الجميع وقبل السجادة والكتاب وأجازه عليهما باثني عشر ألف درهم وقال: هذا القدر هو الذي ينبغي أن يقبل من العلماء إما كتاب من فوائدهم وإما خرقة من بركاتهم. ولم يحمل؟ إلا في دملة غازان فإنه كان بينه وبين رشيد الدولة كراهية في النفوس بين الشخصين لأن قطب الدين كان يتنقص كثيراً برشيد الدولة وبتصانيفه ويستجهله ويحط عليه.

وقد صنف تصانيف في تفسير الكتاب العزيز وفي غيره وكان قطب الدين يظهر نقصها ويكشف عن عورتها قلت ولقد حدثني بعض شيوخنا عن قطب الدين أنه لما بلغه أن الرشيد قد شرح القرآن العظيم قال لأصحابه ايه هاتوا التوراة حتى أشرحها قال الأربلي وتمكن رشيد الدولة من دولة غازان فأشاع أنه يريد أن يقتل قطب الدين ثم ظهر أنه قتله بقطع رزقه الذي كان مقرراً على الدولة ومبلغه ثلاثون ألف درهم فقلل لغازان هذا الرجل فقيه ايش يعمل بهذا المال كله هذا تضييع هذا يكفيه اثنا عشر ألف درهم وكان غازان بخيلاً فأصغى إلى قول رشيد الدولة وقطع سائر ما كان لقطب الدين من المبلغ المذكور وبعد مدة طويلة سعى فيه حتى أطلق له في كل سنة اثنا عشر ألف درهم قال: وكان قطب الدين قد بيت مع رشيد الدولة وعجز عن تلافي ما أفسد وعجز عن رضاه قال لكن كان قطب الدين سعيداً في عقله وعمره وتصانيفه وأصحابه فما أثر ذلك عنده شيئاً لكنه كان خائفاً لأن يسعى رشيد الدولة في قتله فآمنه الله تعالى منه قال الأربلي وأخبرني التاجر الشفار قال ولما تطاولت علة الشيخ قطب الدين الشيرازي وأحس بالموت طلب إليه الصدر زين الدين علي بن فخر الدين بن عبد السلام الطيبي وقال له يا خواجه زين الدين أريد من أنعامك أن تتولى أمر تجهيزي ودفني فإني ما رأيت أن أضع هذه المكرمة إلا عندك لأني شاهدت رغبتك في فعل الخيرات والمبرات فأجاب زين الدين بالسمع والطاعة قال ولما توفي قطب الدين أنفق زين الدين على جنازته وتجهيزه ودفنه وأيام العزاء سبعة آلاف درهم ومائتي درهم ومن ذلك أنه اشترى سبعة آلاف ذراع قماش قطن أبيض وفصلها قمصاناً وعمائم للأيتام والأرامل وألبسها سبعمائة إنسان من الفقراء والتلاميذ اللائذين بقطب وطائفة من الأيتام والأرامل فكانوا بين يدي الجنازة يبكون ويندبون وجلس مدة أيام العزاء للناس والتزم إطعامهم ومهامَّهم وما هو من كلف العزاء لمثل هذا الميت. قال الصدر شمس الدين: وما رأيت أحداً من الرؤساء أطول من نفس قطب الدين الشيرازي في الشفاعات لذوي الحاجات وذوي السلطان كان إذا جلس إلى أمير أو وزير أو قاض يخرج أوراقاً من جيبه نحو عشرين أو ثلاثين قطعة ويشفع في الجميع وكان غالبتها يقضى وما يرد إلا القليل وكان كثيراً ما يشاهد من الأمراء والأكابر مللاً من كثرة شفاعاته فلا يلتفت إلى ذلك الممل ولا يترك تردده إليهم ويقول ولأي شيء خُلقوا وخُلقنا وما نفعنا بالجاه إذا لم نقض حاجات الناس إذا تركنا هؤلاء وسجاياهم لا يقضون حاجة المسكين أو عاجز محروم فنحن نسوقهم إلى فعل الخير قهراً وتحيلاً عليهم حتى يؤجروا ونؤجر نحن معهم ونقضي حوائج الناس الملهوفين العاجزين كان هذا دأبه يفعل غالب أوقاته الخير بجاهه وماله وعلمه رحمه الله.