مجلة الرسالة/العدد 998/ديوان مجد الإسلام
مجلة الرسالة/العدد 998/ديوان مجد الإسلام
للمرحوم الشاعر أحمد محرم
يقدمه الأستاذ إبراهيم عبد اللطيف نعيم
(تابع)
اليهود والمنافقون
دعا فأجابوا، والقلوب صوادف ... وقالوا استقمنا والهوى متجانف
مضى العهد لا حرب تقام ولا أذى ... يرام، ولا بغي عن الحق صارف
لهم دمهم والدين والمال ما وفوا ... فإن غدروا فالسيف واف مساعف
سياسة من لا يخدع القول رأيه ... ولا يزدهيه باطل منه زائف
رسول له من حكمة الوحي عاصم ... ومن نوره في ظلمة الرأي كاشف
يسالم من أحبارهم وسراتهم ... رجالا، لهم في السلم رأي مخالف
يغيظهم الإسلام، حتى كأنما ... هو الموت أو عاد من الخطب جارف
إذا هتف الداعي به اهتاج ناقم ... وأعول محزون، وأجفل خائف
إذا ما تردى في الضلالة جاهل ... فما عذر من يأبى الهدى وهو عارف؟
يقولون قول الزور - لا علم عندنا ... كفى القوم علما ما تضم المصاحف
لهم من سنا التوراة هاد وللعمى ... ركام على أبصارهم متكاثف
دنا الحق من بهتانهم ورمى بهم ... غلى الأمد الأقصى هوى متقاذف
عنا ابن أبي من هوى التاج لاعج ... وطاف به من نشوة الملك طائف
جرى راكضا ملء العنانين فانتحى ... له قدر ألقى به وهو راسف
فما مثله في مشهد الإفك فارح ... ولا مثله في مشهد الحق آسف
ظنون يعفيها اليقين، ودولة ... من الوهم تذروها الرياح العواصف
يهيب بأضغان اليهود، تشبها ... عداوة قوم شرهم متضاعف
وما برح الجبر السمين يعزهم ... ويأكل من أموالهم ما يصادف
أعدوا له المرعى فراح مهبلا ... كظنك بالخنزير واتاه عالف ينوء بجنبيه، ويرتج ماشيا ... إذا اضطربت منه الشوى والروانف
رماهم بها عمياء، لم يرم معشرا ... بأمثالها أحبارهم والأساقف
فقالوا غوى أبن الصلت وانفض جمعهم ... يريدون (كعبا) وهو خزيان كاسف
رمى (الصادق الهادي) لفيفة نفسه ... بصادعة تنشق منها اللفائف
فأما (لبيد) فاستعان بسحره ... رويدا أخا (هاروت) تلك الطرائف
أعندك أن السحر لله غالب ... تأمل لبيد أي مهوى تشارف
و (شاس بن قيس) هاجها جاهلية ... الذكر تطيرها الحلام الرواجف
يقلب بين الأوس والخزرج الثرى ... وقد وشجت فيه العروق العواطف
يذكرهم (يوم البعاث) وما جنت ... رقاق المواضي والرماح الرواعف
غلت نخوات القوم مما استفزهم ... وراجعهم من عازب الرأي سالف
وخفوا يريدون القتال، فردهم ... نبي يرد الشر والشر زاحف
دعاهم إلى الحسنى، فأقبل بعضهم ... يعانق بعضا، والدموع ذوارف
أتى أبن سلام يؤثر الحق ملة ... وينظر ما تأتي النفوس العوازف
تسلل يستخفي، وأقبل قومه ... وللؤم منهم ما تضم الملاحف
فقيل اشهدوا؛ قالوا: عرفناه سيدا ... تجل مساعيه، وتعلو المواقف
هو المرء، لا نأبى من الدين ما ارتضى ... ولا ندع الأمر الذي هو آلف
فلما رأوه خارجا، ينطق التي ... هي الحق قالوا: عاثر الرأي عاسف
ظننا به خيرا، ولا خير في امرئ ... أبوه أو سوء على الشر عاكف
ظلمناه لم يوصف بما هو أهله ... فماذا له إن أخطأ الرشد واصف؟
تراموا بألقاب إذا ما تتابعت ... تتابع شؤبوب من الذم واكف
أهاب أبو أيوب ردوا حلومكم ... أعند رسول الله تكفى المآزف
وقال (الرسول) استشعروا الحلم إنما ... يسود وستعلي الحليم الملاطف
أتؤذون (عبد الله) أن يتبع الهدى ... فيا ويحه من مؤمن، ما يقارف
أهذا هو العهد الذي كان بيننا ... أهذا الذي يجني العقيد المحالف
تولوا غضابا، ما تثوب نفوسهم ... ولا ترعوى أحقادهم والكتائف يذيعون مكروه الحديث وما عسى ... يقولون والفرقان بالحق هاتف
إذا بعثوا من باطل القول فتنة ... تلقفها من صادق الوحي خاطف
يشايعهم في القوم كل منافق ... إلى كل ذي مشنوءة هو دالف
شديد الأذى يبدي من القول زخرفا ... وكالسم منه ما توارى الزخارف
زحالف سوء ما يكف دبيبها ... وأهون شيء أن تدب الزحالف
أقاموا على ظلم، كأن لم يكن لهم ... من العدل يوما لا محالة آزف
لكل أناس يعكفون على الأذى ... معاطب من أخلاقهم ومتالف
رويد يهود؛ هل لها في حصونها ... من البأس إلا ما تظن السلاحف
يظنون أن لن ينسف الله ما بنوا ... ولن يثبت البنيان والله ناسف
سيلقون بؤسا بعد أمن ونعمة ... فلا العيش فياح ولا الظل وارف
(يتبع)