مجلة الرسالة/العدد 997/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 997/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 08 - 1952



الفلسفة الصحية في الإسلام

تأليف الشيخ جلال الحنفي

للأستاذ عبد الخالق عبد الرحمن

هذا الكتاب الصغير أصدره فضيلة الشيخ جلال الحنفي رئيس جمعية الخدمات الدينية والاجتماعية في العراق، وبالرغم من أن هذا الكتاب يغلب عليه الطابع العلمي إلا أن أسلوبه كان رائعاً حقاً، فالشيخ الحنفي من المتأثرين إلى حد بعيد بأسلوب أستاذنا الزيات صاحب الرسالة، فهو يقتفي آثاره ويترسم خطته، ولا أدل على ذلك مما جاء في العدد الأخير الصادر بتاريخ 8 تموز سنة 1952 من الصحيفة التي تصدرها الجمعية التي يرأسها الحنفي حيث يقول: (. . . واحترامنا الفائق للأستاذ الزيات وإيماننا بأسلوبه الجميل وبلاغته المشهودة. . . الخ)، والأستاذ الحنفي لا يترك فرصة تفلت من يده دون أن يشيد بأسلوب الزيات الرائع، وديباجته الساحرة، وفنه اللامع

والحنفي في كتابه هذا يعالج مشكلة من مشاكلنا الاجتماعية التي عالجها الإسلام، فكتابه هذا لم يكن بالكتاب العادي، فهو غير عادي في دروسه وأحكامه، لما يتناول من القضايا التي تهم جزءاً كبيراً من البشرية في حياتهم كل يوم

يقول في فصل (الحياة كفاح) لا نغلو إذا قلنا إن الإسلام كان أول دين سماوي عني - بصورة دقيقة - بمثل هذه النواحي الحيوية، وذلك لأن الإسلام قام على فلسفة عميقة في توجيه الإنسان إلى فهم الحياة. فالحياة في الإسلام كفاح في سبيل تثبيت دعائم السلام والفضيلة والإنسانية، وهذه الأقاليم العظيمة لا تستقر إذا كان الدعاة إليها مضرى، ولا تستمر إذا كان العاملون عليها يلتحفون ملاحف الهزال والضنى والعلة، إلى آخر هذه الكلمات التي تفيض بالحكمة وتحض الناس على التمسك بالصحة وفهم الدين على وجهه الصحيح

والواقع أن هذا الكتاب من الكتب التي يعتز بها، ولست أشم أبداً في أنه إذا ما انتشر في البيئات الإسلامية حق الانتشار خليق بأن يوقظها على آفاق جديدة، وأن يحدث في جنباته دويا فكريا

جاء في فصل (فوائد الاعتدال وأضرار الشراهة) ما يلي:

من القواعد الصحية السديدة التي وضعها الإسلام قاعدة الاعتدال وعدم الإسراف، ففيما يتعلق بتناول الطعام مثلا نقرأ في القرآن الكريم: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا)، ونجد في الحديث النبوي: (إن المؤمن يأكل في معي واحدة وإن الكافر ليأكل في سبعة أمعاء) فالاعتدال في الطعام والشراب طريق من الطرق الموصلة إلى سلامة الإنسان من الأسقام، وقد كان هذا الموضوع من الموضوعات التي تردد عليها الكلام في الآيات الكريمة والحديث النبوي الشريف، لأن الاعتدال أصل مهم في الصحة، وقد استشهد المؤلف بعدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية تثبت ما ادعاه. فمن الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام (حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولابد فثلث للأكل وثلث للشرب وثلث للنفس). وقد وصف الله ذوي الشراهة في إلتهام الأطعمة بأنهم يأكلون كما تأكل الأنعام، وهذا وصف أراد الله تعالى به أن يذكر الناس بمصير من يأكل كما تأكل الأنعام وهو الغباء والغفلة والحرمان من فهم حقيقة الحياة

وجاء في فصل (الحجر الصحي) والإسلام أول دين سماوي وضع نظام الحجر الصحي عند حدوث أوبئة عامة، فقد جاء في الحديث النبوي النهي عن الدخول في أرض أصابها الطاعون، وكذلك النهي عن الخروج منها، وقد كان لهذا الابتكار الصحي العظيم أثر ملحوظ في حماية البشرية من الموت بالجملة، أما ما كان يحدث في بعض فترات التاريخ من الأوبئة الماحقة التي كانت تفتك بالناس في عواصم الإسلام خلال العهود الأخيرة فما كان ذلك إلا من جراء الغفلة عن الأخذ بهذا النظام الصحي الدقيق

وقد حث النبي أيضاً على اجتناب الموبوئين بالأمراض المعدية فقال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) والغرض من ذلك حماية الصحة أولا ولفت أنظار الهيئة الاجتماعية إلى عدم الاستهانة بالأمراض المعدية ووجوب معالجة المصابين بها

وقد أمر النبي بغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب لما ينقله لعاب الكلب من الأمراض

ومما يؤخذ على الشيخ الحنفي الاستشهاد ببعض الحكم الدينية القديمة بينما الكتاب يبحث عن الصحة في الإسلام، فمن ذلك قوله: (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان)، واستشهاده أيضاً بالحكمة القديمة القائلة: (إذا امتلأت المعدة فسدت الفكرة) وعلى كل فإن هذه الهنات الهينات، لا تحط من قدر هذا الكتاب المفيد

بغداد

عبد الخالق عبد الرحمن

النقد الأديب

للدكتور أحمد أمين

للأستاذ محمد عبد الحليم أبو زيد

حسب القارئ الذي يطلي خلاصة مركزة مهضومة سهلة التناول في النقد الأدبي؛ أصوله؛ وتاريخه؛ هذا الكتاب الذي يقدمه أستاذنا لطلاب الثقافة الأدبية؛ النقدية؛ فهو يعد أوفى كتاب في اللغة العربية في باب النقد وتاريخه؛ فليس يغنى غيره عنه. وقد يغنى هو عن كثير من الكتب في هذا الباب. ولكن ما خصائص أسلوب هذا البحث القيم الفكري والفني؟ أما عن أسلوبه الفكري أي مادته العلمية فهي تتسم بالإحاطة والشمول بكل ما قيل بصدد المسائل التي يتعرض لها في اللغة العربية واللغات الحية؛ ثم موازنة؛ وهضم هذه الأفكار؛ ثم مزجها مزجا فنيا، وتقديمها بأسلوب أستاذنا الهادئ، الطيع، السلس، المبين، حتى تشعر أنك قد ألممت بعصارة الآراء مبلورة في رأي المؤلف. ثم ينتقل بك من موضوع إلى موضوع في رفق، ولين، واتزان منطقي. أرأيت أسلوب فجر الإسلام، وضحاه، وكيف قدم إليك هذه المادة العلمية في ذلك الأسلوب الأدبي مما جعلك تشعر أن الدكتور قد أدب العلم بعرضه وفنه. فأنت أيضا في هذا الكتاب لا تطالع مادة عقلية، منطقية، جافة، ثقيلة، بل مادة موشاة بألوان الفن مما جعلها أقرب إلى القلب، وأعلق بالنفس، وهذا هو سر حياة كتبه، وتجدد طبعاتها. ومما يزيد هذا الكتاب اتزانا في البحث، وسلامة في المنطق، ووضوحا في العرض، هو تحضير مادته في هدوء، وعلى مهل، فلا عجلة، ولا اضطراب ثم بعد أن تحضر هذه المادة تدرس لطلاب الجامعة. فيزيدها هذا تركيزا، واستجلاء وتقويما، أن في عرضها إشاعة الضوء في كثير من جوانبها، واستبانه ما دق على النظر عند تحضيرها، فإذا ما انتهت من عمل المؤلف واجتازت بوتقة الدرس فقد وصلت مبرأة من المآخذ، خالية من الشوائب. وهذا ما يحسه القارئ في كل مبحث من مباحثه وباب ومن أبوابه. فهو يتناول النقد الأدبي وعناصر الأدب والشعر والنثر. ودراسة العناصر الأساسية للأسلوب؛ والرواية، ثم نظرة عامة في النقد، والنواحي التاريخية، ثم تطبيقات وملاحظات عامة، ثم تاريخ النقد عند الأفرنج، وعوامل انحلال الكلاسيكية الحديثة، ثم يتناول النقد عند العرب في الجاهلية، والعصر الأموي. والنقد في العراق، والشام، والعصر العباسي، إلى آخر ما يتعلق بهذا الموضوع

هذه هي بعض المباحث التي يضمها هذا الكاتب القيم الذي يجمع دقة البحث العلمي وجمال العرض الفني. ومن المباحث الجيدة في الكتاب ذلك البحث الذي تناول فيه الدكتور والرواية، وتتبع نشأتها، وأنواعها، وعناصر كل منها، وأيضاً البحث الذي تناول فيه النقد، والنقد كأدب، ومهمة النقد، والنقد الاستدلالي، والنقد الحكمي، ومؤهلات الناقد، وذخيرة الناقد كل هذه

ديوان ابن أبي ربيعة

نشره فضيلة الأستاذ الشيخ محي الدين عبد الحميد

شخصية ابن أبي ربيعة من الشخصيات التي كانت ولا زالت محورا لكثير من الدراسات التي تناولت سمات فنه الشعري، وحاولت أن تبرز ملامح شخصيته الأدبية؛ وأن تضع تراثه في ميزان النقد، وأن تفسر تلك الألوان التي تطبع شعره، والتي يتفرد بها ابن أبى ربيعة بين شعراء جيله. وهي ذلك الولع بالحديث عن المرأة، وتلك الأحاديث الشعرية التي يقصها الشاعر عن مغامراته. وغرامياته في ميدان الهوى؛ ومسارح الصبابة؛ ومقدار ما فيها من صدق فني ونفسي وتاريخي؛ وهل كان صادق العاطفة يصدر في شعره عن بواعث نفسية؟ كل هذه قضايا طال تجاذب الرأي فيها. وبرغم كل هذا فشخصية ابن أبي ربيعة من شخصياتنا الأدبية التي استطاعت أن تشغل كثيرا من الأقلام في سبيل استجلائها فنيا ونفسيا، غير أن هذه الدراسات التي قامت حوله على تطاول العصور؛ لم تنسق وتنشر نشر علميا، بحيث تكون بين يدي الباحث على ضوئها. هذا ما يتعلق بالدراسات التي قامت حوله. وشعر ابن أبي ربيعة أيضا في حاجة قوية إلى بذل المجهود اللغوي الذي يتصل بضبط ألفاظ وشرحها، لتصبح سهلة التناول ميسرة السبل على الباحث.

وقد تمكن الأستاذ الجليل الشيخ محيي الدين أن يجمع كل ما قيل حول هذا الشاعر، وأن يتولى ضبط ألفاظ الديوان، وشرحها شرحا لغويا أولا، ثم شرحا أدبيا ثانيا ليمهد على قدر الإمكان السبيل أمام القارئ ليتذوق ويدرس، ثم عهد إلى ما امتازت به صناعة ابن أبي ربيعة من حيث استعمال بعض التراكيب التي خرج بها عن لغة قريش، فعرض لهذه المسائل مع استشهاده لذلك، ثم تتبع الألفاظ التي استعملها عمر جانب فيها معاجم اللغة، ثم ختم الكتاب ببيان الشعر الذي نسب إلى عمر في بعض كتب الأدب وليس من شعره. وقد أنفق في هذا العمل عامين كاملين يجمع النصوص ويقارنها ويصححها، ويقوم بضبطها وشرحها، حتى تهيأ له أن يخرج هذا الكتاب الذي نيف على الخمسمائة صفحة من القطع الكبير. وقد قسمه إلى أربعة أقسام: الأول يشمل أخبار عمر، والثاني آراء العلماء فيه، والثالث يشمل الديوان، والرابع الشعر الذي نسب إلى عمر وليس له. ولا شك أن هذا العمل يعد مساهمة جديدة للشيخ محيي في نشر ذخائرنا الأدبية

محمد عبد الحليم أبو زيد