مجلة الرسالة/العدد 99/أبو سليمان الخطابي
مجلة الرسالة/العدد 99/أبو سليمان الخطابي
319 - 883 هـ
بقلم برهان الدين محمد الداغستاني
تتمة
تابع مؤلفاته
3 - (أعلام السنن) في شرح البخاري، وهو شرح لطيف فيه نكت لطيفه وفوائد شريفة.
4 - (كتاب الاعتصام بالعزلة) كتبه بطلب من أحد تلاميذه حقق فيه معنى العزلة وما المراد منها، ثم عرض لأدلة من أنكر العزلة ومن قال بها ووازن بينها، فكانت الغلبة في جانب أنصار العزلة.
5 - (كتاب شأن الدعاء) ذكر فيه بعض الأدعية المأثورة وشرح معانيها.
6 - (إصلاح غلط المحدثين) أورد فيه قرابة مائة وثلاثين حديثاً يرويها أكثر المحدثين ملحونة أو محرفة أصلحها وبين الصواب فيها.
7 - (شعار الدين) التزم فيه إيراد أوضح ما يعرفه من الأدلة من غير أن يلتزم طريقة المتكلمين.
8 - (كتاب الشجاج)
9 - (كتاب شرح أسماء الله الحسنى)
10 - (كتاب الغنية عن الكلام وأهله)
11 - (كتاب العروس)
12 - (الرسالة الناصحة) فيما يعتقد فيما يعتقد في الصفات، وهذه الستة الأخيرة لم أراها ولم أعلم مكان وجودها.
هذه هي كتب أبي سلمان التي ذكرها الذين ترجموا له. وجاء في طبقات الشافعية الكبرى للسكي (ج2ص222) ما يأتي:
قال الخطابي في كتابه تفسير اللغة التي في مختصر المزني في باب الشفعة: بلغني عن إبراهيم بن السرى الزجاج النحوي أنه كان يذهب إلى أن الصاد تبدل سيناً مع الحروف كلها لقرب مخرجهما، فحضر يوماً عند على بن عيسى فتذاكرا هذه المسألة واختلفا فيها وثبت الزجاج على مقالته، فلم يأت على ذلك إلا قليل من المدة، فاحتاج الزجاج إلى كتاب إلى بعض العمال في العناية فجاء إلى علي أبن عيسى الوزير ينتجز الكتاب، فلما كتب علي بن عيسى صدر الكتاب وانتهى إلى ذكره كتب: وإبراهيم بن السرى من أحسن أخواني، فقال الرجل أيها الوزير: الله الله في أمري! فقال له علي بن عيسى إنما أردت أخص، وهذه لغتك فأنت أبصر، فإن رجعت وإلا أنفذت الكتاب بما فيه. فقال قد رجعت أيها الوزير فأصلح الحرف واطو الكتاب. أ. هـ.
فهذا الذي نقلناه عن طبقات السبكي يفيد أن للخطابي كتاباً شرح فيه غريب اللغة التي في مختصر المزني ولكني لم أر أحداً ذكر هذا الكتاب من كتب الخطابي، ولم يذكر صاحب كشف الظنون هذا الشرح لمختصر المزني مع أنه عدد الكثير من شروحه لكثير من المتقدمين والمتأخرين.
شعره:
يُعد الخطابي أديباً ذا حظ وافر في الصناعتين النثر والنظم؛ فإما نثره ففي إمكان القارئ الكريم الاطلاع عليه في كتبه التي كتبها في العلوم، ومنها ما هو مطبوع، لذلك لا أرى حاجة إلى ذكر شيء منه، وأما شعره فمع أنه شعر جيد سلس عذب الألفاظ فهو مفرق هنا وهناك بين بعض كتبه وكتب بعض الذين ترجموا له، وإني لذلك ذاكر منه كلُّ ما عثرت عليه.
قال أبو سعيد الخليل بن محمد الخطيب: كنت مع أبي سليمان الخطابي فرأى طائراً على شجرة فوقف ساعة يسمع ثم أنشأ يقول:
يا ليتني كنت ذاك الطائر الغردا ... من البريّة منحازاً ومنفردا
في غصن بأن دهته الريح تخفضه ... طوراً وترفعه أفنانه صعدا
خلو الهموم سوى حب تلمسه ... في الترب أو نغبة يروى بها كبدا
ما إن يؤرقه فكر لرزق غدٍ ... ولا عليه حساب في المعاد غدا
طوباك من طائر طوباك ويحك طب ... من كان مثلك في الدنيا فقد سعدا
وله في معاملة الناس بالحسنى وحب الخير لهم: أرض للناس جميعاً ... مثل ما ترضى لنفسك
إنما الناس جميعاً ... كلهم أبناء جنسك
فلهم نفس كنفسك ... ولهم حس كحسك
وله في الرد على من لامه على اعتزاله الناس وطول احتجابه:
وقائل ورأى من حجتي عجباً ... كم ذا التواري وأنت الدهر محجوب
فقلت حلت نجوم العمر منذ بدا ... نجم المشيب ودين الله مطلوب
فلذت من وجل بالاستتار عن الأ ... بصار إن غريم الموت مرعوب
وله في مدارة الناس ومصانعتهم:
مادمتُ حياً فدار الناس كلهم ... فإنما أنت في دار المداراة
من يدر داري ومن لم يدر سوف يرى ... عما قليل نديماً للندامات
وله يشكو إيذاء الناس بعضهم بعضاً فوق أذى الوحوش الضارية:
شر السباع الضواري دونه وزر ... والناس شرهم ما دونه وزر
كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع ... وما نرى بشراً لم يؤذه بشر
وله يشكو من وسطه الذي لا يجد فيه من يفهمه وتسكن إليه نفسه:
وما غربة الإنسان في شقة النوى ... ولكنها والله في عدم الشكل
وإني غريب بين بُست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي
وله في تهوين أمر الدنيا وعدم الاهتمام بها:
لعمرك ما الحياة وإن حرصنا ... عليها غير ريح مستعاره
وما للريح دائمة هبوب ... ولكن تارة تجري وتارة
وله في الحث على انتهاز الفرص قبل فواتها:
تغنم سكون الحادثات فأنها ... وإن سكنت عما قريب تحرك
وبادر بأيام السلامة إنها ... رهون وهل للرهن عندك مترك
وله في التحذير من الجهال وعدم الركون إليهم:
تحرز من الجهال جهدك إنهم ... وإن لبسوا ثوب المودة أعداء
وإن كان فيهم من يسرك قربه ... فكل لذيذ الطعم أو جُلُّه داء وله في العفو والقصد والذم المغالاة:
تسامح ولا تستوف حقك كله ... وأبق فلم يستقص قط كريم
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرّفيْ قصد الأمور ذميم
وأورد جعفر بن شمس الخلافة في كتاب للخطابي هذين البيتين:
وإني لأعرف كيف الحقوق ... وكيف يبر الصديق الصديق
ورحب فؤاد لفتى محنة ... عليه إذا كان في الحال ضيق
وله يذكر حسن أثر العزلة في نفسه:
إذا خلوت صفا ذهني وعارضني ... خواطر كطراز البرق في الظلم
وإن توالى صياح الناعقين على ... أذني عرتني منه حكلة العجم
وله يصف ميله إلى البعد عن الناس وقلة مخالطتهم:
قد أولع الناس بالتلاقي ... والمرء صب إلى هواه
وإنما منهم صديقي ... من لا يراني ولا أراه
وله في عزة النفس والتعفف مع الحاجة الملحة:
دعني فلن أخلق ديباجتي ... ولست أبدي للورى حاجتي
منزلتي يحفظها منزلي ... ديباجتي تكرم ديباجتي
وله:
قد جاء طوفان البلاد ولا أرى ... في الأرض ويحي للنجاة سفينه
فاصعد إلى وزر السماء فأن يكن ... يعييك فابك لنفسك المسكينه
وله:
سلكت عقاباً في طريقي كأنها ... صياصي ديوك أو أكف عقاب
وما ذاك إلا أن ذنباً أحاط بي ... فكان عقابي في سلوك عقاب
وله:
قل للذي ظل يلحاني ويعذلني ... لنائل فاته والخير مأمول
لا تطلب السمن إلا عندي سمن ... نال الولاية فالمعزول مهزول
بعض الآراء المنقولة عنه كان الخطابي شديد الإنكار على الفقهاء الذين يغفلون الحديث أو يتساهلون فيه ويقصرون همهم على آراء أئمتهم من الفقهاء كما كان ينكر على المحدثين إغفالهم الفقه واشتغالهم بالغريب وجمع الروايات لذلك لم يكن غريباً من الخطابي أن يخالف من تقدموه إذا رجوت رأى الدليل يسعفه؛ فمن ذلك قوله برد شهادة أحد الزوجين للآخر لما في ذلك من التهمة قياساً على رد شهادة القانع لأهل البيت الوارد في الحديث، والقانع من يخدم القوم ويكون في حوائجهم. وكان يرى تحريم البول في الطريق لحديث فيه ولما فيه من إيذاء المسلمين. وكان كراهة خاتم الفضة للمرأة لأنه من شعار الرجال كما أن الذهب من شعار النساء، وكان يرى أن أكل الثوم والبصل لا يعد عذراً في ترك الجمعة لما لها من الأهمية والخطر. وكان يعيب على المتكلمين قولهم في صفات الله الذاتية: إنها قديمة، ويختار أن يقال فيها أزلية، لأن معنى الأزلي هو ما لم يزل كائناً، ومعنى القديم هو ما له صفة القدم، ولا يجوز أن يكون للصفة صفة.
هذه كلمة أردت بها الكشف عن فضل هذا العالم الذي نسي الناس حتى أسمه فلا يعرفونه على حقيقته، وأرجو أن أكون قد وفقت ولو إلى بعض ما أردت.
برهان الدين محمد الداغستاني