مجلة الرسالة/العدد 989/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 989/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 06 - 1952



شعلة المجد

مرثية فقيد الوطن المرحوم الدكتور عزيز فهمي

للأستاذ حسن كامل الصيرفي

خل العزاء فما يفيد عزاء ... ساد الظلام وغامت الأضواء

الشعلة انطفأت، وكان وراءها ... للمدلجين الحائرين رجاء

خل العزاء ودع لدمعك سيله ... متدفقا، فهنا يطيب بكاء

خل العزاء فلست تملك منطقا ... متماسكا إن هبت النكباء

الشعلة انطفأت، وأية شعلة ... كانت؟ تبارك نورها الوضاء!

صك النعي مسامعي فأحالني ... شبحا تطير بلبه الأنباء

مات العزيز، فمات جيل كامل ... للمجد تتبع خطوه العلياء

لهفي على الآمال يصدع ركنها ... قدر، ويهدم أسهن قضاء

يا راقداً في حفرة محصورة! ... كانت تضيق بروك الأرجاء

أي المواهب فيك أبكي إنها ... يعيا بحصر كمالها الإحصاء!

الشاعر الحي الشعور، نشيده ... من قلبه ذوب ومن إيمانه الإيحاء

والكاتب العذب البيان ترسلا ... يزهو بسحر بيانه الإنشاء

والمدرة الطلق اللسان مدافعا ... لا الجاه غابته ولا الإثراء

والنائب الحر العقيدة هاتفا ... بالحق لا ضعف ولا استخذاء

تخذ الصراحة مبدأ وعقيدة ... لم توحها حزبية عمياء

وطنية تسمو على أمثالها ... ويكل عن إدراكها القرناء

ومجاهد ثبت الفؤاد مكافح ... لم يثنه سجن ولا إيذاء

لهفي على تلك الخلال تضيعها ... في لحظة سيارة وعناء!

عوجلت والوطن الحزين بحاجة ... لمواهب لم تذكها الأهواء

شقت عليك جيوبهن حرائر ... وبكي لهول النكبة البؤساء كم أدمع كفكفتها، ومصائب ... واسيتها! والنبل فيك ثراء

تسعى إلى الخير العميم مطأطئا ... هاماً، فلا زهو ولا استعلاء

كنت الشباب مجملا برزانة ... والمكرمات يزينهن حياء

كنت الإخاء التبر أصفى جوهرا ... وأعز ما صدق الوفاء إخاء

حلو اللقاء سجية وطبيعة ... ما في خلالك صنعة ورياء

أدب كمؤتلق الضياء عرفته ... وشمائل علوية سمحاء

وإذا دعتك الحادثات تلقفت ... يدك الدعاء، فلا يخيب دعاء

متقدما للموت لا متهيباً ... والموت عندك صنعوه الإبطاء

ما زلت تسبقه إلى حوماته ... حتى طغت في الغفلة الهوجاء

فذهبت يا زين الشباب رواية ... للناس أروع ما روى الندماء

كانت حياتك نفحة علوية ... حسدت على النعمي بها الغبراء

ما طال عمرك في الحياة وإنما ... طال التحدث عنك والإصغاء

أو بعد أن لجت بنا الظلماء ... واستبهمت في الظلمة والحيناء

وتحطمت في الصخر كل سفينة ... وتناثرت في اللجة الأشلاء

وتألب الموج الغضوب فلا ترى ... إلا جبالا ساقها الدأماء

لا الشط وضاح المعالم مشرق ... أبداً، ولا تتكشف الأنواء

نجد العزاء! ونحن أعجب صورة ... لا نحن أموات ولا أحياء

الشعلة انطفأت، وأية شعلة ... تهب الضياء، وما هلا أكفاء!

خل العزاء فنحن في هول طغى! ... في كل أفق محنة وبلاء

نشكو الصبابة في هوى أوطاننا ... وقلوبنا عصفت بها البغضاء!

متنابذين وحولنا أشد الشرى ... قد حددت أنيابها الزرقاء!

متغافلين عن الخطوب وقد سعت ... أشباحها الجنية السوداء!

سبعون عاما لم يعظنا هولها ... أبداً، ولم يتنبه الحكماء

نحن الأسارى في القيود نظنها ... حليا فتأخذنا بها الخيلاء

ماذا كسبنا بعد طول جهادنا؟ ... الكسب غرم، والجهاد هباء! حرية الوادي رواية ساخر ... كل الفصول شبيهة وسواء!

يا مصر حظك في الرجال مرزأ ... لا كانت الأدواء والأرزاء

أو كلما قدمت خطوة ظافر ... عادت تقهقر خطوك الشحناء!

أو كلما استكملت عدة مؤمن ... بالحق قص جناحك الأعداء!

يا مصر حظك عاثر، وعثاره ... أن ينطوي أبناؤك الأمناء

كان (العزيز) بطوله مذخورة ... لغد، فمات به غد ورجاء

قل النظير له وما أقصى المدى ... حتى يلوح مع الغد النظراء!

يا أمتي! يا أمة الألم الذي ... بلغ المدى، لا مسك الضراء!

منذ اختلفنا في الجهاد طوائفا ... ما ضمنا في وحدة زعماء

حتى فقدت عزيزك الحر الهوى ... فتوحدت في النكبة الأنباء

يبكونه بدم القلوب موسداً ... نعيت به الحرية الشماء

كان الإباء مجسدا في رقة ... فثوي مع الخلق الرقيق إباء

كان الكفاح مبرأ ومنزلها ... فمضى المكافح والضمير براء

للحق عاش، وفي سبيل قيامه ... مات المنافح عنه وهو فداء!

أأبا شهيد الحق إن فجيعة ... نزلت بساحك خطبها مشاء

في كل عين دمعة مهراقة ... وبكل قلب لوعة ورثاء

طوت المنون ذخيرة أعددتها ... لم يرحم القلب اللهيف قضاء

للمجد أنت نذرته ووهبته ... والنذر عند الله فيه جزاء

والمجد جسر متاعب رقدت على ... جنباته الرواد والشهداء

أنجبت للوطن الكريم فتى له ... في المكرمات صحائف غراء

ورث الشجاعة عنك وهي عزيزة ... في الناس حين تجابه الآراء

ورث النزاهة عنك وهي يتيمة ... في الناس حين تفاضل الأسماء

يا باكيا من قلبه ذهب الأسى ... بالناس حين أصابك البأساء

قلبي يذوب أسى على الطود الذي ... هزت قواعد بأسه اللأواء

ترنو إلى الأفق البعيد وقد خبا ... في الأفق هذا الكوكب اللألاء وتجيب زفرتك الحزينة أمة ... محزونة فتعيدها الأصداء

حسن كامل الصيرفي