مجلة الرسالة/العدد 981/ الباكستان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 981/ الباكستان

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 04 - 1952


4 - الباكستان

دولة إسلامية

للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

دين ودولة:

إذا أردت أيها القارئ الكريم أن ترى دولة إسلامية بالمعنى الإسلامي الدقيق فلا تحاول أن تبحث عنها في الشرق الأدنى، وإنما تعال معي إلى الباكستان فهناك سوف ترى تلك الدولة الإسلامية.

ففي الباكستان نرى أن الإسلام هو محور الحياة وأساسها، فالحياة السياسية والأنظمة الاقتصادية والحياة الاجتماعية تستمد أصولها جميعاً من الأنظمة الإسلامية. ليس في هذا غرابة، فقد قامت دولة الباكستان لتكون دار أمن وسلام للمسلمين من أبناء القارة الهندية الذين عذبوا واضطهدوا بسبب عقيدتهم الدينية. وإن سياسة الباكستان الإسلامية ليست فرضا من حكومة مستبدة على شعب مائع، بل هي رغبة شعب مؤمن قوى تنفذها حكومة مخلصة عادلة.

واجب قبل أن أتعرض لوصف النظام الإسلامي القائم الآن في الباكستان أن أناقش في إيجار أنواع النظم الحكومية التي قامت في العصور الوسطى والتي تأثرت بها الأنظمة الحكومية القائمة في عصرنا الحاضر.

انقسمت الأنظمة الحكومية التي في العصور الوسطى إلى نوعين: أحدهما قام في الشرق والآخر قام في الغرب.

فأما النظام الأول فقد وضع أساسه النبي الكريم محمد حين قامت الدولة الإسلامية الأولى في المدينة. كان القرآن دستور هذه الدولة وقانونها ومحمد (ص) زعيمها. ولما توفي النبي قام خلفاؤه من بعده بإدارة شؤون هذه الدولة، وقد تمكن الخلاء من توسع رقعة الدولة حتى صارت تشمل مساحات شاسعة تمتد المحيط الأطلنطي غربا إلى الصين شرقا.

كان الخليفة يرأس هذه الدولة ويجمع في يديه بين السلطتين الدينية والدنيوية: يؤم في الصلاة ويقيم حدود الله ويقود الجيوش ويجبي الزكاة ويجمع الضرائب ويصرفها على إدارة الدولة وينفق منها على الفقراء والمساكين. ولكن سلطة الخليفة لم تكن مطلقة أو استبدادية بل كانت مقيدة: فقد كان إيمان الخلفاء بربهم وخوفهم من عذابه يدفعهم إلى أن يحرصوا على إقامة العدل ورفع الظلم والسهر مصلحة الرعية. استمع إلى قول عمر ردا على من أشار عليه بترشيح ابنه عبد الله للخلافة من بعده (يكفي بني الخطاب أن يحاسب منهم عمر) واستمع إلى قوله (لو عثرت بغلة بالعراق لسئل عمر عنها يوم القيامة: لم يمهد لها الطريق؟) وهكذا كان الخلفاء يرون في الحكم مسئولية خطيرة وعبثا ثقيلا.

وكان الخليفة ينفذ أحكام القرآن ويشاور أصحابه. والله تعالى بقول (وأمرهم شورى بينهم).

وقد نجح النظام الإسلامي في إقامة دولة تتمتع بالأمن والسلام والعزة والمنعة.

هذا في الشرق. أما في الغرب فقد قام نظام آخر انقسمت فيه السلطة في الدولة إلى قسمين: سلطة دنيوية في يد الملك أو الإمبراطور؛ وسلطة دينية في يد البابا. وهكذا انفصلت السلطة الدينية عن السلطة الدنيوية في الغرب واتصلتا في الشرق.

ودار الزمن دورته وتقدم الغرب ونهض وجثم على صدر الشرق فاستعمر بلاده وعمل أن يهدم نظامه وتقاليده وعاداته. ولم يعدم المستعمرون أن يجدوا من الشرقيين أفرادا استهوتهم مبادئهم فسخروهم لتحقيق مآربهم. وعمل هؤلاء على تقليد الغرب، والواقع أنها لم تستطع أن تكسب مزايا نظم الحكم الغربية أو الشرقية على حد سواء.

إن أهل الغرب يؤمنون بأن قوة الشرق في عقيدته الروحية، وأن هذه العقيدة إذا ضعفت انهار الشرق. ومن ثم اتجه أهل الغرب إلى أن يباعدوا بين الشرق وبين عقيدته الروحية الخالصة، ووجدوا لأنفسهم أبواقا تردون وتعمل على تحقيق ما يرغبون. وهكذا قامت وقوانين حكومات وقوانين ضعيفة في الشرق هي التي نشاهدها اليوم وهي التي تقف متخاذلة أمام المستعمرين من أبناء الغرب.

إذا أردنا إذن أن نبحث عن الدولة الإسلامية بمعناها الإسلامي فعلينا أن نولي وجوهنا شطر الباكستان.

النظام الحكومي:

الحاكم العام هو رئيس دولة الباكستان. ولما كانت الباكستان مكونة من عدة مقاطعات هي البنغال والبنجاب وباثان (إقليم الحدود الشمالية الغربية) والسند وبلوخستان فإن لكل مقاطعة مجلس وزراء وبرلمان. ويشرف على المقاطعات جميعاً مجلس وزراء مسئول أمام مجلس نيابي يمثل سائر المقاطعات في السياسة الخارجية والشؤون الحربية.

ولم يتم بعد وضع دستور الباكستان الجديد، وما تزال الجديد، وما تزال الجمعية التأسيسية تشتغل بوضعه. وجدير بالذكر أن نقول: أن المغفور له لياقت على خان قدم في 7 مارس 1947 اقتراحه التاريخي إلى الجمعية التأسيسية، ويقضي الاقتراح بأن يكون القرآن والسنة أساس دستور الباكستان الجديد. وقد وافقت الجمعية التأسيسية على ذلك الاقتراح بالإجماع.

وقد قدم الأستاذ أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في الباكستان مقترحات لتكون أساس الدستور فيها نلخصها فيما يلي:

1 - الحاكمية في الدولة لله وحده.

2 - الشريعة الإسلامية هي القانون الأساسي للدولة.

3 - وظيفة الدولة تنحصر في أن تحقق مرضاه الله تعالى بالعمل في هذه الدنيا وفقا لهدايته المنزلة وفي ضمن الحدود التي عينها المولى وتعالى.

4 - يجب أن تعمل الحكومة على تحقيق العدالة الاجتماعية والمحافظة على تحقيق أهل الدولة من هجمات الأعداء.

5 - يجب أن تكون الحكومة شورية ينتخب أفرادها لصلاحيتهم وكفايتهم لإدارة شؤون الدولة.

6 - كل تأويل للدستور يخالف مضمون القرآن والسنة لا ينفذ شرعا.

7 - لا يجوز التفرقة بين الناس في الحقوق والواجبات بسبب لونهم أو جنسهم أو لغتهم.

8 - يكون رئيس الدولة فيما يتعلق بالحقوق المدنية مساويا لكل مسلم آخر يجوز له أن يتخطى القوانين.

9 - إذا خرج رئيس الدولة على الدستور يجب عزله.

وقد عرضت هذه المقترحات على المؤتمر الإسلامي في العام الماضي فوافق عليها باعتبارها (مبادئ أساسية لإقامة دولة إسلامية).

وهكذا يتضح لنا أن الباكستاني لا يستطيع أن يجعل نطاق الدين ضيقا بل يراه شاملا لكل شيء. وتتجلى تلك الروح الإسلامية في كل شيء. فالباكستان لا تسمع لدور السينما أن تعرض أفلاما فيها خروج على الدين والفضيلة، بل إنها تعمل دائماً على تطبيق المبادئ الإسلامية في جميع مناجي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

في 12 فبراير 1952 افتتح حاكم عام الباكستان المؤتمر الاقتصادي الثالث فعدد المسائل الاقتصادية التي تواجه الباكستان وطلب معالجتها، وهذه المسائل هي (1) تطبيق المبادئ الإسلامية على النظم الحديثة (2) الإصلاحات الزراعية (3) زيادة الادخار ووسائل الاستثمار (4) توزيع الإنتاج بالعدل.

وختم الحاكم العام بيانه قائلا: إن الباكستان قامت لتكون مجالا لمجتمع إسلامي حدودها، فعلينا والحالة هذه ألا نتقاعس عن تحقيق هذا الذي جاهدنا من أجله.

وخطب وزير التجارة والاقتصاد فقال: إن عظمة الدولة الاقتصادية لا تنهض إلا توفر لها عاملان: الأيدي العاملة ووفرة الموارد الطبيعية، وقال إن القرآن يتضمن أحسن المبادئ الاقتصادية التي يمكن أن تطبق في الظروف الحاضرة وهي كفيلة بالتغلب على كل الصعاب التي يثيرها الرأسماليون والشيوعيون.

ومن كل ما سبق يتجلى لنا أن الباكستان تحاول جاهدة أن تقيم دولة إسلامية بالمعنى الإسلامي الدقيق. وفقها الله.

أبو الفتوح عطيفة