مجلة الرسالة/العدد 980/رسالة الشعر
مجلة الرسالة/العدد 980/رسالة الشعر
حريق القاهرة
للأستاذ عثمان حلمي
هذي بلادك ذاكر أم ناسي؟ ... أم حرت ما بين الرجا والياس؟!
زحمتك فيها الحادثات ولم تدع ... لك غير محض الخوف والوسواس
فوقفت مشدوه الفؤاد كأنما ... تجري مقادرها بغير قياس
وكأنما الدنيا سوى الدنيا التي ... عاهدتها والناس غير الناس
ماذا رأيت؟ - وما لأمرك حائراً ... ومن الدموع على المصاب مواسي
أسألت ما تلك الطلول فلم يجب ... من ناطق فيها سوى أدراس
وعرفت كيف جنى عليها من جنى ... من كل جبار الحفيظة قاسي
فإذا المغاني الغاليات كأنها ... لم تغن قبل خرابه بأناس
وإذا الديار الشامخات كأنها ... في العين مهجور من الأرماس
من كل منهار الجدار كأنما ... قامت جوابه بغير أساس
دكت بما فيها وأصبح أهلها ... نهب البلى وتصرف الأحراس
وكأنما أيدي المغول تظاهرت ... فيها بغير هدى ولا نبراس
فرأيت من بغداد صورة كربها ... في مصر - بل في قلبها الحساس
في كل منعرج مكان خافق ... أو موحش خال من الإيناس
وبكل ناحية دمار شامل ... ومدامع مهراقة ومآس
يا للنفوس ويا لها من فتنة ... جنت جنون جوامح الأفراس
إبليس أوقدها وأشعل نارها ... وأثارها هذا العين الحاسي
وكأنه قد كان أودع سره ... من قبل صدر موسوسخناس
وكأنه والنار تزأر صارخ ... أو نافخ في قسوة وحماس
فإذا بأبواب الجحيم تفتحت ... وطغى ركام دخانها الجواس
وتشققت سحب الدخان بلامع ... كالبرق نور ظلمة الأغلاس
ما بين محمر ومصفر جلا ... منها اربداد سحابه وإذا القلوب لدى الحناجر جاوبت ... في الجوف خفق تقطع الأنفاس
من كل من لم يدر أية حيلة ... لنجاته إلا الرضى باليأس
أو كل مفتقد صريع قضائه ... يبكيه مسكوب المدامع آسي
بطشت به النيران بطشة غادر ... كالوحش بالأنياب والأضراس
والقوم إلا الأشقياء لهولها ... غشيتهمو سنة من الإبلاس
وقفوا حيارى لا يرون بأعين ... أجفانها نعست بغير نعاس
وتقيدوا أن لا نجاة لهول ما ... وقعت عليه العين من أرجاس
حتى تداركها المليك بحكمة ... محمودة العقبى وعزم رأسي
فإنجاب من قلب الكنانة رعبها ... وأنزاح ما أضنى النهى من باس
عثمان حلمي