انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 971/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 971/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 02 - 1952



إلى الميدان

أرى الميدان - يا أماه - نحو المجد يدعوني

فلا تبكي إذا أسرعت. . في كفي سكيني

لأقتل كل صعلوك وأذبح كل ملعون

وأغسل بالدم المسفوح كل جراحي الجون

وألقي في مياه النيل - ذئب الذل والهون

فترفع مصر رايتها. . وترجع عهد آمون

وتحيا حرة أبدا. . فلا تعنو لمجنون

أرى الميدان - يا أماه - يزخر فيه إخواني

فكل فتى سليل النيل مني بعض أركاني

وأمي مصر - يا أماه - من دلتا لسودان

سقتني من رحيق النيل أعذب من طلي ألحان

سقتني الحب في مهدي وقالت: لست تنساني

إذا ألفيتني يوما أطارد أي ثعبان

فحطم رأسه المسموم في صبر وإيمان

وها هو ذلك الثعبان فوق قنالها الأسمى

يحرك رأسه الملعون - أخشى ينفث السما

فيقتل مصر - يا أمي - أخاف يقسم الأما

ويفعل كل ما يصبو إليه، وينفذ السهما

أراه. . أراه. . يا أمي. . على ضفاتنا. . يرمي

وها هم نسل فرعون أحاطوا حوله جهما

وفي أجفانهم قلق يكاد يمزق الظلما

دعيني أقطع الخطوات نحو المجد لهفانا

وفي كفي سكين تصب الموت ألوان توشي الأرض من دمهم وتروى منه ظمآنا

فمصر تصيح أنقذني، فإن لدي ثعبانا

يسمم عذب أمواهي، فأدرك كيده الآنا

فماء النيل لا يروي على الأيام كسلانا

وحاشا مصر، ما ولدت من الأبناء خوانا

دعيني إنني غاد أشق السهل والوعرا

وأمشي حافيا عريان، لا أستصعب الحرا

أبيع ثيابي اللاتي تقيني البرد والقرا

وكتب العلم أدفعها لشار يدفع الأجرا

لأحمل بعد سكينا، وأذهب أقطع القفرا

إلى الميدان أحملها، وأحمل بينها الذعرا

لأدفع كيد مغتصب، وأصرع ذلك الشرا

إذا ما مت في الميدان لا تبكي ولا تهني

فبنت النيل ما خلقت لسفح الدمع والشجن

روحي واسألي الجيران يا أماه عن وطني

وماذا فيه يفرحنا عن الأعداء من محن

فإن أخبرت ما يسلي فؤاد الميت الحزن

فعودي وانثري زهرا على المطمور من بدني

وغني غنوة التحرير أو أنشودة الزمن

شاعر

ترنيمة الشهيد

للأستاذ كامل أمين أيوب

(إنه الصوت الأخير الذي يردده قلب الشهيد في لحظاته الأخيرة. . . أنه صوتي عندما أحظى بشرف الاستشهاد بعد أن أقف أمام الأعداء موقف المصري الجريء الحر. .) الآن باسم كرامتي وإبائي ... أفنى لتخلد أمتي بفنائي

الآن أثبت للكنانة مجدها ... وأخط صفحة عزها بدمائي

الآن أصعد للسماء بجوهري ... فليفرح الأوغاد بالأشلاء

والله ما قتلوا القتيل وإنما ... أحيوا عليهم ثورة الأحياء

فليرقبوا نار القلوب تشب في ... نير الطغاة سريعة الإفضاء

وليعلموا أن الكنانة قد أبت ... ضيم اللئام وخسة الدخلاء

قد بيتوا الداء العياء لرمينا ... فلينظروا فيمن سموم الداء

ما راح منا واحد إلا وقد ... ثأرت ظباه لذاهب ولجائي

الموت مفخرة الكرام لدى الوغى ... ومن الردى في الحرب خير رداء

إن مت قبل النصر لست بنادم ... فلقد تركت لنيله زملائي

ما دام صوت الحق ملء صدورهم ... فالله ناصرهم على الأعداء

أماه لا تبكي علي ويا أبي ... جفف دموعك وابتهج بقضائي

ما مت وحدي بل مع الأحرار في ... يوم الجهاد وساحة الشهداء

جند بقية اخوتي فلعلهم ... يبلون في الميدان خير بلاء

لا بد في سبل العلا من فدية ... لم لا ننال مكانة الفداء

ما مات من عرف الجهاد، ونافق ... من حي في الأغلال دون حياء

يا مصر فيك من الأسود كواشر ... تمضي لبغيتها بكل مضاء

أسد إذا ما أنشبت أظافرها ... ظفرت بكل محالة غدقاء

لا ترهب النيران أو ضوضاءها ... وتسير في النيران والضوضاء

يا مصر أقضي الآن غير مخوف ... ما دمت خلفت الأسود ورائي

الله أكبر. . منك كنت وما أنا ... إلا صنيعة أرضك الخضراء

واليوم ألقى الموت باسمك فاخلدي ... يا مصر. . عالية على الجوزاء

كامل أمين أيوب

ذكرى حبيب للأستاذ محمد فوزي العنتيل

. . . ذكريات محترقة بذلك اللهيب المقدس، الذي يضيء أرواحنا، (ذكرى حب بغير أمل. . كما كانت تقول. .!!)

تهب على واديك أنسام حبنا. . ... تذكرك العهد الذي كنت ناسيا

تذكرك الماضي، وقد كان جنة ... وشفنا مع اللذات فيها الأمانيا

وتشرق في دنياك أيامنا التي ... تولت وأبقت نارها في دمائيا

سمت بك روحي للسماء، وقادني ... إليك حنيني في هواك، وما بيا.!

عشقتك روحا خالدا، وحقيقة ... تعالت على وصفي؛ فأعيت لسانيا

وقدست فيك الحزن، والحسن، والهوى ... وأحببت منك الحب كأسا، وساقياً

وخلدتني روحا، وإن كنت سائرا ... إلى الشاطئ المجهول أفني بقائيا

وألهمتني معنى الجمال فسبحت. . ... بحسنك أشواقي، وقلبي، وذاتيا. .!!

ذكرتك والليل البهيم مطوف. . ... إلى روحك المحبوب حن فؤاديا

ذكرتك والأزهار تبسم للندى ... فيشبعها لثما، ويرتد باكيا. .!!

ذكرتك والأمواج ينساب لحنها ... يفسر للشطئان سر عذابيا. .!!

جثوت وأرسلت الدموع سوافحا. . ... وغمغمت بالنجوى، وطال دعائيا. .

تضرعت والأكوان حولي خشع. . ... وهرتني الشكوى؛ وألقت ردائيا

أغاريد من ذكراك في الفجر رفرفت ... على الشاطئ المحبوب أحيت رجائيا. .!

تنسمت منها العطر، والشوق، والمنى. . ... وعدت إلى الماضي، وكان ورائيا. .!

وهاجت شجوني؛ فانطلقت مغردا ... على غصنك المياد أزجي الأغانيا

وراح نسيم الفجر - والنهر خاشع - ... يقبل أزهار الربى، والروابيا.!!

عطفت على روح حزين معذب. . ... ورويت قلباً كان قبلك صاديا. .

وفجرت لي نبعا من الشوق دافقا ... رشفت به من سلسل الحب صافيا.!!

أيا ليتنا كنا مزجنا فلم نعد ... حبيبين ذابا لوعة. . وتنائيا

وكنت أنا الجسم الذي يحمل الهوى. . ... وكنت حياتي، ثم كنت فنائيا. .! ونؤخذ في ذنب، وإن كنت جئته ... وننعم في قرب، وإن كنت عاصيا

بلى!. . إنني أرضى، وإن كنت طائعا ... أعذب وحدي كي تنعم راضيا

فإن أك قد أخطأت فاغفر خطيئتي ... وإلا فأدركني. . فأنت رجائيا. .!!

محمد فوزي العنتيل