مجلة الرسالة/العدد 962/القصص
مجلة الرسالة/العدد 962/القصص
صائدة النمور
للكاتب الإنجليزي ساكي
كان من أقوى بواعث السرور إلى مسز باكلتيد ومن أشهى أمانيها أن تصطاد نمراً، لا لأن شهوة القتل قد استولت فجأة على نفسها، ولا لأنها شعرت بأنها تترك الهند - عند مغادرتها إياها - آمن واهنا مقاماً مما وجدتها عند قدومها إليها إذ هي أنقصت من عدد وحوشها الضاربة بنسبة جزء من وحش إلى مليون من السكان؛ إنما نشأت هذه الرغبة المفاجئة الملحقة في اقتفاء خطوات ذلك الوحش النمرود على أثر ما سمعته عن لوناً بمبرتون التي ركبت منذ عهد قريب طيارة مع أحد الطيارين الجزائريين قطعت بها في الجو أحد عشر ميلاً؛ ولم يكن للوناً من حديث غير حديث هذه الرحلة الجوية الجزئية. وهذا حادث لم يكن لمسز باكلتيد بد من أن تكفه بحادث من جانبها أشد منه جراة وادعي إلى الإعجاب بأن تصطاد نمراً تحمل جلدة معها عند عودتها، وبأن تنشر الصحف مجموعة من صورها الفوتوغرافية لمناسبة هذا الحديث العظيم
ورسمت مسز باكلتيد في رأسها بالفعل صورة لمأدبة غداء تأدبها في بيتها بشارع كرزون استريت لغاية ظاهرها تكريم لونا بمبرتون، وباطنها أن يرى المدعوون جلد النمر الذي اصطادته يغطي القسم الأكبر من أرض الغرفة، وأن يستغرق حديث هذا الصيد كل الوقت الذي يقضيه الضيوف في هذه الوليمة. كذلك رسمت هدية للونا بمبرتون في عيد ميلادها المقبل. وكانت مسز باكليد امرأة شاذة في عالم مفروض فيه انه واقع تحت تأثير الجوع والحب، فكانت تتأثر - إلى مدى بعيد - في أغراضها وحركاتها بكرهها للونا بمبرتون
وساعدت الظروف مسز باكليد، فقد عرضت أن تدفع ألف روبية لمن يهئ لها فرصة اصطياد نمر دون التعرض لخطر جدي ودون بذل مجهود شاق. وقد اتفق أن إحدى القرى المجاورة كان في مقدورها أن تفخر بأنها الملتقى المحبب إلى وحش محترم الأصل اضطره ضعف الشيخوخة أن ينصرف عن تحصيل قوته بافتراس حيوانات الغاب، وأن يعود معدته القناعة بالحيوانات الصغيرة الأليفة. فحركت الألف روبية الموعود بها غزيرة القروبين الرياضية التجارية، فرابطوا ليل نهار على الحدود الخارجية للغابة المحلية ليبقو النمر داخل هذه الحدود ويحولوا بينه وبين الخروج منها سعياً وراء ميدان جديد للصيد. وأخذوا يتركون الأنواع الرخيصة من الغنم مهملة عن عمد في دائرة تجوله ليقنع بالبقاء في حدود هذه الدائرة. وكان أخوف ما يخافونه أن يموت ذلك الوحش بمرض الشيخوخة قيل حلول الأجل الذي حددته مسز باكلتيد لاصطياده. وكانت النسوة وهن عائدات من أعمالهن في الحقول يحملن أطفالهن على سواعدهن يكتمن غناءهن إذا مررن بالغابة حتى لا يقطع على سارق الغنم المحترم نومه الهادئ المريح
وأقبلت الليلة التي جعلت أجلاً للصيد. وكانت ليلة مقمرة صافية، وكان القرويون قد أعدوا مصطبة مريحة فوق إحدى الأشجار القائمة في نقطة تناسب عملية الصيد، وعلى هذه المصطبة قبعت مسز باكلتيد ورفيقتها المأجورة مس مبين، وكان القرويون قد عقلوا في المكان المناسب شاة وهبتها الطبيعة القدرة على الثغاء الذي لا ينقع حتى لو أن نمراً كان نصف أصم لسمعها دون شك في الليلة الهادئة. وانتظرت المرأة الرياضية صابرة صبر الكرام مجيء الصيد المشتهى، وكانت مزودة ببندقية مجهزة أدق تجهيز لأصابة المرمى، كما كانت تحمل معها رزمة من ورق اللعب لقطع الوقت في غير ملل
وقالت مس مبين:
(أتحسبنا معرضتين لشيء من الخطر؟)
ولم تكن مس مبين في الواقع قلقة من ناحية الوحش المفترس، ولكنها كانت ذات طبيعة تأتبي أن تؤدي ذرة من العمل فوق القدر الذي أجرت على أدائه
وقد أجابتها مسز باكلتيد:
(كلام فارغ! فهذا النمر عجوز جداً ولن يستطيع أن يثب إلينا هنا حتى لو أراد ذلك)
فقالت صاحبتها:
إن كان نمراً عجوزاً فمن رأيي أن تحصلي عليه بأرخص من هذا الثمن، فأن روبية مبلغ كبير)
وكانت مس لوبزا مبين متطبعة بطبع أخت لها كبرى شديدة الحرص فيما يتصل بمسائل المال على العموم دون نظر إلى الجنسية والدين. وكان تدخلها المستمر سبباً في اقتصاد عدد كبير من الروبيات فلا تبدد (بقشيشاً) في بعض فنادق موسكو كما كانت الفرنكات والسنتيمات تلتصق بأيديها التصاقاً طبيعياً في ظروف من شأنها أن تنتزعها دون تعب من أيد أقل من أيديها شفقة. وقطع عليها ملاحظتها على الثمن الذي تشتري به جثة النمر ووجوب تخفيض هذا الثمن ظهور النمر نفسه على المسرح. . . على أن ذلك الحيوان الشيخ المحترم لم يكد يقع نظره إلى الشاة المتعلقة حتى انبطح على الأرض هادئاً، لا رغبة في أن يحتاط على إخفاء نفسه عن نظرها، حتى لا تهرب منه، ولكن حرصاً على أن قليلاً قبل أن يبدأ حملته الهائلة على فريسته.
فقالت لويزا مبين في صوت عال باللغة الهندوستانية لتسمع رئيس القرية الذي كان على شجرة مجاورة:
(إني أعتقد أنه مريض)
فقالت مسز باكلتيد:
(صه!)
وفي اللحظة نفسها أخذ النمر يسير متخطراً إلى فريسته فقالت مس مبين في شئ من اللهفة:
(إذا كان النمر لا يمس الشاة فليس ما يدعوننا إلى أن ندفع ثمنها.)
وكان لهذه الشاة المعدة طعماً للنمر ثمن خاص. وهنا دوى في الجو صوت الطلق الناري مسبوقاً بوميض خاطف للأبصار، فوثب الوحش الكبير مائلاً على أحد جنبيه ورقد ساكناً سكون الموت. فلم تمض لحظة حتى احتشد حول الفريسة عدد كبير من الأهالي المتلهفين، ولم يلبث صياحهم أن حمل الخبر السار إلى القرية، فدفت الطبول دقة النصر، وكان لتهليل النصر وأغاني الابتهاج صداها الجميل في قلب مسز باكلتيد. وبدالها في الحال أن وليمة الغداء في شارع كرزون استربت ستكون أقرب مما قدرت
وكانت لويزا مبين هي التي لفتت الأنظار إلى أن الشاة المسكينة تعاني الآم الموت من أثر إصابتها بطلق ناري بينما لا يوجد في جسم النمر أي أثر للرصاصة التي لأطلقت من بندقية الصيادة الماهرة. فكان من الواضح أن الطلق الناري قد أصاب الحيوان غير المقصود، وان الوحش الضاري قد مات بهبوط القلب من اثر صوت الطلق المفاجئ، وقد ساعد على ذلك انحلال الشيخوخة. وقد ارتاعت مسز باكلتيد ارتياعاً ظاهراً من كشف هذه الحقيقة ولكنها على كل حال قد أصبحت مالكة نمراً ميتاً، أما القرويون الذين كان لعابهم يسيل على الألف روبية فلم يروا بأساً في أن يتغاضوا عن خرافة اصطياد الوحش. وأما مس مبين فكانت رفيقة مأجورة. وعلى ذلك واجهت مسز باكلتيد الآت التصوير طروبة القلب، وطار صيتها من صفحات جريدة (تكساس وسكلى اسنابشت) إلى ملحق يوم الاثنين المصور لجريدة (نوفوي فريميا)
أما فيما يتصل بلونا بمبرتون فقد بقيت عدة أسابيع آبية النظر إلى أية صحيفة مصورة. وكان الخطاب الذي بعثت به إلى مسز باكلتيد تشكر لها فيه إهداءها مشبكاً من مخلب النمر مثالاً للانفعالات المكتومة، وقد رفضت في نفسه حضور وليمة الغداء، فأن هناك حدوداً إذا تخطتها الانفعالات المكتومة كان ذلك هو الخطر المحقق
وانتقل جلد النمر من شارع كرزون استربت إلى (مانورهاوس) حيث فحصه رجال البلدية فحصاً قانونياً وأعجبوا به إعجاباً شديداً. ولقد كان من عوامل الزهو في نفس مسز باكلتيد ذهابها إلى حفلة تنكرية في مرقص البلدية في لباس ديانا إلهة الصيد. ولقد أبت مع ذلك أن نميل إلى اقتراح كلوفيس المغري عندما اقترح إقامة مرقص على طراز القصور القديمة يلبس فيها الراقصون جلود الحيوانات التي اصطادوها حديثاً. ولقد قال كلوفيس عندئذ:
(وسأكون في هذه الحال كالطفل الرضيع لا أجد ما ألبسه غير جلد أرنب أو أرنبين)
ثم قال وهو ينظر إلى تقاسيم وجه ديانا نظرة خبيثة:
(وإن قوامي ليشبه قوام ذلك الطفل الروسي الراقص)
وبعد أيام قليلة من ليلة المرقص قالت لويزا مبين تخاطب مسز باكلتيد:
(ما أبلغها فكاهةيعرف الجميع حقيقة ما حدث!)
فسألتها مسز باكلتيد مسرعة:
(ماذا تقصدين بذلك؟)
فأجابت مسز مبين وهي تبتسم ابتسامتها الممضة:
(أقصد أنهم لو عرفوا كيف أصبت الشاة خطأ وأمت النمر خوفاً)
فقالت مسز باكلتيد، وقد تقلبت الألوان على وجهها في سرعة مدهشة:
لن يصدق إنسان ذلك القول) فقالت مسز مبين:
(ولكن لوناً بمبرتون تصدقه في غير تردد)
فاخضر وجه مسز باكلتيد اخضراراً غريباً وقالت:
(أظنني على يقين أنك لن تخونيني؟)
فأجابت مسز مبين في لهجة ذات معنى:
(لقد رأيت على مقربة من دور كنج داراً خلوية لقضاة نهاية الأسبوع وإني لأحب أن أبتاعها، ولكنهم يطلبون ثمناً خالصاً لها ستمائة وثمانين جنيهاً وهو مبلغ مناسب لقيمة الدار ولكنني لا أملكه)
وأصبح الأصدقاء جميعاً معجبين بالدار الجميلة التي أطلقت عليها مسز مبين اسم (الأمواج) وهي دار صيفية جميلة تحيط بها حديقة غناء تحوي مجموعة من الأزهار البديعة.
وقد حكم الجميع بأن لويزا قد أبدعت الإبداع كله إعداد دارها وتجميلها.
وقررت مسو باكلتيد ألا تغامر في رياضة الصيد مرة أخرى وكانت تجيب أصدقائها إذا سألوها عن السبب في ذلك الأحجام بقولها:
(لأن الصيد يتطلب أكلافاً عرضية باهظة!)
ع. ح