مجلة الرسالة/العدد 957/القصص
مجلة الرسالة/العدد 957/القصص
فراق
للكاتب الإنجليزي أيان تومسون
للأستاذ محمد فتحي عبد الوهاب
كانا يسيران في شارع أوكسفورد، ثم توقفا عن السير. وقال جورج ويده على ذراعها (هذا هو المكان أحسب أنك ستجدين هنا ما تودوين الحصول عليه)
وأطرقت هيلين، بيد أن عينيها كانتا ترنوان إلى نافذة الحانوت. لقد كان هو الذي اقترح شراء القبعة
وأشار صوب النافذة قائلاً - ها هي ذي القبعة السوداء. ما رأيت قيها؟ إنها تناسب رداءك
وارتجفت شفتاها. إن أشد يحبها فيه هو اهتمامه الزائد بملابسها. . لطالما ولد لها ذلك شعوراً بدوام الشباب، ولو أنها تعرف من صميم فؤادها بأن شبابها قد ولى وراح
وأجابت قائلة وقد تجنبت أن تلتقي عيناها بعينيه، فقد كان في عينيها الكثير مما لا تود أن يلاحظه مطلقاً. (أجل. إنها مناسبة)
ودلفا إلى الحانوت. وبرزت أمامها إحدى العاملات فوصفت لها هيلين القبعة. وفي هذه اللحظة ودت لو لم تأت إلى الحانوت بيد أن جورج كان لحوحاً. فقد كان يود أن يهديها هدية ما، هدية فراق كما يقول
إنه يبتسم الآن، ابتسامة صادرة من عينيه الزرقاوين الصافيتين فأثار ذلك دهشتها. ومع ذلك، لماذا تدهش؟ وكانت تسأل نفسها هذا السؤال في الوقت الذي أخذت القبعة من يد العاملة ووضعتها فوق شعرها الذي تخلله الشيب. لقد كانت تفخر دائماً بأنها عصرية. إن من دواعي المدينة أن نواجه مثل هذه الحوادث في شجاعة عندما تقع، فإذا وقعت. . .
وعادت بها كرتها إلى الماضي. ورأت نفسها أمام المرآة ترفل في ثياب العرس، لا في رداء أسود كما هو حالها الآن. ولم تفكر في المستقبل إذ ذاك، ولم تهتم به مطلقاً، فقد كانت غارقة في منتهى السعادة
ومرت خمس دقائق قبل أن يخرجا من الحانوت ويسيراً تحت الشمس المشرقة. ثم اقترح جورج بعد أن ألقى بنظرة إلى ساعته أن يحتسيا الشاي، وقال وقد بدت في عينيه لهفة مكبوتة لم تستطع أن تسبر غورها (إني أعرف مقهى هناك. .
وجلسا في مقهى صغير عادي. وطلب جورج الشاي، ثم اتكأ على مقعده دون أن يتفوه بكلمة، ولكن يده أقبلت تعبر المائدة ثم أمسكت بيدها
وصاحت في أعماق نفسها - يا إلهي، لا تجعلني أبكي لا أود ذلك وهو معي - أقبل الشاي، واحتسى قدحه في سرعة، ثم أشعل لنفسه لفافة وأخيراً قال (أواثقة أنت أنك تودين الإقامة وحيدة في تلك الدار؟ أعني. . حسن، إني لأشعر بالضيق من جراء هذا الأمر، إذا كان هناك ما أستطيع أن أفعله. . .)
نعم كان هناك شئ واحد، ولكنه يعتبر ضعفاً لو اقترحته. وهزت رأسها بالنفي. إنها لا تود مطلقاً أن يشعر نحوها بشيء من وخز الضمير. حسبها أن كان لها طوال الأعوام المنصرمة
وقالت - كلا في الواقع سيكون كل شئ على ما يرام
ولكنه كان يبدو عليه أنه لا يزال متردداً في الأمر. ثم قال: هناك شئ واحد أود أن أشير إليه. إني لم أتحدث عنه من قبل لأني أعرف - حسن، أعرف أن شديد حساسيتك في مثل هذه الموضوعات -) ثم صمت لحظة استطرد بعدها يقول في سرعة وعينيه تتحاشيانها) إنها مسألة النقود. لقد اتفقت مع البنك -)
والتهبت وجنتاها. وتلمثمت قائلة - أوه. جورج. لا ينبغي لك أن - فقاطعها قائلاً في رنة يشوبها الغضب - ولم لا؟ إن هذا ما ورد أن أفعله. وساندرا -) وتردد قليلاً بعد أن أشار إلى اسم الفتاة ثم قال - إنها وافقتني على ذلك. فقد كنا نتحدث عنه ليلة أمس
ساندرا. . كنا. . . وجعلت هيلين تفكر في ألم، إنه يتحدث عنها في سهولة وبغير كلفة، مع أنه لم يلتق بها إلا منذ شهرين. شهران. . هل كانا في الواقع شهرين منذ أن ذهب إلى لندن بسبب أعماله؟
لقد أدركت بالطبع بعد أن عادت أن هناك شيئاً ما على الرغم من أنه لم يشر إليه بأنة كلمة. وأنباتها غريزتها النسائية أنه لم تعد لها كلمة بعد الآن. لقد شاركتها الأخرى فيه. شاركتها فتاة، شابة، نضرة، حسناء، وولدت لها الصورة التي تخيلتها شعوراً من الفلق والفزع. لقد استبدل عمله بعمل آخر في لندن. وذهب ليعيش هناك. ولم تره منذ شهر، ولم تلتق الفتاة مطلقاً
ساندرا. . لقد كانت ذكية جداً كما حدثها. ولكن هذا لا يهمها في شئ. فإذا كنت تحب بكل جارحة في قلبك فإنك لا تفكر في ذكاء تلك التي جعلتك تفقد من أحببت. هل هي لطيفة حقاً؟ وهل ستحاول إسعاده كما حاولت هي من قبل؟
ساندرا. . . كان للاسم رنين خاص في أذنيها. إنك لا تستطيع أن تتصور أي فرد يحمل ذلك الاسم - وانجذبت عينا هيلين إلى فتاة دلفت إلى المقهى وجعلت تتطلع حولها في تردد - حسن لعلها تحمل مثل هذا الاسم
واستدارت الفتاة. كانت باهرة الحسن. ساخرة، في حياء يجذب القلوب. وتأملتها هيلين بلا شعور. ثم اتسعت عيناها في دهشة مباغتة عندما هب جورج واقفاً وأسرعت الفتاة صوب مائدتهما
واستمعت إلى صوت في ذهول وهو يقول (إذن فقد استطعت المجيء يا عزيزتي)
ثم التفت إليها وقد أشرفت الابتسامة على وجهه وقال (مفاجأة صغيرة. هذه ساندرا يا أماه. . . عروس الغد السعيدة!
محمد فتحي عبد الوهاب