مجلة الرسالة/العدد 95/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 95/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 95
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 29 - 04 - 1935



ملك الصحافة

توفي أخيراً قطب من أقطاب الصحافة هو أدولف اوكس صاحب جريدة (نيويورك تيمس) هي أعظم الصحف الأمريكية، وكانت حياة أوكس كقصة روائية، فقد بدأ الحياة بائع صحف متجول، ثم غدا بعزمه وذكائه ومثابرته اعظم صحفي في العالم الجديد وصاحب اعظم صحيفة فيه. وقد ولد أوكس في سنسناثي من أعمال أوهيو في سنة 1858؛ وبدأ حياته العملية في نوكسفيل يبيع الصحف ويدرس أعمالاً مطبعية وصحفية صغيرة، واستمر يعمل كصبي بائع في الطريق، وصبي في المطبعة حتى سنة 1877 وفي ذلك العام عمل صفافاً في مطبعة صحفية. ثم سمت به همته بسرعة، فاصدر في العام التالي جريدة اسمها (شاثانوجا تيمس) استمرت ملكه طول حياته، وتقدم أوكس بسرعة في الصحافة وتقدمت جريدته حتى غدت صحيفة إقليمية هامة تتمتع بقسط لا بأس به من النفوذ والتقدير. وفي سنة 1896، أثار أوكس دهشة العالم الصحفي بإقدامه على شراء جريدة (نيويورك تيمس) وكانت الصحيفة الكبرى قد توالت عليها الأزمات والصعاب حتى كادت تتوقف عن الصدور؛ واضطر أصحابها إلى عرضها للبيع، فتقدم أوكس لشرائها، ودفع جزءاً فقط من الثمن. وكانت الدوائر الصحفية تتوقع الفشل لأوكس، لأنه لم يعمل من قبل إلا في صحيفة محلية؛ ولكن أوكس أبدى في إحياء صحيفته الكبرى همة وكفايات مدهشة، فلم يمضي سوى قليل حتى عادت الصحيفة إلى سابق قوتها، واختار أوكس لها اللون المحافظ مع اعتدال في اللهجة، ومع التزام الجد والوقار، والرصانة، ومجانبة الصيغ والحملات المثيرة، وكان شعاره الذي يطبع إلى جانب العنوان في كل عدد (كل الأخبار صالحة للنشر)، وهو شعار مازالت تحمله الصحيفة، حتى اليوم، واستطاع أوكس من خلال أعوام قلائل أن يسدد جميع الثمن وأن يستأثر بامتلاك الصحيفة الكبرى. ومازال أوكس يعمل حتى غدت (النيويورك تيمس) أعظم صحيفة في العالم الجديد، سواء في حجمها، أو تحريرها ومادتها، أو تصويرها وطباعتها، وأصدر أوكس لصحيفته ملحقاً أسبوعياً (ملحق الأحد) غدا أعجوبة في الصحافة العالمية، حيث يصدر مصوراً في 180 صفحة كبيرة، وملحقاً به قسم خاص بالنقد الأدبي، والنيويورك تيمس أيضاً من اقدم الصحف الأمريكية؛ فقد بدأ صدورها سنة 1851 في مدينة نيويورك وكادت اكثر من مرة تختفي من الميدان، ولكن أوكس أسبغ عليها حياة جديدة، وهي الآن من أعظم صحف العالم، ولها اكبر مجموعة من المراسلين الخارجيين في سائر العواصم، وقلما تجاريها اية صحيفة كبرى في أنبائها أو موادها. ومع إن انتشارها لا يعدو نصف مليون نسخة في اليوم، فإنها تتمتع بأكبر نفوذ في عالم السياسة والفكر والمال

العلامة المكتشف سفين هيدين

عاد أخيراً من مجاهل الصين الوسطى والغربية الرحالة المكتشف والعلامة الباحث السويدي سفين هيدين إلى ستوكهلم مسقط رأسه، فاحتفلت به الهيئات العلمية احتفالاً شائقاً، وقدمت إليه الحكومة النمساوية على يد سفيرها في ستوكهلم وسام الشرف العلمي والفني، وهو أرفع وسام تمنحه النمسا الجديدة لرجال العلوم والفنون، ولا تمنح منه إلا لممثلي أربع وعشرين دولة فقط؛ وقد عاد سفين هيدين وهو يتحدث إلى الهيئات العلمية والصحف الكبرى عن رحلاته واكتشافاته الجغرافية والعلمية في المناطق والوهاد السحيقة التي تجول فيها مدى أعوام؛ وأذاع سفين هيدين أيضاً عن حوادث التركستان الصينية، وما وقع في عاصمتها كشغر من الثورات والانقلابات معلومات نفيسة، وقد كان هنالك وقت اضطرام المعارك الأهلية في تلك الأنحاء

وقد ولد سفين هيدين في ستوكهلم سنة 1865، ودرس فيها وفي برلين وأوبسالا، وشغف منذ حداثته بالأسفار، وتتلمذ للرحالة الألماني الشهير البارون فون رختهوهن، وقد بدأ رحلاته مذ كان طالباً بالسفر إلى العراق وفارس في سنة 1885، وفي سنة 1890 أرسلته الحكومة السويدية عضواً في السفارة التي أرسلها الملك أوسكار إلى شاه الفرس، وفي سنة 1891، اخترق خراسان والتركستان حتى كشغر، ويبدأ عمله كمكتشف أسيوي في سنة 1893، حيث بدأ في اختراق آسيا الصغرى من أورنبورج إلى بكين، وقد سافر عن طريق لوبنور وهضاب التبت، وأنفق في رحلته أربعة أعوام واكتشف خلال هذه الفترة آكام مستجاستا الثلجية، والجبال الواقعة حول منابع يرقند داريا، واكتشف أطلال مدينة بوذية قديمة في صحراء ثكلا ماكن، وفي سنة 1859 قام برحلته الأسيوية الثانية، وفيها سار في نهر تاريم حتى بحيرة لوبنور، واكتشف حول البحيرة آثار حضارة صينية قديمة، ثم اخترق التبت وحاول عبثاً أن يدخل مدينة لاسا، وهي مدينة (اللاما) المقدسة، وفي سنة 1926 قام برحلة ثالثة في آسيا، وقام برحلات أخرى في الهند والهملايا، وغيرها، وله مؤلفات كثيرة شائقة منها: رحلة إلى خرسان وتركستان - خلال آسيا - مخاطرات في التبت - نتائج علمية لرحلة في أواسط آسيا - من القطب إلى القطب - مع الجيوش الألمانية في الغرب - بغداد وبابيليون - التبت الجنوبية - حياتي كمكتشف، وغيرها

الرياضة والثقافة

كان من الآثار الاجتماعية التي أحدثتها الحرب انتشار الروح الرياضي بين الشباب بسرعة مدهشة، وكان الروح قبل الحرب محدود المدى، وكان كثير من الآباء يخشون على أبنائهم من أن يحملهم تيار الرياضة فيهملوا دروسهم ومدارسهم، وكان الاعتقاد الغالب هو أن الشباب الذين يشغفون بالرياضة هم أقل ذكاء واجتهاداً من أقرانهم؛ وفي غداة الحرب تطورت هذه الأفكار القديمة واكتسح الروح الرياضي مجتمع الشباب ذكوراً وإناثاً، وغمر شغف الرياضة فصول المدرسة والجامعة، وذاعت النظريات الرياضية الجديدة عندئذ، فقيل إن الجنس الأبيض مدين بتفوقه إلى الحركة والرياضة، وأنه ينشط متى تحرك؛ وأصفى ما تكون العقول عقب الركض أو الكرة أو الصعود أو السباحة أو غيرها من صنوف الرياضة. ولكن ناحية واحدة لم يوفق دعاة المدرسة الجديدة إلى تحقيقها، هي خلق الأدب الرياضي الثقافة الرياضية، فقط لوحظ إن أولئك الذين يشغفون بالرياضة قلما يقرأون، ولا يقرأون حتى كتب الرياضة ذاتها، فعقولهم وأذهانهم دائماً في معزل عن اجتناء متعة القراءة والرياضة العقلية، ولهذا لم يجد الأدب الرياضي سبيله حتى اليوم إلى دور النشر، وما زالت دور النشر تأباه وتعترض عليه، وتحرص ألا تتورط فيه، وهذه أول ظاهرة سيئة تلازم الحركة الرياضية

بيد أن هنالك ظاهرة أهم واخطر، هي اليوم موضع الجدل في فرنسا، وذلك أن الأساتذة والمفكرين قد اخذوا يتوجسون خفية من عواقب هذا التيار الرياضي الجارف، ويقول كثير منهم اليوم إن الانهماك في الألعاب الرياضية إلى هذه الحدود يخشى أن يسفر عن عواقب سيئة في تكوين النشئ، وأن يخرج للأمة شباباً من الذكور والاناث، يتمتعون بأجسام وهيئات حسنة؛ ولكن بعقول وأذهان ضيقة؛ لا يسهل فهمهم ولا يحتمل التفاهم معهم؛ يضيقون ذرعاً بالإيضاح والتروي؛ ويجنحون إلى الإيجاز والتحكم، وهذا ما يلاحظ اليوم على معظم الشباب الرياضي؛ وفي رأي هؤلاء إن الشباب الرياضي إنما هو عنصر منحط من الوجهة العقلية والثقافية؛ وإذا كانت الرياضة تبعث النشاط إلى العقل؛ فإن الانهماك فيها من جهة أخرى يحول دون ثقافة الذهن ومرونته؛ ولاسيما في هذا العصر الذي ضاقت فيه الأوقات؛ وحملت السرعة كل مجتمع؛ ولم تبقى أمام النشئ فرصة للارتواء من تلك المناهل الثقافية التي أتيحت لآبائهم. فهل تكون هذه الدعوة بدء انحلال في الحمى الرياضية التي تغمر المجتمع؟ هذا ما سيبدو لنا في المستقبل القريب

هبة فنية

من أنباء فينا إن أكاديمية الفنون الحية قد تلقت وصية من سيدة كبيرة، توصي فيها إليها بمجموعتها الفنية النفيسة. والسيدة المذكورة هي زوج المستشار السابق البرخت شميت، وكانت من أكابر الهواة، وقد جمعت في حياتها كثيراً من التحف الفنية النادرة، وفيها صورة أصلية من صنع تنتيرتو وهو من أعظم مصوري إيطاليا في القرن السادس عشر، ومنها آنية بديعة من المرمر تقدر بمئات الألوف، وتحف ثمينة أخرى.

الشاعر الفرنسي لوي مارساللو

لم يكن لوي مارساللو الشاعر الفرنسي الذي توفي أخيراً، شاعراً كبيراً فقط، ولكنه كان أيضاً صحفياً ذا أسلوب ساحر، وكان مؤلفاً مسرحياً تنال قطعه المسرحية في الكوميدي فرانسيز اعظم تقدير واستحسان. بيدا أن مارساللو اشتهر كشاعر قبل كل شيء. وقد ظهر له أول ديوان شعري، سنة 1886 وهو في الثانية والعشرين فقط بعنوان (القبلات الضائعة)؛ وهو بريتاني الأصل ولد في بريست سنة 1864، وقدم إلى باريس فتى، وانخرط في سلك جماعة أدبية كان فيها شارل كروس وماري كرسنسكا وجورج لوران؛ ولم يبقى منها حياً إلى اليوم سوى جان اجالبر. وقد ظهر في ديوانه الأول (القبلات الضائعة) مبلغ تأثره بمناظر وطنه الأصلي، وتقاليده وكبريائه الطبيعية. ثم كتب مارساللو بعد ذلك للمسرح فصادف فيه نجاحاً عظيماً. ومن قطعه المشهورة، (الملك المغرم) (شريط بسيشيه) وقد مثلتا مع غيرهما من قطعه في الكوميدي فرانسيز، و (قلبه الصغير) و (ملاهي باريس) التي كتبها مع جورج كورتلين أمير الفكاهة، و (شخص يعكر الحفلة) وغيرها وقد مثلت في مسارح باريس الكبرى، وكان مارساللو صحفياً ونقاداً بارعاً يعمل في بعض الصحف الباريسية، ولكن النزعة الشعرية كانت تغلب عليه دائماً.

معهد للدراسات السياسية

أنشئ في باريس معهد للدراسات السياسية الخارجية، واشترك في إنشائه جامعة باريس ومدرسة العلوم السياسية، ومكتبة الوثائق الدولية المعاصرة، وجماعة الدراسات الدبلوماسية، وقد زود هذا المعهد بمكتبة سياسية عظيمة تشمل نحو مائة وأربعين ألف مجلد في مختلف المسائل والشؤون الدبلوماسية، والوثائق والمعاهدات والمذكرات السياسية، وسينقسم المعهد إلى أقسام يلتحق بها الأخصائيون في كل ناحية من النواحي التي يعني بها سواءً كانوا من أساتذة الجامعات ام رجال السياسة، ام رجال الأعمال، أو الصحفيين السياسيين. واهم أعماله الثقافية تنحصر في تنظيم محاضرات ودراسات سياسية عالية: وقد افتتح المعهد دورته الحالية بإلقاء محاضرة موضوعها (نهوض العالم العربي وأثره في أفريقية الشمالية) ألقاها الكابتن مونتاني مدير المعهد الفرنسي بدمشق، تحت رياسة الأستاذ شارليتي مدير جامعة باريس، واشترك في مناقشة الموضوع جمع من أعلام الأساتذة والساسة

والظاهر إن غاية هذا المعهد ترمي قبل كل شيء إلى خدمة السياسة الفرنسية وتوجيهها إلى ما يحقق مصالح فرنسا الخارجية والاستعمارية، وذلك بدرسها على ضوء التطورات السياسية الدولية