مجلة الرسالة/العدد 947/ألمانيا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

4 - ألمانيا مجلة الرسالة/العدد 947/ألمانيا للأستاذ أبو الفتوح عطيفة مستقبل ألمانيا: يتساءل الناس في أيامنا هذه: أقضي حقا على ألمانيا نهائيا؟ ألا تعود إلى سابق قوتها وعظمتها؟ وهل نسي الألمان عن مصيرهم الأخير؟ والجواب عن هذه الأسئلة واضح كل الوضوح، فلن تستطيع أية قوة على وجه الأرض أن تمحو أمة ناهضة. صحيح قد تغلب الأمة على أمرها حينا من الزمن ولكنها لا تلبث أن تسترد نهضتها وأن تعيد مجدها وعظمتها. ولم ينس الألمان هتلر ولن ينسوه لأنه في نظرهم بطل ضحى بحياته من أجل ألمانيا ورفاهيتها والدليل على صدق ما أقول أن إحدى الصحف نشرت أخيرا صورة رائعة لمدينة برنسويك بألمانيا وهي تستقبل الجنرال رامك قائد فرقة جنود المظلات الألمانية التي هاجمت كريت واستولت عليها إبان الحرب العالمية الأخيرة. وقد حضر هذا الاستقبال الذي أقيم لمناسبة خروج الجنرال من السجن ما يزيد على خمسة آلاف من الجنود النازيين السابقين الذين عملوا في هذه الفرقة. ومما قاله الجنرال رامك أثناء الاجتماع (انه لا يمكن الاعتماد على ألمانيا في المساهمة في الدفاع عن غرب أوربا ما لم تطلق بريطانيا وأمريكا وفرنسا سراح من سمتهم مجرمي الحرب). وقد حمل الجنود القائد على أكتافهم ووضع على حائط السرادق الشعار القديم للفرقة وأكثر من هذا أن أعداء ألمانيا بالأمس ما عدا روسيا وفرنسا يعملون على إعادة قوتها إليها؛ لا حباً في ألمانيا وسيادتها ولكن لأنها القوة الوحيدة التي تستطيع الوقوف في وجه العدوان الروسي. أما فرنسا فإنها تعارض في عودة وحدة ألمانيا لما ذاقته على يدها من ألوان المحن والهوان وقد زار المستر موريسون وزير خارجية بريطانيا منذ شهور ألمانيا الغربية وتحدث مع رئيس الجمهورية الألمانية الغربية عن اشتراك ألمانيا في الدفاع عن غرب أوربا، فكان رد الرئيس (إن ألمانيا لا تستطيع أن تتعاون مع محتليها، فإذا أردتم أن نتعاون فعليكم بالجلاء عن أراضينا). وتعمل بريطانيا فعلاً على إنهاء الاحتلال لغرب ألمانيا، أما روسيا فتعارض في الجلاء عن البلاد التي تحتلها وذلك لأنها تعلم ما يبيت لها الحلفاء وجدير بنا أن نبحث عن أسباب هزيمة ألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. أكان ذلك لضعف ألمانيا أم لنقص في شجاعة جنودها؟ الواقع أن قوة ألمانيا كانت عظيمة وكان استعدادها هائلاً، وخططها مرسومة منظمة، ومن ثم نجح الألمان في السيطرة على غرب أوربا بسرعة عجيبة أفزعت الناس أجمعين. وما زال الناس يذكرون كيف استولت ألمانيا على الدانمرك والنرويج من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب في ليلة واحدة. الواقع أن السر في هذا النجاح راجع إلى دقة الخطط الألمانية وحسن تنظيم قواتها إذن فما سبب هزيمة ألمانيا؟ يرجع سبب هزيمة ألمانيا إلى عاملين: أولاً غدر روسيا بها، فقد عقدت روسيا ميثاق عدم اعتداء بينها وبين ألمانيا قبيل قيام الحرب الأخيرة 1939، فلما اطمأنت ألمانيا على حدودها الشرقية دخلت الحرب ولاقت قواتها نجاحاً رائعاً لم يشهد له التاريخ مثيلاً. لقد خطب هتلر في القوات الألمانية قائلا (أنتم تقررون مصير ألمانيا مدى ألف عام) واندفعت القوات الألمانية فاستولت على هولندا وبلجيكا وفرنسا في مدى شهر من الزمان أو أقل؛ ثم استولت على الدنمرك والنرويج في ليلة واحدة؛ ثم ولت وجهها شطر الجنوب الشرقي للقارة، فاستولت على البلقان وهنا غير الدب الروسي سياسته، وطلب من ألمانيا أن تعطيه ميناء على البحر الأبيض، ولكن هتلر رفض فوقعت الحرب بين روسيا وألمانيا سنة 1942 مما كان له أكبر الأثر في تغيير مجرى الحرب ثانيا: دهاء بريطانيا وساستها ومقدرتهم العجيبة على الكذب والنفاق والغدر، مما لا ترى له مثيلاً في التاريخ، وسعة حياتهم فبريطانيا إذا وقعت في خطر جعلت من قضيتها قضية العالم أجمع، واجتهدت في أن تكسب الحلفاء والأنصار للدفاع عن قضيتها. ألسنا نذكر جميعا بكاء الثعلب الماكر تشر شل؟ أنه كان يدعي أنه يبكي على حرية العالم التي يحاول الألمان القضاء عليها. والتفت الأمم حول بريطانيا لأنها رأت في انتصار بريطانيا وحلفائها انتصاراً للحرية. وانتهت الحرب وإذا بتشرشل العجوز يتنكر لماضيه ويطعن الحرية التي كان يبكي عليها طعنة نجلاء. ألسنا نذكر جميعا كيف كان يشيد بالخدمات التي قدمتها مصر لقضية الحلفاء! وكيف كان يذكر أن وقوف مصر بجانب الحلفاء كان من أهم العوامل في انتصارها. فلما انتهت الحرب تنكر لمصر ومن ثم نراه في كل جلسة من جلسات مجلس العموم البريطاني يلوم وزير خارجية بريطانيا على تساهله مع مصر ويطلب إليه عدم إمداد مصر بالأسلحة، وتدفع مصر ثمن الأسلحة ولكن لا ترد إلى مصر ولا يرد الثمن. فإن أعطيت مصر أسلحة فإن هذه الأسلحة تكون إما تالفة أو غير صالحة بتاتاً. وهكذا يكون وفاء الإنكليز بالعهد. لقد حار الناس في فهم حقيقة الخلق البريطاني! انهم الأفعى التي تلدغ الشعوب جميعاً. لقد كسبت بريطانيا الحرب بالعتاد الأمريكي وبالدم الروسي وبدماء الشعوب الأخرى، أما هم فكانوا أقل الشعوب تضحية ومع ذلك فازوا بنصيب الأسد من ثمرات النصر ومثال آخر من أمثلة الغدر البريطاني. في سنة 1914 قامت الحرب العالمية الأولى وعمدت إنكلترا إلى إثارة العرب ضد تركيا التي كانت قد انحازت إلى جانب ألمانيا على أساس أن تعطى الشعوب العربية حريتها واستقلالها بعد انتهاء الحرب، ووفت الشعوب بما عاهدت وانتصرت إنجلترا والحلفاء، ومع هذا ماذا كان جزاء العرب؟! احتلت إنجلترا فلسطين والعراق ومصر. واحتلت فرنسا سوريا ولبنان، ثم كان من نتائج هذا الوفاء بالعهد والغدر من جانب إنكلترا قيام دولة إسرائيل وطرد العرب الآمنين حلفاء الإنكليز من ديارهم وبلادهم!! ولعلك تسألني ما سر العداء بين بريطانيا وألمانيا؟ وأنا أجيبك بأن ألمانيا بعد أن كونت وحدتها ونهضت صناعتها أرادت أن تكون لها مستعمرات وأساطيل بحرية تجارية وحربية، ومن ثم بدأ الصراع بين إنجلترا التي تريد احتكار الأسواق العالمية وبين ألمانيا التي تريد أن تكون التجارة العالمية حرة حتى تأخذ ألمانيا نصيبها من تجارة العالم، وكان من نتائج هذا الصراع قيام الحربين الأولى والثانية، وهزيمة ألمانية أما بعد: فان ألمانيا أمة قوية ودولة فنية وشعب ناهض وقطر غني ومواردها المعدنية والزراعية عظيمة، والعقل الألماني من غير شك من أرقى العقليات العالمية. ونحن جميعا ما زلنا نتمتع بثمار هذا العقل. والصناعات الألمانية تمتاز بجودتها ورخصها. بل أكثر من هذا أن أرض ألمانيا غير صالحة للزراعة ولكن العقل الألماني قد استطاع أن يحيل هذه الأرض الجدبة إلى أرض زراعية خصبة وافرة الإنتاج ومن ثم فإن ألمانيا لن تلبث طويلا حتى تسترد مجدها وتستعيد قوتها وأما بريطانيا فقد انكشفت ألاعيبها وحيلها وشاخت إمبراطوريتها، ولن يلدغ العالم من جحرها مرتين، وقد تنبهت الشعوب تماما ووقفت جميعا تناضل في سبيل حريتها نضال المستميت، ولن يجدي بريطانيا ما أقامته من هيئة أمم متحدة تعمل في الخيال لمصلحة الشعوب والأمم ولكنها في الحقيقة تخدم المصالح البريطانية ولعل من الخير لبريطانيا أن تعدل عن سياستها القديمة وأن تحترم حرية الشعوب وإرادتها، فإن ذلك فقط هو الكفيل بتحقيق السلام العالمي أبو الفتوح عطيفة