مجلة الرسالة/العدد 940/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 940/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 07 - 1951



حول تحريم الأغاني الخليعة:

قد قررت أخيراً إدارة المطبوعات تحريم عشرين أغنية سواء في الإذاعة أو الصلات أو الحفلات العامة أو الخاصة - وتلك همة مشكورة تحمد عليها - ولكن أين الأغاني الباقية المبتذلة وهي تستحق أن يسري عليها هذا التحريم!

ويعلم الله أن قد آلمنا - ونحن أمة شعارها الإسلام - أن تركنا - إلى الآن - هذه الأغاني الماجنة التي سرت وانتشرت هذا الانتشار في المدن والقرى حتى طغت على كل شيء في حياتنا وألبستها غير لباسها الذي كان الطهر والعفاف والقداسة!

ومالي أذهب بعيدا؟ فها هي ذاكرتنا بقايا أغاني الماضي التي كانت تمثل الحياء بصورة فاتنة أخاذة تبين مزاياه وتشير من طرف خفي إلى ما يدور في خلد الفتيان والفتيات من آمال وآلام!

أما أغانينا المستحدثة الهزيلة فإني لا أتصورها إلا حربا على الأخلاق والعادات، بل أني لأستحي أن أشير إلى طرف منها لما فيها من جارح القول وفاحش اللفظ. وأكبر الظن أن هذا النوع من الغناء هو العامل الأكبر في تنحي القليل من فتياتنا عن جادة الصواب وتخبطهن في مهاوي الرذيلة.

ولا يخفى على الجميع أن الغناء الفاحش هو أشد على الأخلاق من التهتك المكشوف، إذ أنه وسيلة عملية للإباحة لكثرة ترديده على ألسن الشبان والشابات من آن لآخر.

فإلى أن تظهر تلك الأغاني التي نريدها وهي التي تمثل الحياة المصرية في منها وقراه بأسلوب سهل محبوب، ويهدي إلى الأخلاق العالية، ويمجد الوطن والعروبة، وينشر بأريجه حياة الطهر والعفاف، ويحض على المثل العليا في الحياة، ويمثل في ثناياه أمراضنا الاجتماعية بصورة مزرعة حقيرة وينفر منها الطبع السليم والخلق الكامل والتربية الصالحة.

أقول ثانيا إلى أن تظهر تلك الأغاني، نريد تحريما باتاً لكل الأغاني التي يشم منها رائحة الخلاعة والمجون، لنحمي أنفسنا وذرياتنا من هذا العبث المهين.

شطانوف محمد منصور خضر

سلطان السليط

السلاطة (هبة) يباهي بها طوال الأسنة، في زمن معوج لطم الباطل وجه الحق غير متهيب ولا خزيا!

والسليط مسف مستخف، لا يبالي سوى نوعه، ولكل شيء آفة كم جنسه، فهو فانك لهج على الوادعين المسالمين، ومنزو منطو أمام المسلطين المؤذن، لا يعرف قدر اللئيم غير اللئيم!

والسليط يعلق بلسانه الإسفاف، ويلعق الهذر في نهم الذئب1

ومن العجب أن المجتمع يغريه على استدامة سلاطته بالمقاربة والمدراة والتخوف؛ فيكبر وهمه في رأسه حتى يغالي في نزواته وغلوائه!

وإن هذا السلطان الذي صنعه بخشونة طبعه، وخسة حسه، واتضاع نفسه، وضآلة شخصه، يجب أن يحطم على رأسه.

وإن المسالمة في جانب المخاشنة ضعف، والمراوغة مع الوضيع غفلة!

يجب أن نحرر شعورنا ونطلقه من محبس الاستحياء، ما دام الزمن لا يعرف سوى العنف في منطق المؤاخذة.

والحياة سجل يحفل بتلك الصور القاتمة التي تظلم جوانبها المضيئة فتدعونا إلى السأم، والضجر، والمضايقة، ونحن الذين نجلب إلى أنفسنا هذه المعاني بعدم مطاردة الجبناء!

حدثني رجل فاضل قال: كنت أجالس جلة المجالسين؛ فيغشى مجلسنا معتوه أعمى الجنسان، مستطيل اللسان، أغراه تسمعي إليه، وترفقي به، إلى تزييف كل قول في جرأة وقحة، والجلساء يخشون سلاطته، ويحاولون مجاراته. ولما برم شعوري به اعتزمت أمرا، وجعلت على يميني العصا التي تطوي لسان هذا الرعديد. ولقد عاود سخفه فزجرته حتى انكمش وتكور ونظر إلى عصاي نظرة الترفق، ثم طواه أفق الخزي ولم يعد إلى المضايقة! قلت: إن سلطان السليط مصنوع من الطيبة المرادفة للغفلة!

بور سعيد: أحمد عبد اللطيف بدر

حول رسالة الأزهر:

كنت أطالع، ما كتبه الأستاذان - سيد قطب - وشاهين - عن الأزهر وكأنه فزعة تنطلق من كياننا الثقافي والروحي لإيقاظ الأزهر وشارة الأضواء حول موقفه الغامض ومستقبله المريب. ولكن كيف يتسنى للأزهر - ما دام يحبس نفسه داخل جدران العصور الوسطى ولا يسمح لنور العصر الحديث أن يملأ آفاقه - أن تكون له رسالة إنشائية إبداعية في الميدان الديني وهو في عزلة عن تلك الدراسات التي تعوم حول رسالة الدين الاجتماعية، والتي تبلورت في علم الاجتماع الديني وعلم مقارنة الأديان. وقد أخذت دراسة الظواهر الدينية في عصرنا تحتمل مكانا هاما جدا بين مجموعة العلوم الاجتماعية. ولا شك أن الأزهر في أشد الحاجة إلى هذا النوع من البحوث، إذ ليس من الممكن أن تزدهر الدراسات الإسلامية ودراسات التوحيد بصفة خاصة دون هذا العلم. والأزهر يحرص على دراسة اللغة والأدب وشيد لهذه الغاية كلية، فهل حرص الأزهر على كيانها فطعمها بالدراسات الأدبية واللغوية التي تنهض بها الكليات التي تعنى بدراسة اللغة والأدب. والتي تقع على بضع خطوات منها - هي لا تعرف قيم لدراسة اللغة إلا للجانب الذي يتعلق بالإعراب؛ ولهذا كان - الأشموني وحاشية الصبان - يتمتعان بقسط وافر من العناية والجهد. ولكن هل عرفت - الكلية - أن هناك أبحاثا تدور حول اللغة ليست ناحية الإعراب أخصب منها ولا أجدى؛ منها الجانب الاجتماعي والجانب المنطقي والجانب النفسي والتطور اللغوي. الخ، فهل استحقت هذه الدراسات نظرة ولو خاطفة من واضح المنهج لكلية تدرس اللغة؟ وتدرس الكلية ما يقال له الدراسات الأدبية، فهل عرف الأزهر أن الدراسات الأدبية تطورت عظيما وأن هناك ما يقال له - علم النفس الأدبي - الذي أصبح ضرورة في فهم الأدباء وتأريخهم. فالدب حينما يحس ويتأثر فيجد الحاجة إلى التعبير، والناقد أو القارئ الأديب حينما يتفهم هذا التعبير والإحساس ويتذوقه ليقدره لا يستطيع أحدهما أن يقيم عمله إلا على أساس ثابت من معرفة النفس الإنسانية وحياتها الفنية، وذلك هو ميدان علم النفس الأدبي - فيجب أن نقيم دراستنا الأدبية على الفهم النفسي لكل نص أدبي، وإلا فإنا بدون هذا الفهم النفسي لن ندرك الدب إدراكا حقيقيا ولن نتذوقه، وسيكون حكمنا عليه قاصرا خاطئا. . .

وتدرس الكلية البلاغة في كتب أبعد ما تكون عن تكوين الذوق البلاغي. فهل تعرف كيف تدرس البلاغة في الكليات التي تدرس البلاغة؟ الدراسة المثمرة هي أن تسبق أولا بمقدمة نفسية تنظيم دراسة القوى الإنسانية عامة وصلتها بالحياة الفنية والناط الوجداني وعلاقته بمظاهر الشعور الأخرى في عمله الفني ودرس الخيال والذاكرة والإحساس والذوق ومعرفة أمهات الخوالج النفسية من حب وبغض وحزن وفرح وغضب وغيرة وانتقام وما إلى ذلك مما هو منبع المعاني الأدبية الكبرى في الآداب الإنسانية على اختلافها. . . وعلى صاحب الفن المنتج وناقدا أن يعرف آخر ما وصل إليه البحث النفسي. وقد أصبح التقسيم للبلاغة إلى معاني. وبيان. وبديع. غير ذات موضوع في البحث البلاغي. . وصارت البلاغة تدرس على أنها وعدة متصلة تبدأ من البسيط إلى ما يليه. تبدأ من الكلمة المفردة فالجملة والفقرة فالقطعة الأدبية وهكذا يقوم المنهج الفني البلاغي على أصول وأسس نفسية قبل كل شيء -

أين الأزهر - يا صديقي - من هذه الأبحاث التي تملأ شعاب المعاهد والكليات التي تشعر أن لها رسالة إنشائية إبداعية. .

فهل تنفذ هذه الصيحات إلى حيث نأمل؟ هذا ما نرجو أن يكون.

محمد عبد الحليم أبو زيد