مجلة الرسالة/العدد 94/قصة المكروب
مجلة الرسالة/العدد 94/قصة المكروب
كيف كشفه رجاله
ترجمة الدكتور أحمد زكي وكيل كلية العلوم
بستور
صلة حديثة
وصل الفائت: ترك باستور مدبغة أبيه وذهب إلى باريس. فتلقى على الكيميائي العظيم (دوماس). وبعدئذ أتم أبحاثه في حامض الدردى. وبينما هو كذلك أكتشف (كنيارد دي لاتور) أن الخمائر بالبيرة المختمرة تتكاثر فتحيل الشعير بذلك إلى كحول. وتعين بستور أستاذا بجامعة (ليل) وتزوج ابنة عميدها فسهرت إلى جانبه. وأجرى كثيرا من التجارب الجامحة واخفق فيها.
وتعين (بستور) عميدا لكلية العلوم بجامعة (ليل) فسكن واستقر في (شارع الأزهار. وهنا اتصل عفوا ولأول مرة بالمكروبات. وفي هذه المدينة الأصيلة، مدينة المقطرين للخمور، مدينة زراع البنجر وتجار الآلات الزراعية، قام (بستور) بحملة قوية، بعضها علمي، وبعضها قصصي روائي، وبعضها ديني، وبعضها سياسي، ليضع المكروب في موضعه اللائق من اهتمام الناس ورعايتهم. نعم في هذه المدينة ذات الخطر اليسير والجمال القليل، في هذه المدينة التي لم تشتهر قط بالعلم، أثار بستور زوبعة هائلة نالت سفائن العلم فظلت تؤرجحها ثلاثين عاما. أبان بستور للدنيا خطر المكروب فأوجست منه خيفة، وخلق لنفسه في سبيل ذلك أعداء ألداء، وخلق لها أحبابا خلصاء، وملأ أسمه صفحات الجرائد الأولى. وطلبه خصوم للمبارزة. وضحك الجمهور بادئ بدء من مكروباته الغالية، وقصف بالنكات عليها، بينما كانت كشوفه تنجي حياة العديد من النفساء. واختصارا في هذه المدينة المتواضعة، ومن فوق أرضها شال الشولة الأولى إلى فردوس الخالدين
جاء بستور إلى مدينة (استراسبورج) فحاورته الحقائق فيها واختلطت عليه، ثم جاء إلى مدينة (ليل) فجاءه المجد يسعى، وذلك بإسدائه المعونة إلى. . . خمار!
جاء إلى (ليل) فقال له الرجال ذو المال، وأرباب النفوذ من ذوي الأعمال: (إن العلم جمي في أرستقراطيته، ولكن الذي نريده، والذي تريده المدينة الناهضة، هو التعاون بين علمك وصناعتنا. نريد أ، نعلم هل يزيد العلم في مكاسبنا. زد يا هذا في الحقل مقدار السكر في بنجرنا، وزد في المصنع مقدار الكحول المتقطر من سكرنا، ندر عليك الخيرات، ونتولى معاملك بالرعايات)
سمع بستور ما سمع في أدب واحتشام، ثم أخذ يريهم كيف يستجيب العلم إذا دعاه الداعي. فإنه لم يكن رجل علم فحسب، بل كان رجلا خبيرا بأمور دنياه وسنن العيش فيها. تصور جماعة من أرباب الأعمال يأنون (نيوتن) فيسألونه ماذا تستفيد مصانعهم من قوانين حركته، إذن لرفع يديه إلى السماء واستعاذ منهم بالله، ولذهب من بعد ذلك إلى إنجيله يقرأ كتاب دنيال ويدرس ما فيه من نبوءات. ولو أنهم جاءوا فراداي إذن لآثر صناعته الأولى، وعاد إلى تجليد الكتب وحزم الأوراق. ولكن بستور كان من أبناء القرن التاسع عشر، يعرف حق المعرفة أن العلم لا بد أن يكسب خبز يومه إذا أراد الحياة. لذلك بدأ يحاضر أهل االبلد فيه، ويدبر لهم المحاضرات الشيقة ليخطب ودهم ويكسب عطفهم
وفي ذات مساء كان يخطب في جمع من أرباب المصانع وأزواجهم، فصاح فيهم: (من من أبنائكم لا ينهض للعلم توا، من من أولادكم لا يتحرق للعلم تحرقا، إذا أنا وضعت في يده بطاطة، وقلت له: إنك تستطيع أن تخرج من هذه البطاطة سكرا، وتستطيع أن تخرج من هذا السكر كحولا، وتستطيع أن تخرج من هذا الكحول خلا وأثيرا؟). ومضت على هذا أيام، فجاءه أحد الذين حضروا وخطابه، وكان رجلا يدعى (بيجو)، وكانت صناعته تقطير الكحول من سكر البنجر المختمر؛ جاء يتوسل للأستاذ: (سيدي، أنا في حرج من صناعتي، فاحتمار البنجر لا يتم على وجهه، وخسارتي تبلغ ألوف الفرنكات في اليوم، فبودي لو جئت مصنعي، ونظرت في معونتي، فأنقذتني من خبلتي)
وكان ابن (بيجو) طالبا في قسم العلوم بالكلية، فأسرع (بستور) إلى معونة أبيه. فذهب إلى مصنع التقطير، وأخذ يتشمم في الحواض المريضة، تلك الأحواض التي تأبى أن تخرج من البنجر كحولا؛ وانكب عليها، واغترف منها، فكان شيئا مختلطا أدكن هلاميا، فوضعه في قارورات وحمله إلى معمله. ولم يفته أن يغترف كذلك من لبابة البنجر من الأحواض الصحيحة السليمة المختمرة الراغية بما تنتج من كحول كثير. ولم يكن يدري كيف يختمر السكر فيستحيل كحولا، ولم يكن في الدنيا كلها كيمياوي يعرف عن ذلك شيئا. عاد إلى معمله، وأخذ يحك رأسه وهو يفكر، ثم استقر رأيه على أن يمتحن ما اغترفه من الأحواض السليمة أولا، فوضع قطرة منه تحت مجهره، ولعله كان يحسب أنه سيرى بلورات كتلك التي طال تحديقه أليها زمانا مضى، ولكنه وجد هذه القطرة مليئة بكريات أصغر كثيرا من أية بلورة رآها. وكانت هذه الكريات صفراء، وازدحم جوفها بجسيمات كثيرة ترقص كأنما عن طرب، وتمتم لنفسه: (ليت شعري ما هذه الكريات!)
وأسعفته الذاكرة فصاح ثانية لنفسه: (يا للنسيان! بالطبع هي الخمائر التي تجدها دائما في كل محلول به سكر يختمر ليصير كحولا) وأعاد النظر فأبصر هذه الكريات فرادى، وأبصر طائفة أخرى منها متعنقدة، وأبصر أخرى متقاطرة. ثم حدق فدهش لرؤية بعضها قد تنبتت جوانبه كما تنبت البذور الصغيرة، فقال: (لقد صدق كنيارد، فهذه الخمائر حية. ولا بد أنها هي التي تصير السكر كحولا. ولكن ما فائدة بيجو من هذا! وما الذي أصاب الأحواض المريضة فتعطلت؟) واختطف القارورة التي بها ما كان اغترفه من حوض مريض، وحدق فيه بمنظار مكبر، وشمه، وذاقه، وغمس فيه ورقة زرقاء فاحمرت. . . ثم وضع قطرة منه تحت مكرسكوبه ونظر فيها
(عجبا! أين ذهبت الخمائر، فليس في هذه القطرة منها شيء؟ ما هذا؟ ما معناه؟)
وتناول القارورة مرة أخرى، وأخذ ينظر ويفكر، ولا ترى عينه فيها جديدا. وبينا هو يركب في التعليل الخيال، ويسوم ذهنه طلب المحال، إذا بالسائل في القارورة يتراءى له في صورة جديدة تبعث فيه أملا جديدا. (ماذا أرى؟ بقعا صغيرة دكناء لاصقة بجدار القارورة. وهذه بقع أخرى مثلها تطفو على سطح سائلها المريض - إذن صبرا!. . . لا. إنها لا توجد في القارورة ذات السائل الصحيح حيث الخمائر والكحول) ثم غاص في القارورة المريضة، وبشيء من العناء استطاع أن يخرج شيئا من تلك البقع فوضعها في ماء نقي، ثم علاه بمجهره هذا يوم (بستور) جاء أخيرا!
لم يجد في هذا السائل كريات الخمائر. لا، ولكنه وجد شيئا جديدا، لم يره من قبل، أحياء صغيرة كثيرة شديدة الزحام، شكلها كالعصي، بعضها قائم وحده، وبعضها متقاطر كالأبل، وكلها يرقص في ارتعاد غريب لا هدأة له. كانت الخمائر في عينه صغيرة فجاءت هذه تصاغرها فتصغرها كثيرا، فلم يعد طولها جزءا من ألف من المليمتر
وفي هذه الليلة أرق (بستور) طويلا، وتقلب في مضجعه طويلا. وفي الصباح كنت تراه يجرجر ساقيه الغليظتين القصيرتين إلى مصنع (بيجو)، وبنظارته المنحرفة على بصره القصير، مال على حافة حوض مريض لم يكن أتاه من قبل، وجرف من قاعه بعض الذي فيه. ثم مال على أحواض مريضة غيره. ونسي (بيجو)، ونسي أنه إنما بدأ هذا العمل لمعونة (بيجو). اختفى (بيجو) من فكره، واختفى كل شيء في الوجود إلا نفسه الشمامة البحاثة، وإلا تلك العصي الراقصة الغريبة التي وجد الآلاف المؤلفة منها في تلك البقع الكدماء الصغيرة. . .
ولما جاء الليل أخذت زوجه تنتظره لينام، فلما يأست ذهبت إلى الفراش وحدها، وتركته ينصب الجهاز تلو الجهاز حتى ازدحم معمله بها. ووجد أن جميع السوائل بالأحواض المريضة تحتوي حامضا عرف أنه حامض اللبن، وأنه ليس بها كحول. ولم يلبث أن خطر له خاطر غمر فكره كله، وملأ رأسه أجمع: (إن هذه العصي بالسوائل المرضة حية، وهي هي التي تصنع حامض اللبن؛ وهي ربما تشتجر مع الخمائر في قتال شديد فتقضي عليها فلا تنتج كحولا. إن هذه العصي تصنع حامض اللبن كما تصنع هذه الخمائر الكحول). وهرول إلى السلم، فصعد إلى مدام (بستور) يخبرها بالذي وجد - مدام (بستور) التي لم تعرف من التخمر والخمائر شيئا، مدام (بستور) التي لم تفهم من علمه إلا قليلا، إلا أنها فهمت نفسه المتحمسة وروحه الوثابة، فأعانته بعطفها وحبها كثيرا
بالطبع لم يكن الذي ارتآه إلا ظنا، ولكن قام في نفسه شيء يوسوس له أن هذا الظن حق لامرية فيه. لقد تظنن (بستور) مئات المرات فيما وقع عليه بصره القصير من مئات الظواهر في الطبيعة التي حوله. وكانت ظنونا خاطئة. ولكنه إذ وقع هذه المرة على ظن صادق، إذ خال أنه أصاب تفسيرا لظاهرة التخمر التي أشكلت على القرون من قبله، أخذ يمتحن هذا الظن، ويفحص هذا الخال، ويقلبه، ويداوره، ويتقرى الحقيقة فيه حتى وصل إلى كنهها
وبينما ازدحمت في رأسه الخطط الكثيرة لتقري كنه هذه الحقيقة لم يفته أن يعين أرباب العمل على مصاعبهم، ولا أهل الحكم إذا دهوه إلى نصيحة، ولا المزارعين إذا جاءوه، ولا الطلبة إذا طلبوه. وحول جزءا من معمله لاختبار الأسمدة الكثيرة التي تأتيه. وهرع إلى باريس يدبر لانتخابه عضوا في أكاديمية العلوم فما أفلح. ورحل بتلاميذه إلى معامل الجعة في (فالنسين9 وإلى مسابك الحديد في بلجيكا. وفيما هو في هذا، تراءى له يوما أنه اهتدى إلى الطريقة السوية التي يثبت بها أن هذه العصى القصيرة تحيا حياة الخلائق، وأنها على صغرها، وعلى قصرها، وعلى حقارتها، تفعل فعل العمالقة - تفعل ما لا يستطيعه العمالقة: تحيل السكر إلى حامض اللبن
حدث (بستور9 نفسه قال: (لا يمكنني أن أدرس هذه العصي في عصير البنجر المسكر وفيه ما فيه من أخلاط عدة. لا بد لي من عصير رائق أتتبع فيه ما تصنع هذه العصي. لا بد لي من ابتداع مرق صاف به غذاء طيب خاص لها، أضعها فيه، ثم أرقبها لأرى هل تتكاثر، هل تتوالد، هل أجد في هذا المرق بعد حين مكان العصا الواحدة عصيا راقصة كثيرة؟)
ووضع شيئا من تلك البقع الكدماء التي كانت بالحياض المريضة في محلول من سكر نقي، فوجد أن العصي لا تتكاثر فيها، فقال: (إنها تريد غذاء أمرا من هذا). فجرب بطلب الغذاء المريء فخاب. ثم جرب وخاب. وأخيرا صنع لها مرقا غريبا بأن أخذ شيئا من خميرة جافة، فأغلاه بالماء ثم صفاه، وأخذ مرقه الرائق فأضاف له شيئا من كربونات الكلسيوم ليضيع ما قد يحدث فيه من حموضة. وأتى بإبرة فغمسها بالبقع الدكناء بالحياض المريضة، وحمل ما علق بطرفها الرفيع من العصي الصغيرة إلى مرقه ودافها فيه. ثم وضعه في قارورة وضعها في فرن دافئ للتفريخ ذي درجة حرارة ثابتة، وأخذ ينتظر في قلق واضطراب. أن لعنة هذا البحث، بحث المكروب، يجدها الباحث دائما في هذه الخيبات المتوالية الكثيرة التي تعوق النجاح طويلا
وذهب فأمضى رجعات، وألقى محاضرات، وعاد إلى قارورته ينظر إليها وهي في مدفئها. ومضى مرة أخرى فألفى فلا حين جاءوا يستنصحونه في محاصيلهم وأسمدتهم فنصحهم بالذي ارتآه. وجاءت أوقات الطعام فابتلع منه ابتلاعا ولم يع مما أكل شيئا. وعاد فنظر إلى قارورته واصطبر. وذهب إلى سريره جاهلا بالذي يجري في تلك القارورة، وليس من اليسير النوم في مثل هذه الجهالة. . .
وجاء الصباح ولم يظهر على مرق القارورة تغير. وجاء الظهر، ومضى أكثر النهار، فأحس رجليه تثقلان من الخيبة مرة أخرى. وجاء المساء وتمتم لنفسه: (يظهر أن كل تلك المحاليل الرائقة لن تأذن لهذه العصي اللعينة بالتزايد فيها. ومع هذا فلأنظر مرة أخرى. . .!)
وكان في معمله مصباح واحد من الغاز يضيئه، وقع بين الأجهزة الكثيرة فألقى على الحائط خيالات كبيرة مروعة. فإلى هذا المصباح رفع بستور قارورته، ثم همس يقول: (لا شك أن شيئا تغير في هذا المحلول، فإني أرى فقاعات صغيرة من غاز تصعد متقاطرة متحاذية من تلك الجسيمات الدكناء التي لقحت المحلول بها. وقد زاد مقدار هذه الجسيمات عما كان بالأمس، وكلها تخرج منه هذه الفقاعات). وعندئذ أغمض بستور عينيه. وبقى في غيبوبة عند محضنه الصغير. ومضت ساعات تلو ساعات ولعله لم يحس بها. ورفع قارورته برفق وحنان، وحركها في الضوء بلطف وئيد، فصعد من قاعها من شيء كالغمام الاقتم دار صاعدا كاللولب، وخرج منه غاز كثير. والآن فإلى المجهر. . .
قطرة قطرة من السائل تحت مكروسكوبه. يا لشياطين الأرض وملائكة السماء! إنها مليئة تعج بالملايين من تلك العصي الراقصة. وهمس لنفسه في لهفة: (إنها تتكاثر! إنها حية!). ثم صاح يجيب زوجه: (نعم، نعم، سأصعد بعد قليل). وكانت تدعوه من عل إلى لقمة، وكانت تدعوه إلى نومه. ومضت ساعات وهو باق تحت معمله
وفي الأيام التي تلت أعاد بستور التجربة، فوضع قطرة تزخر بتلك العصي في قارورة جديدة بها مرق من مرق الخمير رائق جديد ليس به عصا واحدة، وفي كل مرة امتلأ المرق بالبلايين من تلك العصي، وفي كل مرة تكون حامض اللبن فيه. ثم صرخ (بستور) بأعلى صوته يخبر الدنيا، فلم يكن بالرجل الصبور. وأخبر المسيو (بيجو) أن الذي أمرض أحواضه هي هذه العصي الحية: (يا مسيو بيجو، حل بين هذه العصي وبين حياض بنجرك، تحصل دائما على الكحول الكثير) وأخبر طلبته بكشفه الكبير، بأن هذه الخلائق البالغة الصغر تستطيع تخريج حامض اللبن من السكر، وقال لهم إن هذا الشيء لم يستطعه رجل ولن يستطيعه. وكتب بالخبر إلى أستاذه القديم (دوماس)، وإلى جميع أصدقائه. وحاضر فيه للجمعية العلمية بمدينة (ليل)، وكتب مقالا فيه وبعثه إلى أكاديمية العلوم بباريس
ليس في الإمكان اليوم أن نؤكد أن (بيجو) استطاع أن يمنع دخول هذه العصي إلى سكره المختمر، فهذا ليس بالأمر اليسير، ولكن (بستور لم يحفل بذلك، فكل الذي احتفل له كشف الحقيقة الآتية: (أن التخمر مرجعه الحق إلى أحياء تدق عن النظر)
وبكل سذاجة أخبر كل من لقى أن كشفه هذا كشف عجيب. كان فيه شيء من بساطة الطفولة فلم يحس بالحاجة في هذا إلى التواضع والتخاشع. ومن هذا الوقت ملأت تلك الخمائر الصغيرة دنياه. أكل وشرب ونام وأحتلم وأحب. وأتى كل هذا ولم يستغرق في شيء منه. وأتى كل هذا وخمائره إلى جانبه لا تفارقه. إنها كانت روحه التي ينبض بها
وكان يشتغل وحده، لا معين له إلا نفسه، فلم يكن له حتى خادم واحد يغسل له قواريره. وكأنى بك تتساءل فكيف إذن وجد من يومه الفراغ لاحتواء هذه الأحداث الكثيرة المتزاحمة؟ والجواب أن هذا رجع بعضه إلى نشاطه الجم، ورجعت بقيته إلى مدام (بستور). قال (رو) (إن مدام بستور أحبته حبا كادت به تفقه أبحاثه). كانت الزوجة الطيبة تخلص من خدمة أطفالها ووضعهم في الفراش، وعندئذ قد تسهر وحيدة تنتظر انتهاءه من عمله لتسوقه إلى النوم، أو كانت تجلس بجانب زوجها في اعتدال على كرسي ليس بالمريح إلى نضد صغير تكتب ما يملى من مقالات علمية طويلة، أو كانت تتركه يكب على قواريره ويفكر في أنابيبه وتظل في حجرتها تبيض ما كتب من ملاحظات كنبش الدجاج في خط واضح جميل. كان (بستور) روحها، وكان روح (بستور) عمله، فأخذت هي تذوب في روح بستور - في عمله - حتى أمحت فيه
يتبع
أحمد زكي