مجلة الرسالة/العدد 939/شوقية أخرى لم تنشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 939/شوقية أخرى لم تنشر

مجلة الرسالة - العدد 939
شوقية أخرى لم تنشر
ملاحظات: بتاريخ: 02 - 07 - 1951



للأستاذ عبد القادر رشيد الناصري

قد يعجب قراء الرسالة الكرام في كافة الأقطار الناطقة بالضاد من حبي وإعجابي بشعر خالد الذكر أمير الشعراء شوقي بك. والسبب في ذلك بسيط جدا، وهو أنني أعد شوقي القمة الشامخة في الأدب العربي، تلك القمة التي لا يدانيها أحد قط منذ أن جدد بشار حتى الآن إلا حبيب بن أوس الطائي الملقب بأبي تمام، أستاذ الشعراء في عصره، والذي أعد أثقف شعراء زمانه، فحبيب عندي من الشعراء القلائل الذين قلما تجود العربية بهم. وهو يختلف عن أبن الرومي وأحمد بن الحسين بسعة أفقه وخصب خياله وعمق ثقافته.

ومن تصفح ديوانه وقرأ شعره قراءة دراسة واستقصاء علم ما أذهب إليه. ولا أريد في هذه العجالة أن أحلل شعره، أو أشير إلى مواطن الإبداع في قصائده أو أختار له من نفائسه شيا، وإنما هي عجالة ألجأتاني إليها كلمة جاءت عرضا، لذلك لم أشأ أن أمر على شعر أبي تمام دون أن أشير إلى أياته التي أبدع فيها، وخصوصا بائيته الخالدة ومطلعها:

السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب

ورائيته:

الحق أبلج والسيوف عوار ... فحذار من أسد العرين حذار

ونونيته التي تعد في مصاف الرائية:

بذ الجلاد البذ فهو دفين ... ما إن به إلا الوحوش قطين

ومنها هذا البيت الخالد:

قد كان عذرةمغرب فافتضها ... بالسيف فحل المشرق الأفشين

ومنها هذه الأبيات:

فأعادها تعوى الثعالب وسطها ... ولقد ترى بالأمس وهي عرين

جادت عليها من جماجم أهلها ... ديم أمارتها طلى وشؤون

كانت من الدم قبل ذلك مفاوزا ... غيرا فأمست منه وهي معين

وغيرها من القصائد التي يحفل بها الديوان. هذه كلمة مناسبة قلتها وأود أن أتوسع بها في وقت آخر، وخاصة عند تعرضي لدراسة الدكتور محمد مهدي البصير عن هذا الشاعر؛ تلك الدراسة التي اشترتها من وزارة معارف العراق العمومية بـ (700) دينار وهي لا تستحق حتى المطالعة فإذا ما قلت في المقدمة إن خالد الذكر المرحوم شوقي بك قمة شامخة في الأدب العربي فأنا لا أتعدى الواقع. . وقبل أسابيع نشرت قصيدة له لم تنشر في ديوانه، واليوم أزف لعشاق شعره قصيدة أخرى عثرت عليها عند صديقي الأستاذ الشاعر خضر الطائي وهو محقق ديوان العرجى. وقد كان هذا الأستاذ قد حصل عليها منذ سنة 1930 ميلادية وبقيت في أوراقه حتى هذه الأيام. وقد نضمها أمير الشعراء شوقي بك في تكريم الأستاذ سامي شوا عازف الكمان المشهور بعد عودته من أمريكا. وهاأنذا أزفها إلى تلك الطبقة المثقفة في البلاد العربية كما زففت من قبلها قصيدته (جهاد مصر الوطني). وقبل أن أدرج لهم القصيدة نفسها التي دعاها شوقي بـ (صاحب الفن) أود أن أهمس في أذن صديقي الأستاذ علي شوقي بك وزير مصر المفوض في باريس أن لوالده رواية (الست هدى) و (البخيلة) ولا زالتا مخطوطتين! فهل من الواجب الأدبي والوطني أن نبقي مخطوطات سيد شعراء العربية في دهاليز النسيان؟! هذا ما أردت أن أعاتب به صديقي علي بك النجل الأكبر لأمير الشعراء، وعسى أن تكون هذه الكلمة منبهة له أو لأخيه الأستاذ حسين صاحب كتاب (أبي شوقي). . . لاشك أن القارئ الكريم مل من هذه المقدمة وهو يرغب في الشوقية التي لم تنشر إلا سنة 1930 في جريدة مصرية عثر عليها صديقنا الأستاذ خضر الطائي الشاعر العراقي المعروف، وهاهي:

صاحب الفن

يا صاحب الفن هل أوتيته هبة ... وهل خلقت له طبعا ووجدانا

وهل وجدت له في النفس عاطفة ... وهل حملت له في القلب إيمانا

وهل لقيت جمالا فيدقائقه ... غير الجمال الذي تلقاه أحيانا

وهل هديت لكنه من حقائقه ... يرد أعمى النهى والقلب حيرانا

الفن روض يمر القاطفون به ... والسارقون جماعات ووحدانا

أولا الرجال به في الدهر مخترع ... قدزاده جدولا أو زاد ريحانا

العبقرية فيه غير مالكه ... إذا مشى غيرهلصا وجنانا

لا تسال الله فنا كل آونة ... وأساله في فترات الدهر فنانا يا واحد الفن في أشجى معازفه ... هذا أوان الثناء العدل قد آنا

يا رب ليل سمارنا الراح فأختلف ... على بنانك للسمار ألحانا

تلك اللعيبة من عود ومن وتر ... لولا بنانك لم نجعل لها شأنا

قد أنست رحمة في الصدر فانكأت ... بجانب الإذن تستوحيك شيطانا

كأنها عش طير هاج أهله ... من كل ناحية ينساب أشجانا

ضممتها وتواصت راحتاك بها ... ضم الوليد إشفاقا وإحسانا

تملى عليها الذي توحي إليك به ... كأن داود والمزمار ما بانا

حركتها فأتاها الروح فاندفعت ... تبكي وتضحك أوتارا وعيدانا

يا طيبها حين تحدرها بحنجرة ... كخرطم النحل أرواحا وألوانا

مصرية الغير وهابية عذبت ... شدوا ونوحا وترجيعا وتحنانا

ذكرت خلقا وراء البحر مغتربا ... مآلفا وصبابات وأوطانا

غنيتهم بأغاني المهدي فالتمسوا ... في ملتقى القوس والأوتار لبنانا

ولو هتفت ببيتهوفن ما انصرفت ... لك القلوب وإن صادفت آذانا

سقيتهم من سلاف طالما دخلت ... عليهم المهد أعنابا وألبانا

فن تعطل منه الشرق آونة ... وكان شغل بني العباس أزمانا

بهذا يختم شوقي هذه الرائعة التي قالها في تكريم أمير الكمان الأستاذ سامي شوا عند عوده من أمريكا ولا أريد أن أعلق عليها بمثل ما علقت عل قصيدته السالفة، لان في العراق أقواما يسوؤهم أن يكون شوقي أعظمشعراء العربية بعد أبي تمام، فهم يريدون أن تقول - وتجازف في القول - إن الرصافي أعظم منه.

وأنا لا أريد أن أجاري هؤلاء ومنهم الدكتور مهدي البصير وبعض أساتذة الأدب العربي في العراق، لأنني أفهم منهم لمعاني الشعر ودقائقه، ولكن على الرغم من ذلك أقول إن شوقي هو الشاعر العملاق، وغيره من شعراء العراق كالرصافي والزهاوي ما هما إلا أقزام صغار؛ فهلا يعتبر الجاهلون.

بغداد

عبد القادر رشيد الناصري