مجلة الرسالة/العدد 933/رسالة الشعر
مجلة الرسالة/العدد 933/رِسَالَة الشِعْر
كفارة الدموع
للأستاذ عبد القادر رشيد الناصري
الإهداء. . .
(زينب) يا تسبيحة الطيوب ... يا همسة الحبيب للحبيب
ويا خشوع الحب في القلوب
هواك لي، كفارة الذنوب ... عطر أوتاري، وندى كوبي
(زينب) يا عطر الهوى الحبيب
يا فرحة في قلبي الكئيب
وواحة في عالمي الجديب
رحماك، هل تصغين للوجيب ... من شعري المخنوق بالنحيب
كفاك ما نكأت من ندوبي ... وما جني الجمال من تعذيبي
فنضري الحياة للغريب
ونوري ماأظلم من دروبي
يا فجر حب ليس بالكذوب
هي الخمر ضاحكة تسكب ... تلالاً كما لألأ الكوكب
ينور في الكأس ياقوتها ... فينداح من نورها الغيهب
وتعبق في الحان أنفاسها ... كما يعبق النرجس الطيب
إذا شعشعت أطلعت أنجماً ... من الدر أضواؤه تخلب
وحف بها حبب راقص ... شبيه من الماس أويقرب
يطوق من جيدها عاطلاً ... تزان به كلما تسكب
كعقد من الدرر الغاليات ... تحلت به كاعب ربرب
ثكلت شبابي الطري الإهاب ... إذا أنا للكأس لا أطرب
ولم تنتفض في عروق الدماء ... ولم يرتعش جسدي المتعب ولم أحتفل بالكؤوس الدهاق ... كما يحتفي بالصغار الأب
ثكلت شبابي، أأستافها ... عبيرا يفوح ولا أشرب
وأبصرها فوق ثغر النديم ... شهابا وسرعان مايغرب
يقبلها - يا لبؤس الجمال - ... قبيح، ويحضنها أشيب
تطوف ويتعب عشاقها ... من السهد ليلا ولا تتعب
عروس تتيه الخاطبين ... وتأبى، ومن عجب، ثيب
تقهقه إما تميل الرءوس ... وتسخر من عاشق ينحب
تدور على فتية مترفين ... صباح، يزان بهم ملعب
كما دار في أفقه مشرق ... من النجم أطلعه المغرب
أأندب عمراً كنبع يفيض ... بأفراحه وهو لا ينضب؟!
أأندب؟ يا شؤم هذي الحياة ... إذا كان مثلي من يندب
وأبي صداح هذي الرياض ... وغريدها الباسم المطرب
سأضحك عمري لا أنحب ... وللموت، للقبر من ينحب
على أي شيء أذيل الدموع ... وأعمر جفني أوأحلب
وفيم البكاء على مقفر ... من الحلم هل يمرع السبسب؟!
أأبكي على ما مل ضائع ... تولى وقد لفه غيهب؟!
وأنسى غداً وهو فجر يلوح ... لمن بات في ليله يرقب
سأغلي دموعي وإن ضامني ... زمان بأصحابه قلب
أجوع وهذي ثمار الفتون ... تصيح على الجائعين أنهبوا؟
وأظما وسلسال نبع الجمال ... يغص به كل من يشرب؟
عرائس من ناضجات الجنى ... ينوء بها الثمر الطيب
تدلت عناقيدها واستوت ... على سوقها فتنة تخلب
يجن ببهجتها الناظرون ... ويبهرهم حسنها المغرب
تمنيت لو كنت ناطورها ... وهيهات هيهات ماأطلب
دمي وشعوري وزهو الصبا ... إلي قدسها بعض ما أو هب أطوف بمحرابها خاشعا ... وأهفوا إليها ولا أقرب
لمن فجر الله هذي العيون ... إذا أنا عن وردها أنكب
مآرب كم حققت في الخيال ... وفي الصحو ما حقق المأرب
ولو وهب الحسن لي قلبه ... لأفنيت عمري له أدأب
تباركت يا رب، هذا الجمال ... صداك، إليك به، أقرب
عبدتك فيه ولكنه ... جفاني، وخلفني أندب
وأو صد دوني بستانه ... كأني في ساحة مذاب
أأطرد عن هيكل لم يزل ... فؤادي على بابه يشعب؟!
أحبي جرم، وهبني أسأت ... أما آن أن يصفح المعتب؟
رضيت هواني في عزه ... وكل عذابي به يعذب
وأني فراشة نور الجمال ... وهيهات عن ناره أهرب
أأهوى الجمال وأشقى به ... ولو أحظ يوما بما أطلب
كأن لم أذوب على جمره ... فؤاداً بأشواقه بلهب
ولم أنفت الشعر ملء لحياة ... أغاريد أصداؤها تطرب
ولم أرسل المرقصات الحسان ... سواحر حسادها تتعب
علام أذاد، ويحضى به ... سواي وقد ضاق بي المذهب
وأتي هزار الهوى والشباب ... وقيثارة المبدع المطرب
وقد فجر الحسن في مهجتي ... معينا من اللحن لا ينضب
سألتك بالسحر في الفاترات ... عيون الظباء لها تنسب
وبالجسد الرخص إما أنثني ... وما على وقعه المنكب
وبالنافحات عبير الصبا ... ونواهد قد زفها الموكب
وبالمرسلات نجاوى القلوب ... أحاديث يشتاقها المعجب
ألا واحة في هجير الحياة ... يموت بها الظمأ الملهب
أفيء إلى ظلها والهاً ... فأنسى خطوبا بها أنصت
وأخلع عن عاتق الهموم ... وما ينشر الدهر أويسحب خلي الفؤاد من المؤلمات ... فلا ما يسيء وما يتعب
كطفل سعيد بأعوامه ... وآماله أبداً لمعب
وقد واكبته طيوف الهنا ... وهش له الزمن الطيب
ولا كدرت صفو أحلامه ... ليال ولا رنق المشرب
حياتي، بعد جفاف الفؤاد ... فراغ يشابهه السبسب
يموت به المرح المستطاب ... ويحيا به العدم المرعب
ويستيقظ اليأس من جوعه ... ويصرخ جرح الظما الملهب
فلا اللهو رف على روضه ... ولا طاف في أفقه كوكب
لقد غاض فيه معين الشباب ... وجف به روضه المعشب
يمر عليه الربيع الضحوك ... فيفزع منه ولا يقرب
كمقبرة، ما لأصدائها ... مجيب، ولا بومها ينعب
جفتها الظنون فلا هاجس ... يمر، ولا شبح يسرب
سوى الدور، جال بأنحائها ... ونام على بابها العقرب
فؤادي بعد جفاء الحبيب ... يباب، وهل يمرح المجدب
وكيف ستزكو الرياض التي ... جفاها غمام الهوى الصيب
عزاءك يا قلب بالذكريات ... فمنهن قوتك والمشرب
وصبرا إذا ملك الأقربون ... وخان هواك الذي يحدب
وداوجراحات حب عفا ... وأقفر روض له مخصب
وكن حذرا من هواك الجديد ... فبرق سماء الهوى خلب
ألم تبله في قلوب الحسان ... يطوف وسرعان ما يذهب
فلا تخدعنك الوعود العذاب ... فكم مدمع بالهوى يكذب
شبابي، يحن إلى روضة ... معطرة طيرها يصخب
أجوس بأرباضها حالماً ... وتحت أماليدها ألعب
أو دع فيها لغوب الحياة ... ومن فيض ينبوعها أشرب
مللت طوافي وراء السراب ... وخلفي وهمي لا يتعب أو رح وأغدوا بلا ما مل ... ويا ويح من ليله يحطب
فأين (هنائي) أين التي ... على جمر أشواقها ألهب
فيا عدمي أنت أنت المنى ... ويا عدمي أنت لي ما رب
ويا أيها المترفون اللطاف ... إلى، إلى ولا ترهبوا
فلست أهاب انتشار الحديث ... وإن أو لوه وان أطنبوا
أسيان من خاض هوج الخطوب ... شجاعاً إلى موته يركب
ومن عاش في رفرف حالماً ... يخاف، ومن ظله يهرب
(أزينب) يا سحر هذي الحروف ... إذا ينطق القلب يا زينب
أيا كوكباً في سماء الخيال ... ينير وسرعان ما يغرب
مررت بقلبي مرور النسيم ... فخلفت فيه هوى ينحب
تملكني اليأس هيا أشرقي ... على فقد لغني الغيهب
أناديك، وهل تسمعين النداء ... وقد بح صوتي يا زينب
بغداد - أمانة العاصمة
عبد القادر رشيد الناصري