مجلة الرسالة/العدد 933/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 933/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 933
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 21 - 05 - 1951



صوت القطيع

لم ترهبين السير أيتها الحائرة البلهاء وتتهربين، وتصمين أذنيك

الحادي المسحور عندما يبتغي إدخال بعض النور وقت اشتداد الكروب

ليسهل السير ويمضي القطيع؟ لم تهربين من الجمع الصاخب وسط

الطريق، وترفعين عن اللغو والصخب المحبوب عند الجموع، أو

تمضين في الفقر المجدب وسط الهجير، بلا غاية ترجين أو ترقبين؟

ويدمي خطاك الشوك عند المسير، وتكتوي بالهجير منك الضلوع، وترهبك الأشباح عند اشتداد الظلام، وتفزعك الأصوات وقت هبوب الرياح، ويوحي لك الليل بشتى الهموم.

سيرى مع الجمع الراكض خلف (الحداء) واستقبلي الأضواء في فرح الكاسب بعض العطاء وصفقي للنور مهما بدا خافتاً، وأنسي شقاء السير واستبشري، وتوهمي الراحة بعد العناء!

هيا مع الجمع لا تعبئ بالشوك بين الخطى، فلن تشعري بالوخز بين القطيع، ولن تفزعي من الليل بين القفار، ولن تشعري بالوخز بين القطيع، ولن تفزعي من الليل بين القفار، ولن تهلعي للريح بين الصخور، ولن تصل الشمس وحر اللظى، إلى مستظل بظلال الجموع.

هيا ولا تأسي لغبن مضى أوشقاء مرير، ولا تغبطي السائر تحت الظلال، ولا تحسدي اللاهين قرب الغدير، فالكل مرفوع وراء (الحداء) إلى عالم المجهول لا يعرف سر المسير؟ هيا فلن يبقي شقي أو سعيد، ولن يأخذ المغبون معه الشقاء، وسوف يلقي الكل أعباءهم بعد حين، ويلتقي الباكي مع المسعدين، ويملأ الصمت مكان الضجيج وتطمس الريح خطى الذاهبين!؟

آنسة أمينة فطب

أبدل به وأبدل منه (ويجوز إبدال ورقة امتحان اللغة الأوربية بورقة إضافية في اللغة العربية).

هذه العبارة التي جريدة (المصري) في قانون التعليم الجديد لم يرض بها كاتبنا الكبير الأستاذ عباس خضر، فخطأها في (كشكول) الرسالة في العدد (932). . والذي أفهمه أن (أبدله من كذا). فالحرف (من) يدخل على المتروك و (الباء) تدخل على مقابله، قال ابن مالك: (فأبل الهمزة من وأووباء) وجاء في المصباح: (أبدلته بكذا إبدالاً: نحيت الأول وجعلت الثاني مكانه)، وعلى هذا فعبارة (المصري) صحيحة لأنها تريد تنحية الأولى وجعل الثانية مكانها. . وباستعراض المادة في القاموس المحيط نرى: تبدله وبه، واستبدله وبه، وأبدله منه، اتخذه منه بدلاً) ولم يورد (أبدل به) بمعنى (أبدل منه). . ولست بحاجة إلي مثل أقرب الموارد أو غيره من كتب اللغة، حيث ورد في إحداها وهو (المصباح) ما ينفي الخطأ عن عبارة (وزارة العلم) في جريدة المصري. .

. . هذا رأي. . تطيب نفسي بأن يبدل بغيره ما وجد الأستاذ الكبير له معتمداً من التخريج والبيان، وإليه مني تحية خالصة.

محمد محمد الأبشبهي

مواكب الذكريات:

الشعر اليوم في ركود، ودولته الآن غير مرفوعة اللواء، وسوقه كاسدة، قلت بضاعتها وقل الممتارون منها لأنفسهم؛ وأصبحنا نتلمس مواكب الشعراء التي كانت فنجدها قد توارت، أو اكتفت بجنبات غير مرئيات، وغدا المرء إذا رأى ديوان شعر يبدو في عالم الأدب أقبل عليه وفرح به وذهب ينشد ما كان يلقاه بالأمس من روعة الشاعر وفتنة الشعر. . .

وهذا ديوان جديد، هو (مواكب الذريات) للشاعر الماجد الأستاذ حسن عبد الله القرشي كبير المذيعين بمحطة الإذاعة العربية السعودية، تناولته فإذا المظهر الرشيق والفن الدقيق والحلة الفاتنة والطبع الأنيق، ولكن ذلك لم يستمهلني طويلاً، فأنا طلاب مخبر لا مظهر. . ووجدت الزيات العظيم - وهو ضنين بالثناء على غير أهله - يطوق جيد الديوان بعبارته الموجزة البليغة: (في (مواكب الذكريات) نفحات من الحجاز، ولمحات من قريش، ونغمات من ابن أبي ربيعة، وإن في أولئك كله الدليل على أن مشارق النور لا تزال تهدى، ومنازل الوحي لا تزال تلهم)!. .

ثم وجدت الشاعر الفرد يعرف طريقه حين يقول في مقدمته، (وليس من ريب في أن الشعر القمين بالخلود هو ما كان مرآة لنفسية قائلة، هذه المرآة تريك صورة من تجارب الشاعر، وملابسات بيئته وعصره، وظلال الأجواء التي يستوحي منها شعره، ولابد أن تكون صادقة في التعبير عن ملامح فنه، وأن تستمد صدقها الفني من حرارة العاطفة وتوهج الشعور، ووضوح التجربة وتفاعل الثقافة).

وذهبت أتلمس الشواهد على ذلك الذي قال فإذا هي مائلة في الديوان، وإذا هي كثيرة، وإذا هي تدل على عراقة في الشعر برغم قصر العهد، وشاعرنا في نضرة الشباب الآن، وإذا هي تنبئ عن مستقبل يفيض بالخير العميم في ميدان الإنتاج الشعري، فلو تضافرت جهود الشعراء من طراز ذلك الجهد، مع التجويد والتعبيد، لا ينتظرنا للشعر دولة تقوم فتعيد الإيمان به كركن من أركان الأدب الرفيع، على أني كنت أطمع أن أجد في الديوان السيل الغامر من (الإسلاميات) و (الدينيات)، ولا عجب في هذا الطمع، فالشاعر حجازي قرشي، وهو نفسه يقول في الديوان: (من روابينا هفا نور النبوة)؛ ولقد وجدت قطرات مما أريد متناثرة خلال الديوان، وكنت أطمع في المزيد، ولكن يظهر أن شبيبة الشاعر هي التي أوحت إليه أن يهيم في أو دية الجمال والخيال، وأن يستجيب لهفوات الجلوات والصبوات، وما في ذلك من عاب، فالعندليب الصداح اليوم بالهوى والشباب، سيكون له في العروبة والإسلامية غدا كتاب وأي كتاب.

للشاعر الغرد كريم التحيات، ولديوانه الجديد صادق التقدير!. .

احمد الشرباصي

المدرس بالأزهر الشريف

من صور الحياة

لي صديق عرف بالتقوى، جاءني مرة عابس الوجه قائلاً: أن أشد ما يؤلم النفس ويضعف الهمة أن يهدر الحق وتنطمس معالمه، وقد يزول أثره ثم يقام على أنقاضه الباطل على هوانه ليصبح على ضعفه مدوياً! قلت وما ذاك؟ فقال: ذلك أن من يعتز بشخصيته ويتفانى في أداء واجبه غير حاسب لأحد حساباً سوى ضميره والخوف من الله تعالى؛ غير مرضى عنه لأنه غير سائر في ركب الحياة الدراجة غير ماهر في التزلف والنفاق، بل لم تطبعه الأيام بطابعها الذي يبتسم بالرياء والمداهنة. . .

تلك هي جنايتي! ولا يكون من ورائها إلا أنني - على اجتهادي - أقل من غيري نجاحا في عملي، وفي هذا قلب للحقائق وتمويه شنيع مما يجعلني أسائل نفسي: أليس هناك تقدير، أليس هناك ضمير؟ ثم حيرتي بل حزني بين ضميري وواجبي!

عند ذلك أسفت واعترتني دهشة بل حسرة ثم نظرت إليه بهدوء وقلت: استعن بالله ولا ضير عليك ما دمت تعمل ما يرضي الله وضميرك، ولا يحزنك ما تراه من غمط الحق فالحياة هكذا وتصاريف الأقدار على الرقاب؛ كل يوم ذات لون جديد يحير العقول والإفهام!

ثم تدور الأيام ويذهب ذلك العهد إلى غير رجعة ويأتي عهد جديد تقدر فيه القيم، ولا ينظر فيها غير العمل المنتج والشخصية التي تعمل بهدوء وبدون ضوضاء.

وهكذا يقابلني صديق منبسط الأسارير منشرح الصدر قائلاً من فوره: قد انقشعت الغمة وزال، ومضى ذلك العهد البائد، عهد التزلف والنفاق، وفتح عهد جديد يشيد بالحق نوعا ماً.

فقلت له: على رسلك! لا تفرح الفرح كله، فسترى بعد ذلك ما يسرك أكثر مما ترى ثم ما يبغضك ثم ما يرضيك، وهكذا دواليك وفي ذلك المعنى الحقيقي للحياة في تناحرها الدائم!

ثم نظر إلى بعد أن لاذ بالصمت برهة قائلاً: أصحيح ما تقول أيها الصديق؟ فقلت له: لعلك - يا أخي - لم تجرب الحياة بعد وقد يكون ذلك لقرب عهدك بها أو لقرب عهدها بك، فستراها أمامك واسعة رحيبة مرة ثم تراها أضيق من سم الخياط! فلا تحزن الحزن كله؛ بل لا تفرح الفرح كله!!

محمد منصور خضر

الغزى ليس من الحنابلة:

قرأت ما كتبه الأستاذ الجليل إبراهيم الابياري في مجلة الرسالة الغراء عدد 931 عن طبقات الحنابلة لابن رجب؛ وقد قال ومالي أنسى أن الغزي الحنبلي انتهى في طبقاته إلى سنة 1027 وأن الشطي وصلها إلى سنة 1325 أقول وهل يسمح لي أستاذنا الجليل أن أذكر ملاحظة صغيرة عن الغزي - الآنف الذكر - إذ أنه قد حنبلياً وهو ليس كذلك، بل هو شافعي وكان مفتي الشافعية في زمانه وقد ذكره الشطي في مختصره ص 145 قوله (ولنذكر قبل الشروع في ذيلنا نبذة مترجمة سلفنا الغزي المشار إليه كما فعل هو سلفه عند استفتاح ذيله، وذلك تنويها بفضله وشكراً صنعه، وإن يكن غير حنبلي فإنه أخذ عن الحنابلة وخدمهم جزاه الله خيراً بما لم يخدموا به أنفسهم فنقول ملخصين ترجمته عن تاريخنا روض البشر في أعيان القرن الثالث عشر الذي عنينا بجمعه منذ سنة 1323 (هو أبو الفضل كمال الدين محمد بن محمد الشريف بن شمس الدين محمد بن عبد الرحمن زين العابدين بن زكريا بن بدر محمد بن رضي الدين بن محمد رضي الدين أيضاً بن شهاب الدين احمد الغزي العامري والدمشقي واحمد هذا هو جد بني الغزي الأعلى الذي جاء من غزة هاشم إلي دمشق سنة 770 وتوفي سنة 822 الشيخ العالم الفاضل الفقيه الفرضي الأديب مفتي الشافعية بدمشق وأبن مفتيها صاحب التصانيف الفائقة، والمجامع الرائقة، ولد بدمشق في تاسع عشر جمادي الثانية سنة 1173 وولي إفتاء الشافعية بدمشق بعد وفاة والده في محرم سنة 1203 وألف مؤلفات لطيفة أغلبها في التاريخ والأدب، فمنها هذه الطبقات التي سماها (النعت الأكل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل) ورتبها على ثلاث عش طبقة كل طبقة لخمس وعشرين سنة من أو القرن العاشر، مصدره بمقدمة ذكر فيها سبب التأليف وشيوخه من الحنابلة) ألح وتحيتي للأستاذ الجليل.

عبد العزيز المانع