مجلة الرسالة/العدد 930/الحاج خواجة كمال الدين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 930/الحاج خواجة كمال الدين

مجلة الرسالة - العدد 930
الحاج خواجة كمال الدين
ملاحظات: بتاريخ: 30 - 04 - 1951


2 - الحاج خواجة كمال الدين

(1870 - 1932)

للأستاذ أرسلان بوهدانووكز

بقلم الأستاذ علي محمد سرطاوي

مسجد وكنج:

لقد اتصل به وبصديقه ورفيقه الشيخ نور أحمد، أن في ضاحية وكنج التي تبعد خمسين ميلا عن لندن، مسجدا لا يشغله أحد ويكاد يصبح أنقاضا لقلة العناية به. ولقد بنت هذا المسجد صاحبة العظمة أميرة بيهوبال بناء على رغبة المرحوم الطيب الذكر الدكتور هنري ليمر، المستشرق الذي شغل في بعض أوقاته في الهند منصب المسجل في جامعة البنجاب، وبعد موته لم يعن أحد من ورثته بالمسجد فآل إلى الخراب عام 1912، فاغتنم الشيخ أحمد نور وخواجة كمال الدين الفرصة واحتلا المسجد ولكن ورثة الدكتور ليمر طلبا إليهما إخلاءه فاستجار المسلمان المجاهدان بالسير عباس الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب العضو المسلم في مجلس سكرتيرة حكومة الهند، فأوجد لهما التبرعات والمساعدات التي أرضت ورثة الدكتور ليمر، ولما أقبلت سنة 1913 كان خواجة كمال الدين إمام المسجد المسؤول عن إدارته، واستقر على مقربة منه في سكينة وسلام بقية الأيام التي عاشها في بريطانيا، ونقل مركز نشاطه إليه وسماه مسجد الشاه نسبة إلى جده حاكم بهوبال الحالي، وافتتح للمرة الأولى منذ تشييده للمصلين.

مجلة إسلامك ريفيو:

أبتدأ منذ سنة 1912 ينشر على نفقته الخاصة مجلة شهرية سماها (إسلامك ريفيو)، ما لبثت أن لاقت انتشارا واسعا في جميع بلاد المسلمين، حتى في النائية جدا منها. لقد بلغنا أن هذه المجلة الإسلامية واسعة الانتشار في الشمال الشرقي من التركستان الصينية. وفي السنة التالية أصدر مجلة باللغة الأردية ليقرأها المسلمون في الهند سماها (رسالة لإشاعة الإسلام) وظل يشرف على تحريرهما حتى لبى نداء ربه عام 1932.

نشاطه قال الدكتور يميني رئيس الجمعية الإسلامية في زانغون في بورما من خطاب ألقاه في مسجد وكنج أثناء حياة خواجة كمال الدين (لقد جذب محاضراته المتعددة، ومواعظه التي تحرك العواطف، قلوبا مستعمية، وراحت تلك الخطب والمواعظ تصل إلى كل جزء من الجزيرة البريطانية، في صور متنوعة من الكتب الصغيرة)

ولم يمض وقت طويل على نشاطه الجبار، حتى اعتنق الإسلام أكثر من ألف رجل وامرأة من الإنجليز، ومن بين هؤلاء المسلمين شخصيات مشهورة كاللورد هدلي، بدأ حملته التي كانت تهدف إلى بناء مسجد (نيزاميا) في لندن؛ فتألفت لجنة برآسة اللورد هدلي كانت سببا مباشرا في تأسيس الجمعية الإسلامية في بريطانيا العظمى في لندن، وافتتحت أبوابها للمسلمين من أنحاء الأرض وبقى اللورد هدلي رئيسا لها حتى توفاه الله إلى رحمته عام 1935.

إن نجاحه العظيم في مثل هذا الوقت القصير ليدعو إلى الدهشة والإعجاب. ففي عام 1925 رافقه اللورد هدلي في حجه الثاني إلى مكة. والآن وبعد سبعة وثلاثين عاما من هذا الجهاد المقدس، قد لا نستطيع أيضا إدراك المتاعب التي كان يلاقيها من يدعو للإسلام في إنجلترا قبل الحرب العالمية الأولى. ولعل مولانا محمد علي - مترجم القرآن الكريم إلى الإنجليزية ورئيس الجمعية الإسلامية في لاهور بالباكستان - استطاع في ذلك الوقت وصف هذه المصاعب حين قال: (هنا كان إنسان من شعب محكوم في طريقه إلى الأمة التي حكمت بلاده، يتجه من بلاد مازالت تعد في أسفل درجات سلم الحضارة إلى بلاد تقف على قمة ذلك السلم، ليحول سكان هذه البلاد الراقية، إلى دين قومه؛ يحول الناس عن الديانة التي تعتبر عاملا أساسيا في تقدم أوربا في الناحية العلمية والمادية والسيطرة على الدنيا، إلى ديانة أصبحت لديهم مرادفة للانحطاط والجهل والذل).

نشاطه الأدبي:

لقد كان بعيد النظر حين بقى بعيدا عن السياسة، ولم يرفع عقيرته حتى رأى الخطر يقترب من الإسلام، ولكنه كان لا يسكت إذا مس إنسان الإسلام من قريب أو من بعيد. ولذلك ألف كتابين في الرد على بعض الجماعات الإنجليزية حين تعرضت للإسلام وهما: (الهند في الميزان) و (البيت المقسم).

وفي سنة 1917 اتخذ العدة لطبع ترجمة محمد علي للقرآن - في وكنج، وهو عمل له خطورته البالغة في ذلك الوقت. أما آثاره الأدبية فتزيد على مائة كتاب معظمها عن الإسلام والأمور الدينية الأخرى ومن خير مؤلفاته:

(1) مصادر الديانة المسيحية (2) النبي المثالي (3) نحو الإسلام (4) إنجيل العمل

نعمته في دراسة القرآن الكريم:

وزيادة على ما ألف، فقد كان يعد كتابا ضخما سماه (تعليقات على القرآن الكريم) الذي لم يتمه، وكانت سعة إطلاعه على القرآن موضع إعجاب معاصريه وتقديرهم. فلقد قال عنه الشيخ حسن مشير كداوي: (إن قوة خواجة كمال الدين كانت تنبعث من الكتاب المعجز - القرآن الكريم، لقد درس القرآن دراسة عميقة على الرغم من أنه من غير العرب، وكل أحاديثه كانت مستمدة منه) وقال عنه اللورد هدلي: (لم يسبق لي أن رأيت إنسانا قبله، في مقدوره التعبير عن آيات الله المعجزات في سهولة لم يتحها إلا للأنبياء والمرسلين).

محاربة الطائفية:

وميزة كبرى من ميزات خواجة كمال الدين هي أنه - وهو يدعو لنشر الإسلام - قد نجح إلى حد بعيد في إزالة النعرات الطائفية من نفوس المسلمين الذين كان يتصل بهم، وقد وصف هذا العمل تلميذه ومساعده المستر يعقوب خان، رئيس تحرير صحيفة (ليت) التي تصدر الآن في الباكستان باللغة الإنجليزية بقوله: (لا طائفية في الإسلام)، كانت هذه الجملة شعاره في الحملة التي قام بها خواجة كمال الدين، فأصبحت وكنج ملتقى الطوائف من المسلمين من السنيين، والشيعة، والوهابيين، والأحمديين؛ يجتمع كل أولئك إخوانا على سرر متقابلين، فكان منظر هذه الوحدة موضع إعجاب الإنجليز، وهو بعمله هذا قد ضرب مثلا رائعا للمسلمين فمهد بذلك الطريق إلى نهضة الإسلام التي تأخذ طريقها إلى عالم الوجود.

نشاطه في أوربا:

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أخذ تأثيره يمتد إلى ما وراء الجزيرة البريطانية؛ حتى عم جميع أوربا، فكان معروفا في فرنسا، وألمانيا، وبلجيكا التي زارها عدة مرات. وكان من أثر الدعوة إلى الإسلام باللغة الإنجليزية في بريطانية أن تأسيس مركز في برلين للجمعية الإسلامية الباكستانية، ولم تمض نهاية سنة 1920 حتى شيد مسجد في عاصمة الألمان على نفقة تلك الجمعية، وتأسس في باريس مسجد آخر من تأثير خواجة كمال الدين، لأن فرنسا - وهي دولة استعمارية تحكم عددا من المسلمين - لا تحب أن تسبقها بريطانيا وألمانيا في هذا المضمار. أما أقطار أوربا الأخرى، فنعرف أن تأثيره أمتد حتى شمل بولندا، فترجم أحد مؤلفاته عن الإسلام إلى اللغة البولندية في نهاية عام 1930.

نشاطه في بلاد الإسلام:

لقد امتدت جذور نشاطه في بلاد الإسلام أكثر من امتدادها في أوروبا، وخاصة في أفريقيا وآسيا، القارتين اللتين تعرضتا لتيار عنيف من الثقافة البريطانية، فكانت مجلته إسلامك ريفيو تلاقي انتشارا واسعا بين المسلمين. وقد زار عدة مرات بلاد الإسلام وخاصة في مواسم الحج حيث زار الأماكن المقدسة حاجا مرتين، عام1910، و1923. ثم قام برحلة طويلة وصل بها إلى سنغافورة وجاوا، وكان يقابل بالترحاب في كل دولة وخاصة في مصر المضيافة العظيمة، إذ استقبل فيها استقبالا حارا، واستمعت إلى فصاحته جماهير غفيرة من المسلمين وهو يتدفق كالسيل عن الدين الحنيف.

أيامه الأخيرة

أخذت صحته تنهار حوالي سنة 1927 من جراء نشاطه الجبار، وعمله المضني، فترك إنجلترا راجعا إلى مسقط رأسه في بلاد الهند. وقبل أن يغادر بريطانيا ألف مجلس أمناء لرعاية المسجد، ووقف جميع ما يملك، وتقدر قيمته بمائة وخمسين ألف روبية، على الجمعية الإسلامية في وكنج، وحول إلى هذه الجمعية كافة الحقوق المتعلقة بطبع مؤلفاته أو ترجمتها، وكذلك مجلة إسلامك ريفيو.

وزاد عليه المرض وألح، فانحطت قواه، وراح يعاني آلاما مبرحة من أمراض صدرية احتملها بصبر عجيب وجلد نادر، مدة خمس سنوات. وعلى الرغم من تعاليم الأطباء المشددة بوجوب الإخلاد إلى السكينة، فإنه لم يرتح دقيقة واحدة، وعلى الرغم من عدم استطاعته حمل اليراع، فقد كان يملي البحوث الضافية، والمقالات الرائعة، حتى الكتب، عن إسلام. وقبل موته بساعات في مدينة لاهور بالباكستان في الثامن والعشرين من ديسمبر سنة 1922 الموفق أول رمضان عام 1351 هجرية أملى آخر فقرة من تعليقه على القرآن الكريم، وقد نشر ذلك التعليق في عدد إسلامك ريفيو الصادر - في إبريل - عام 1933. وحتى النفس الأخيرة من تلك الحياة المجيدة، عمل جاهدا في سبيل الإسلام ومات وكان آخر الكلمات التي ودع بها الدنيا تدور حول الجهاد العظيم في مسجد وكنج تحت راية الإسلام. رحمه الله رحمة واسعة.

للكلام صلة

علي محمد سرطاوي